توصف بأنها “رئيس الوزراء الفعلي” في “إسرائيل”، بينما ينعتها البعض بلقب “المرأة الحديدية”، مع إثارة دائمة للجدل والانتقادات داخل أروقة الصحافة العبرية، واتهامات كثيرة تلاحقها بالفساد والرشوة وإساءة معاملة الموظفين.
بين الحين والآخر تعود سارة شموئيل أرتسي، المعروفة بسارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى واجهة الأحداث في “إسرائيل”، ويظنّ البعض أن ذلك مرتبط بحرب غزة وتداعياتها السياسية، وموقف سارة من ضباط الجيش وعائلات الأسرى وتدخُّلها في تعيينات حكومية، بينما الحقيقة أن نفوذ زوجة نتنياهو هو الملف “القديم الجديد”، لامرأة لا تحمل أي صفة سياسية سوى أنها “السيدة الأولى”.
“سارة لكل شيء”
وإذا كانت سِيَر “السيدات الأُوَل” في عدة دول من العالم، تثير عادةً موجات الانتقاد وتغري أقلام الصحفيين بالكتابة عنهن، فإن سارة توصف بأنها “الأكثر إثارة للجدل” على الإطلاق في تاريخ الكيان، وربما في العالم، مع نفوذها السياسي الذي تجاوز مرحلة “النصح أو التدخل العابر” لزوجها، ليصل إلى مرحلة الضغط أو ما يمكن وصفه بـ”حكومة الظل المسيطرة”.
بحسب المعلومات الواردة في الموقع الرسمي لديوان رئاسة الوزراء في “إسرائيل”، وُلدت سارة نتنياهو في نوفمبر/ تشرين الثاني 1958، في بلدة طيفعون قرب حيفا شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة. والدها هو شموئيل بن أرتسي، وهو شاعر وكاتب ومن أقدم المعلمين في “إسرائيل”.
بعد إنهاء دراستها الثانوية عملت مراسلة لأسبوعية “معاريف الشبابية” الخاصة بأبناء الشبيبة، ثم أدّت خدمتها العسكرية في الجيش بين عامَي 1977 و1979، بصفة عاملة اختبارات سيكولوجية في إطار هيئة الاستخبارات العسكرية، وأكملت تحصيلها في دراسات علم النفس في جامعة تل أبيب بين عامَي 1979 و1984، وهي لا تزال تمارس عملها بصفتها “عالمة نفسانية متخصصة في الأطفال”، بحسب الموقع نفسه.
“سارة لكل شيء: الدور الفعلي لزوجة رئيس الوزراء”. هذا العنوان نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية قبل أقل من شهر، وتحدثت فيه عن السطوة الكبيرة لسارة نتنياهو في حكومة زوجها، لدرجة قالت فيها الصحيفة: “لا يمكن للدولة أن تتحملها”.
وكانت القضية المحددة هي اعتراض سارة على تعيين الوزير السابق جدعون ساعر، وهو أحد السياسيين المعروفين بمنافسة زوجها ويرأس حزب “أمل جديد”، وزيرًا للدفاع بدلًا من يوآف غالانت، حيث وصفتهما معًا بأنهما “خائنان”.
وتمضي الصحيفة بالقول إن انخراط سارة نتنياهو في شؤون زوجها والدولة لم يولد في حرب “السيوف الحديدية” بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، موضحة أن هذا “الاختراق” حصل مع قرب نهاية ولاية نتنياهو الثانية، في عام 2013.
وأضافت: “في حين أنه ليس هناك شك، وليس أمرًا سيّئًا أيضًا، أن يتشاور القادة المنتخبون في جميع أنحاء العالم مع عدد قليل من الأشخاص الذين يثقون بهم حقًا ويتطلعون إليهم، فقد تحولت قضية الزوجين نتنياهو أمام أعيننا وآذاننا إلى نظام سياسي جديد”.
حاكمة بلا منصب
خلال العام الأخير، أثارت سارة الرأي العام ووسائل الإعلام في “إسرائيل” أكثر من مرة، لعلّ آخرها قضية التدخل العلني في رفض إدخال جدعون ساعر في حكومة زوجها، ورفض تعيينه وزيرًا للدفاع، وهو ما حصل بالفعل، حيث اكتفى نتنياهو بتعيين جدعون وزيرًا بلا حقيبة.
في يناير/ كانون الأول الماضي، تحدثت تقارير في الصحافة العبرية عن مساعي سارة لإقالة المتحدث باسم الحكومة إيلون ليفي، بسبب انتقاداته السابقة لبنيامين نتنياهو، وبسبب مشاركته في الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي في “إسرائيل” عام 2023، قبل أسابيع قليلة من عملية “طوفان الأقصى”، فيما قرر المسؤولون التقليل من ظهور ليفي تلبيةً لرغبة زوجة نتنياهو، وكان من المتوقع إقالته من منصبه في غضون أسابيع قليلة.
غير أن الاحتجاجات التي خلّفها الخبر أجبر الحكومة على التراجع عن إقالته، إذ أثارت القضية ردود فعل عنيفة، وطلب رئيس حركة “جودة الحكم في إسرائيل” إلياد شراغا، من المستشار القانوني للحكومة إصدار إرشادات تحدد المجالات التي يُسمح لزوجة نتنياهو فيها بالتدخل في الشؤون الحكومية.
وقال شراغا: “لا يحدد القانون أي وضع عام أو مجال مسؤولية لزوجة رئيس الوزراء، حتى هذه اللحظة لم تخضع السيدة نتنياهو لاختبار الناخبين ولا تشغل أي منصب عام، وبالتالي لا يمكنها التدخل في أي شيء لم يتم تحديده لها على وجه التحديد للتدخل فيه. إن دولة إسرائيل ليست دولة ملكية، وزوجة رئيس الوزراء ليست ملكة”.
لكن هذا لم يستمر طويلًا، إذ أُقيل ليفي بالفعل في نهاية مارس/ آذار الماضي، على خلفية شكوى تقدمت بها الخارجية البريطانية، بسبب ردّه على حديث وزير الخارجية ديفيد كاميرون عن إدخال المساعدات إلى غزة. ربما تأخرت إقالته شهرين بعد مساعي سارة، لكنها حدثت بالفعل.
ولفهم الآلية التي تتحكم بها سارة بقرارات حسّاسة في الحكومة الإسرائيلية، نقل موقع “فوربس إسرائيل”، خلال تقرير صدر في العام 2013، عن أحد المصادر التي عملت سابقًا بشكل قريب جدًّا من عائلة نتنياهو، قولها: “إن سارة لا تشارك بشكل مباشر في اتخاذ القرارات الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية. فهي لن تقرر أو تتدخل في القرارات المتعلقة برفع ضريبة القيمة المضافة أو مهاجمة إيران، لكنها بالتأكيد تشارك في اتخاذ القرار بشأن من هم الأشخاص الذين سيتخذون قرارات مهمة للغاية، ومصيرية في بعض الأحيان”.
وأوضح التقرير الذي حمل اسم “ثقب النفوذ الأسود.. هكذا أصبحت سارة نتنياهو أقوى امرأة في إسرائيل”، في تفسير هذا التدخل، أن جزءًا كبيرًا من التعيينات حول رئيس الوزراء -وليس فقط في مكتبه- تمرّ عبر سارة نتنياهو. “المناصب الرئيسية في المكتب المهم في إسرائيل، وكذلك المناصب الصغيرة في الخدمة المدنية. إنها تتدخل على جميع المستويات”.
عقد “سرّي” للسيطرة
لطالما أثارت سيطرة سارة الواضحة على قرارات زوجها السياسية والإدارية، لا سيما مسألة تعيين الوزراء ومديري جهاز الموساد، تساؤلات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، دون الوصول إلى إجابة قاطعة عن هذا الملف، إلى أن أُثيرت في العام 2021 قضية فجّرها المدير العام السابق لمعهد التصدير دافيد أرتسي، قال فيها إنه حصل على معلومات من المحامي دافيد شامرون (وهو ابن عم نتنياهو) عام 1999، تفيد بأن نتنياهو وقّع عقدًا سرّيًا، منح فيه زوجته السلطة الكاملة في إجراء التعيينات والقرارات المهمة في الدولة.
ويقول أرتسي في شهادته كذلك، إنه بموجب العقد المؤلف من 15 صفحة لا يسمح لرئيس الوزراء نتنياهو بالسفر طوال الليل من دون زوجته، وإنه في حالة الإخلال بالعقد ستنتقل جميع ممتلكاتهم المشتركة إلى ملكية زوجته سارة.
وكان من المتوقع من الزوجين نتنياهو أن ينفيا بشدة هذه الأنباء، ويرفعا دعوى قضائية ضد أرتسي، رغم أن تاريخ شهادته يأتي بعد عدة سنوات من اعتراف نتنياهو عام 1993 بخيانة زوجته سارة عقب زواجهما بعامين.
وذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن سارة وافقت على البقاء معه بشرط توقيعه اتفاقًا قانونيًا سرّيًا، يمنحها سيطرة شاملة على جوانب أساسية من الشؤون الوطنية الإسرائيلية، ويتضمن هذا العقد أحكامًا تسمح لها بالجلوس في اجتماعات سرّية للغاية، والتوقيع على تعيينات رؤساء وكالة الاستخبارات الموساد، وجهاز الأمن الداخلي الشاباك، والجيش الإسرائيلي.
أكثر امرأة مكروهة في “إسرائيل”
ومهما كانت حقيقة التزام نتنياهو بعقد سرّي وقعه مع زوجته سارة، فليس هناك شك في أن نتنياهو “ملتزم بشدة تجاه زوجته”، ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن بن كسبيت، كاتب سيرة نتنياهو، قوله: “سارة هي أكثر امرأة مكروهة في إسرائيل. ولو طلقها لكان على الأرجح أكثر شعبية. هو يحبها. إنها مشكلة من نواحٍ عديدة، لكنه يعتمد عليها أيضًا. إنه يعمل بلا كلل لتبرئة اسمها والحصول على الاستحسان الذي يشعر بأنها تستحقه. وقد أدّت جهوده إلى توريطه في إحدى قضايا الفساد التي يواجه اتهامات بها”.
وتواجه سارة محاكمات بتهم “الاحتيال وخيانة الأمانة”، وذلك بعد تحقيق طويل أجرته الشرطة في مزاعم بتزوير نفقات الأسرة، في قضية معروفة إسرائيليًا باسم “القضية 4000”.
وجاءت لائحة الاتهام ضدها بسبب حصولها على منافع شخصية “بالاحتيال وإساءة الائتمان في قضية طلب مئات وجبات طعام ثمينة لمآدب خاصة أنفقت عليها من ميزانية مكتب رئيس الحكومة، بلغت نحو 359 ألف شيكل (نحو 97 ألف دولار)”، إضافة إلى تلقيها رشوات بعلم زوجها.
يختصر موقع “العين السابعة” العبري دور سارة نتنياهو في ترسيخ ما يسميها “آلية الديكتاتورية التعسفية”، ويضيف: “في حالة دولة إسرائيل، يجب على المسؤولين المنتخَبين أو أولئك الذين يرغبون في الترشح للانتخابات، أو العاملين في الخدمة العامة أو أولئك الذين يرغبون في الترشح لمنصب أو ترقية، أن يأخذوا في الاعتبار ليس فقط المعايير الرسمية الموضوعة لصالحهم ومصلحة الجمهور والدولة، لكن أيضًا المعايير غير الرسمية التي تم وضعها لإرضاء سارة نتنياهو”.