ترجمة وتحرير: نون بوست
برر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عدم تدخله في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي بالإشارة إلى “أن جمال قتل في تركيا، كما أنه ليس مواطنا أمريكيا”. لكن، في الوقت الذي كان فيه ترامب يدعم ولي العهد السعودي، على الرغم من اتهامه بتورطه في عملية الاغتيال، كان هناك مواطن أمريكي يعاني من وحشة السجون السعودية.
يقبع المواطن الأمريكي، وليد فتيحي، في السجن منذ أكثر من سنة دون محاكمة. وفتيحي هو طبيب مُدرّب في جامعة هارفارد، كما أنه صاحب مستشفى ومقدم برامج تلفزيونية، ومتحدث تحفيزي. ويعتبر الدكتور، الذي يحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية، واحدا من عشرات رجال الأعمال، والأمراء، ورجال الدين، والنشطاء، الذين تم اعتقالهم بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان خلال الحملة التي شنها ضد الفساد، والتي كان يهدف من خلالها إلى تعزيز سلطته. وقد أكد أصدقاء المعتقلين ومنظمات حقوق الإنسان أن المعتقلين السعوديين تعرضوا للتعذيب في السجون السعودية.
كان ترامب يفتخر بالكفاح من أجل إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المحتجزين في الخارج، حيث فرض مؤخرا عقوبات على تركيا، كمحاولة للضغط على أنقرة لإطلاق سراح القس أندرو برونسون. كما احتفل الرئيس الأمريكي بنجاحه في ضمان إطلاق سراح كل من المواطنة التي تحمل الجنسية المزدوجة، آية حجازي، التي كانت محتجزة في مصر، وثلاثة معتقلين أمريكيين في كوريا الشمالية.
تحصّل الدكتور فتيحي، الذي ولد في المملكة العربية السعودية، على الجنسية الأمريكية أثناء دراسته وعمله في مجال الطب في الولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمن
تثبت تصريحات ترامب، المتعلقة بالمملكة العربية السعودية خلال الأسبوع الحالي، مرة أخرى أنه يعطي الأولوية للمصالح الأمريكية على حساب اهتمامه بحقوق الإنسان. وفي هذا الصدد، ذكر أندرو ميلر، نائب رئيس مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، أن عدم اهتمام الإدارة الأمريكية بوضع الدكتور فتيحي “يؤكد أن ترامب مستعد للتخلي عن أي مواطن أمريكي، بغض النظر عن كونه مقيما في الولايات المتحدة أو مواطنا أمريكيا، لتعزيز مصالحه الاقتصادية الضيقة”.
كما أضاف مسؤول في وزارة الخارجية، رفض الكشف عن هويته، قائلا: “نطالب دائما القنصلية السعودية بمعلومات بشأن جميع المواطنين الأمريكيين المحتجزين في سجون المملكة العربية السعودية. وفي الحالات التي يكون فيها المحتجز يحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية، لا تعترف حكومة المملكة في كثير من الأحيان بالجنسية الأمريكية لهذا المحتجز وتمنع الوصول إليه وفقا للقوانين التي تنظم العلاقات بين قنصليات البلدين”. الجدير بالذكر أيضا أن مسؤولا سعوديا لدى السفارة السعودية في واشنطن رفض طلب التعليق عن هذا الموضوع.
صورة للدكتور فتيحي من موقع يوتيوب، وهو طبيب مُدرّب في جامعة هارفارد، وصاحب مستشفى، ومقدم برامج تلفزيونية، ومتحدث تحفيزي.
تحصّل الدكتور فتيحي، الذي ولد في المملكة العربية السعودية، على الجنسية الأمريكية أثناء دراسته وعمله في مجال الطب في الولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمن. وبعد حصول فتيحي على شهادة البكالوريوس ودرجة طبية من جامعة جورج واشنطن، أكمل شهادة الماجستير في مجال الصحة العامة في جامعة هارفارد، وتخصص في مجال الغدد الصماء في المستشفيات التابعة لجامعة هارفارد. وعاد فتيحي إلى المملكة العربية السعودية في سنة 2006.
تم اقتياد الدكتور من منزله في جدة، خلال الخريف الماضي وفي ساعة متأخرة من الليل، إلى فندق ريتز كارلتون في الرياض، خلال الحملة التي شنها ولي العهد السعودي ضد الفساد. ونقل ما لا يقل عن 17 شخصا اعتقلوا رفقة الدكتور فتيحي إلى المستشفى، كما توفي أحد المعتقلين نتيجة التعذيب أثناء الاحتجاز. في الأثناء، أفرجت السلطات السعودية عن معظم المعتقلين، بعد توقيع اتفاقيات تنص على دفعهم لمبالغ مالية ضخمة مقابل حريتهم، إلا أنها منعت الكثيرين من مغادرة المملكة، كما طلبت منهم ارتداء أساور في الكاحل لتتبع تحركاتهم.
لكن، يبقى الدكتور فتيحي من بين عشرات المعتقلين الذين نُقلوا إلى السجون السعودية، على الرغم من عدم توجيه أي تهم رسمية لهم. وقد قال أصدقاؤه إن “عائلته طلبت المساعدة من سفارة الولايات المتحدة، بعد سعيها إلى ضمان إطلاق سراحه في كنف السرية خشية تعرضه للمزيد من التعذيب”. في السياق ذاته، قال نهاد عوض، المدير التنفيذي الوطني لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية وصديق الدكتور فتيحي منذ السنوات التي قضاها في الولايات المتحدة، إن أصدقاء مشتركين وصفوا حالة العائلة بالمروّعة. وقد صرح عوض أن “العديد من العائلات ممنوعة من السفر وتم تجميد حساباتهم، ولم يرغبوا في الخروج للعلن لأنهم كانوا يعرفون أن رد الفعل سيكون قاسيا”.
أثبت ترامب أنه يعطي أولوية للمصالح الأمريكية على حساب اهتمامه بحقوق الإنسان
من جهة أخرى، يبدو أن المعتقلات من النساء عانين من سوء معاملة من نوع خاص، وفقا لمصدريْن على دراية بالعديد من القضايا، وللتقارير الصادرة هذا الأسبوع عن مجموعتين حقوقيتين وهما هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية. وقد قال المصدران المطلعان على القضايا، خلال الأسبوع الجاري، إن بعض الناشطات في مجال حقوق المرأة تعرضن للصدمات الكهربائية، والجلد، والتحرش اللفظي والجنسي.
من جانبه، أوضح مسؤول سعودي، اشترط عدم الكشف عن اسمه، أن المملكة “لا تتغاضى عن استخدام التعذيب، أو تشجع ذلك أو تسمح به”، سواء كان “جسديا أو جنسيا أو نفسيا”. تجدر الإشارة إلى أن صوت الناشطات صدح في إطار الدعوة إلى وضع حد لحظر المملكة طويل الأمد على قيادة المرأة للسيارة. وقد رفع الأمير محمد بن سلمان هذا الحظر خلال الصيف الماضي، لكن حكومته ألقت القبض على العديد ممن طالبوا بهذا التغيير، في خطوة من الواضح أنها تهدف من خلالها إلى منعهم من الحصول على الفضل في ذلك أو المطالبة بالمزيد. ولم تحدد الحكومة السعودية هويات المعتقلين واكتفت بالقول إن عددا منهم يخضع للتحقيق بتهم غامضة حول التآمر مع قوى معادية ضد المملكة.
بينما كان يعيش في كامبريدج خلال أواخر التسعينات والعقد الأول من القرن 21، كان الدكتور فتيحي عضوا نشطا في الجمعية الإسلامية في بوسطن
في مقابلات لهما مع صحيفة “نيويورك تايمز”، قال مصدران مطلعان على قضايا الناشطات إن البعض منهن وصلن إلى اجتماعات مع عائلاتهن وهن يرتجفن أو تظهر علامات حمراء على وجوههن وأعناقهن وأطرافهن. وقد حُرمت بعضهن من النوم، وفقا للمصدرين الذين تحدثا شرط عدم الكشف عن هويتهما خشية التعرض للانتقام. في المقابل، لم يكن لدى الدكتور فتيحي سجل مماثل في مجال النشاط السياسي داخل المملكة. فقد كان ابن وحفيد صائغين مشهورين، وأحد أفراد إحدى أغنى الأسر في المنطقة الغربية للمملكة العربية السعودية، الحجاز، وهي موطن أقدس الأماكن الإسلامية.
بينما كان يعيش في كامبريدج خلال أواخر التسعينات والعقد الأول من القرن 21، كان الدكتور فتيحي عضوا نشطا في الجمعية الإسلامية في بوسطن، وكان أحيانا يؤم المصلين هناك وانتهى به المطاف رئيسا لمجلس أمناء الجمعية. وقد أصبح هو ووالده من المانحين الرئيسيين للجمعية. ومن بين المانحين الآخرين كانت هناك زوجة الأمير بندر بن سلطان، الذي شغل آنذاك منصب السفير السعودي لدى واشنطن.
في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية، اتخذ الدكتور فتيحي، الذي كان يُدرّس في جامعة هارفرد، موقفا من منطلق كونه أمريكيا حيث صرح لصحيفة “ذي دنفر بوست” أن “هناك مسلمين ماتوا، ومسيحيين ماتوا، ويهودا ماتوا. إن ما حدث جريمة ضد الإنسانية، وهو اختبار لنا كأمة”. وبعد بضع سنوات، وفي سنة 2004، مثل الدكتور فتيحي محور الجدل حول الآراء المعادية للسامية في الأعمدة التي كتبها لصحف عربية. وقد تحدثت التقارير عن أنه وصف اليهود بأنهم “مرتكبو أسوأ الشرور” كما قال إنهم يسيطرون على “سلطة وسائل الإعلام”. من جهتها، تنصلت الجمعية الإسلامية في بوسطن علانية من تصريحات فتيحي.
اكتسبت الطالبة لجين الهذلول شهرة واسعة سنة 2014، بعد أن سجنت بسبب محاولتها قيادة سيارتها إلى السعودية قادمة من الإمارات العربية المتحدة.
عندما عاد إلى المملكة العربية السعودية، قام الدكتور فتيحي بإنشاء مستشفى خاص، وهو المركز الطبي الدولي. الجدير بالذكر أن الملك عبد الله حضر الافتتاح والتُقطت صورة لهما معا. وبناء على نجاح مستشفاه، لعب الدكتور فتيحي أدوارا أخرى كمتحدث تحفيزي ومضيف تلفزيوني. وفي نهاية المطاف، نجح في جذب ما يصل إلى مليوني متابع على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد ناقش في خطاباته تعاليم الإسلام ولكن حول مواضيع تتعلق بالصحة الشخصية والمساعدة الذاتية والتنمية الذاتية التي من المفترض أن تكون مألوفة بالنسبة للجماهير من المسيحيين والعلمانيين. وفي إحدى خطاباته النموذجية، قال فتيحي: “أعطاك الله هدية. أولا، اكتشف الأمر الذي تتقنه، مع العلم أن هناك عددا كبيرا من الذكاءات المتعددة”.
لا يبدو أن مستشفى الدكتور فتيحي الخاص قد تحصل على أموال من الحكومة السعودية، كما لم تكشف المملكة عن أي مزاعم فساد قد تورطه. في الواقع، لم تؤكد السلطات السعودية اعتقاله ولم تعلن عن أي اتهامات ضده. وفي البداية، ألقي القبض على الدكتور فتيحي في أيلول/ سبتمبر سنة 2017، ولكن تم الإفراج عنه بموجب حظر السفر. وفيما بعد، اعتقل مجددا في تشرين الثاني/ نوفمبر في حملة تم تصويرها على أنها قمع للفساد.
تم نقله من فندق ريتز كارلتون إلى سجن الحائر خارج العاصمة السعودية الرياض، حيث تسجن المملكة المجرمين والجهاديين المدانين، وفقا لما أفاد به أصدقاء للدكتور. وكان جمال خاشقجي، الذي كان صديقا لفتيحي، قد تحدث عن موقفه من الاعتقال، حيث تساءل في تغريدة نشرها على تويتر، بعد فترة وجيزة من فراره من السعودية إلى واشنطن: “ما الذي حدث لنا؟ كيف يمكن اعتقال شخص مثل الدكتور وليد فتيحي وما هي مبررات ذلك؟ إن الجميع في حالة من الارتباك والعجز، ولا يمكنك أن تقصد أي أحد للمساعدة. فليكن الله معنا”.
المصدر: نيويورك تايمز