مساء الثلاثاء، 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، كان هادئاً، ولا يحمل أي مؤشر باحتمال نشوب أي مناوشات بين المقاومة والاحتلال، فرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في باريس، والطرفان توصلا، في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى اتفاق لم يتم الإعلان عنه لوسائل الإعلام. لكن لم يلبث هدوء المساء حتى تحول إلى شظى مواجهات أدت إلى استشهاد 8 من المقاومين، ومقتل قائد القوة الخاصة التي عكرت صفو المساء بتسللها إلى قطاع غزة، وإيقافها من قبل المقاومة.
وفيما سبّق بيان كتائب القسام اغتيال القائد لديها نور بركة، بنقطة اكتشاف السيارة، وترجيح سيناريو دخول سيارة القوة الخاصة لاغتيال بركة، رُشحت سيناريوهات أخرى لدخول السيارة للقطاع. ومن أهم هذه السيناريو كان سيناريو البحث عن خيط له علاقة بجنود الاحتلال لدى المقاومة، بالإضافة إلى سيناريو زرع أو فحص أجهزة تجسس ومراقبة لشبكات الاتصال الخاصة بالمقاومة.
سيناريو المقاومة، والسيناريوهات الأخرى المطروحة، تُوحي، بصورةٍ أساسيةٍ، بتوجه الاحتلال إلى توسيع دائرة حربه الاستخباراتية داخل القطاع، بعد إخفاقه المتكرر في تحقيق نجاح عبر استراتيجية الحرب المفتوحة. وفي ضوء ذلك؛ ما هي الحرب الاستخباراتية؟ وما هي مؤشرات حدوثها على أرض الواقع؟ وما هي أهداف الاحتلال من الحرب الاستخباراتية داخل وخارج قطاع غزة؟
الحرب الاستخباراتية
ربما بالكاد نجد تعريف واحد متفق عليه حول ما تعنيه “الحرب الاستخباراتية” اصطلاحاً، لكن عند ذكر الحرب الاستخباراتية يخطر على البال تحرك قوة ما لضرب أو إضعاف قوة أخرى عبر أساليب ناعمة أو صلبة جزئية غير مُعلن عنها. وتتميز هذه الحرب بتكاليفها البسيطة مقارنة بالمناوشات الساخنة. وتتضح الحرب الاستخباراتية أكثر، بذكر أساليبها على النحو التالي:
ـ تجنيد جواسيس محليين وغير محليين، وتحقيق اختراقات تكنولوجية من أجل الحصول على معلومات حول تفاصيل قوة الطرف المُستهدف.ويُشكّل هذا الأسلوب عيون بدونها يُصبح العدو أعمى، وبالتالي تكثر نقاط الضعف “الثقوب السوداء” لديها.
ـ تحريك وحدات اغتيال أو اختطاف تنفيذي داخل مناطق سيطرة الطرف المُستهدف. وهذا ما يُشار إليه اصطلاحاً باسم “حرب العصابات” أو “الضرب من أسفل الجدران”.
جاسوس تابع للسلطات الإسرائيلي اغتال القيادي مازن الفقا
توجيه عدو العدو
ـ بث دعايات سلبية تستهدف سُمعة وقوة الطرف المُستهدف على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولعل استغلال “إسرائيل” حالة حصار غزة ببث دعاية سلبية ضد حكم حماس، واستغلال هذه الحالة من أجل تجنيد الشباب لصالح العمل معها. فضلاً عن استهداف سمعة وهوية المقاومة عبر القنوات العالمية وفي المحافل الدولية.
ـ خلق الأزمات الاقتصادية، والتوترات الأمنية.
مؤشرات بدء الحرب الاستخباراتية في قطاع غزة
قد يقول قائل إن “الجواسيس موجودون في قطاع غزة منذ بدء الاحتلال لفلسطين”. وفي الحقيقة، هذه الجملة صحيحة، لكنها تختزل الحرب الاستخباراتية في نقطة تجنيد الجواسيس. وهذه النقطة التي تجاوزتها “إسرائيل” في مواجهتها للمقاومة داخل وخارج القطاع، وانتقلت إلى مرحلة جديدة ومتطورة من الحرب الاستخباراتية ظهرت من خلال عدة مؤشرات:
ـ اغتيال مازن الفقا عبر توجيه جواسيسه، وأصحاب الفكر المتشدد في آذار/مارس 2017.
ـ زرع أجهزة تنصت في سيارات القيادات. وقد تم القبض على عميل، نهاية آب/أغسطس 2017، عمل على زرع جهاز تنصت في سيارة قيادي.
ـ محاولة زرع أجهزة تنصت على اتصالات المقاومة في مخيم النصيرات في أيار/مايو 2018.
ـ عملية خانيونس الأخيرة.
سيارة تم قصفها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في عملية خانيونس الأخيرة
النقاط المرصودة للحرب الاستخباراتية من قبل الاحتلال
في حال تم الميل إلى وجود توجه “إسرائيلي” صوب تفعيل في الحرب الاستخباراتية، خلال المرحلة المقبلة، كبديل للحرب المباشرة، فالسؤال الذي يصبح بحاجة ماسة للإجابة هو: ما هي النقاط المُحتمل استهدافها من قبل الاحتلال؟
هذه المناطق لا تعني بالضرورة أن تكون محصور بقطاع غزة، بل يُمكن أن تشمل نقاط المقاومة أينما حلت، وعليه يُمكن ذكر النقاط التالية:
ـ الأنفاق مع مصر:المنطقة العازلة: ولعل هذا الأمر تم بنسبة كبيرة، من خلال إغراق هذه الأنفاق، وإقامة المنطقة العازلة على طول الحدود المصرية ـ الفلسطينية. وقد يستمر من خلال مراقبة جميع التحركات على الحدود المصرية ـ الفلسطينية الظاهرة والباطنة.
ـ رقابة لصيقة للحدود المصرية مع قطاع غزة البحرية و البرية: قد لا يكتفي الاحتلال بقطع الأنفاق، وقد يتوجه نحو استخدام عدة أساليب أخرى، من قبل توظيف العداء المتنامي بين الجماعات الإرهابية؛ “كداعش” والمقاومة، ومن خلال استخدام طائرات الدرون، وغيرها من الأساليب الأخرى، في سبيل إحكام سيطرته على أي عملية إدخال سلاح لغزة.
لم ينجح الاحتلال في تحقيق أهدافه المنشودة من خلال المناوشات الساخنة، تُظهر بعض العوامل توجهه نحو الركون، بتركيزٍ أكبر، إلى نهج الحرب الاستخباراتية
ـ ضمان قطع خطوط امداد المقاومة ـ الإمدادات العسكرية للمقاومة بصرف النظر عن مصدرها: وهذا يعني أن الاحتلال قد يتجه نحو إجراء عملياتها الاستخباراتية ضد المقاومة في أكثر من رقعة جغرافية.
ـ ايجاد حل يحيد خطر الأنفاق الهجومية باتجاه الداخل الفلسطيني: وفي ذلك يستخدم الاحتلال حالياً مواد تبني جداراً بعمق 30 متراً، من أجل إعاقة عمليات الحر الحفر داخل الأراضي المُحتلة، كما يحاول إبعاد المناطق المؤهولة بالسكان عن الحدود مع غزة.
ـ قيادات المُقاومة الفاعلة في الداخل والخارج.
ـ تحجيم النفوذ في دول الطوق: وتشمل هذه النقطة تحجيم النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني في دول الطوق؛ كسوريا ولبنان.
في الختام، منذ نشوء دولة الاحتلال، وهي تستخدم كافة الأساليب من أجل حماية أمنها القومي. ولكن في سياق المعادلة الجديدة الفاعلة في قطاع غزة، حيث لم ينجح الاحتلال في تحقيق أهدافه المنشودة من خلال المناوشات الساخنة، تُظهر بعض العوامل توجهه نحو الركون، بتركيزٍ أكبر، إلى نهج الحرب الاستخباراتية. وهذا ما يجب تحريك النهج الوقائي لدى المقاومة.