دعت الجزائر إلى تعجيل عقد اجتماع لمجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي المجمدة منذ مدة، في خطوة لبعث هذا التكتل الذي يبقى ما حققه من إنجازات إن وجدت دون تطلعات المنطقة المغاربية، وردا على دعوة العاهل المغربي محمد السادس الذي أراد أن يقفز على هياكل الاتحاد المغربي ويسوق على أن عدم عمل هياكل هذا التنظيم الإقليم ينحصر في خلاف بين الرباط والجزائر.
ومنذ تأسيسه عام 1989 لم يستطع اتحاد المغرب العربي تحقيق الأهداف التي بني عليها اجتماع طنجة التاريخي في 1958، وذلك بسبب الخلافات بين أعضائه وبحث بعض الأطراف عن القيادة والزعامة على حساب باقي الأعضاء.
تعجيل
وحملت الدعوة الجزائرية طابع التعجيل لعقد اجتماع مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي دون أن تحدد تاريخا أو موعدا معينا.
وقال بيان لوزارة الشؤون الخارجية إن “الجزائر راسلت رسميا الأمين العام لاتحاد المغرب العربي لدعوته إلى تنظيم اجتماع لمجلس وزراء الشؤون الخارجية لاتحاد المغرب العربي في اقرب الآجال”.
وأضاف البيان أن “وزراء شؤون خارجية البلدان الأعضاء قد تم اطلاعهم على هذا الطلب”.
ويتكون اتحاد المغرب العربي من دول الجزائر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا، ولا يضم الصحراء الغربية التي تظل وضعيتها محل مفاوضات أممية بين المغرب وجبهة البوليساريو، والتي ستنطلق جولة جديدة منها بداية ديسمبر كانون الأول الداخل، بحضور الجزائر وموريتانيا بصفتهما بلدين ملاحظين.
رغم أن الجزائر الرسمية تجاهلت ما جاء في خطاب محمد السادس وعدم تعليقها على دعوته بالإيجاب أو السلب، إلا أن الصحافة المحلية لم تخف تشكيكها في مبادرة الرباط
وجاء في بيان وزارة الخارجية أن هذه المبادرة “تنم مباشرة من قناعة الجزائر الراسخة والتي عبرت عنها في العديد من المناسبات بضرورة إعادة بعث بناء الصرح المغاربي وإعادة تنشيط هياكله”.
ولفتت الخارجية الجزائرية إلى أن “إعادة بعث اجتماعات مجلس الوزراء، بمبادرة من الجزائر، من شأنها أن تكون حافزا لإعادة بعث نشاطات الهيئات الأخرى لاتحاد المغرب العربي”.
رد
ويمكن وصف الخطوة الجزائرية بأنها رد صريح على ما جاء في الخطاب الأخير للملك محمد السادس بمناسبة ما تسميه الرباط “المسيرة الخضراء”.
وانتقدت الجزائر وقتها الخطوة المغربية بلجوئها إلى المنابر الإعلامية بدل الطرق الدبلوماسية المتعارف عليها دوليا لحل الخلاف بين الطرفين ولبعث نشاط هياكل اتحاد المغرب العربي.
ورغم أن الجزائر الرسمية تجاهلت ما جاء في خطاب محمد السادس وعدم تعليقها على دعوته بالإيجاب أو السلب، إلا أن الصحافة المحلية لم تخف تشكيكها في مبادرة الرباط خاصة وأنها جاءت قبل أيام من جولة المفاوضات الأممية مع جبهة البوليساريو بشأن مصير الصحراء الغربية.
وكان محمد السادس قد حصر ما يعيشه المغرب العربي في الخلاف بين بلاده والجزائر، رغم أن الرباط عاشت الأشهر الماضية توترا غير مسبوق أيضا مع موريتانيا.
أقتصر خطاب العاهل المغربي على نيته في حل الخلاف مع الجزائر فقط، وتناسى خلافاته مع باقي الدول حتى ولم يكن مستواها بمستوى جارته الشرقية.
وقال محمد السادس في 6 نوفمبر تشرين الثاني الجاري “أود الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغير معقول مع ما يجمع شعوبنا من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك، فهذا الواقع لا يتماشى مع الطموح الذي كان يحفز جيل التحرير والاستقلال إلى تحقيق الوحدة المغاربية، والذي جسده، آنذاك، مؤتمر طنجة سنة 1958، الذي نحتفل بذكراه الستين.”
وأضاف “قاومنا الاستعمار معا، لسنوات طويلة حتى الحصول على الاستقلال، ونعرف بعضنا جيدا. وكثيرة هي الأسر المغربية والجزائرية التي تربطها أواصر الدم والقرابة ، كما ندرك أن مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا.”
وأردف الملك المغربي قائلا ” غير أنه يجب أن نكون واقعيين، وأن نعترف بأن وضع العلاقات بين البلدين غير طبيعي وغير مقبول، ويشهد الله أنني طالبت منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية.”
وعلى حد قول محمد السادس، فالمغرب “مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين.”
واقتصر خطاب العاهل المغربي على نيته في حل الخلاف مع الجزائر فقط، وتناسى خلافاته مع باقي الدول حتى ولم يكن مستواها بمستوى جارته الشرقية.
بين الخطاب المغربي والدعوة الجزائرية المستعجلة يبقى بعث اتحاد المغرب العربي مربوطا بجدية كل طرف في مسعاه
وينتقد أعضاء اتحاد المغرب العربي فكر المخزن الباحث عن الزعامة الذي ينظر إلى بعضهم على أنهم يستحقون أن يقودهم، وهو ما جعله يميل في السنوات الماضية إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وعدم تحمسه لبعث التكتل المغاربي رغم انتمائه معهم إلى مجموعة 5 +5 والاتحاد الإفريقي والاتحاد من أجل المتوسط.
مظلة إفريقية
جاء في بيان الخارجية أن الدعوة إلى انعقاد اجتماع مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي في القريب العاجل “امتداد لنتائج القمة الاستثنائية الأخيرة للاتحاد الإفريقي المنعقدة في 17 و 18 نوفمبر 2018 حول الإصلاحات المؤسساتية للمنظمة القارية، والتي أولت اهتماما خاصا لدور المجمعات الاقتصادية الإقليمية في مسارات اندماج البلدان الإفريقية”.
وتريد الجزائر بهذا أن تبعث برسالة إلى المغرب على أن أي حل للمشاكل بين البلدين يكون عبر الطرق والهياكل الدبلوماسية التي تم تحت لوائها التوقيع على اتفاقات التعاون المشترك وحسن الجوار والتعاون الأمني، ما يعني أنه لحل الخلاف بين البلدين ما على الرباط إلا الامتثال لقوانين هذه المنظمات الإقليمية ومنها الاتحاد الإفريقي الذي يعترف بالصحراء الغربية عضوا منتميا له.
ولم يعد المغرب إلى الحضن الإفريقي بصفة رسمية إلا في نهاية يناير كانون الثاني من عام 2017 بعدما قدم طلبا بشأن ذلك في 2016.
وانسحبت الرباط من منظمة الوحدة الإفريقية في سبتمبر أيلول عام 1984، احتجاجا على قبول المنظمة عضوية “الجمهورية الصحراوية” التي شكلتها جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، وأبقت على عضويتها معلقة في المنظمة، ثم في الاتحاد الإفريقي الذي تأسس في 2001 طيلة 32 سنة.
بين الخطاب المغربي والدعوة الجزائرية المستعجلة يبقى بعث اتحاد المغرب العربي مربوطا بجدية كل طرف في مسعاه
ومن خلال خطاب الدولتين، يظهر الاختلاف في وجهة نظر الطرفين، ففي وقت تركز الجزائر على التكامل بين الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي بالنظر إلى علاقاتها الجيدة إن لم نقل الممتازة مع كل من تونس وموريتانيا ووقوفها على مسافة واحدة من الفرقاء في ليبيا، يرى المغرب أن بناء الصرح المغاربي ينطلق من حل مشاكله مع الجزائر، وهي الرؤية التي تنظر لها الأخيرة بعين الريبة لأنها تعتقد أنها مجرد محاولة جديدة تريد جرها لتأكيد الخطاب الذي تسوق له الرباط ومفاده أن الجزائر طرف في نزاع الصحراء الغربية، في حين تأكد هي أنها ملاحظ مثلها مثل موريتانيا وفق ما تنص عليه اتفاقات الأمم المتحدة.
وبين الخطاب المغربي والدعوة الجزائرية المستعجلة يبقى بعث اتحاد المغرب العربي مربوطا بجدية كل طرف في مسعاه، وتفاعل باقي الأعضاء مع المبادرتين لحل مشاكل زادت من تأخر تحقيق تطلعات شعوب المنطقة في بناء المغرب العربي الكبير الذي تذوب فيها الحدود الجغرافية والخلافات السياسية، ويكون شبيها لما حققته الضفة الشمالية لحوض المتوسط تحت قبعة الاتحاد الأوروبي.