كيف ساهم تطبيق تليجرام في انهيار العملة الإيرانية؟

ترجم وتحرير: نون بوست
يعود الفضل في إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى حد كبير، إلى تطبيق المراسلة تليجرام . فخلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت سنة 2017، اعتمد الإيرانيون على هذا التطبيق كمصدر نادر لاستقصاء الأخبار التي لم تكن خاضعة للرقابة حول السباق الانتخابي، علما بأن روحاني لم يكن آنذاك المرشح المفضل بالنسبة للمتشددين السياسيين.
بعد مرور سنة، تبين أن تطبيق تليجرام كان في الواقع السبب في انهيار نظام روحاني، لأنه ساهم في التراجع السريع لقيمة العملة الإيرانية. فقد شهد الريال الإيراني استقرارا في قيمته إلى حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني في شهر أيار/ مايو الماضي. وقبل انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، كانت قيمة الدولار الأمريكي تعادل 37 ألف ريال إيراني. لكن بعد ذلك مباشرة، ارتفعت قيمة الدولار إلى 44 ألف ريال.
منذ ذلك الحين، استمرت قيمة العملة الإيرانية في التراجع مقارنة بالدولار، حيث شهد وتيرة انخفاض متسارعة من 50 ألف ريال إلى 80 ألف ريال، لتبلغ 190 ألف ريال خلال الخطاب الذي ألقاه روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي. وفي الوقت الراهن، بلغت قيمة صرف العملة 120.500 ريال إيراني مقابل الدولار الواحد.
في الحقيقة، لا يعزى انهيار قيمة العملة الإيرانية إلى العقوبات الاقتصادية التي سلطتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران أو ضعف الاقتصاد الإيراني، بل إنه يتجاوز هذا الأمر. لقد أدى التداول المتعمد للشائعات والأخبار الزائفة على تطبيق تليجرام من قبل تجار العملة والوسطاء الإيرانيين لتحقيق أرباح لفائدتهم، إلى تعميق أزمة الريال الإيراني.
حاولت الحكومة الإيرانية منع بيع العملة بطرق مختلفة، حيث عمدت إلى حظر عمليات البيع الرسمية للعملات الأجنبية. ولكنها لم تنجح في ذلك
بمجرد أن بات جليا أن الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات جديدة ضد النظام الإيراني شعر العديد من المواطنين، الذين ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والثرية، برغبة في العمل في مجال تجارة العملة، بعد أن خلصوا إلى أن قيمة الريال مرجحة للتراجع قريبا. كان الهدف بالنسبة لهذه الفئة من الإيرانيين شراء الدولارات. وقد وصل الأمر بالعديد منهم إلى بيع منازلهم للاستثمار في شراء الدولارات للحفاظ على قيمة أصولهم، أو بكل بساطة، لضمان جني الأرباح.
لكن، ساهم بيع الريال الإيراني في مزيد تراجع قيمته. وعلى خلفية ذلك، حاولت الحكومة الإيرانية منع بيع العملة بطرق مختلفة، حيث عمدت إلى حظر عمليات البيع الرسمية للعملات الأجنبية. ولكنها لم تنجح في ذلك، وقد أدى هذا الأمر إلى جعل سوق تداول العملات أقل شفافية، وبالتالي أصبحت السوق قائمة على الاستغلال أكثر فأكثر.
لطالما كانت هناك هوة بين فئة تجار العملة المتمرسين والفئة المبتدئة التي يسيطر عليها الجهل والخوف، لكن السوق الموازي زاد من اتساع هذه الهوة. وقد أصبح ذلك واضحا بشكل خاص في شارع فردوسي في العاصمة طهران، الذي يعتبر مركزا للسوق الموازية لتبادل العملات، حيث يمكن لأي شخص جلب مبلغ مالي من الريالات الإيرانية ليحوله إلى ما يعادله بالدولار.
أتذكر أنني رأيت ذات مرة امرأة مسنة في شارع فردوسي لتبادل دخلها السنوي بالكامل بالدولار، وقد كان آنذاك سعر صرف الدولار يعادل 170 ألف ريال. لقد كان العرض الذي تحصلت عليه أقل بكثير من قيمة الريال آنذاك. لقد كان الإجماع على أن الريال لم يقدر بقيمته الحقيقية في ذلك الوقت، لكن هذه المرأة راهنت على أن قيمة الريال ستنهار أكثر من ذلك، وأن رهانها في نهاية المطاف سيؤتي ثماره.
عندما بدأ سعر الريال الإيراني بالانحدار في وقت سابق من هذه السنة، بدأ تجار العملة بإنشاء المئات من القنوات على تطبيق تليجرام ، ليتداولوا خلالها أي تحولات في سعر الدولار ويقدموا نصائح حول التداول بالأسواق العالمية للأيام القادمة
يستخدم تجار العملة المحترفين في إيران تطبيق تليجرام بشكل متزايد لاستغلال انعدام الشفافية في السوق السوداء لزيادة أرباحهم على حساب زبائنهم، فضلا عن تعميق محنة الحكومة. ونظرا لأن تليجرام يعتبر من بين تطبيقات المراسلة القليلة غير الخاضعة لرقابة الحكومة، فإن الأخبار في هذا التطبيق تحديدا تتغذى على عمل “القناة” الخاصة فيه، والتي تسمح بتوزيع المنشورات على أي شخص يختار التسجيل فيها. بالنسبة للإيرانيين، أصبح هذا التطبيق واحدا من أهم المصادر الموثوقة لمعرفة كل الأخبار، مما جعل مكانة وسائل الإعلام الرسمية وحتى الصحف التي تدعي استقلاليتها تتراجع.
عندما بدأ سعر الريال الإيراني بالانحدار في وقت سابق من هذه السنة، بدأ تجار العملة بإنشاء المئات من القنوات على تطبيق تليجرام ، ليتداولوا خلالها أي تحولات في سعر الدولار ويقدموا نصائح حول التداول بالأسواق العالمية للأيام القادمة. وانضم الإيرانيون إلى هذه القنوات بأعداد كبيرة، حتى أن بعض القنوات وصل عدد متابعيها إلى مليوني عضو، لدرجة أنهم أصبحوا قوة قادرة على التأثير في سعر صرف العملة.
في الأثناء، يستخدم تجار العملة هذه المنصة بشكل متزايد بهدف نشر أخبار اقتصادية زائفة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي بدأ فيه الريال الإيراني باستعادة قيمته خلال الأسابيع الأخيرة، بدأت هذه القنوات بتداول أخبار تنفي الأخبار الإيجابية. وفي هذا الصدد، تأخر بعض التجار الذي يديرون هذه القنوات في الإبلاغ عن ارتفاع قيمة العملة الإيرانية، بينما أعلن آخرون عن قيمة زائفة تمامًا للريال، في حين تجاهلت العديد من القنوات الأخبار الإيجابية في محاولة منها لتأكيد التحليلات السلبية حول الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية على العملة الإيرانية.
في المقابل، حاولت وسائل الإعلام الإيرانية التصدي لموجة التقارير المضللة من خلال زيادة الوعي بشأن الأخبار السلبية التي تنشر على تليجرام ، وتأكيد الأخبار الإيجابية المتعلقة بمستقبل الريال الإيراني. ولكن أدت التقارير المتناقضة، التي جعلت بعض الإيرانيين مرتبكين، إلى مزيد التمسك بالدولارات التي اشتروها سابقاً بدلاً من تحويلها إلى الريال الإيراني.
اعتمد البنك المركزي مؤخرا سياسة الحد من استخدام بطاقات السحب المقومة بالريال، التي استخدمها تجار العملة لشراء مبالغ كبيرة بالدولار
في الآونة الأخيرة، برزت قنوات جديدة على تليجرام تبدو مصممة للرد على القنوات التي أنشأها تجار العملة. وتهدف إحدى القنوات، التي يطلق عليها اسم “الدولار الريال”، إلى دعم الريال الإيراني من خلال مهاجمة وسطاء العملة ووصفهم بالخونة وبأنهم جزء من التدخل الأجنبي في الشؤون الإيرانية. ونجحت هذه القناة في جذب أكثر من مليوني متابع، وهو ما يشير إلى أن المجتمع الإيراني قد يكون غاضبًا من عملية التلاعب بسوق العملات في إيران من قبل جهات تسعى لتحقيق مصلحتها الشخصية. ولكن تم مؤخرًا حظر هذه القناة لأسباب غير معروفة، وهو ما دفع صاحب القناة إلى إنشاء قناة جديدة تضم إلى حدود اليوم 55 ألف عضو.
من جهتها، تحاول الحكومة الإيرانية في الوقت الراهن اتخاذ تدابير من شأنها دعم قيمة الريال. وأشارت تحليلات بعض المحللين الاقتصاديين الإيرانيين إلى أنه يجب تداول سعر الصرف بحوالي 80 ألف إلى 90 ألف ريال للدولار الواحد. واعتمد البنك المركزي مؤخرا سياسة الحد من استخدام بطاقات السحب المقومة بالريال، التي استخدمها تجار العملة لشراء مبالغ كبيرة بالدولار.
لكن حقيقة تداول الريال الإيراني بثمن أرخص مما هو عليه في إيران تعود إلى عدة عوامل، من بينها تأثيرات الدعاية ضد إيران، سواء تلك التي تنشرها الحكومة الأمريكية أو التي تروج لها بعض القنوات الإيرانية على تليجرام. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانين على علم بهذه المعطيات، إلا أنهم لم يقوموا إلى الآن بنشر معلومات فعالة تضاهي الأخبار المضللة التي يروج لها خصومهم.
المصدر: فورين بوليسي