بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الخميس، أولى جولاته الخارجية منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول مطلع الشهر الماضي، جولة اختار ابن سلمان أن تكون وجهتها بعض العواصم العربية في المشرق والمغرب بعد أن أغلقت كبرى العواصم الغربية أبوابها أمامه لاتهامه بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، غير أن هذه الجولة من المنتظر ألا تمر مثلما خطط ولي العهد السعودي.
جولة عربية أولى
هذه الزيارة التي استهلها محمد بن سلمان بزيارة حليفته دولة الإمارات العربية المتحدة، من المنتظر أن تشمل أيضًا دولتي مصر والبحرين لإجراء محادثات بشأن تطورات الوضع في اليمن وسبل مواجهة الإرهاب وملف إيران ومسار عملية السلام في الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى هذه الدول الثلاثة، ينتظر أن يزور ولي العهد السعودي تونس الثلاثاء المقبل بطلب منه، وفق ما قال مصدر في الرئاسة التونسية، وموريتانيا في الـ2 من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن يختمها بالجزائر في الـ6 من نفس الشهر، كما يسافر إلى الأرجنتين لحضور قمة مجموعة العشرين.
ولقي ولي العهد السعودي استقبالاً حافلاً في الإمارات، رسميًا وشعبيًا، وكأنه يزورهم لأول مرة، وهو الذي لا يغيب عن العاصمة الإماراتية بزيارات لا تنقطع وتواصل مستمر، حيث أطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبًا به، في حين نشر ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد تغريدة على تويتر قال فيها: “الشراكة بين الإمارات والسعودية ستتوطد”، مضيفًا أن بلاده ستظل سندًا للسعودية.
ببالغ سعادتنا نرحب بضيف الإمارات العزيز أخي الأمير محمد بن سلمان..نعتز بعلاقاتنا التاريخية المتجذرة ..آفاق واسعة من التعاون والشراكة الوثيقة والمثمرة تنتظر بلدينا… ستظل الإمارات على الدوام وطنا محبا وسندا و عونا لأشقائنا في المملكة العربية السعودية pic.twitter.com/A36En6edu1
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) November 22, 2018
تعتبر هذه المرة الأولى التي تكون وجهة الرجل الثاني في المملكة العربية السعودية عربية، وسبق أن قام محمد بن سلمان بجولتين، أولى آسيوية في أغسطس/آب 2016، وثانية أوروبية أمريكية في أبريل/نيسان 2018.
وتواجه السعودية سيلاً من الإدانات الدولية منذ مقتل خاشقجي، الصحفي المتعاقد مع صحيفة “واشنطن بوست” الذي كان مقربًا من العائلة الحاكمة في المملكة قبل أن يصبح من منتقديها وانتقل من بلاده إلى الولايات المتحدة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد عام 2017.
وطيلة الشهر الماضي نسبت لمحمد بن سلمان اتهامات متكررة عبر التقارير الإعلامية وتصريحات بعض الساسة بالتورط في عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، على الرغم من أن أي جهة رسمية لم تحمّل حتى الآن الأمير محمد المسؤولية عن القضية.
دعاوى قضائية ضد ابن سلمان في تونس
هذا الترحيب الذي وجده ابن سلمان في الإمارات، من الصعب أن يجده في كل من تونس والجزائر نظرًا لعدد من المؤشرات، حيث عبر العديد من الأطراف في هاتين الدولتين عن رفضهم للزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي، مؤكدين اعتزامهم تنظيم تحركات مناهضة لهذه الزيارة.
ففي تونس التي تعتبر مهد الربيع العربي وبلد الحريات، قرر فريق من المحامين التونسيين رفع دعوى قضائية لدى المحاكم التونسية بتكليف من مدونين وصحفيين، تطالب رئاسة البلاد بمنع دخول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس، بسبب تورطه في عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية.
يرى عدد من التونسيين أن زيارة ابن سلمان لبلادهم تمثل محاولة منه لفك العزلة عنه
وقال المنسق العام للمجموعة نزار بوجلال، في تصريح للأناضول الجمعة، إنهم “قرروا رفع الدعوى الإثنين المقبل، إلى المحكمة الابتدائية بالعاصمة، لمنع زيارة ابن سلمان إلى تونس”، واعتبر بوجلال أن “ابن سلمان تورط في شبهة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.
ولفت إلى أنهم سيتخذون أساليب احتجاجية أخرى لمنع الزيارة مع مجموعة الخمسين صحفيًا، قد تصل إلى تنظيم وقفة احتجاجية بمطار تونس قرطاج يوم وصول ولي العهد، وحسب بوجلال فإن لجنة الخمسين محاميًا تأسست تزامنًا مع احتجاجات شعبية ضد غلاء المعيشة الرافضة لقانون المالية في تونس مطلع السنة الحاليّة، وهي معنية بالدفاع عن الحريات والتصدي لاستغلال السلطة.
ومن المنتظر أن تتضمن الدعوة شكايتين: الأولى استعجالية تتعلق بتحميل ابن سلمان المسؤولية السياسية عن مقتل خاشقجي ومنعه من دخول الأراضي التونسية، والشكاية الثانية جزائية بتكليف من الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان.
ويرى عدد من التونسيين أن زيارة ابن سلمان لبلادهم تمثل محاولة منه لفك العزلة عنه، بعد الاتهامات التي وجهت إليه من العديد من المنظمات العالمية وبعض السياسيين من دول غربية بالتورط في اغتيال الصحفي خاشقجي.
في نفس الإطار، أعلنت مجموعة من الفنانين والمثقفين والوزراء السابقين، رفع قضية استعجالية لدى المحكمة الإدارية بتونس لمنع زيارة ولي العهد السعودي ابن سلمان المتهم بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وكانت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش أكدت في تصريح لإذاعة شمس المحلية زيارة محمد بن سلمان إلى تونس بطلب منه يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، مشيرة إلى أنها تأتي في إطار سلسلة من الزيارات التي يقوم بها ولي العهد السعودي لعشر دول، في سياق مشاركته المرتقبة في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
بدورها عبرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسية عن رفضها لهذه الزيارة، واعتبرت النقابة في رسالة مفتوحة وجهتها إلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أن الهدف من زيارة محمد بن سلمان إلى تونس تبييض سجله الدامي، على خلفية تورطه ونظام الحكم في بلاده في جرائم بشعة تمس حقوق الإنسان، لعل آخرها جريمة اغتيال الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، حيث تشير تقارير دولية إلى تورط ابن سلمان نفسه في هذه الجريمة النكراء.
واستكملت النقابة الرسالة المرسلة إلى السبسي، قائلة: “النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تؤكد استهجانها لزيارة ولي العهد السعودي، كونه خطرًا على الأمن والسلم في المنطقة والعالم، وعدوًا حقيقيًا لحرية التعبير”، حسب نص تعبيرها.
ومن المنتظر أن يحتشد المئات أمام القصر الجمهوري بقرطاج بالتزامن مع حلول ولي العهد السعودي بتونس يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، للاحتجاج على هذه الزيارة، وينتظر أن يشارك في هذه الوقفة عدد من الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية.
بالتزامن مع ذلك، عرفت مواقع التواصل الاجتماعي حملة كبيرة للتعبير عن رفض هذه الزيارة والتنديد بها، في هذا الشأن قال الإعلامي الفاهم بوكدوس: “في الوقت الذي يجتمع فيه كل العالم على إعلان محمد بن سلمان كأبشع قاتل في العشرينيات الأخيرة، تستعد تونس، إحدى أبرز أيقونات الثورات العربية، لاستقبال الوحش الملكي، فيا ذباح الخاشقجي ويا جلاد الشعب اليمني، ويا صانع الدواعش، وسجان الشعب السعودي، ألف لا مرحبا بك، وألف لا سهلا بك في تونس، #بن منشار يرجع من المطار”.
من ناحيته، كتب المدير السابق لـ”معهد الدراسات” في رئاسة الجمهورية، طارق الكحلاوي: “وفيما السبسي يواصل انتقامه الصبياني من هجرانه لمصلحة الممثل الجديد للمنظومة القديمة، يدعو المجرم ابن سلمان يوم 27 من نوفمبر لزيارة تونس قبل أن يجف دم الخاشقجي، سنرى ماذا ستفعل أحزاب الأغلبية التي تقول إنها مع الحرية وهل ستحتج على ذلك أم ستصمت”.
غضب في الجزائر
نفس الشيء بالنسبة إلى الجزائر، فقد ارتفعت دعوات لناشطين وسياسيين رفضًا للزيارة المرتقب أن يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الجزائر، لم تؤكدها السلطات الجزائرية، وكتب الصحفي والعضو المؤسس لأول نقابة جزائرية لناشري المواقع الإلكترونية سعيد بودور: “لا لزيارة السفاح ابن سلمان للجزائر، اليمن يعيش مأساة إنسانية حقيقة وإسرائيل تذبح الشعب الفلسطيني بمباركته”.
بدوره نشر ناشط يحمل اسم “أحسن” صورة مركبة على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي “توتير” يظهر فيها ولي العهد السعودي وهو ماسك بيده منشار كهربائي، للتعبير عن تنديده بالجريمة البشعة التي راح ضحيتها الصحفي جمال خاشقجي.
محمد بن سلمان في الجزائر قريبا..
#لا_للعلماني_قاتل_خاشقجي_واطفال_اليمن_في_أرض_الشهداء pic.twitter.com/EhCUwLcHDI
— احسن مرياي (@ahcenchina) November 22, 2018
وقبل أيام اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوب كوركر، أن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي، ودعا واشنطن للتحرك قبل إعدام المنفذين.
وقال السيناتور عن ولاية تينيسي من الحزب الجمهوري كوركر، في تغريدة نشرها اليوم السبت على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”: “كل شيء يشير إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من أعطى الأمر بقتل صحفي واشنطن بوست جمال خاشقجي”.
Everything points to the Crown Prince of Saudi Arabia, MbS, ordering @washingtonpost journalist Jamal #Khashoggi's killing. The Trump administration should make a credible determination of responsibility before MbS executes the men who apparently carried out his orders.
— Senator Bob Corker (@SenBobCorker) November 17, 2018
وتساءل الناشط الحقوقي أكرم جبار في تدوينة له على حسابه بموقع بتويتر عن سبب استقبال بلاده لمحمد بن سلمان الذي قال إنه يحارب اقتصاد الجزائر، ووصف السعودية بأنها أكبر عدو لبلاده لأنها دائمًا كانت سببًا في تخفيض البترول، والممول الرئيسي للإرهاب هناك وفق قوله.
https://twitter.com/imad42387487/status/1065960025825427456
هذا الرفض الشعبي الكبير في كل من تونس والجزائر، من شأنه أن يزيد الضغوطات الممارسة على ولي العهد السعودي الذي تقول بعض التقارير الإخبارية إنه من أمر بقتل خاشقجي، ومن شأن هذه الضغوط أيضًا أن تعدل في برنامج ابن سلمان ويكتفي بزيارة الدول التي لا يخشى فيها من أي احتجاج ضده.