كتبت بالمقال السابق في نون بوست بعنوان الانتخابات البلدية التركية: التنافس على تغيير أوجه المدن العبارة التالية: “ومن المهم أن نشير إلى أن حزب العدالة والتنمية كان سيكون أكثر ارتياحًا لو بقي التحالف مع حزب الحركة القومية قائمًا، وفي ظل تأكيد العديد من قيادات الحزب أن انتهاء التحالف ليس له تأثير كبير على الانتخابات البلدية القادمة فإن صوت الصناديق سيكون الحكم على مثل هذه التصريحات”.
نُشر هذا المقال قبل أن تعود المياه لمجاريها في قنوات التحالف بين حزب العدالة والتنمية والحركة القومية أو المسمى بتحالف الجمهور، حيث أشارت العبارة إلى أهمية استمرار التحالف بين الحزبين لتأمين الفوز المريح لهما في ظل حالة التنافس والتكتل من الطرف المعارض لهما، وقد حولت الرياح السياسية المتغيرة الموقف مرة أخرى مع قيام الرئيس رجب طيب أردوغان بدعوة زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي إلى لقاء أسفر فيما يبدو وفيما رشح عن مصادر في الحزبين عن اتفاق مبدأي والتوافق على مرشحي الانتخابات البلدية بين الحزبين، فالحزبان كانا قد أعلنا في أكتوبر الماضي فض التحالف بينهما بسبب خلافات على عدة ملفات أهمها قانون العفو العام الذي يطالب به حزب الحركة القومية.
وبموجب هذا التوافق يكون حزب العدالة والتنمية قد تراجع عن قراره بترشيح رؤساء لكل البلديات في الـ81 محافظة، حيث سيترك عددًا من المحافظات لحزب الحركة القومية، فيما سيقدم الأخير الدعم لمرشحي الأول في كل من أنقرة وإسطنبول وإزمير من خلال عدم ترشيح مرشحين عن الحزب في الانتخابات البلدية القادمة.
الخلافات التي وقعت بين الحركة القومية والعدالة والتنمية ليست خلافات جوهرية تمامًا بل خلافات يمكن التفاهم عليها وتتعلق بمدى منطقيتها أحيانًا والمزاج العام حولها في أحيان أخرى
ووفقًا لنائب رئيس الحركة القومية سادير دورماز فإن حزب الحركة القومية أعد قائمة من 5 مرشحين لخمس بلديات كبرى في مدن أضنة ومرسين ومانيسا وآيدن وأرزروم، وقد ذكرت بعض التقارير أن الحركة ترغب أيضًا في بلدية مدينة أيغدر، وبالإضافة إلى ما سبق فإن الحركة القومية على الأغلب سيطالب بالترشح لبعض البلديات الصغرى داخل كل من أنقرة وإسطنبول وغيرها، وعلى سبيل المثال بلدية اتي مسعوت في أنقرة وبلدية ألانيا.
يمكننا القول إن الخلافات التي وقعت بين الحركة القومية والعدالة والتنمية ليست خلافات جوهرية تمامًا بل خلافات يمكن التفاهم عليها وتتعلق بمدى منطقيتها أحيانًا والمزاج العام في أحيان أخرى، كما أن الأسباب التي دفعت لتقارب الطرفين بعد 15 تموز ما زالت متوافرة، وقد لوحظ أن نسبة كبيرة من مؤيدي الحزبين كانت تتمنى بقاء التحالف، ويؤكد صحة هذا الكلام أن الطرفين استطاعا الوصول لتفاهمات خلال لقاء واحد أو لقاءات قليلة.
هناك أهمية لاستمرار التحالف بين العدالة والتنمية والحركة القومية في هذا الوقت، فالتحالف يعني ولو بدلالته الرمزية حالة من الاستقرار
ومن ناحية أخرى فقد أكد الحزبان حتى في وقت إعلانهما عدم خوض الانتخابات البلدية في إطار تحالفي أن هذا لن يمس التحالف بينهما في أروقة البرلمان، ومع الدفعة القوية التي شكلها فوز تحالفها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فإن تحالفهما في الانتخابات البلدية سيكون أكثر راحة لهما من أجل ضمان وتأمين عملية الفوز والأهم من ذلك ضمان بقاء حالة الانسجام بينهما وهو ما قد يكون سهلاً في ظل حاجة الطرفين لبعضهما البعض والعكس صحيح.
هناك أهمية لاستمرار التحالف بين العدالة والتنمية والحركة القومية في هذا الوقت، فالتحالف يعني ولو بدلالته الرمزية حالة من الاستقرار وربما كانت هذه المعاني دافعًا مهمًا لحزب العدالة والتنمية للتوافق والتفاهم مع بعض مطالب الحركة القومية أو التعهد بتنفيذ بعضها بعد الانتخابات من أجل تأمين حالة الاستقرار الداخلية التي تعتبر مهمة جدًا لميداني الاقتصاد والأمن.