يتحدث العالم شرقه وغربه عن الإرهاب، سواء كان نتاج جماعات متطرفة أم دول تمارس نفس الوظيفة بطريقة أشد شراسة ووقاحة، وسواء هذا أم ذاك يتم احتواؤه وإدخاله في جملة تفاهمات ومواءمات لصالح خدمة القوى الكبرى، ولكن ما كان ولا يزال يتم تجاهله من الجميع، هو “الإرهاب البيئي” على امتداد أشكاله ووسائله وخطورته على الكوكب، رغم مرور نحو 25 عامًا على اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجى، لتأمين مستقبل البشرية والأنواع الأخرى، حسب توصيات مؤتمر قمة الأرض في تسعينيات القرن الماضي.
ربع قرن من الزمان وما زالت التحديات التي تواجه الاتفاقية صعبة ومرهقة، البشر يصرون بغباء لا يُصدق ولا يُفهم على تدمير البنية التحتية للموارد الطبيعية بشكل سريع، ولا يمتلك ثقافة احترام البيئة إلا نحو 33% من سكان الكوكب، وأغلبهم يتمركز في القطب الشمالي، فتسببت الحماقات البشرية في تغييرات مناخية، جعلت الأرض تتحول من مستودع للكربون إلى باعث له، مما يهدد الصحة العامة للبشر على مستوى العالم.
وتشكل العوادم الخطرة لخطوط النفط ومحطات الطاقة ومفاعلات إنتاج الوقود النووي والمنشأت العسكرية وخاصة التي يمارس فيها نشاط ينتج مواد مشعه سامة، إضافة إلى المنشآت الكيميائية والبتروكيميائية والتكريرية والمعدنية والتقنية والصحية والمدنية، وخطوط النفط والغاز والأمونيا، وجميع أنواع محطات الطاقة والذخائر النووية، عناصر مدرجة على جداول ما يسمى بالإرهاب البيئي.
إفريقيا.. اهتمام جديد من نوعه
قبل أسبوعين بدأت إفريقيا نشاطًا ملحوظًا في الإحساس بخطورة التعامل مع البيئة والتأثير الكارثي لذلك على معدلات التنمية والتقدم، خاصة أن العديد من بلدانها كانت تحتضن النفايات النووية لأقطاب عالمية كبرى حتى وقت قريب، حيث تجمع نحو 54 بلدًا إفريقيًا ووزراء للبيئة من القارة السمراء وتوحدوا على نفس الهدف، في فعاليات قمة وزارية إفريقية للتنوع البيولوجي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الإفريقى، حملت عنوان “تدهور الأراضي والنظم الإيكولوجية واستعادتها أولويات لزيادة الاستثمارات في التنوع البيولوجي والقدرة على الصمود في إفريقيا”.
اللافت للنظر في ظاهرة التدهور البيئي، استمرار عقد المؤتمرات الضخمة في العديد من البلدان لمناقشة الأزمة، مع أن أغلب دول العالم دخلت في اتفاقيات منذ سبعينيات القرن الماضي للحفاظ على البيئة
وزراء البيئة الأفارقة وفي مجمل ملاحظات المؤتمر الجديد على اهتمامات قارة لا تزال أغلب دولها لم تتفق بعد على آلية تحترم بها البشر وكرامتهم وحقهم في الحرية، اتفقوا على أسباب تدهور إنتاجية الأراضي الإفريقية، والخسائر السنوية التي بلغت وفق أحدث التقديرات نحو 9.3 مليار دولار أمريكي بسبب النظم الإيكولوجية المتخلفة التي تتبعها البلدان لحماية التنوع البيولجي واستمرار الحياة على الأرض وتحسين الأمن الغذائي والمائي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى.
تم وضع جدول لأعمال الاتحاد الإفريقي لعام 2063، وخطة للتنمية المستدامة لعام 2030، كما تبنى المؤتمر مجموعة متنوعة من المبادرات، لاستعادة مناظر الغابات الطبيعية، لاستعادة 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة التي أُزيلت أشجارها في إفريقيا وجنوب الصحراء، كما تم الاتفاق على مبادرة لتدشين ما يسمى بالجدار الأخضر في منطقة الصحراء الكبرى.
المؤتمر الذي أقيم في مدينة شرم الشيخ المصرية
اللافت للنظر في ظاهرة التدهور البيئي، استمرار عقد المؤتمرات الضخمة في العديد من البلدان لمناقشة الأزمة، مع أن أغلب دول العالم دخلت في اتفاقيات منذ سبعينيات القرن الماضي للحفاظ على البيئة، فقد حرص المجتمع الدولي منذ بداية ظهور الأزمة على مشاركة الجميع إلا الدول الصناعية الكبرى، كانت على رأس المتهربين من الالتزام، وأبرز دليل على ذلك، تعطل الاتفاقية الإطارية للسعي للحد من ارتفاع درجات حرارة الجو وما يتبعها من تغيرات مناخية أخرى، التي أبرمت عام 1992، بسبب مماطلة الولايات المتحدة، نحو خمس سنوات.
ورغم التوصل إلى بروتوكول كيوتو عام 1997، والتفاهم بشأن واجبات الدول للحد من تزايد الغازات الحابسة الحرارة، فإن أمريكا أعلنت عام 2001 انسحابها من الالتزام بالبروتوكول، ووجهت ضربة قاسية كبرى لجهود العالم الذي لم يجد طريقة أفضل لإعادة الحوار مع القطب العالمي الأوحد، إلا المحاولة من جديد لاستئناف المفاوضات، وعبر صياغات ترضي الولايات المتحدة، بما يضمن خضوع العالم للاتفاقية.
أحدث وأخطر ما رصده علماء الولايات المتحدة، وما يشير إلى جديتهم في التصدي لمظاهر إرهاب البيئة، إعلان ضرورة حظر مادة الكلوروفلورميتان، وهي مادة لا تزال تستخدم في بلدان العالم كمادة تثليج في أجهزة التكييف والتبريد
دول الخليج هي الأخرى وقّعت على وثيقة سميت باتفاقية الكويت عام 2009 لصون بيئة الخليج، وحرصت على تسويق الاتفاقية في الميديا الغربية، كتعبير عن التحضر الذي وصلت إليه هذه البلدان، قبل أن يعلن بعض الخبراء العالميين في اقتصاديات البيئة تقريرًا صادمًا عام 2015، أكدوا فيه أن تكاليف التلوث البيئي لدول مجلس التعاون لا تقل عن خسارة 10% من الناتج القومي لكل دولة خليجية بشكل سنوي، بما يهدر نحو 40 مليار ريال سعودي سنويًا.
هذه النتائج، جعلت المجتمع الدولي، يبحث عن وسيلة للردع للتعبير عن مخاوفه من عدم الالتزام بالاتفاقيات التي تُجرى تحت رعايته، للحد من الملوثات العابرة الحدود، فتقصير البعض يفسد جهود الآخرين ويذهب به أدراج الرياح في ظل عالمية القضية البيئية والتخوفات من التغيرات المناخية المتوقع حدوثها في القرن الحاليّ، والمتوقع امتداد آثارها لتقع على العالم أجمع، سواء مَن تسبب أم من لم يحافظ، لذاك كان ذلك مبررًا ومدخلاً استخدمه علماء أمريكيون قبل 6 أشهر، لتكوين جبهة ردع ترصد من أسموهم “الإرهابيين البيئيين” الذين ستقود أنشطتهم إلى عواقب وخيمة على جميع سكان الأرض.
أحدث وأخطر ما رصده علماء الولايات المتحدة وما يشير إلى جديتهم في التصدي لمظاهر إرهاب البيئة، إعلان ضرورة حظر مادة الكلوروفلورميتان، وهي مادة لا تزال تستخدم في بلدان العالم كمادة تثليج في أجهزة التكييف والتبريد، تحت اسم فريون 11 كعلامة تجارية، رغم الحظر العام على إنتاج مركبات الكلوروفلوروكربون حسب اتفاقية مونتريال.
اعتبر العلماء كل من يتعامل مع هذه المادة إرهابيًا، فاستخدامها يزيد من خطر نضوب الأوزون بمقدار 1.0 وهي قيمة معيارية لباقي المركبات التي تدمر طبقة الأوزون، ومن أجل هذا فقد تم مسبقًا إيقاف تركيبها لمنع المزيد من تدمير الغلاف الواقي للأرض، وتحويل جميع الغابات على الأرض إلى بوادي وصحاري، وتعريض سكان الكوكب للمزيد من أشعة الشمس والإشعاعات.
يحتاج العالم أجمع إلى خطوات تصحيحية، وعدم البخل في التعاون التقني، حتى تتشجع البلدان الفقيرة على تضمين برامجها التزامًا شخصيًا بالحفاظ على البيئة
المخاطر البيئية التي بدأت الدول تنتبه لها، حتى بلدان العالم الثالث كما حدث مؤخرًا في مؤتمر شرم الشيخ، لا يمكن التعويل عليها في ظل عدم تضمين هذه القضايا القوانين الداخلية لكل بلد على حدة، وهو ما جعل بعض الجهات الدولية والخبراء، يقترحون ضرورة تضمين البيئة والحفاظ عليها ضمن الدساتير الوطنية، حتى يكون هناك درجة من الالتزام القومي بالأزمة والعمل على حلها من كل دولة بمفردها أولاً.
يحتاج العالم أجمع إلى خطوات تصحيحية وعدم البخل في التعاون التقني، حتى تتشجع البلدان الفقيرة على تضمين برامجها التزامًا شخصيا بالحفاظ على البيئة، لا سيما الدول النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي ما زالت تعاني من خسائر فادحة وتدهور صارخ في القدرة على إنتاج الغذاء، بما يصل بها إلى أحلام الاكتفاء الذاتي والرفاهية لشعوبها، وهذا يعني تنازل من دول الشمال التي تملك التقنيات والموارد المالية التي تحتاجها دول الجنوب، وهو صراع عالمي لم يتم البت فيه، وكيفية الاستثمار والمكسب إذا اكتسبت شعوب العالم الثالث ثقافة التمويل والصناعات العصرية وعلى رأسها التكنولوجيا.
لا شك أن الارهاب البيئي، هو الأكثر إجرامًا، والأكثر تعبيرًا عن توحش العالم وهرولته إلى تدمير الحياة، بفعل الأثر التراكمي الذي تسببت فيه الأضرار البيئية منذ عقود طويلة، بما يؤثر على حياة البشر، جراء التهديد المستمر للبيئة التي يحصلون منها على مقومات استمرار الحياة الإنسانية.