ترجمة حفصة جودة
بالنسبة لعمر عبد العزيز، المعارض السعودي ذو الـ27 عامًا الذي يعيش في كندا، كان الصحفي المقتول جمال خاشقجي يمثل له أكثر من مجرد صحفي بارز ومخضرم يعرف مداخل ومخارج البلاط الملكي السعودي، لقد كان أبًا ومعلمًا.
يلقي عبد العزيز اللوم على القيادة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان في مقطع فيديو نال مشاهدات كثيرة على الإنترنت، لأنه لا يستطيع رؤية والديه اللذين ما زالا يعيشان في السعودية، وكان خاشقجي قد اضطر أيضًا للحياة خارج البلاد دون أبنائه، لذا عندما علم عبد العزيز بمصير خاشقجي المؤلم أحس بالانهيار، لكنه عزاه الآن ما حققه موت خاشقجي، يقول عمر: “الأغبياء يريدون إسكات صوته، لكنهم بذلك فتحوا الطريق أمام آلاف الأصوات الأخرى”.
لقد مر ما يقرب من شهرين على اختفاء خاشقجي – كاتب العمود في واشنطن بوست – داخل القنصلية السعودية في تركيا، يقول ممثلو الادعاء الأتراك إنه تعرض للهجوم فور دخوله المبنى وخنقوه، ثم قُطعت أطرافه ودُمرت، وما زالت جثته مختفية حتى الآن، لكن المسؤولين الأتراك يقولون إن أكثر من 12 مسؤولاً سعوديًا وصلوا إسطنبول وشاركوا مع سبق الإصرار والترصد في عملية اغتياله.
أثارت جريمة القتل غضبًا عالميًا وألحقت أضرارًا بسمعة ولي العهد
اعترف المسؤولون السعوديون بقتله وقالوا إنهم سينفذون حكم الإعدام في 5 مشتبه بأنهم أطلقوا الأوامر ونفذوها، لكنهم أصروا على أن من قام بذلك خلية فاسدة تجازوت تعليمات إعادة المعارضين السعوديين إلى البلاد من كل أنحاء العالم، بعض المشتبه بهم ومسؤولين كبار في المخابرات ممن طردوا في أعقاب الحادث على علاقة وثيقة بابن سلمان، ويصرّ المسؤولون على أن ابن سلمان لم يكن على علم بالجريمة، لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تعتقد عكس ذلك وتقول إن ابن سلمان من أطلق أمر الاغتيال.
أثارت جريمة القتل غضبًا عالميًا وألحقت أضرارًا بسمعة ولي العهد الذي أعلن بأنه المصلح الحريص على تمدن المجتمع السعودي، لكنه في المقابل قمع النشطاء والمعارضين داخل البلاد، كانت جريمة القتل مربكة لعبد العزيز بشكل خاص، فبجانب حزنه الشخصي، هناك تشابه مخيف بين حياته وحياة خاشقجي.
في شهر مايو من هذا العام، قابل اثنان من المسؤولين السعوديين عبد العزيز في مونتريال وأحضروا معهم أخيه، وطلبوا منه العمل مع السلطات، وفي المحادثة التي سجلها عبد العزيز دعاه المسؤولون إلى تجديد جواز سفره في السفارة السعودية، عندما استمع عبد العزيز إلى التسجيل عقب مقتل خاشقجي أصيب بالذهول.
المعارض السعودي عمر عبد العزيز في منفاه بمونتريال
رفض عبد العزيز طلبهم، لكن هاتفه بعد شهر تعرض للاختراق وتم اعتراض محادثاته مع خاشقجي، كان عمر وخاشقجي قد بدأوا مشروع “جيش النحل” ووظفوا فيه متطوعين لمواجهة أكاذيب السلطات السعودية على وسائل التواصل الاجتماعي، نفذ الاختراق شركة “Citizen Lab” التي تدرس التجسس الرقمي في جامعة تورنتو.
والآن ينعي عبد العزيز وغيره من النشطاء مقتل خاشقجي، لكنهم يقولون بأنهم لا يشعرون بالخوف، فقد أدى مقتل خاشقجي إلى إعادة الانتباه لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة والحرب الكارثية في اليمن وعدم التسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة.
يقول عبد العزيز: “اليوم في السعودية إذا لم تكن صوتًا للحكومة فسوف تتعرض للاعتقال، لم يعد الصمت كافيًا”، يشعر عبد العزيز بالقلق على هؤلاء المعتقلين داخل البلاد ومن بينهم شقيقاه وعدد من الأصدقاء الذين اعتقلوا بسبب علاقتهم به، ويقول: “إذا فعلوا ذلك بخاشقجي فكيف يتعاملون من الآخرين؟”.
كان عبد العزيز قد تقدم بطلب اللجوء عام 2014 عندما ألغيت منحته الدراسية بعد انتقاده للحكومة السعودية، وفي البداية انتقد عبد العزيز خاشقجي أيضًا لأنه رفض دعوة المعارضين السعوديين إلى قناته التليفزيونية التي انطلقت عام 2015.
لقد أدركت الحكومة أن هذا الرجل ينقل العمل في الخارج إلى عمل مؤسسي وهو الأمر الذي تفتقده المعارضة السعودية
لكن عبد العزيز كان من أول النشطاء الذين دعموا خاشقجي عندما غادر السعودية ليعيش في المنفى عام 2017، وبدأوا العمل معًا في مبادرات مختلفة، اعترف عبد العزيز بقدرات خاشقجي كشخص تستمع إليه الأغلبية الصامتة، ولم يكن الصحفي السعودي يُعرف نفسه كمعارض ولم يكن يرغب في الإطاحة بالسلطة، لكنه كان يسعى للوصول إلى أرضية مشتركة بين الولاء والمعارضة، وهو ما يرى عبد العزيز أنهم بأمس الحاجة إليه.
يقول عبد العزيز إن ما كان يخيف الحكومة أكثر هو محاولة خاشقجي إنشاء مؤسسات ومجتمع مدني في الخارج، ويضيف: “نعم كانت مقالات واشنطن بوست تخيفهم، فالأمر أشبه بأن يكتب محمد بن سلمان على السبورة فيمحوها خاشقجي في المساء بمقالاته”.
لقد أدركت الحكومة أن هذا الرجل ينقل العمل في الخارج إلى عمل مؤسسي وهو الأمر الذي تفتقده المعارضة السعودية، فليس لديهم مجتمع مدني، كانت رواية الرياض عما حدث لخاشقجي قد فقدت مصداقيتها مما دفع العديد من الناس إلى البحث عن أصوات أخرى.
يقول عبد العزيز: “لقد أصبح المعارضون السعوديون أقوى اليوم، وأصبحت أصواتهم مسموعة، أعتقد أن الأغلبية الصامتة أصبحت تؤمن بما نقوله وتعتقد أن النظام يكذب، لقد سقط القناع وظهرت الصورة القبيحة الجبانة القاتلة”.
المصدر: الغارديان