لم تكن تتوقع حنان التي عاشت في بيت والدها كطفلة مدللة قرابة العشرين عامًا أن بانتقالها لبيت زوجها تكون قد انتقلت إلى سجن أبدي، حيث الضرب والتعنيف والسباب والتشويه المتعمد، حتى صار اليوم الذي لا تتعرض فيه لأي من تلك الصور القميئة يومًا استثنائيًا غير محسوب من جدول حياتها التقليدي.
الفتاة ذات الـ30 عامًا في حديثها لـ”نون بوست” تكشف مأساوية الحياة التي تحياها في بيت رجل لا يعرف عن الرجولة سوى السوط والصوت العالي معًا، حتى إنها فكرت أكثر من مرة في الانتحار أو الهرب خاصة بعد وفاة والدها قبل خمس سنوات.
وبعد سنوات من الهرولة هنا وهناك، ما بين استغاثات لأهل الزوج تارة ومناشدات لأهلها تارة أخرى، خلصت حنان إلى الرضوخ لحياتها رغم ما بها من ألم نفسي وجسدي كاد أن يودي بحياتها مرات ومرات، وذلك من باب “ظل رجل ولا ظل حيط” لتكتب شهادة وفاتها بنفسها وإن كانت على قيد الحياة.
يعد العنف ضد المرأة أحد أبرز صور انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها انتشارًا في عالمنا اليوم، غير أن معظمه لم يتم التبليغ عنه إما لعدم وجود الضمانات التشريعية أو خشية الفضيحة ووصمة العار المحيطة به بحسب الأمم المتحدة.
الجمعية العامة للأمم المتحدة حددت الـ25 من نوفمبر/تشرين الأول يومًا عالميًا لمناهضة العنف ضد المرأة عام 1981 وبدأ الاحتفال به عام 1999، على خلفية الاغتيال الوحشي عام 1960 للأخوات ميرابال الثلاثة وهن ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان، وذلك بناءً على أوامر من الحاكم الدومينيكي رافاييل ترخيو (1930-1961).
وتتصدر المرأة العربية قائمة نساء العالم الأكثر تعرضًا للعنف بصوره المختلفة، ورغم الجهود المبذولة من بعض الحكومات لدعم حقوق المرأة والدفاع عنها، غير أن المخفي عنه بشأن واقعها المر أضعاف ما يخرج للنور، حتى في الدول التي تهرول لنصرتها ولو على حساب أحكام الدين، ليركن ما يقرب من ثلث نساء العرب ضحايا للعنف.
37% من النساء العربيات تعرضن لأحد أنواع العنف، فيما تعرض 35.4% من المتزوجات إلى عنف جسدي وجنسي من الزوج، بينما 14% من الفتيات تزوجن دون سن الـ18
ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف
جاء تعريف العنف ضد المرأة وفق الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، في مادته الأولى، بأنه: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.
وقد حدد الإعلان صور العنف ومظاهره في عدة أشكال، منها الجسدية والنفسية والجنسية، وتشمل أولاً: عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)، ثانيًا: العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)، ثالثًا: الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي)، رابعًا: تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، خامسًا وأخيرًا: زواج الأطفال.
تشير التقديرات الأممية إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات تتعرض ﻟﻠﻌﻨﻒ اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ، و52% فقط من النساء المتزوجات يخترن بحرية قراراتهن بشأن العلاقات الجنسية واستخدام وسائل منع الحمل والرعاية الصحية، إذ تكون النسبة الأكبر منهن مرغمة على ذلك بفضل قوة وإجبار الزوج.
فيما تزوجت ما يقرب من 750 مليون فتاة في مختلف أنحاء العالم قبل بلوغهن سن الـ18، بينما خضعت 200 مليون طفلة للختان، وقُتلت واحدة من كل اثنتين من النساء اللاتي قُتلن في جميع أنحاء العالم على أيدي عشيرهن أو أسرهن في عام 2012 ، بينما قتل واحد فقط من بين 20 رجلًا في ظروف مماثلة.
تصدرت مصر قائمة الدول العربية الأكثر عنفًا ضد المرأة، إذ تبلغ معدلات التحرش بها 99.3% فيما تعرضت 27.2 مليون فتاة لعملية الختان
كما تشير الإحصاءات إلى أن 71% من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم من النساء والفتيات، و3 من أصل 4 من هؤلاء النساء والفتيات يتعرضن للاستغلال الجنسي، فيما صنفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة مثل السرطان كونه سببًا جوهريًا للوفاة والعجز للنساء، هذا بخلاف العديد من الأمراض التي قد تنجم عنه وتفوق في خطورتها الأمراض الأخرى الأكثر إيلامًا.
وفي استطلاع رأي حديث خلص إلى أن النساء يتعرضن كثيرًا للإيذاء الجنسي في الشوارع، فيما تبلغ نسبة النساء اللاتي يتعرضن لإشارات جنسية مؤذية أو إهانات في الولايات المتحدة 50%، مقابل 43% في بريطانيا، و40% في إسبانيا، كما تبيّن أن أكثر من ثلث النساء تعرضن ذات مرة للملاحقة الجنسية في الشوارع، في كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة.
من احتفالات الأمم المتحدة بهذا اليوم
العالم برتقالي.. اسمعني كذلك
اختارت الأمم المتحدة الـ25 من كل شهر كيوم برتقالي لحملتها “اتحدوا -قل لا”، تلك الحملة التي تم إطلاقها أول مرة عام 2009، في محاولة لتعبئة المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم لدعم وتقوية حملة الأمين العام للأمم المتحدة اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة.
طقوس الاحتفال بهذا اليوم تتمثل في ارتداء لمسة برتقالية، علمًا بأن اختيار اللون البرتقالي جاء لما يعكسه من مستقبل أكثر إشراقًا وعالمًا خاليًا من العنف ضد النساء والفتيات تضامنًا مع قضية الحد من العنف ضد المرأة.
وفي هذا العام (2018) عنونت المنظمة الأممية للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بهاشتاغ #اسمعني كذلك، على أن تتواصل الفعاليات الاحتفالية لمدة 16 يومًا إذ تختتم في الـ10 من ديسمبر المقبل، وهو الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان.
#اسمعني.. عنوان الاحتفال بهذا اليوم لعام 2018
مصر تتصدر عربيًا
كالعادة.. كان الوجود العربي في ملف العنف ضد المرأة حاضرًا وبقوة، إذ تشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 37% من النساء العربيات تعرضن لأحد أنواع العنف، فيما تعرض 35.4% من المتزوجات إلى عنف جسدي وجنسي من الزوج، بينما 14% من الفتيات تزوجن دون سن الـ18، وذلك على هامش ورشة العمل التي نظمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في بيروت سبتمبر الماضي.
تصدرت مصر قائمة الدول العربية الأكثر عنفًا ضد المرأة، إذ تبلغ معدلات التحرش بها 99.3% فيما تعرضت 27.2 مليون فتاة لعملية الختان، بحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة “تومسون رويترز” عن الدول العشرة الأولى عربيًا في العنف ضد المرأة.
وجاء العراق في المرتبة الثانية بحسب الاستطلاع، لا سيما مع القصور الشديد في القوانين التي تقوض من تلك الجرائم بحق المرأة، إذ يسمح القانون بتخفيض عقوبة القتل فيما يسمى ”جرائم الشرف” مع ضرورة موافقة أحد الأقارب الذكور لحصول المرأة على جواز سفر.
ورغم إقرار عدد من الدول العربية قوانين مكافحة العنف الأسري، فإن دولًا مثل الجزائر والبحرين والعراق والكويت وليبيا وسوريا لا تزال تحتفظ بقوانين تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقاب، حال الموافقة على الزواج من المغتصبة
بينما حلت السعودية في المرتبة الثالثة في ظل ما تشهده المرأة هناك من تضييق الخناق عليها، فيما جاءت سوريا في المركز الرابع بأكثر من 4000 حالة اغتصاب وتشويه، منهن 700 في السجون مع انتشار حالات زواج القاصرات خاصة في مخيمات اللاجئين، تلاها اليمن الذي تتعرض 98.9% من نسائه للتحرش الجنسي مع عدم وجود قانون يحدد السن الدنيا للزواج.
كما جاء السودان في المرتبة السادسة بعد التقارير التي تشير إلى ختان ما يقرب من 12.1 مليون فتاة فضلاً عن تعرض بعضهن لعقوبات الاعتقال والجلد بسبب اللبس غير اللائق، واحتل لبنان المركز السابع جراء عدد من القوانين التي تعمق من الأزمة ضد المرأة على رأسها إعفاء المغتصب من العقوبة بمجرد تزوجه من ضحيته.
وحل الصومال في المرتبة الثامنة بعد تعرض قرابة 1700 امرأة للاغتصاب في مخيمات المشردين، هذا بخلاف التمييز الواضح بين المرأة الصومالية والرجل في العديد من القضايا على رأسها قيمة الدية تعويضًا عن الدم، إذ تحصل المرأة على نصف قيمتها.
وتذيلت فلسطين قائمة الدول العشرة الأولى الأكثر عنفًا، إذ تتعرض قرابة 51% من النساء الفلسطينيات للعنف المنزلي في غزة وحدها، فضلاً عن تراجع الحد الأدنى لسن الزواج عن المعدل العالمي، إذ حدد بـ17 سنة في غزة و15 سنة في الضفة الغربية.
قصور تشريعي
خطت الدول العربية خلال العقدين الأخيرين خطوات ناجحة في دعم حقوق المرأة وتشريع حزمة من القوانين التي تحافظ لها على كرامتها وتقضي بنسبة ما على مظاهر التمييز وهو ما بدت آثاره في العديد من المظاهر كتقلد المرأة المناصب السياسية والدفع بها كأحد مقومات العمل التنموي، هذا بخلاف بعض التشريعات التي تجرح العنف ضدها.
غير أنه ومع هذا النجاح النسبي إلا أن هناك قصورًا واضحًا في قائمة القوانين والإجراءات في بعض الدول، إذ تشترط قوانين الأحوال الشخصية العربية إقامة الزوجة في مسكن الزوجية، بينما تشترط موافقة ولي أو وصي على المرأة للحصول على جواز سفرها، أو في حال سفرها مع الأولاد خارج البلاد، كما يحدث في السعودية على سبيل المثال.
ورغم إقرار عدد من الدول العربية قوانين مكافحة العنف الأسري، فإن دولاً مثل الجزائر والبحرين والعراق والكويت وليبيا وسوريا لا تزال تحتفظ بقوانين تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقاب، حال الموافقة على الزواج من المغتصبة.
المنظمات الحقوقية طالبت ولا تزال الحكومات والأنظمة بإعادة النظر في هذا القصور الواضح في التشريعات الخاصة بالمرأة في محاولة لتوفير بيئة مناسبة للمرأة العربية التي أثبتت قدرتها الفائقة على القيادة والإدارة ونجاحها في مرافقة الرجل في دفع مسيرة التنمية للأمام.