أدلى مواطنو البحرين بأصواتهم يوم السبت 24 من نوفمبر/تشرين الثاني في انتخابات برلمانية علت فيها الدعوات لمقاطعة انتخابات حُرمت جماعات المعارضة من المشاركة فيها بعد تضييق سلطات البحرين عليهم عبر سلسلة من التعديلات القانونية التي أقرها مؤخرًا العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وفي ظل غياب أي حملة انتخابية حقيقية أو منافسة حادة، تبدو نتيجة الانتخابات التشريعية التي جرت بالأمس معروفة سلفًا، فقد أعلن التليفزيون الرسمي نقلاً عن وزير العدل البحريني أن نسبة المشاركة بلغت 67%، وذلك وسط حملة على المعارضة في المملكة المتحالفة مع الغرب.
انتخابات بلا معارضة
أحكمت عائلة آل خليفة السنية الحاكمة في البحرين السيطرة على المعارضة منذ أن قامت المعارضة الشيعية بانتفاضة فاشلة عام 2011، وأرسلت السعودية قوات للمساعدة في سحق الاضطرابات في مؤشر على القلق من أن يلهم أي تنازل تقدمه البحرين لتقاسم السلطة الأقلية الشيعية في السعودية.
ومنذ قمع هذه التظاهرات تشهد البحرين اضطرابات متقطعة، تزايدت معها القيود المفروضة على الحريات، وبدأت المملكة الصغيرة التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي بمحاكمة مئات الناشطين والسياسيين المعارضين، وأصدرت بحقهم عقوبات قاسية بينها الإعدام في محاكمات جماعية والسجن المؤبد وتجريدهم من الجنسية.
كثفت السلطات البحرينية حظر التنظيمات السياسية لمنع المعارضة من ممارسة العمل السياسي العلني داخل البلاد
حتى إن منظمة العفو الدولية أعربت عن قلقها الشديد من قمع السلطات البحرينية للمعارضة السياسية قبيل الانتخابات، وبحسب بيان لها، تم احتجاز وتخويف وإسكات المعارضة السياسية خلال العامين الماضيين، ودعت المنظمة السلطات البحرينية لوقف هذا القمع المستمر والمتصاعد والسماح بحرية التعبير للأصوات المعارضة بما في ذلك الذين يعارضون النظام الملكي.
واستباقًا للانتخابات، كثفت السلطات البحرينية حظر التنظيمات السياسية لمنع المعارضة من ممارسة العمل السياسي العلني داخل البلاد، وعمدت إلى حل جماعات المعارضة إلا جمعيتين قاعدتهما الجماهيرية صغيرة، ومنعت أعضاءها من خوض الانتخابات.
وفي يوليو/تموز 2016 أصدر القضاء البحريني سلسلة من التعديلات القانونية التي أقرها العاهل البحريني، وقضت بحل أبرز الفصائل السياسة المعارضة، وهي جمعية “وعد” العلمانية وجمعية “الوفاق الوطني الإسلامي” الشيعية، وجمعية العمل الإسلامي “أم” التي تم حلها في يوليو/تموز 2012.
كما حوكم الأمين العام لجمعية “الوفاق” علي سلمان بتهم عدة بينها التخابر مع قطر، وحكم عليه في إطار القضية – إلى جانب الشيخ حسن سلطان وعلي الأسود العضوين بالجمعية نفسها – بالسجن مدى الحياة في محاكمة وصفها المدافعون عن حقوق الإنسان بالـ”صورية”، كما أسقطت الحكومة الجنسية البحرينية عن بعض معارضيها البارزين مثل الشيخ عيسى قاسم.
وبموجب قانون منع أعضاء الجمعيات السياسية المعارضة التي تم حلها بأحكام قضائية، لم يعد بإمكان الفصائل المعارضة الترشح لعضوية مجلس النواب، فقد شمل المنع من الترشح للمجلس النيابي قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي، وكذلك كل من تعمد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية، مما أثار لغطًا كبيرًا بشأن حق المواطنين في الترشح دون عوائق.
لا انتخابات حرّة في #البحرين والمدافعون عن حقوق الإنسان في السجون… أين #نبيل_رجب؟ @NABEELRAJAB https://t.co/aclShNuiys pic.twitter.com/k4GvoMVMe0
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) November 21, 2018
أجواء قمعية
منذ منتصف العام 2016، تقوم البحرين بحملة وصفتها المعارضة بالمنظمة، بهدف القضاء على المعارضة السياسية في البلاد، ويقول نشطاء إن هذه الحملة استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء السياسيين ورجال الدين الشيعة، حتى إن السلطات لا تتسامح مع المعارضين السلميين لها، فقد سجنت العديد منهم وبينهم الناشط البارز نبيل رجب.
منظمة العفو الدولية: قبيل إجراء الانتخابات لم يكن ثمة زعيم سياسي شيعي واحد ذو مكانة وطنية تُرك دون أن يتم اعتقاله أو سجنه أو تجريده من الجنسية البحرينية
كذلك استهدفت الحملة القادة السياسيين من الأغلبية الشيعية، وتقول منظمة العفو الدولية: “قبيل إجراء الانتخابات لم يكن ثمة زعيم سياسي شيعي واحد ذو مكانة وطنية تُرك دون أن يتم اعتقاله أو سجنه أو تجريده من الجنسية البحرينية“.
واستبقت السلطات الانتخابات بتنظيم اجتماعات لتعبئة البحرينيين المتجنسين، التي تعقد أحيانًا في وقت واحد باللغات العربية والأوردية للمواطنين الباكستانيين، في المقابل، يتم تعقب دعوات الامتناع عن التصويت على الشبكات الاجتماعية والقبض على أصحابها بتهم واهية، فقبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات وجهت السلطات البحرينية لخمسة أشخاص تهمة “التشويش على العملية الانتخابية”، بحسب ما أفادت النيابة العامة في بيانذكر فيه رئيس لجنة التحقيق في “الجرائم الانتخابية” مهنا الشايجي أن أحد المتهمين اعتقل بعد أن دعا على “تويتر” إلى مقاطعة الانتخابات.
معهد باريس الفرانكفوني للحريات يندد باعتقال السلطات البحرينية العضو السابق في البرلمان من جمعية الوفاق المعارض علي راشد العشيري بسبب تغريدة عن مقاطعة الانتخابات@AliAsheeri#البحرين
— Paris Francophone Institute For Freedom (@parisfrancophon) November 15, 2018
وبرر الشايجي ذلك بقوله إن تغريدات المتهم على تويتر تضمنت تحريضًا على عدم المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة، لكن معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومقره لندن، قال إن أحد المتهمين هو علي راشد العشيري العضو السابق في البرلمان من جمعية “الوفاق” المعارضة المحظورة حاليًّا.
ويعزو مراد الحايكي، في مقال بموقع “مرآة البحرين” المعارض حرص السلطات البحرينية على عقد الانتخابات ودفع الناس بالتهديد للمشاركة إلى سببين رئيسيين، الأول إعطاء شرعية مزيفة لكل القرارات التي يود النظام اتخاذها في المرحلة المقبلة، والسبب الثاني لتجميل صورة النظام دوليًا.
مازال البعض يسال هل ستصوت في الانتخابات؟ وكانهم لا يعيشون ولا يتابعون الوضع السياسي المتأزم في #البحرين
انا مواطن بحريني محروم من حقوقي السياسية والمدنية لذلك انا وعائلتي سوف نقاطع الانتخابات النيابية والبلدية و لا لقانون #العزل_السياسي
— Ali Rashed AlAsheeri (@AliAsheeri) November 8, 2018
ومع تصاعد حدة الانتقادات، سعت البحرين للتشويش على الأجواء “القمعية” التي جرت فيها الانتخابات، حيث اتهمت إيران بتأجيج الاحتقان بين السنة والشيعة في البحرين، وافتعال الاضطرابات في المملكة وبتدريب عناصر تتّهمهم بالإرهاب لشن هجمات ضد قوات الأمن، لكن طهران تنفي هذه الاتهامات، وكانت السلطات البحرينية قد أعلنت في أكتوبر/تشرين أول الماضي أن عددًا من المرشحين تلقوا تهديدات من إيران عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتراجع عن الترشح في هذه الانتخابات.
نتيجة لهذه الإجراءات لاقت الانتخابات البحرينية انتقادات واسعة، حيث قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” إن الانتخابات تُجرى وسط أجواء قمعية لن تفضي إلى انتخابات حرة، بينما اعتبر نشطاء أن الانتخابات “مسرحية هزلية” خسرت كل معانيها السياسية والعملية منذ أن قاطعتها جمعية “الوفاق” التي تقود المعارضة السياسية في المملكة، لا سيما بعد الحكم على رئيسها علي سلمان بالمؤبد.
قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” إن الانتخابات تُجرى وسط أجواء قمعية لن تفضي إلى انتخابات حرة
وينفي أحمد الوداعي مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومقره في بريطانيا، إصرار الحكومة على أن الانتخابات “ديمقراطية”، ويقول: “لا يمكنك ببساطة أن تسحق وتعذب وتسجن المعارضة بأكملها وتدعو إلى انتخابات زائفة ثم تطالب باحترام المجتمع الدولي”.
كما يرى ناشطون سياسيون بحرينيون إلى جانب منظمات حقوق الإنسان أن الأخبار والأحداث التي تجري في البحرين لا تبشر خيرًا والوضع نحو الأسوأ منذ العام الماضي، وأن الانتخابات الصورية تأتي في أجواء من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وسحق أشكال المعارضة والمراقبة كافة.
متلازمة البحرين والسعودية
انطلقت الانتخابات البرلمانية في وقت حرج تمر به منطقة الخليج بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومشاركة البحرين في الحصار المفروض على قطر، كما تأتي متزامنة مع موجة تطبيع غير مسبوقة مع “إسرائيل”، وهناك أخبار تتردد بقوة عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المنامة.
ويرى مراقبون أن البحرين أصبحت “تابعة بشكل مطلق” للمملكة العربية السعودية التي ترفض أن يكون لدى الأقلية الشيعية في البحرين نفوذ قد يساهم في تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعد أن استعانت حكومتها عام 2011 بالقوات السعودية لقمع الاحتجاجات التي طالبت بإقامة ملكية دستورية في البلد.
تظاهر أنصار الشيخ علي سلمان خارج منزل زعيم المعارضة الشيعية
وتعتبر السعودية أن البحرين المجاورة لها والمكونة من عدة جزر ولا تمتلك ثروة نفطية هائلة مثل دول الخليج الأخرى حليفة مهمة في حروبها بالوكالة مع إيران في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر اتهامها لإيران بتلقي عشرات الآلاف من الرسائل الإلكترونية التي أُرسلت – بحسب الداخلية البحرينية – لمواطنين بحرينيين من إيران في محاولة للتأثير سلبًا على الانتخابات النيابية التي تشهدها المملكة.
اقتصاديًا، تأتي هذه الانتخابات والبحرين تعيش أزمة اقتصادية منذ العام 2011، تفاقمت عبر السنوات عبر زيادة الدين العام حتى بلغ بنهاية النصف الأول من العام الحاليّ 11.5 مليار دينار (2.297 مليار يورو)، ليشكل 86.6% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وفقًا لمصرف البحرين المركزي.
حددت العائلة المالكة الأفراد المخلصين الذين يحق لهم اغتنام أحد مقاعد البرلمان الأربعين، والمواطنين المطيعين الذين يجب عليهم الذهاب لصناديق الاقتراع
كما تتزامن مع موجة غير مسبوقة من التضييق على المعارضة في البحرين، ففي 2014، قاطعت المعارضة السياسية الانتخابات، وكانت الأولى منذ احتجاجات 2011، ووصفتها بأنها “مهزلة”، وفي تموز/يوليو 2016، حل القضاء البحريني الجمعيات السياسية التي كانت لديها أكبر كتلة نيابية قبل استقالة نوابها في فبراير/شباط 2011.
اللافت في هذه الانتخابات هو زيادة عدد المرشحين، فهناك 506 مرشحين يخوضون الانتخابات، بينهم 137 يتنافسون على مقاعد المجالس البلدية، مع مشاركة أكبر عدد من المرشحات، ويعد هذا العدد مرتفعًامنذ عودة الروح للحياة السياسية في البحرين عام 2002، بعد غياب دام أكثر من ربع قرن، وكذلك نسبة المشاركة في الانتخابات التي وصلت إلى 67%، بحسب المصادر الرسمية.
الوفاق: سجلت عملية الرصد لدينا بأنَّ نسبة المشاركة في بعض الدوائر لم تتجاوز 7% وبعضها لم تتجاوز 8% في المحافظة الشمالية، وفي دوائر انتخابية بمحافظة العاصمة لم تتجاوز نسبة المشاركة أيضا#الوفاق #البحرين #صوتك_أغلى #البحرين_تقاطع #bahrain
— Alwefaq Society (@ALWEFAQ) November 24, 2018
لكن لا يمكن اعتبار الأرقام الصادرة عن السلطات البحرينية مقياسًا، فبحسب يعقوب آل ناصر “حددت العائلة المالكة الأفراد المخلصين الذين يحق لهم اغتنام أحد مقاعد البرلمان الأربعين، والمواطنين المطيعين الذين يجب عليهم الذهاب لصناديق الاقتراع، بينما عزلت الأحزاب المعارضة، وتنحية آخرين جانبًا مثل جماعة الإخوان المسلمين إرضاءً للإمارات”.