بعد مرور أكثر من عشر سنوات على سقوط نظام صدام حسين، لايزال العنف والتوتّر بين السنة والشيعة والأكراد يهدّد استقرار العراق وديمقراطيته الهشَّة. فقد فشلت النخبة السياسية العراقية في تطوير نظام للحكم شامل للجميع، وتعزّزت الانقسامات الداخلية بسبب تداعيات الربيع العربي، وخاصة تأثيرات الانتفاضة السنّية ضد النظام السوري وتعزيز الطائفية العابرة للحدود الوطنية. وللحيلولة دون حدوث المزيد من التشرذم أو ظهور نظام استبدادي جديد، يحتاج العراق إلى ميثاق سياسي يقوم على المواطنين الأفراد أكثر منه على الهويات الطائفية.
وفي هذه الورقة التي نشرها مركز كارنيجي للأبحاث، محاولة للتعامل الجاد مع الأزمة الطائفية في العراق، لإنهاء الاحتقان والوصول إلى حل يضمن تقليل التوتر وسدّ الفجوة بين الطوائف.
يقول الباحث أن الخلافات في العراق حول القضايا السياسية والعقائدية كانت السبب في الانقسام بين السُنَّة والشيعة، بيد أن التنافس على السلطة والموارد والمكانة هو الدافع وراء مظاهرها وتجلياتها الحديثة. وشيئاً فشيئاً، هيمنت فكرة التمثيل الطائفي على العلاقات السياسية بدلاً من تمثيل المواطنين، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الانقسامات القائمة بدل تخفيفها.
رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، وسياساته لها نصيب أيضا من تحفيز التوترات في العراق، فقد تمكّن رئيس الوزراء من تعزيز سلطته، وتهميش البرلمان والمؤسّسات المستقلة، والسيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية، وإخضاع القضاء، وتوسيع دائرة دعمه السياسي على حساب منافسيه. وبينما أثار هذا قلق منتقديه الشيعة، فإنه لم يدفعهم إلى الخروج عن الصف الطائفي. إذ لايزال المالكي يسيطر على أكبر جمهور من الناخبين الشيعة، ويُتوقَّع أن يحافظ على هذا الوضع بعد الانتخابات.
ويربط الباحث بين الثورة الإسلامية في إيران، وتقوية التنظيمات الشيعية في العراق، حيث أدخل تأسيس جمهورية إيران الإسلامية في العام 1979 نظاماً جديداً للحكم يقوم على أساس اللاهوت الشيعي، وغيّر ميزان القوى في المنطقة وخلق مظلّة إيديولوجية للجماعات الشيعية المحرومة.
وعلى الرغم من أن الدستور لم ينصّ صراحة على توزيع السلطة وفقاً للمكونات الطائفية، فقد ثبّتت الممارسات التي سادت في العراق الهويّة الطائفية باعتبارها فئة سياسية. ركّزت تلك المقاربة على إيجاد ممثّلين طائفيين أكثر من تركيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية. وتم تقسيم المناصب السياسية الأساسية الثلاثة في البلاد بين الجماعات الثلاث الكبرى، حيث خُصّص منصب الرئيس للأكراد، ومنصب رئيس الوزراء (الأقوى في العراق) للشيعة، ومنصب رئيس البرلمان للسنَّة. كما عزّزت النظم الانتخابية، التي تستند إلى التمثيل النسبي والقوائم الحزبية، الطائفية السياسية.
ويقول الباحث أنه حتى داخل الطوائف، لا يوجد تجانس أو اتفاق سياسي، فلا تمثّل الطائفة الشيعية قوة متجانسة. إذ تتنافس الجماعات المختلفة ضمن الطائفة مع بعضها البعض على السلطة.
في العام 2008، قاد المالكي (الشيعي) حملة عسكرية ضد جيش المهدي، وهو قوة شبه عسكرية أنشأها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، كانت تسيطر في ذلك الوقت على البصرة، وهي المحافظة المنتجة للنفط والتي يوجد فيها الميناء الرئيس في العراق.
وأثارت قدرة المالكي على توطيد سلطته قلق منافسيه الشيعة واضطرّت عمار الحكيم، زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ومقتدى الصدر إلى تجاوز المنافسة التقليدية بين عائلتيهما والعمل معاً لمواجهة المالكي، وهو الأمر الذي ستظهر نتائجه سريعا.
أما بالنظر إلى السنة في العراق، فتاريخياً، لم تلتزم الجماعة العربية السُنّية بهوية طائفية صريحة. بدلاً من ذلك، كانت القومية العربية هي الهوية المفضّلة في المحافظات الكبرى السُنّية مثل الموصل والأنبار. وكانت القومية العربية أداة مثالية لإخفاء الهيمنة السُنّية في الأنظمة السابقة والتأكيد على “الوئام” مع الأغلبية الشيعية.
ويقول الباحث أن سرديّة الضحية الطائفية سيطرت على تصوّر السُنَّة للعراق الجديد. وقد تعمّق هذا التصوّر من خلال السياسات التمييزية التي سنَّتها حكومة نوري المالكي، مثل محاولاتها استهداف زعماء السُنَّة باتهامات الإرهاب والاعتقالات الجماعية للمواطنين السُنَّة، والتطبيق الانتقائي والمتحيّز لتدابير اجتثاث البعث، والتي كانت تطبَّق على نحو أقلَّ صرامة على البعثيين السابقين من الشيعة الذين حوَّلوا ولاؤهم لصالح المالكي.
أما خارج إطار العملية السياسية، فقد كان هناك تمرد سنّي أكثر تطرّفاً يتشكّل في العراق. فالاحتلال الأميركي، وتصاعد الدور السياسي للشيعة، والتدابير التي تم اتّخاذها لتطهير جهاز الدولة من أعضاء حزب البعث الحاكم السابق، وحلّ الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يهيمن عليها السُنَّة، كلها عوامل شجّعت موقفاً راديكالياً رافضاً، وأسهمت في إضفاء الشرعية على التمرّد السنّي وتغذيته. كان التمرّد طائفياً وإيديولوجياً، حيث وجد الجهاديون السلفيون في محاربة الاحتلال الأجنبي والسلطات الجديدة قضية مشتركة مع البعثيين السابقين والجماعات الإسلامية والقومية الأخرى.
وتتحدث الورقة عن تشكل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، في أبريل 2013، وقدمت الجماعة نفسها كحركة عابرة للحدود الوطنية، وتسعى إلى إقامة دولة إسلامية سُنّية. الأمر الذي ضاعف التوتر بين الدولة العراقية وبين داعش.
وبعد مقتل قائد الفرقة السابعة في الجيش العراقي، اللواء محمد الكروي، في كانون الأول/ديسمبر 2013، بدأ المالكي حملة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في الأنبار أطلق عليها “ثأر القائد محمد”. وسرعان ماحوّلت الحملة اهتمامها إلى الساحات التي كانت تجري فيها الاحتجاجات في الأنبار، والتي اعتبرها المالكي “أوكاراً للإرهابيين”.13 أثبت رئيس الوزراء أنه غير قادر على فصل الحرب ضد الإرهابيين عن حساباته السياسية، حيث توسّعت قائمة أهداف حملته. وفي 31 كانون الأول/ديسمبر، بدأت قوات الأمن العراقية تفكيك مخيمات الاعتصام، في حين داهمت وحدة خاصة منزل النائب السّني في البرلمان، أحمد العلواني، المعروف بخطاباته التحريضية وألقت القبض عليه وقتلت شقيقه.
وتناقش الورقة أيضا أثر الفيدرالية على الوضع الطائفي في العراق بين السنة والشيعة والأكراد.
ويوصي الباحث في ختام ورقته بعدة توصيات أهمها: معالجة مشاعر الاغتراب والنفور لدى السنة، ومعالجة الخلل في النظام السياسي الحالي وحتى استبداله وإجراء تعديلات كبيرة على الدستور بهدف توزيع السلطة على أساس الجغرافيا وليس على أساس الهويات الطائفية والعرقية.
يمكنكم الاطلاع على الورقة الكاملة هنا