يحلّ العاهل السعودي محمد بن سلمان، غدا الثلاثاء في تونس، في إطار جولته الخارجية الأولى منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول مطلع الشهر الماضي، بعد أن زار في بداية جولته حليفته دولة الإمارات العربية المتحدة.
زيارة أولى لتونس، سبقتها موجة رفض كبيرة من قبل عديد الفعاليات في البلاد، التي اعتبرت أن بن سلمان غير مرغوب فيه ببلادهم لما يمثّله من خطر على أمن واستقرار البلاد، خاصة وأن عديد الجهات الدولية تتهمه بارتكاب انتهاكات ضدّ حقوق الإنسان في داخل المملكة وخارجها.
صحفيو تونس يتصدرون معارضي الزيارة
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، اختارت طريقتها الخاصة للتعبير عن رفضها لهذه الزيارة، حيث نشرت النقابة، ليلة أمس الأحد، صورة عملاقة غطت كامل مبنى مقرها بالعاصمة تونس ترمز إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبيده منشار آلي وكتبت في أعلى الصورة “لا لتدنيس تونس الثورة”.
وكانت النقابة عبرت في رسالة مفتوحة إلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن رفضها لزيارة بن سلمان، وعدتها “محاولة لتبييض سجله الدامي، على خلفية تورطه ونظام الحكم في بلاده في جرائم بشعة تمس حقوق الإنسان، لعل آخرها جريمة اغتيال الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، حيث تشير تقارير دولية إلى تورط ابن سلمان نفسه في هذه الجريمة النكراء”.
تواجه السعودية سيلاً من الإدانات الدولية منذ مقتل خاشقجي
وكانت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش أكدت في تصريح لإذاعة شمس المحلية زيارة محمد بن سلمان إلى تونس بطلب منه يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، مشيرة إلى أنها تأتي في إطار سلسلة من الزيارات التي يقوم بها ولي العهد السعودي لعشر دول، في سياق مشاركته المرتقبة في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
وقرّرت نقابة الصحفيين التونسية رفع دعوى قضائية ضد زيارة بن سلمان المزمعة إلى البلاد الثلاثاء، وأكدت عضو المكتب التنفيذي للنقابة سكينة عبد الصمد خلال مؤتمر صحفي، أن النقابة “قررت رفع دعوى قضائية مستعجلة ضد زيارة ابن سلمان”، مشيرة في ذات الوقت إلى التحضير لـ”تحركات احتجاجية مبرمجة الاثنين لنقابة الصحفيين وجمعيات حقوقية بتونس العاصمة“.
ونددت النقابة بالموقف الرسمي التونسي بـ”قبول استضافة ابن سلمان الذي تلطخت يداه بدماء الصحفي السعودي جمال خاشقجي والشعب اليمني”، وقالت إنها “تستهجن الموقف الرسمي التونسي من الزيارة إلى البلاد وتندد به“.
بالتزامن مع ذلك، رفع عدد من المحامين والفنانين والمثقفين والإعلاميين التونسيين دعوى قضائية لدى المحكمة الابتدائية بتونس لإلغاء زيارة ولي العهد السعودي إلى بلادهم، نتيجة الشبهات التي تحوم حول تورط بن سلمان في عديد الجرائم في اليمن وسوريا والعراق، وفق ممثل المدعين.
بدوره دعا النائب في البرلمان التونسي، عماد الدايمي، إلى التحرك ضد الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي. ووضع الدايمي، أثناء كلمة في البرلمان، لافتة كتب عليها “لا أهلا ولا سهلا بالقاتل بن سلمان في تونس“. كما أعرب عن رفضه وزملاءه لزيارة محمد بن سلمان، بسبب تورطه في جرائم ضد الإنسانية، معتبرا أن الهدف منها “تلميع صورته على حساب صورة تونس”.
احتجاجات ميدانية
فضلا عن ذلك، من المنتظر أن تنظّم عدد من المنظمات والجمعيات المدنية التونسية، احتجاجات، تبدأ مساء اليوم الإثنين، أمام المسرح البلدي بالعاصمة تونس، رفضا لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى البلاد.
ومن بين المنظمات المشاركة جمعية مديري الصحف التونسية، والنقابة الوطنية للصحفيين، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهيئة المحامين الشبان، وجمعية النساء التونسيات.
وتوقعت التونسية أسماء الزريبي أن تتسبّب هذه الزيارة المرتقبة لبن سلمان في المزيد من الإضرار بسيادة تونس واستقلالية قرارها، خاصة وأن تونس هي مهد الربيع العربي وبلد الحريات ويجب ألا تقبل بزيارة المتورط في قتل الصحفي والكاتب جمال خاشقجي.
من المنتظر أن تشمل الجولة التي بدأه بن سلمان من الإمارات دولتي مصر والبحرين فضلا عن الجزائر وموريتانيا
وتقول الزريبي في تصريح لنون بوست، “بن سلمان متورط في أكثر من قضية انتهاك لحقوق الانسان من بينها قيادته للتحالف العسكري الاماراتي السعودي والتسبب بشكل مباشر في الحرب في اليمن التي نتجت عنها تفاقم الأزمة بالبلاد وانتشار الفقر والمجاعة التي أصبحت تهدد 14 مليون ساكن ما يعادل نصف سكان اليمن.“
وأضافت، “على التونسيين أن يتكاتفوا لمنع حلول بن سلمان على التراب التونسي ومنعه من تدنيسه، فالهدف الرئيس من زيارة ولي العهد السعودي إلى تونس هو دون شك من اجل تبييض سجله الدامي على خلفية تورطه ونظام الحكم في بلاده في جرائم بشعة تمس حقوق الإنسان.”
من جهتها عبّرت الإعلامية التونسية ملاك القاطري، عن رفضها لهذه الزيارة المرتقبة وقالت، “نحن ضد زيارة المجرم بن سلمان إلى أرض تونس الثورة، تونس التي ثارت ضد الاستبداد.. بن سلمان هو سفاح لا يرتقي إلى رتبة إنسان.. ارتكب جرائم عدّة لكن مقتل حاشقجي أصاخ السمع عندما مضى القدر على غير اختيار.”
وأضافت القاطري في تصريح لنون بوست، “كيف لمجرم أن يأتي إلى أرض تونس وهو من قتل وقطّع وذوّب جثة صحفي ذنبه الوحيد أنه استعمل سلطة القلم والكلمة، التاريخ شاهد ولن يرحم.. فمهما حاول تبييض صورته ومهما دفع من أموال لشراء بعض ذمم حكام العرب فإن بريق أمواله لا يخدع إلاّ أولي النظر القصير الذين يتناسون ما تقترفه الرعاة في حق رعاياهم.”
واعتبرت الإعلامية التونسية أن هذه الزيارة الغرض منها تلميع بن سلمان لصورتهعلى حساب صورة تونس.. وتقول، “حسب ما بلغنا من زملاء خاشقجي فإن آخر مقال كتبه في واشنطن بوست ولم ينشر كان حول حرية التعبير في تونس.. فهل يعقل ان نخذل جمال ونسقبل قاتله؟
في ذات السياق، قالت روى الحجي إن “تونس البلد القائد لثورات الربيع العربي لا يتشرف بزيارة أبو منشار إلى أراضيها أو أي مسؤول حكومي ناطق باسم نظام أل سعود العميل للحركة الصهيونية، فلم تشهد البلدان العربية نكبات سياسية واقتصادي، واجتماعية إلا ووجدنا هذا النظام الرجعي الديكتاتوري مساهما فيها.”
وتضيف الحجي في تصريح لنون بوست، “ابتداء من النكبة الفلسطينية مرورا باليمنية وصولا إلى الجريمة النكراء لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد التنكيل بجثته، كلّها أسباب تعجلنا نرفض هذه الزيارة.” ودعت روى رئاسة الجمهورية إلى مراجعة قرارها والامتثال إلى طلب الشعب التونسي برفض هذه الزيارة.
وأكّدت محدّثتنا أن تونس الثورة ليست ممسحة لأيادي بن سلمان الملطخة بدماء ملايين الأبرياء، وزيارته لن تمثل سوى نقطة سوداء في مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، فـ “لا أهلا ولا سهلا بمجرمي الحرية”، وفق قولها.
هذه الجولة التي استهلها محمد بن سلمان بزيارة حليفته دولة الإمارات العربية المتحدة، من المنتظر أن تشمل أيضًا دولتي مصر والبحرين فضلا عن الجزائر وموريتانيا لإجراء محادثات بشأن تطورات الوضع في اليمن وسبل مواجهة الإرهاب وملف إيران ومسار عملية السلام في الشرق الأوسط.
مواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل
رفض التونسيين لزيارة بن سلمان ظهر جليا أيضا في مواقع التواصل الاجتماعي، فمنذ الإعلان عن هذا الخبر، حتى بدأ التنديد والاستنكار، واعتبر عديد من التونسيين هذه الزيارة تدنيس لبلادهم ومسّ بديمقراطيتهم الناشئة التي لا تقبل العودة إلى الوراء.
وتحت هاشتاغ لا أهلا ولا سهلا بالسفاح، كتب السياسي التونسي محمد الهادي إبراهيم في تدوينة على حسابه الخاص على موقع فيسبوك جاء فيها “صاحب المنشار في بلاد الأحرار…تظاهروا وأطردوه…هذا خطر على الامن القومي…والاستقرار.!!!
من جهته عبّر المحامي التونسي سيف الدين المخلوف عن رفضه لهذه الزيارة بطريقته وكتب تحت نفس الهاشتاغ الذي تداوله الألاف من التونسيين والعرب، وكتب في تدوينة على حسابه في موقع فيسبوك ” شعب تونس شعب أحرار لا يتشرّف بالمنشار.”
مصطفى العرفاوي اختار الكتابة تحت شعار لا لقاتل خاشقجي بتونس، ودوّن على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي توتير تدوينة عبٍّ من خلالها عن رفضه تبييض جريمة بن سلمان بالمال وتدنيس الثورة باستقبال قاتل لا شك في جريمته، وفق قوله.
نرفض تبييض جريمة بن سلمان بالمال وتدنيس الثورة باستقبال قاتل لا شك في جريمته. الباجي لا يمثل الشعب التونسي . الرجل لم يعد يعرف ماذا يفعل…الرجوع لربي…توب سيب عليك.#لا_لقاتل_خاشقجي_بتونس
— مصطفى العرفاوي (@abouama52) November 23, 2018
وتواجه السعودية سيلاً من الإدانات الدولية منذ مقتل خاشقجي، الصحفي المتعاقد مع صحيفة “واشنطن بوست” الذي كان مقربًا من العائلة الحاكمة في المملكة قبل أن يصبح من منتقديها وانتقل من بلاده إلى الولايات المتحدة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد عام 2017
وطيلة الشهر الماضي نسبت لمحمد بن سلمان اتهامات متكررة عبر التقارير الإعلامية وتصريحات بعض الساسة بالتورط في عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، على الرغم من أن أي جهة رسمية لم تحمّل حتى الآن الأمير محمد المسؤولية عن القضية.
بدورها، شاركت الناشطة في المجتمع المدني التونسية سمية الغنوشي في هذه الفعاليات، وكتبت تدوينة عبّرت من خلالها عن رفضها لزيارة بن سلمان لبلادهم، وقالت، “تونس الثورة لا ترحب بمن يطارد المعارضين، ويغتالهم ويقطعهم إربا.”
لا أهلا ولا سهلا بقاتل #خاشقجي في تونس. تونس الثورة لا ترحب بمن يطارد المعارضين، ويغتالهم ويقطعهم إربا. تونس الحرة لا يمكن شراؤها بالمال والعطايا #لا_لقاتل_خاشقجي_بتونس
— Soumaya Ghannoushi سمية الغنوشي (@SMGhannoushi) November 23, 2018
هذا الرفض الشعبي الكبير، من شأنه أن يربك زيارة العاهل السعودي محمد بن سلمان إلى تونس إن تمّت، فهذه المرة الأولى التي يلاقي فيها بن سلمان مثل هذه المعارضة في دولة عربية، خاصة وأنه يطمح إلى تبيض صورته بعد الهزات الكبيرة التي شهدتها في الفترة الأخيرة نتيجة الاتهامات الموجهة إليه فيما يتعلق بحرب اليمن وقتل خاشقجي.