تتواصل الفعاليات الشعبية في تونس، المناهضة لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للبلاد، لدفع السلطات الحاكمة هناك لإلغاء هذه الزيارة “العار” على جبين التونسيين، وفق ما وصفها البعض، زيارة مرتقبة كانت كفيلة بتوحيد العديد من الأطياف في تونس تحت لافتة واحدة “لا أهلاً ولا سهلاً بصاحب المنشار”.
“ابن سلمان مجرم حرب”
في أحدث تحرّك عرفته مهد الثورات العربية، نظم المئات من التونسيين مساء أمس الأحد وقفة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة قلب العاصمة تونس للتنديد بهذه الزيارة التي تعتبر الأولى لعضو في الأسرة المالكة السعودية لتونس منذ ثورة 2011 التي فر على إثرها الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ولجأ إلى السعودية.
تجمع تونسيون بدعوة من عشر منظمات بينها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهيئة المحامين الشبان، احتجاجًا على الزيارة.
تواجه المملكة العربية السعودية سيلاً من الإدانات الدولية منذ مقتل خاشقجي
ردّد المشاركون في هذه الوقفة الاحتجاجية شعارات مناهضة للسياسات السعودية في المنطقة، من قبيل “يا سلمان يا جزار يا عميل الأمريكان” و”شركاء في العدوان ابن سلمان والأمريكان”، كما رفعو لافتات كُتب عليها “ابن سلمان مجرم حرب” و”قاتل أطفال اليمن” و”محمد بن سلمان غير مرحب بك في تونس”.
ويزور العاهل السعودي، اليوم الثلاثاء، تونس في إطار جولته العربية الأولى منذ توليه منصبه، واستهلّ محمد بن سلمان هذه الجولة بزيارة حليفته الإمارات، وشملت الجولة أيضًا دولتي مصر والبحرين، على أن تشمل أيضًا الجزائر وموريتانيا لإجراء محادثات بشأن تطورات الوضع في اليمن وسبل مواجهة الإرهاب وملف إيران ومسار عملية السلام في الشرق الأوسط.
وكانت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش أكدت في تصريح لإذاعة شمس المحلية أن زيارة محمد بن سلمان إلى تونس بطلب منه يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، مشيرة إلى أنها تأتي في إطار سلسلة من الزيارات التي يقوم بها ولي العهد السعودي لعشر دول، في سياق مشاركته المرتقبة بقمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
مسرحية صامتة
خلال هذه الوقفة الاحتجاجية مثّلت فرقة فنية شابة، مسرحية قصيرة جسّدت خلالها بطريقة ساخرة جرائم محمد بن سلمان والنظام السعودي بالمنطقة، من قمع حرية التعبير إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وصولاً إلى عملية قتل جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول في الـ2 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعرضت “مجموعة المهرجون الناشطون”، مشاهد صامتة تبيّن كيفية قتل جمال خاشقجي وتقطيع جثته ووضع بعضها في حقائب سفر، وجسد أحدهم شخصية محمد بن سلمان وهو يخرج أعضاء من الجثة المفترضة مضرجة بالدم من حقيبة.
وتواجه المملكة العربية السعودية سيلاً من الإدانات الدولية منذ مقتل خاشقجي الصحفي المتعاقد مع صحيفة “واشنطن بوست” الذي كان مقربًا من العائلة الحاكمة في المملكة قبل أن يصبح من منتقديها وانتقل من بلاده إلى الولايات المتحدة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد عام 2017.
طيلة الشهر الماضي نسبت لمحمد بن سلمان اتهامات متكررة عبر التقارير الإعلامية وتصريحات بعض الساسة بالتورط في عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، على الرغم من أن أي جهة رسمية لم تحمّل حتى الآن الأمير محمد المسؤولية عن القضية.
وقالت تونسية تدعى تقوى، في تصريح لنون بوست: “المجرم ابن سلمان أينما يحل تحل معه مصيبة وغير مرحب به في تونس والشعب قال كلمته بهذا الخصوص في مظاهرات وتظاهرات ثقافية مثل العرض المسرحي الذي قدم في شارع الثورة، تنديدًا بهذه الزيارة التي تعد تطبيعًا مع جرائم السعودية في اليمن وجريمة القتل الشنيعة المرتكبة في حق خاشقجي”.
وسبقت هذه الاحتجاجات، تقديم عدد من الإعلاميين والمثقفين والمحامين والشخصيات الوطنية دعوة قضائية لدى المحكمة الابتدائية بتونس لمنع هذه الزيارة المرتقبة نتيجة الشبهات التي تحوم حول تورط ابن سلمان في العديد من الجرائم في اليمن وسوريا والعراق.
قضية خاشقجي الأسوأ في سجال ولي العهد السعودي
كثير من التونسيين عبّروا عن عدم استعدادهم للتفريط في إنسانيتهم بالصمت عن هذه الزيارة، في هذا الشأن قالت التونسية سمية بن حمد: “لا تفريط في قيمنا الإنسانية بالصمت عن زيارة شخص توسم بوسم المجازر والمظالم وبرع في انتهاك القيم التي حاربنا من أجلها في ثورتنا”.
وأوضحت بن حمد في تصريحها لنون بوست “الجميع يعرف أن تونس كان لها السبق في الوقوف ضد الديكتاتورية وضد العنترية المتمثلة في تكميم الأفواه، وعندما ثار شعبها 2011 لم يثر حقيقة ضد بن علي فقط بل ضد سنوات الرجعية وبغية قطعه مع فكرة الرضوخ لكل من يستهدف الحرية التي هي قيمة من قيم الإنسانية”.
خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أن مقتل خاشقجي جاء بأمر من ولي العهد السعودي
أضافت “نحن كتونسيين قطعنا شوطًا جيدًا في كسر الحصار الذي فرض على الصحافة وحرية التعبير طيلة سنوات وكل الشعوب صفقت منذ سنوات لثورة تونس وشعبها الذي أثبت بجدارة أنه حر وواعٍ بحقوقه كاملة، لذلك وجب علينا اليوم ألا نتراجع عن قيمنا التي حققناها بدم شهداء أحرار”.
وأكّدت سمية أن ابن سلمان أخطأ في التفكير بزيارة تونس بالذات، فشتان بين قيم هذا الشعب الحر وممارسات ولي العهد المشينة، المعادلة بسيطة جدًا أفعال ابن سلمان مرفوضة تمامًا من الشعب التونسي لذلك يجب أن يعي أن زيارته مرفوضة أيضًا، لقد تمرغت صورة ولي العهد أمام العالم اليوم ومن الحكمة ألا يفكر في تلميع صورته المشينة”.
يذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) خلصت إلى أن مقتل خاشقجي، جاء بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حسبما أفادت تقارير إعلامية أمريكية.
“من تونس هنا اليمن”
نوال غريبي خريجة كلية الحقوق بصفاقس، قالت في تصريح لنون بوست: “من تونس هنا اليمن، لا أهلاً ولا سهلاً بسفاح أطفال اليمن، بصفتي مجازة في الحقوق، فإني أومن بالحقوق والحريات، أهم حق وأكثرها قداسة، الحق في الحياة الذي سلبه ابن سلمان من اليمن”.
وتضيف غريبي في تصريحها لنون بوست: “ستظل روح الطفلة أمل التي لقبت بأمل اليمن وقتلت جوعًا، لعنة تلاحق ابن سلمان أينما ذهب”، ومطلع هذا الشهر توفيت “أمل” التي هزّت صورتها العالم واختزلت بجسدها الهزيل وعينيها الغائرتين، حجم المأساة التي يعيشها الأطفال في بلد مزقته الحرب.
وقبل أيّام، قالت مؤسسة خيرية إن نحو 85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما ماتوا بسبب سوء التغذية الحاد خلال ثلاث سنوات من الحرب في اليمن، وقالت منظمة “انقذوا الأطفال“، ومقرها بريطانيا، إن هذا العدد يساوي مجموع من هم دون الخامسة في برمنغهام، ثاني أكبر المدن البريطانية.
أكدت محدثتنا أنها خرجت للشارع للتظاهر إلى جانب المئات من التونسيين، “رفضًا لقدوم خائن الحرمين الشريفين لتونس الثورة، فلا يمكننا كشعب حر رافض للقيود مؤمن بالحقوق والحريات أن نستقبل محاصر اليوم، الذي ارتكب أشنع جرائم الحرب ضد أطفال ونساء اليمن”، وأضافت “جرائم آل سعود أكبر من تاريخها كمملكة ولا يمكننا نحن شعب تونس الثورة أن نستقبل الخونة والعملاء، فعلها الملك سلمان واستقبل جلاد الشعب المخلوع بن علي، لكن نحن لن نفعلها ولن نستقبل سفاح اليمن”.
ومنذ بدء عملياته باليمن في مارس/آذار 2015، اتهمت منظمات حقوقية التحالف السعودي الإماراتي بالتسبب بمقتل مئات المدنيين بغارات أصابت أهدافًا مدنية، وتشير تقديرات دولية إلى أن تلك الحرب – التي تدور منذ أكثر من ثلاث سنوات – أودت بحياة أكثر من عشرة آلاف إنسان، بينهم أكثر من ألفي طفل.
قامع الحريات وجلاد النساء
رفض الزيارة لم يكن سببه فقط تورط ابن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات السعودية في اليمن وتسبب قواتها في مقتل الآلاف هناك، بل أيضًا سجل المملكة العربية السعودية الحافل في الانتهاكات ضد النساء وقمع الحريات في الداخل السعودي.
وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي تعني بالشأن الحقوقي إن السلطات السعودية صعدت حملة قمع منسقة ضد المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان، منذ استلام محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، وتقول الإعلامية التونسية هاجر الشارني لنون بوست: “استقبال ابن سلمان سفاح الصحفيين، قامع الحريات وجلاد المرأة من رئيس الجمهورية يعتبر خيانة للشعب التونسي وتواطؤًا مع خادم أمريكا والكيان الإسرائيلي”.
وأوضحت الشارني “استقبال الرئيس التونسي السبسي الذي دعا إلى تغيير القوانين المتعلقة بالمرأة التونسية ودعم مكاسبها اليوم لابن سلمان الذي يعتبر المسؤول الأول عن سجن ناشطات سعوديات وتعذيبهم، يعتبر إهانة للتونسيات ولا مبالاة لحقوق الإنسان المنتهكة في أرض الحرمين”.
يواجه السبسي ضغطًا كبيرًا لإلغاء زيارة ابن سلمان
مطلع هذا الشهر، قدم ممثلو الدول الذين اجتمعوا في جنيف للمراجعة الدورية لسجل حقوق الإنسان في السعودية توصيات تضمنت الإفراج الفوري عن النشطاء السعوديين – بمن فيهم ناشطات قيادة المرأة – المسجونين فقط بسبب دعوتهم السلمية للإصلاح، كما دعت الدول أيضًا إلى إنهاء التمييز ضد المرأة.
أوصى ممثلو الدول بأن تضع السعودية حدًا للتمييز ضد المرأة، بما فيه إنهاء نظام ولاية الرجل التمييزي الذي بموجبه لا يُسمح للنساء بالتقدم بطلب للحصول على جواز سفر أو الزواج أو السفر أو إطلاق سراحهن من السجن من دون موافقة ولي الأمر الذكر، وعادة ما يكون الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن، وحثّت إحدى الدول المملكة على ضمان حقوق المرأة عن طريق سن تشريع لمكافحة التمييز.
إحراج للرئاسة
هذا الرفض الكبير الذي أظهره التونسيون لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبلادهم، من شأنه أن يمثّل ضغطًا كبيرًا على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي ينوي استقبال ابن سلمان في قصر الرئاسة بقرطاج.
وأكدت مديرة الديوان الرئاسي في تونس سلمى اللومي الرقيق، أمس الإثنين خلال الجلسة العامة المخصصة للمصادقة على مشروع ميزانية رئاسة الجمهورية لسنة 2019، بأن ”علاقة تونس بالمملكة العربية السعودية علاقة طيبة والأمير محمد بن سلمان يمثل المملكة العربية السعودية ومرحّب به”.
يُتهم ابن سلمان بارتكاب جرائم حرب في اليمن
قبل ذلك قال نور الدين بن تيشة مستشار الرئيس التونسي: “ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مرحب به في تونس”، وأضاف بن تيشة المستشار السياسي لرئيس الجمهورية التونسية: “ابن سلمان سيزور تونس، يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو مرحب به في تونس كبقية الأشقاء العرب”، مشيرًا إلى أن السعودية لها دور مهم في المنطقة العربية.
في حال تمت هذه الزيارة، ستمثل ضربة قوية لشعبية الرئيس الباجي قائد السبسي التي تعرف خلال هذه الفترة تراجعًا كبيرًا بسبب دوره في تأزيم الوضع بالبلاد، ووقوفه صدًا أمام عمل الحكومة التي يرأسها رئيس الوزراء يوسف الشاهد.