ترجمة وتحرير: نون بوست
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن السلطات القضائية الأرجنتينية بدأت النظر في طلب يتعلق بدور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيما يتعلق بجرائم الحرب المزعومة التي قام بها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والتعذيب الذي تنتهجه ضد المسؤولين السعوديين. ومن المتوقع أن يحضر ولي العهد قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس في 30 تشرين الثاني /نوفمبر 2018.
في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قدمت “هيومن رايتس ووتش” طلبا إلى المدعي الفيدرالي الأرجنتيني تبين فيه نتائج الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي التي ارتُكبت خلال النزاع المسلح في اليمن، والتي قد يواجه محمد بن سلمان عقوبات جنائية بسببها نظرا لاضطلاعه بمنصب وزير الدفاع في المملكة. علاوة على ذلك، يسلط هذا التقرير الذي قدمته “هيومن رايتس ووتش” الضوء على احتمال تورط ولي العهد في بعض المزاعم الخطيرة التي تتعلق بتعذيب المواطنين السعوديين وإساءة معاملتهم، بما في ذلك اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.
يعترف الدستور الأرجنتيني بمبدأ الولاية القضائية العالمية فيما يتعلق بجرائم الحرب والتعذيب، مما يعني أن السلطات القضائية في البلاد مخولة بالتحقيق في هذه الجرائم وإصدار الأحكام بغض النظر عن موقع ارتكابها
من جهته، صرح المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كينيث روث، قائلا: “ينبغي على سلطات الملاحقة القضائية في الأرجنتين دراسة دور محمد بن سلمان المحتمل في الجرائم التي قامت بها قوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ سنة 2015. ويمكن لحضور ولي العهد في منتدى مجموعة العشرين في بوينس آيرس أن يجعل من المحاكم الأرجنتينية وسيلة لإنصاف ضحايا الانتهاكات، الذين لا يقدرون على التماس العدالة في كل من اليمن والمملكة العربية السعودية.
يعترف الدستور الأرجنتيني بمبدأ الولاية القضائية العالمية فيما يتعلق بجرائم الحرب والتعذيب، مما يعني أن السلطات القضائية في البلاد مخولة بالتحقيق في هذه الجرائم وإصدار الأحكام بغض النظر عن موقع ارتكابها، وبغض النظر عن جنسية مقترفها أو جنسية ضحاياه. ووفقا لإفادة هيومن رايتس ووتش، تمثل القضايا ذات الاختصاص العالمي جزءا متنامي الأهمية من الجهود الدولية الرامية إلى محاسبة المسؤولين عن اقتراف هذه الفظائع، فضلا عن تقديم العدالة للضحايا الذين لا يمتلكون مكانا آخر للحصول على حقوقهم. بالإضافة إلى منع الجرائم والحيلولة دون حدوثها في المستقبل، والحرص على عدم تحول الدول إلى ملاذات آمنة لمنتهكي حقوق الإنسان.
ينص قانون الإجراءات الجنائية الأرجنتيني على أنه بإمكان أي شخص التقدم بأي طلب إلى السلطات القضائية في بلاده في حال علم أو تأثر بإحدى الجرائم التي وقع ارتكابها. وفي حال كانت هناك بعض الدلائل على احتمال ارتكاب جريمة ما، يتم توكيل الأمر لمدع عام أو قاض فدرالي عن طريق الاقتراع، وذلك حتى يتسنى له إجراء تحقيق رسمي. وبناء على ذلك، أُرسل طلب منظمة هيومن رايتس ووتش إلى القاضي الفدرالي أرييل ليخو.
منذ شهر آذار/ مارس 2015، نفذت قوات التحالف التي تقودها السعودية عشرات الغارات الجوية العشوائية والمتفاوتة على المدنيين وبعض الأهداف المدنية في اليمن، على غرار المساجد والمنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق
تجدر الإشارة إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان يشغل منصبي وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء، وهو ما يخول له الإشراف على جميع القوى العسكرية في المملكة العربية السعودية. ووفقا لمعطيات موقع وزارة الدفاع السعودية، سبق له الإشراف على قيادة التحالف الدولي الذي يقوم بحملة عسكرية على اليمن. ويفيد مسؤولون تابعون لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن محمد بن سلمان وكبار القادة السعوديين يواجهون تتبعات جنائية محتملة نظرا لدورهم القيادي في العمليات العسكرية التي تقودها المملكة خلال إشرافها على قوات التحالف.
منذ شهر آذار/ مارس 2015، نفذت قوات التحالف التي تقودها السعودية عشرات الغارات الجوية العشوائية والمتفاوتة على المدنيين وبعض الأهداف المدنية في اليمن، على غرار المساجد والمنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق. وتشير الكثير من الهجمات إلى جرائم حرب محتملة، خاصة إذا تبين أنها نُفذت بنية إجرامية. ولم تكتف قوات التحالف بهذا القدر، لتفرض أيضا حصارا بحريا وجويا على اليمن وتحافظ عليه، وهو ما فرض قيودا شديدة على تدفق الغذاء والوقود والأدوية إلى المواطنين اليمنيين. نتيجة لذلك، يواجه ملايين المدنيين الجوع والمرض.
كما أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش أن التحقيقات التي أجرتها قوات التحالف بقيادة السعودية في جرائم الحرب المزعومة في اليمن تفتقر إلى المصداقية. وفي سنة 2016، أنشأ التحالف فريقا مكلفا بالتحقيق وجمع الأدلة وإعداد التقارير والتوصيات بشأن “المطالب والحوادث” التي جدت خلال عمليات القوى العسكرية للتحالف في اليمن. وحيال هذا الشأن، توصل بحث هيومن رايتس ووتش إلى استنتاج مفاده أن الهيئة المكلفة بالتحقيق فشلت في الإيفاء بالمعايير الدولية المتعلقة بالشفافية والنزاهة والاستقلالية.
بينت هيومن رايتس ووتش أن التجارب الوطنية في العديد من البلدان توضح أن الممارسة الفعالة والعادلة لمبدأ الولاية القضائية العالمية يمكن تحقيقه في حال كان هناك مزيج صحيح من القوانين المناسبة والموارد الكافية والالتزامات
في شأن ذي صلة، أضافت هيومن رايتس ووتش أن الحكومة السعودية في عهد محمد بن سلمان متورطة في مزاعم خطيرة تتعلق بالتعذيب والعديد من العمليات التي تتضمن إساءة معاملة المواطنين السعوديين. وسبق للمنظمة العالمية وعدة منظمات مماثلة الإشارة إلى تعذيب السلطات السعودية لناشطات حقوقيات محتجزات منذ شهر آيار/ مايو الماضي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تبين العديد من التقارير التي تثبت تورط بن سلمان في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، فضلا عن إمكانية تعذيبه لجمال خاشقجي. وبناء على ذلك، دعت هيومن رايتس ووتش تركيا لدفع الأمم المتحدة لإجراء تحقيق من شأنه تحديد الظروف المتعلقة بدور الحكومة السعودية في مقتل خاشقجي.
خلال العقدين الماضيين، تابعت المحاكم الوطنية التابعة لعدد كبير من البلدان النظر في قضايا تتعلق بجرائم دولية خطيرة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعمليات الإبادة الجماعية، فضلا عن التعذيب والإخفاء القسري وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء التي تحدث في الخارج. وفي هذا الصدد، بينت هيومن رايتس ووتش أن التجارب الوطنية في العديد من البلدان توضح أن الممارسة الفعالة والعادلة لمبدأ الولاية القضائية العالمية يمكن تحقيقه في حال كان هناك مزيج صحيح من القوانين المناسبة والموارد الكافية والالتزامات المؤسسية والإرادة السياسية.
بموجب ذلك، صرح كينيث روث أن “قرار المسؤولين الأرجنتينيين بالتحرك نحو إجراء هذا التحقيق سيمثل إشارة قوية على أنه حتى المسؤولون الكبار مثل محمد بن سلمان ليسوا بمنأى عن المساءلة القانونية. ويجب أن نعلم أنه من المرجح أن يواجه ولي العهد السعودي تحقيقا جنائيا في حال وطأت قدماه الأرجنتين”.
المصدر: هيومن رايتس ووتش