ترجمة وتحرير: نون بوست
تستعد شركات السلاح في العالم للتوجه نحو مصر في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول. وعلى مدى ثلاثة أيام، سوف يحاول ممثلون عن مئات شركات الصناعات الدفاعية في العالم الاحتكاك بالجنرالات المصريين، وبيع منتجاتهم إلى واحد من أكبر المشترين للأسلحة المتطورة.
“إيدكس 2018″؛ هو أول معرض تسلح في مصر، سيفتح أبوابه بين 3 و5 ديسمبر/ كانون الأول في المركز الدولي للمعارض الذي شيد حديثا في مصر، وهو امتداد من الكتل الخراسانية المشيدة في الصحراء في العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقوم الحكومة المصرية بإنشائها على مشارف القاهرة بكلفة جملية تناهز 300 مليار دولار.
تعكس هذه المناسبة اثنين من أبرز سمات حكم عبد الفتاح السيسي لمصر: وهما الإنفاق الحكومي المسرف على التسلح، وإطلاق المشاريع الضخمة. خلال السنوات الخمس التي تلت الانقلاب العسكري الذي أوصل عبد الفتاح السيسي للحكم في 2013، ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 215 بالمائة، مقارنة بالسنوات الخمس السابقة. فقد قام النظام الحاكم بصرف مبلغ جملي قدره 6.6 مليار دولار على المعدات العسكرية، وهو ما جعل مصر في المرتبة الثالثة في ترتيب موردي السلاح في العالم، بعد الهند والسعودية.
في نفس الوقت، شرعت الحكومة المصرية في تنفيذ مشاريع إنشائية عملاقة، يعتبر المنتقدون أنها تفتقر لحسن التصرف، وغرضها الوحيد هو التباهي بوجود إنجازات. وإلى جانب العاصمة الإدارية الجديدة، التي يوجد فيها قطار كهربائي معلق، قامت الحكومة بأشغال توسعة لقناة السويس بكلفة 8 مليار دولار.
هنالك جدل كبير يدور حول مدى الحاجة لهذا الإنفاق الضخم على التسلح البحري. حيث أن القوات المسلحة المصرية توجه حملتها العسكرية الأساسية إلى الحرب ضد التمرد المسلح في شمال شبه جزيرة سيناء.
تزايدت وطأة هذا الإنفاق الهائل للحكومة، حيث أنه في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن البنك المركزي المصري أن الدين العام الخارجي للبلاد تجاوز 92 مليار دولار، وهي زيادة بقدر 17.2 بالمائة عن العام السابق. كما قفز هذا الدين الخارجي إلى الضعف تقريبا منذ 2015، والآن ستبلغ مدفوعات الفائدة عن هذا الدين المصري حوالي 30 مليار دولار سنويا، أي 38 بالمائة من الميزانية الحكومية للسنة المالية 2018-2019.
صعود صاروخي للدين
تقر الحكومة المصرية بمشكلة كثرة الديون، إذ أنه في سبتمبر/ أيلول الماضي، صرح وزير المالية محمد معيط بأن كلفة خدمة الدين أصبحت تمثل مشكلة كبيرة. وفقا لأحمد غنيم، الخبير الاقتصادي والدبلوماسي المصري، “فإن الإنفاق الكبير على مشاريع ضخمة أدى إلى صعود صاروخي في ديون مصر. وفي الماضي كانت مشكلة المصريين دائما هي تزايد الدين المحلي، ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية نشهد ظهور مشكل حقيقي في مستويات الدين الخارجي.”
في الواقع، هنالك الآن تساؤلات حول مدى حكمة الإنفاق العسكري المسرف للحكومة، حيث أن عقود شراء تم إبرامها مؤخرا تضمنت اقتناء طائرات مقاتلة، وسفن ميسترال برمائية هجومية، والفرقاطة الفرنسية الإيطالية متعددة المهام من الفئة “فريم”، التي تستخدمها البحرية المصرية دون تركيب أنظمة الأسلحة الموجودة فيها.
ضباط البحرية المصرية يقفون على سطح الغواصة الألمانية الصنع “أس 42″، أثناء حفل تسليمها في مدينة كيل الألمانية في أغسطس/ آب 2017.
في الحقيقة، هنالك جدل كبير يدور حول مدى الحاجة لهذا الإنفاق الضخم على التسلح البحري. حيث أن القوات المسلحة المصرية توجه حملتها العسكرية الأساسية إلى الحرب ضد التمرد المسلح في شمال شبه جزيرة سيناء.
في المقابل، قول بعض الخبراء العسكريين إن انعدام الاستقرار في بلاد الشام، واكتشاف مخزونات طاقية في عرض البحر، دفعا الحكومة في تقييمها للمخاطر لإعادة توجيه اهتمامها نحو البحر المتوسط والبحر الأحمر، وهو ما يفسر رغبتها في تطوير تسليح قواتها البحرية.
وفي هذا الشأن، صرح محلل عسكري مصري لموقع “ميدل إيست آي” بشرط عدم الكشف عن هويته: “إن المشكلة مع الحكومة المصرية هي أنها تسيء إدارة عملية توسيع وتعصير قدرات الجيش. ولهذا فإنها على الأرجح سينتهي بها الأمر إلى اكتساب قدرات استعراضية عوضا عن جيش بحر قادر على خوض مهمات قتالية مطولة.”
التقشف للفقراء
في الأثناء، يعاني الاقتصاد المصري من عديد المشاكل، إذ أنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، صادقت مصر على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار تهدف إلى إعادة التوازن للاقتصاد وتجنب انهيار كارثي.
هذا البرنامج التقشفي الذي تنفذه الحكومة فشل على نطاق واسع في تلبية احتياجات حوالي 50 بالمائة من الشعب المصري، الذين يعيشون تحت أو قرب خط الفقر
هذا البرنامج الذي ثبت عدم تقبله في صفوف الشعب المصري، رافقه نظام تقشف مالي تم بمقتضاه إلغاء الدعم على المواد الطاقية والغذاء، وخوصصة بعض شركات القطاع الحكومي، وتراجع الخدمات المدنية، وتعويم الجنيه المصري، وهو ما أدى إلى انهيار كبير في قيمة هذه العملة.
في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت الحكومة أن سعر تذكرة المترو في القاهرة سوف يرتفع مجددا في ديسمبر/ كانون الأول. وفي آخر مناسبة تم فيها الترفيع من أسعار تذاكر المترو في مايو/ أيار الماضي، شهدت البلاد مظاهرات ضد هذا القرار جوبهت بحملة اعتقالات.
أما في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، قال وزير التموين علي المصيلحي إن الحكومة ستتخذ أيضا قرارا بحرمان بعض العاملين في القطاع العام من البطاقات التموينية المعتمدة لتوزيع الغذاء. وفي حزيران/ يونيو، رفعت الحكومة المصرية سعر الغاز بنسبة 50 في المائة.
هذا البرنامج التقشفي الذي تنفذه الحكومة فشل على نطاق واسع في تلبية احتياجات حوالي 50 بالمائة من الشعب المصري، الذين يعيشون تحت أو قرب خط الفقر، بحسب عبد الحكيم مكاوي، الخبير الاقتصادي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة تعنى بأبحاث حقوق الإنسان. ويقول مكاوي: “إضافة إلى ذلك هنالك نقص في خلق الوظائف الجديدة وتراجع في الصادرات، كما أن النمو الاقتصادي في مصر لا يستفيد منه الفقراء وذلك بسبب التدابير المالية المشددة، التي أثرت على الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات المدنية.”
رغم ذلك يواصل صندوق النقد الدولي الذي أوصى بتنفيذ هذه الإجراءات، دعم السياسات الحكومية، حيث أعلن الصندوق في آخر تقييم له للبرنامج الاقتصادي المصري: “إن مخطط ضبط الأوضاع المالية العامة الذي وضعته السلطات يسير على السكة الصحيحة.”
تشير تقديرات منظمة الهجرة الدولية إلى أن الاقتصاد المصري يحتاج لخلق 750 ألف وظيفة جديدة، من أجل الاستجابة لاحتياجات العدد المتزايد من السكان
ولكن رغم هذا المديح من صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد المصري في الواقع لا يزال يعاني من التقلب وانعدام الثقة، بحسب رأي أسامة دياب، الباحث في قضايا الاقتصاد والتنمية في مركز التحرير التابع لمعهد سياسات الشرق الأوسط. ويقول أسامة: “إن المعدلات العالية للتضخم والزيادة غير المسبوقة لأسعار خدمات المرافق العامة جعل أغلب المصريين يتأثرون سلبا بهذا البرنامج.”
الاقتصاد المتداعي
تشير تقديرات منظمة الهجرة الدولية إلى أن الاقتصاد المصري يحتاج لخلق 750 ألف وظيفة جديدة، من أجل الاستجابة لاحتياجات العدد المتزايد من السكان. إلا أن هذا الاقتصاد خلال الفترة الماضية فشل في خلق الوظائف، وقد بقيت معدلات البطالة تتحرك قرب مستوى 10 بالمائة. كما تواجه كبرى الشركات المصرية صعوبات هي أيضا، إذ أنه منذ بداية العام، تعرض مؤشر البورصة المصرية، EGX 30، إلى هبوط بنسبة 7.41 بالمائة.
خلال هذا العام، يمكن اعتبار أن الاقتصاد حقق بعض النمو، عند المقارنة مع نسب النمو في الأعوام التي تلت الانقلاب العسكري في 2013. وفي السنة المالية 2018-2019، حقق الناتج المحلي الإجمالي المصري ارتفاعا بنسبة 5.3 بالمائة، وهي النسبة الأعلى خلال 10 سنوات.
في مدينة الصفيح عزبة النخل الواقعة في شمال العاصمة المصرية القاهرة، يكافح السكان يوميا للحصول على احتياجاتهم.
فاقت معدلات التضخم بكثير معدلات النمو، ففي أكتوبر/ تشرين الأول، وصلت نسبة التضخم إلى 17.7 بالمائة، وهي زيادة سببها الارتفاع السريع في الأسعار الذي شهدته البلاد خلال العامين الماضيين، والذي جعل التضخم يصل إلى أعلى مستوياته خلال 30 عاما، حيث بلغ في 2017 نسبة 30 بالمائة.
وتتوقع وزارة المالية المصرية نموا أعلى للناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تتراوح بين 6.5 و7.3 بالمائة على مدى السنوات الثلاث القادمة، وهو ما سيدعم مخططات الحكومة. إلا أن خبراء الاقتصاد يشككون في أن هذه المستويات العالية في النمو يمكن أن تستمر، وتقول علياء المهدي، أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة: “إن هذه الأرقام متفائلة، وأتمنى أن تكون صحيحة ولكن المشكلة هي أن الاستثمار المحلي لا يزال منخفضا جدا في مصر.”
تبلغ نسبة إجمالي الاستثمار من إجمالي الناتج المحلي في الاقتصاد المصري حاليا حوالي 15 بالمائة، وهي نسبة متواضعة في هذا البلد محدود الموارد الذي يطمح لتحقيق معدلات نمو عالية. ومن أجل استمرارية التوقعات بتحقيق النمو الذي تطمح إليه الحكومة المصرية، يجب أن يرتفع إجمالي الاستثمارات إلى أكثر من 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب علياء المهدي.
تهدف السلطات إلى زيادة الإنتاج في حقل ظهر للغاز، الواقع على بعد 200 كيلومترا شمال بورسعيد في عرض البحر الأبيض المتوسط، حتى يقدم مساهمة هامة للاقتصاد المصري
وقد قالت في هذا الصدد: “يجب أن نعمل على زيادة معدلات الاستثمار في الاقتصاد حتى نشهد نموا حقيقيا، والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هي من خلال تشجيع المستثمرين المحليين إلى جانب تشجيع المال الساخن الذي يجلبه المستثمرون الدوليون.
الاعتماد على الغاز
تأمل الحكومة المصرية أن يمثّل أحد أهم القطاعات في البلاد، وهو إنتاج الغاز، الحل الأمثل لكل هذه المشاكل. وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلن وزير النفط والغاز أن مصر سوف تحقق قريبا الاكتفاء الذاتي من الغاز (بعد أن أصبحت في 2014 من الدول المستوردة للغاز).
تهدف السلطات إلى زيادة الإنتاج في حقل ظهر للغاز، الواقع على بعد 200 كيلومترا شمال بورسعيد في عرض البحر الأبيض المتوسط، حتى يقدم مساهمة هامة للاقتصاد المصري. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا أن حقل ظهر سوف يوفر على الحكومة مبلغا يصل إلى 3 مليار دولار سنويا.
يتوقع التقرير الخاص الذي نشره بنك الاستثمار المصري “سي آي كابيتال”، وكشفت عنه في البداية صحيفة مدى مصر الإلكترونية، أن الاكتفاء الذاتي لمصر من الغاز لن يستمر لأكثر من عامين، قبل أن تتحول البلاد مجددا إلى مستورد. حيث يقول أحمد غنيم، الخبير الاقتصادي والدبلوماسي: “لا أعتقد أن التطورات في قطاع الغاز يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد. إن الإعلانات التي تقوم بها الحكومة كانت دائما مغرقة في التفاؤل حول مخزونات الغاز والنفط الجديدة، ولم يسبق أن مكن هذا الأمر من تخفيف الأعباء عن الشعب المصري.”
وفقا لرأي علياء المهدي، أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، فإن “الغاز من المستبعد أن يحمل الحل لمشاكل الاقتصاد المصري. ومصر لا يمكنها أن تصبح بلدا يعتمد على مصدر واحد، مثل الدول المنتجة للنفط.”
المصدر: ميدل إيست آي