في أوائل ديسمبر 2018، من المتوقع أن تتوافد شركات الأسلحة العالمية إلى مصر، ولمدة ثلاثة أيام، سوف يجتمع ممثلو مئات من شركات الأسلحة الدولية مع الجنرالات المصريين ويعرضون بضائعهم على واحد من كبار المشتريين العالميين للأسلحة المتقدمة.
سيُعقد معرض مصر الأول للأسلحة ““EDEX 2018، في الفترة من 3 إلى 5 من ديسمبر بمركز المعارض الدولي الجديد، وهو امتداد آخر من الكتل الخرسانية التي تتصاعد بالصحراء في العاصمة الإدارية الجديدة للبلاد، التي تقوم الحكومة المصرية ببنائها في ضواحي القاهرة بتكلفة تقديرية تبلغ 300 مليار دولار.
الأولوية للجيش
يجمع الحدث الذي يُقام تحت اسم “المعرض الدولي الأول للصناعات الدفاعية والعسكرية في مصر” (Egypt Defense Expo 2018) بين اتجاهين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: مشاريع البناء الحكومية واسعة النطاق والإنفاق العسكري المنتشر بين الأجهزة الأمنية والدفاعية المختلفة.
أصبحت مصر في عهد السيسي ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند والمملكة العربية السعودية بمشتريات من الأسلحة وصل مجموعها 6.6 مليار دولار
وبحسب المعلومات الواردة بموقع “EDEX“، التي روجت لها وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، من المقرر أن يشارك في فعاليات المعرض أكثر من 300 شركة من كبرى الشركات المصرية والعالمية العاملة في مجال الصناعات الدفاعية، ومن المتوقع أن يجذب المعرض ما يزيد على 10 آلاف زائر من مختلف دول العالم المهتمين بمجال التسليح والصناعات الدفاعية.
وتدعم القوات المسلحة المصرية المعرض بشكل كامل من الناحية المادية، حيث تنظم وزارتا الدفاع والإنتاج الحربي وشركة “CLARION EVENTS” الإنجليزية العالمية للدفاع والأمن المعرض الذي يقدم – بحسب ما نشرته وسائل الإعلام المصرية – فرصة جديدة للعارضين لعرض أحدث التقنيات والمعدات العسكرية والأمنية عبر البر والبحر والجو.
وبينما يستعد الرئيس المصري لأول معرض للأسلحة في البلاد، يتساءل المتابعون عن مدى جدوى الإنفاق الحكومي الضخم على تنظيم المعارض والمؤتمرات العالمية بالنسبة للمواطنين المصريين، ففي حين يعاني المصريون تحت سياسة التقشف يُفرط السيسي في الإنفاق على الجيش والأمور العسكرية.
مؤتمر إطلاق معرض إيديكس 2018
أصبحت مصر في عهد السيسي ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند والمملكة العربية السعودية بمشتريات من الأسلحة وصل مجموعها 6.6 مليار دولار، بحسب تقرير مؤشرات استيراد الأسلحة الصادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، وفي السنوات الخمسة التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي أوصل السيسي إلى السلطة عام 2013، ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 215% مقارنة بالسنوات الخمسة السابقة.
في الوقت نفسه، شرعت الحكومة المصرية في مشاريع البناء الكبرى التي يراها النقاد “مشاريع سيئة التفكير”، وبالإضافة إلى رأس المال الإداري الجديد أحادي التفكير والاتجاه، أقامت الحكومة توسعة بقيمة 64 مليار دولار لقناة السويس، فيما يُثار التساؤل بعد أكثر من 3 سنوات عما تحقق للمواطنين الذين سحبوا مدخراتهم لشراء شهادات الاستثمار مقابل فائدة مرتفعة.
ومع تزايد تكاليف الإنفاق الحكومي الضخم تتزايد الديون، ففي أول سبتمبر من العام الحاليّ، أعلن البنك المركزي المصري أن إجمالي الديون الخارجية للبلاد قد تجاوز 92 مليار دولار، بزيادة قدرها 17.2% في السنة، بعد أن كان 88.2 مليار دولار في نهاية مارس.
ديون متسارعة كالصاروخ
تضاعفت الديون الخارجية تقريبًا منذ 2015، حتى بلغ إجمالي مدفوعات الفائدة على ديون مصر الآن نحو 30 مليار دولار سنويًا، أي 38% من ميزانية الحكومة للعام القادم، ما اضطر الحكومة للاعتراف علانية بهذه المشكلة، ففي أكتوبر/تشرين أول الماضي، صرح وزير المالية محمد معيط أن تكاليف خدمة الديون أصبحت “مشكلة كبيرة”.
كما تم التشكيك في مشروعات الحكومة “الوهمية” ومدى جدواها للمواطن البسيط، تم كذلك التشكيك في حكمة الإنفاق العسكري الباهظة للحكومة المصرية
وقد أدى الإنفاق على المشروعات الضخمة إلى ارتفاع ديون مصر الخارجية بعد أن كانت مشكلة مصر دائمًا زيادة الدين الداخلي، فبحسب كتاب “مصر.. التحدي والإنجاز” الذي وزعته الحكومة على وسائل الإعلام، بلغت تكلفة 7777 مشروعًا 90 مليار دولار، غير أن حديث السيسي نفسه كان مختلفًا وأرقامه مغايرة، حيث أعلن في يناير/كانون الثاني الماضي أن حكوماته أنجزت 11 ألف مشروع، بتكلفة 111 مليار دولار.
هذا التناقض في أرقام الوزير والحكومة والسيسي دفع إلى التساؤل عن حقيقة الأمر ونوعية المشاريع وحجمها وقيمتها ومردودها على المواطن، بداية من خفض الأسعار وتقليل نسب التضخم وتوافر السلع وتحسين الخدمات وتقليص البطالة.
وكما تم التشكيك في مشروعات الحكومة “الوهمية” ومدى جدواها للمواطن البسيط، تم كذلك التشكيك في حكمة الإنفاق العسكري الباهظة للحكومة المصرية، فقد شملت عمليات الشراء الأخيرة طائرات مقاتلة وسفينة ميسترال Mistral برمائية هجومية، وفرقاطة فريم “FREMM” تعمل مع البحرية المصرية.
أثارت جدوى المشتريات البحرية الكبيرة الكثير من الجدل، خاصة مع إساءة إدارة التوسع والتحديث لها، ومع ذلك، يقول بعض الخبراء العسكريين إن عدم الاستقرار في الدول المجاورة واكتشاف حقول النفط والغاز دفعت الحكومة إلى تحويل تصوراتها التهديدية نحو شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر، الأمر الذي قد يفسر الرغبة في تحديث البحرية.
أدى الإنفاق على المشروعات الضخمة إلى ارتفاع ديون مصر الخارجية
وفي حين تسعى كبرى الشركات المصرية العاملة في مجال الصناعات الدفاعية لاستعراض أعمال التطوير والتحديث الهائلة التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية لتطوير مركز السوق المصرية في تجارة الأسلحة الدفاعية والتكنولوجيا الأمنية التي تعتبر جزءًا من خطة مصر في مكافحة الإرهاب، تبقى حملة الجيش في سيناء قيد التنفيذ، بينما يدفع المدنيون الثمين جراء القصف العشوائي أو التهجير.
وبعد أكثر من أربع سنوات على وعد السيسي بالقضاء على النشاطات الإرهابية والجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، لم ينجح النظام المصري في الوفاء بما قطعه على نفسه أو على الأقل إرساء إستراتيجية فعَّالة وقادرة على إيقاف التطورات المستمرة التي شهدت تحول جماعة أنصار بيت المقدس من جماعة محلية تسعى لإثبات قدراتها لأحد أكبر فروع تنظيم الدولة “داعش” وأكثرها ظهورًا على شاشات التلفاز حول العالم بعد تنفيذ هجمات بالغة التعقيد أصابت خلالها أهدافًا غير مسبوقة، سواء تلك التي استهدفتها في برِّ سيناء ووادي النيل أو في البحر المتوسط وحتى على ارتفاع آلاف الأقدام في السماء.
التقشف للفقراء فقط
في الوقت الذي يسعى فيه النظام لاستعراض قدراته الدفاعية وإثبات كفاءته في التنظيم، فإن الاقتصاد المصري يعاني من الكثير من الأمراض التي انعكست بطبيعة الحال على الطبقة المتوسطة، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وضعت مصر حزمة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، يتم دفعها في صورة شرائح على مدار ثلاث سنوات، وتهدف إلى إعادة التوازن إلى اقتصادها وتفادي الانهيار الكارثي.
جاء هذا البرنامج الذي ثبت عدم شعبيته في مصر بنظام تقشف مالي تم بموجبه تخفيض دعم الطاقة والمواد الغذائية وخصخصة الشركات المملوكة للدولة وخفض الخدمة المدنية وفرض سلسلة من الضرائب وتعويم الجنيه المصري؛ مما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة العملة.
في نفس الوقت، تستمر الحكومة في فرض سياسة التقشف بل وتعد بالمزيد، فمنذ أيام قليلة، أعلنت الحكومة أن سعر تذاكر المترو سيرتفع مرة أخرى في ديسمبر القادم، بعدما كانت آخر زيادة في شهر مايو الماضي، حيث تم تنظيم احتجاجات ضد هذه الخطوة التي أدت إلى الاعتقالات، وكإجراء وقائي لمنع تكرار ما حدث أعلن رئيس المترو أن شركة المترو تعاقدت مع شركة فالكون جروب، للإشراف على تأمين بوابات التذاكر بدءًا من أول ديسمبر المقبل.
ومع بدء تطبيق الموازنة تبقى مصر على موعد مع موجة غلاء جديدة تشمل الوقود وعددًا من السلع والخدمات بعدما رفعت الحكومة المصرية أسعار الغاز بنسبة 50% في يونيو الماضي، كما أعلن وزير التموين علي المصيلحي أنه سيتم إعلان معايير حذف المواطنين غير المستحقين خلال شهرين من الآن، حيث توقع حذف أكثر من 6 ملايين فرد تقريبًا.
ورغم ذلك فشلت سياسات التقشف في معالجة الأزمات، كما فشل برنامج الإصلاح الحكومي بشكل كبير في تلبية احتياجات ما يقرب من نصف السكان المصريين الذين يعيشون بالقرب من خط الفقر أو تحته، من جهة أخرى بلغ التضخم أعلى معدلاته في السنوات الأخيرة، بنسبة 14.4%؛ ما يجعله قاتلاً صامتًا للاقتصاد.
بالنظر إلى صفقات السلاح التي اشترتها مصر والمشروعات الضخمة التي تروج لها، فإنها دفعت خلال أربع سنوات فقط أكثر من قيمة قرض صندوق النقد
دعم صندوق النقد الدولي الذي أوصى بالتغييرات لخطوات الحكومة، لكن رغم إشادته الأخيرة فإن الاقتصاد يخضع لحالة من عدم اليقين والتقلب، بحسب الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط في معهد التحرير أسامة دياب، هذا بالإضافة إلى ارتفاع مستويات التضخم والزيادات غير المسبوقة في أسعار المرافق العامة، كما فشل الاقتصاد في خلق فرص عمل، وظلت مستويات البطالة عند نحو 10%؛ ما يجعل نمو مصر ليس لصالح الفقراء.
وبالنظر إلى صفقات السلاح التي اشترتها مصر والمشروعات الضخمة التي تروج لها، فإنها دفعت خلال أربع سنوات فقط أكثر من قيمة قرض صندوق النقد، لكن على العكس من ذلك، ترى الحكومة أولوياتها في سباقات التسليح ومناطحة السماء بمشروعات يدفع ثمنها المواطن.