بين الحين والآخر، نسمع خبر إطلاق دولة عربية قمر صناعي للفضاء، كان آخرها القمر المغربي “محمد السادس ب” الذي أطلق الأسبوع الماضي بالتعاون مع فرنسا، وهي أخبار تطرح بدورها تساؤلات جديدة تطرأ على ذهن القارئ، حاولنا الإجابة عنها بشكل مبسط في هذه المادة.
س: هل تكنولوجيا الفضاء رفاهية؟
ج: إذا كان بمقدورك تخيل حياتك دون هاتف ذكي وتلفاز متصل بالأقمار الصناعية وجهاز تحديد المواقع والملاحة، وإذا كان باستطاعتنا كبشر إدارة حياتنا دون أن نتمكن من معرفة مواقع الموارد الطبيعية والتّنبؤ بأحوال الطقس واستباق الكوارث الطبيعية – وكل ذلك لا يمكن تخيله في الحياة الحديثة بطبيعة الحال – فإن تكنولوجيا الفضاء، قولاً واحدًا، وبملء الفم، ليست رفاهيةً.
وفقًا للدكتور علي صادق، أحد كبار مشرفي برنامج الفضاء المصري، فإن تكلفة قمر التصوير المصري “إيجيبت سات 1” التي شملت سفر المهندسين وإعاشتهم وتدريبهم في أوكرانيا، بالإضافة إلى تصميم القمر وتصنيعه وإطلاقه والتأمين عليه، لم تتجاوز 23.5 مليون دولار أمريكي، عام 2007.
إنها حاجة ضرورية بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، وإذا كان العصر الذي نعيشه الآن، هو عصر المعلومات والاتصالات، كما يقول فلاسفة العلوم، فإنه لم يكن ممكنًا ابتداء تدشين هذا العصر، دون تطبيقات الفضاء.
س: هل الدول الكبرى تتحفظ في نقل تكنولوجيا الفضاء للدول النامية؟
ج: نعم، كان ذلك معروفًا بشكل ما حتى الحرب الباردة، ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وصعود أمريكا إلى القمر لأول مرة وسقوط الاتحاد السوفيتي ودخول العالم مرحلةً جديدةً من الانفتاح والسيولة، تحلحل هذا الوضع كثيرًا، وأصبحت الدول الكبرى أقل تحفظًا في هذا الشأن، وبعض هذه الدول تعطي منحًا مالية للدول النامية لتطوير قدراتها في هذا المجال.
س: هل فعلاً الأقمار الصناعية مُكلفة وباهظة الثمن؟
ج: وفقًا للدكتور علي صادق، أحد كبار مشرفي برنامج الفضاء المصري، والحاصل على دكتوراه في مجال القوانين الحاكمة للعمل في الفضاء من جامعة “مانشستر” الإنجليزية، فإن تكلفة قمر التصوير المصري “إيجيبت سات 1” التي شملت سفر المهندسين وإعاشتهم وتدريبهم في أوكرانيا، بالإضافة إلى تصميم القمر وتصنيعه وإطلاقه والتأمين عليه، بقدرة تصوير 10 أمتار، لم تتجاوز 23.5 مليون دولار أمريكي، عام 2007.
س: هل الأقمار الصناعية كلها نفس النوع ونفس المهام؟
ج: لا، يقول الدكتور بهيّ الدين عرجون أستاذ الهندسة وعلوم الفضاء في جامعة القاهرة والرئيس السابق للهيئة القومية للاستشعار عن بعد، إنّ الأقمار الصناعية 3 أنواع:
يقول الدكتور حسين الشافعي مستشار وكالة الفضاء الروسية، روس كوسموس، إن قمرًا واحدًا من أقمار الاتصالات، يعمل لأكثر من 15 عامًا، ويُكلف تشغيليًا 20 مليون دولار سنويًا، يُدر ربحًا يصل إلى 10 مليارات دولار!
النوع الأول، أقمار الاتصالات والبث التليفزيوني، وهي أقمار ذات أوزان ضخمة، من طن ونصف إلى طنين، وتُرسل إلى 35.800 كيلومتر ارتفاع عن الأرض، وهو مدار ثابت،Geo Stationary Orbit يدور فيه القمر “مع” الكرة الأرضية، ولا تُصنّع هذا النوع من الأقمار إلا 8 دول في العالم فقط.
النوع الثاني، هي أقمار الملاحة الجوية والمواقع، وهي أقمار أقلّ وزنًا، وأقل ارتفاعًا، 20.000 كيلومتر فوق سطح الأرض.
النوع الثالث، وهو الأهم، نظرًا لأنها تقوم بالتصوير، فتخدم الأنشطة المدنية التنموية والعسكرية في نفس الوقت، وتدور هذه الأقمار على ارتفاع بسيط من الأرض 700/600 كيلومتر، ويتراوح وزنها بين 200/100 كيلومتر، وتدور “حول” الأرض ولا تدور معها، لاختلاف المهام بينها وبين أقمار البث التليفزيوني التي تُركز إرسالها على مناطق مُحددة ولا تُستخدم في التصوير.
س: هل الاستثمار في تكنولوجيا الفضاء يُدرّ عائدًا ماليًا؟
ج: بغض النظر عن أهميتها الإستراتيجية ودورها في إدارة التنمية واستخدامات تطبيقاتها اليومية، يقول الخبراء مثل الدكتور عطية شاهين الأستاذ بهيئة الاستشعار عن بعد، إنّ كل دولار تُنفقه “إسرائيل” على تكنولوجيا الفضاء، يعود إليها 1.7 دولار، أي أن الربح يصل إلى 70%، وهو عائد ربح هائل كما نرى.
تاريخ بداية المشروع الفضائي وحجم الدولة صاحبة المشروع من الناحية الجغرافية والاقتصادية والتهديدات الأمنية التي تواجهها هذه الدولة وعدد الأقمار التي تمتلكها وأغراضها ونسبة مساهمتها في صناعتها، فكل ذلك لا بدّ أن يُوضع في الحُسبان.
ويقول الدكتور حسين الشافعي مستشار وكالة الفضاء الروسية، روس كوسموس، إن قمرًا واحدًا من أقمار الاتصالات، يعمل لأكثر من 15 عامًا، ويُكلف تشغيليًا 20 مليون دولار سنويًا، يُدر ربحًا يصل إلى 10 مليارات دولار!
س: لماذا الدول العربية مُتأخرة في تكنولوجيا الفضاء؟
ج: هذا السؤال مُشكِل حقيقة، لأنه، للإجابة عليه، يلزم استقراء تطور برامج الفضاء لأهم الدول العربية، إن لم تكن كلها، في ضوء عوامل عدّة، منها على سبيل المثال وليس الحصر: تاريخ بداية المشروع الفضائي وحجم الدولة صاحبة المشروع من الناحية الجغرافية والاقتصادية والتهديدات الأمنية التي تواجهها هذه الدولة وعدد الأقمار التي تمتلكها وأغراضها ونسبة مساهمتها في صناعتها، فكل ذلك لا بدّ أن يُوضع في الحُسبان.
فمثلاً مصر التي تتجاوز مساحتها المليون كيلومتر مربع، ويتجاوز طول حدودها 3 آلاف كيلومتر، ويتجاوز عدد سكانها الـ100 مليون نسمة، التي بدأت برنامجًا فضائيا منذ عام 1961، وتتشارك في حدود مباشرة مع تل أبيب، وعندها من التحديات الأمنية والتنموية ما لا يعلمه إلا الله، لا يُعقل أن تكون ترسانتها من الأقمار الصناعية من النوع الثالث “صفرًا” في عام 2018 بعد أن فقدت الاتصال مع قمريها: إيجيبت سات 1 و2، ولم يتبق من 64 عالمًا تلقوا تدريبًا في أوكرانيا، في أثناء العمل في القمر الأول، إلا 7 علماء، بعد أن انقسموا إلى مُهاجر ومُتوفّي ومُتقاعد، على حد قول الدكتور علي صادق، في برنامج “هنا العاصمة”، على فضائية “سي بي سي”.
ووفقًا للدكتور مدحت مختار رئيس هيئة الاستشعار عن بعد، في لقاء مع نفس البرنامج ونفس الفضائية، أبريل 2015، فإن كل الدول الإفريقية الناشطة في مجال الفضاء، تسبق مصر، وهي: جنوب إفريقيا والجزائر ونيجيريا وكينيا وغانا، ويضيف “مصر تحاول منذ 15 عامًا إطلاق قمر ملاحة واتصالات، ولكن البيروقراطية حالت – وما زالت – دون ذلك”.
وفي إحدى الدراسات التي قدمها أحد بيوت الخبرة الفرنسية، 2010، استبعد الباحثون أن تجد مصر مكانًا في الفضاء تُرسل إليه هذا القمر، بعد أن حجزت معظم الدول مواقع لأقمارها في المدار الثابت.
تسعى الإمارات لتكون أول دولة عربية وشرق أوسطية تطئ الكوكبَ الأحمر – المريخ – وتشارك في الأبحاث الجارية عن استعماره، عبر إرسال “مسبار الأمل” غير المأهول إلى المريخ، بحلول 2021
على الجانب الآخر، فإن “إسرائيل” التي لا تمتلك شيئًا من هذه الجغرافيا الشاسعة، وتنعم حدودها بالدفء والسلام، ولديها ما يكفيها للردع والدعم، تمتلك ترسانة ضخمة من العيون في الفضاء، كان آخرها “أفق 11” الذي أُطلق في سبتمبر 2016، من صاروخ إسرائيلي طراز “شافيك”، وقاعدة إسرائيلية “بلخاييم”، جنوب “إسرائيل”، على البحر المتوسط، وتنوي تل أبيب إرسال مركبة غير مأهولة إلى القمر، فبراير المقبل، بتمويل غير حكومي، لتصبح رابع دولة تصعد إلى القمر، بعد أمريكا وروسيا والصين.
ولكن، ليست الصورة قاتمة بالكلية، فللجزائر منجز فضائي مهم، تُوّج بإطلاق قمر صناعي ضخم متعدد الأغراض، من بينها مكافحة التجسس، بالتعاون مع دولة إستراتيجية “الصين” في ديسمبر 2017، وكان قد سبقه 3 أقمار للتصوير، بالتعاون مع “الهند” نهاية 2016، وتميل الجزائر – بوضوح شديد – إلى المعسكر الشرقي، وخاصة روسيا، في كل ما يخص الأمور الإستراتيجية، وهو توجه محمود بكل تأكيد، وبذلك، وباستبعاد قمرين أُطلقا في مطلع الألفية، لانتهاء أعمارهما الافتراضية، يكون لدى الجزائر 4 أقمار صناعية في الفضاء الخارجي.
ومن الساحة الخليجية، تطير “الإمارات” بسرعة هائلة إلى الفضاء، على الرغم من حداثة برنامجها، فأنشأت وكالة محلية للفضاء 2014، كما تُخطط لإرسال رائديْ فضاء في رحلة إلى محطة الفضاء الدولية، بالتعاون مع روسيا، ومنذ 3 أسابيع تقريبًا، أرسلت “خليفة سات” أوّل قمر صناعي محلّي الصنع لأغراض التصوير.
وتسعى الإمارات لتكون أول دولة عربية وشرق أوسطية تطئ الكوكبَ الأحمر – المريخ – وتشارك في الأبحاث الجارية عن استعماره، عبر إرسال “مسبار الأمل” غير المأهول إلى المريخ، بحلول 2021، وبناء مدينة علمية تحاكي الحياة في المريخ بمركز “محمد بن راشد للفضاء”، والحلم الأكبر – كما تقول أبو ظبي – هو استعمار المريخ بمستوطنة بشرية في 2117.
دخلت قطر في الأعوام الأخيرة خط التنافس على أقمار الاتصال والبث التليفزيوني، بقمريْ: سهيل 1 و2 اللذين ضمنا لها استقلالها في هذا المجال الحيويّ الإستراتيجيّ، بعيدًا عن تهديدات وتحكمات دول الحصار
ولعلّ السبب الرئيس خلف طموحات أبو ظبي الجامحة، هو الرغبة الدؤوب في تقديم الدولة باعتبارها واحةً للعلم والحداثة في محيط يفيض بالظلام والجهل والتطرف، والقول بأن الرخاء والتحديث قد يجتمعا مع الاستبداد، وهو جوهر مشروع أبو ظبي.
وتأتي المملكة خلفها ببرنامج متوازن متكامل وطموح، رأينا منه مؤخرًا “سعود سات 4″، وهو، وفقًا للمملكة، واحد من أحدث أقمار الاتصال في العالم، تعاونت فيه المملكة متمثلة في “مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية” مع شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، ويُنتظر أن تطلق المملكة قريبًا نسخًا محلية الصنع لأغراض التصوير.
وقد دخلت قطر في الأعوام الأخيرة خط التنافس على أقمار الاتصال والبث التليفزيوني، بقمريْ: سهيل 1 و2 اللذين ضمنا لها استقلالها في هذا المجال الحيويّ الإستراتيجيّ، بعيدًا عن تهديدات وتحكمات دول الحصار، نتمنى أن تدخل باقي الدول العربية هذا المجال، لا سيما العراق الذي أخرته الحروب ومزّقته، وأن يكون العمل العربي قائمًا على المشاركة لا المُغالبة.