استياء شعبي من ممارسات حكومة الإنقاذ في إدلب

فور تشكيل حكومة الإنقاذ أواخر عام 2017، التي تتخذ من محافظة إدلب مركزًا رئيسيًا لها، أخذت تفرض قوانين جديدة، بين أوساط المؤسسات المدنية في المحافظة لتمتد لاحقًا إلى أرياف حلب الغربية والجنوبية وصولًا لأرياف حماة الشمالية، هذه القوانين بمجملها واجهت رفضًا واسعًا من المؤسسات المدنية وحتى فصائل عسكرية لم تكن مشاركة في تشكيلها، بينما تَعتبرُ حكومة الإنقاذ هيئة تحرير الشام الذراع الأمني والعسكري لها، ومن خلالها كانت تنفذ جل نشاطاتها وقوانينها في المحافظة.
وتمثلت هذه القرارات التي اتخذتها حكومة الإنقاذ بفرض الضرائب على المنشآت الصناعية والمحال التجارية، وفرض قانون الجباية على كامل مناطق نفوذهم، إضافة إلى عدم قبولها بوجود أي مؤسسة مدنية أو خدمية تعمل تحت مظلة الحكومة المؤقتة، وإجبار الأخيرة على إغلاق مؤسساتها كافة، واعتقال العاملين فيها في حال قوبلت بالرفض.
حكومة الإنقاذ تغلق جامعة حلب الحرة في إدلب
حكومة الإنقاذ تغلق مؤسسات مدنية في إدلب وتفرض الضرائب
أغلقت حكومة الإنقاذ العديد من المؤسسات المدنية التي كانت تعمل تحت مظلة الحكومة السورية المؤقتة التي انبثقت عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حيث شمل الإغلاق كل المجالس المحلية في محافظة إدلب ما عدا عدد من المدن التي رفضت تشكيل حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، كمعرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، التي شهدت احتجاجات ضد الهيئة وحكومتها عندما بدأت بفرض قوانينها داخل المدينة وأدت إلى إخراجها من المدينة لاحقًا لتعود للعمل تحت مظلة الحكومة السورية المؤقتة التي تتخذ من مدينة إعزاز شمال حلب مقرًا رئيسيًا لها، واستمرت بعض المجالس المحلية في أرياف حلب الغربية تعمل تحت مظلة الحكومة السورية المؤقتة، لأنها تقع تحت سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير.
أغلقت حكومة الإنقاذ العديد من الصيدليات الطبية في مدينة سراقب بريف إدلب بحجة عدم ترخيصها من وزارتها
ومن الناحية الخدمية منذ نحو عام على الأقل لم يلاحظ أي تطور في الخدمات التي قدمتها المجالس التابعة لحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب، وهذا ما خلف غضبًا شعبيًا في الشارع الإدلبي، بينما لم تستثن حكومة الإنقاذ المجالات الطبية والتعليمية، حيث أقدمت الحكومة على إغلاق جامعة حلب الحرة التي توزعت أقسامها على المناطق المحررة كافة نظرًا لصعوبة التنقل وخطورتها على الطلبة، كما عفشت محتويات الجامعة، وتصعد الأمر لنشوب احتجاجات من طلبة الجامعة ضد الهيئة وحكومتها، مما أدى لاعتقال الطلاب وتعرضهم لإطلاق النار.
كما أغلقت حكومة الإنقاذ العديد من الصيدليات الطبية في مدينة سراقب بريف إدلب بحجة عدم ترخيصها من وزارتها، بينما فرضت على أهالي المنطقة تراخيص للدراجات النارية، كما أغلقت مؤسسات الحبوب التي افتتحتها المؤقتة سابقًا.
مجموعات تابعة لتحرير الشام تصفي وتعتقل ناشطين سوريين
اعتقالات تطال ناشطين ومدنيين في إدلب
لا تبدو أنها المرة الأولى إنما هي أفعال تكررت دون رقيب أو محاسب رادع، الاعتقالات والخطف والتصفية من أمراء وعناصر محسوبين على هيئة تحرير الشام مستمرة في مثلث أرياف إدلب وحماة واللاذقية، لا تمر الساعات دون خبر يتحدث عن فقدان شخص مدني أو ناشط في منظمات إنسانية أو طبيب، بينما ستبقى صامتًا دون الحديث عن هذه الأفعال التي يقترفها عناصر الهيئة لأنك ستكون عرضة لها في يوم من الأيام.
تناقل ناشطون مؤخرًا مقطع فيديو مصور من داخل أقبية سجون هيئة تحرير الشام، حسب ما أظهر الفيديو معتقل يتعرض للتعذيب وهو مكبل بقضبان من حديد، يستمر المعتقل بالصراخ، على الرغم من إغلاق فمه، وربطه بشكل محكم، بينما تكون عصاة الجلاد أكثر قساوة تفتك بجسده، لا يمكنك تمييز الشخص المعتقل، بينما يمكنك أن تميز أن الظالم واحد استطاع الاستفراد بهذا المعتقل أيًا كانت تهمته أو خلفية اعتقاله في مشهد مروع يشبه سجون نظام الأسد ولكن بلون ديني آخر.
بعد رفضها رفع علم الثورة السورية في مناطق سيطرتها عمدت تحرير الشام إلى تعفيش علم الثورة السورية الذي رفعه المتظاهرون خلال المظاهرات السلمية عام 2011، وهذا قرار صادر عن الهيئة التأسيسية للمؤتمر السوري العام
بينما علق ناشطون أن هيئة تحرير الشام اعتقلت العشرات من عناصر المعارضة المسلحة (الفصائل المعتدلة) حسب تصنيفها دوليًا، خلال تنقلهم أفرادًا بين مناطق إدلب، وخلال حرب شوارع سابقة طالت لأيام بين الهيئة والفصائل المعارضة، واعتقلت الهيئة الجمعة 23من نوفمبر/ تشرين الثاني، قائد ثوري سابق في لواء أحفاد الرسول “ماهر فجر الخليل” من منزله في مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي وصادرت أملاكه.
واستشهد اثنان بعد ظهر الجمعة 23 من نوفمبر/تشرين الثاني، نتيجة قيام مجهولين بإطلاق الرصاص عليهما، داخل سيارتهما، وعرف كل من رائد الفارس وحمود الجنيد بنشاطهما الإعلامي في مدينة كفرنبل بريف إدلب، واختلافهما مع هيئة تحرير الشام نظرًا لممارساتها ضد الناشطين ومدني مدينة إدلب، حيث قالت شبكة انتهاكات جبهة أن النصرة إن مجموعة مسلحة تابعة لهيئة تحرير الشام اغتالتهما.
فيما اعتقلت هيئة تحرير الشام في وقت سابق الناشط الإغاثي في مشروع منظمة بنفسج في إدلب عبد الرزاق عوض، وطالبت جهات مدنية بالإفراج عنه إلا أن طلبهم قوبل بالرفض القاطع من أمنية الهيئة التي تعمل تحت مظلة حكومة الإنقاذ، كما خطفت مجموعة تابعة لتحرير الشام طفلاً يبلغ 16 عامًا من قريته عين لاروز وسجنه في سجن العقاب التابع لها.
ويذكر موقع أنا إنسان، في تحقيق له، أن هناك العديد من السجون التي بنيت خلال فترات سابقة تعود لفصائل متطرفة داخل الأراضي السورية فيها أسوأ الممارسات والانتهاكات بحق المدنيين.
تحرير الشام تعدل علم الثورة السورية
بعد تعديله.. علم الثورة فوق مؤسسات حكومة الإنقاذ
بعد رفضها رفع علم الثورة السورية في مناطق سيطرتها عمدت تحرير الشام إلى تعفيش علم الثورة السورية الذي رفعه المتظاهرون خلال المظاهرات السلمية عام 2011، وهذا قرار صادر عن الهيئة التأسيسية للمؤتمر السوري العام، 28 من أكتوبر/تشرين الأول، ونص القرار على اعتماد علم الثورة السورية بعد إجراء تعديلات عليه كعلم رسمي في الدوائر الحكومية التابعة لها في مناطق سيطرتها.
وذكر القرار: “بناء على أحكام ونظام الهيئة التأسيسية لعام 2017، وعلى الاجتماع العادي لها، ومقتضيات المصلحة العامة، يعتمد علم واحد وراية للمناطق المحررة، مؤلف من أربعة ألوان اللون الأخضر من الأعلى، واللون الأبيض من الوسط، وفي الأسفل اللون الأسود، ويكتب بالوسط على اللون الأبيض وباللون الأحمر عبارة: لا إله إلا الله محمد رسول الله بالخط الرقعي، ويعتبر هذا القرار نافذًا في المناطق المحرَّرة السورية، ويبلغ لمن يلزم تنفيذه في كل المناطق المحررة”.
ومع إعلان القرار الذي سربه مناصرو الهيئة رفعت الدوائر والمؤسسات في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ العلم الذي تم تعديله، مما أدى إلى إثارة جدل واسع بين أوساط المعارضة التي اعتبرت هذا التعديل تشويهًا للثورة السورية ورمزها العام، بينما حاول مناصرو هيئة تحرير الشام الدفاع عن قرار الهيئة التأسيسية واتهموا الرافضين بالخيانة.
أمنية حكومة الإنقاذ تطلق الرصاص على مظاهرة سلمية في إدلب
حكومة الإنقاذ تطلق الرصاص على مظاهرة سلمية في إدلب
خرجت مظاهرة السبت 24 من نوفمبر/تشرين الثاني لأهالي مدينة إدلب مطالبة بالإفراج عن المعتقلين من نشطاء ومدنيين لدى أمنية حكومة الإنقاذ، بعد العديد من المحاولات في إرسال وجهاء ومسؤولين لإخراجهم إلا أن أمنية حكومة الإنقاذ رفضت مطالبهم، وخلال المظاهرة أطلقت القوى الأمنية التابعة لحكومة الإنقاذ الرصاص الحي على المدنيين لتفريقهم دون النظر إلى عزلتهم في ممارسات باتت تماثل ممارسات قوات النظام.
بيان نشره ناشطون من إدلب للخروج بمظاهرة ضد حكومة الإنقاذ
وكان ناشطون قد نشروا بيانًا الجمعة 24 من نوفمبر/تشرين الثاني يدعون فيه أهالي مدينة إدلب إلى وقفة احتجاجية أمام مبنى وزارة العدل التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب، وجاء في البيان: “حكومة الإنقاذ عملت على تلفيق تهم بحق مجلس مدينة إدلب القديم الذي انتخبه أهالي المدينة، واعتقلت ولاحقت كوادر منظمة بنفسج بهدف إسقاط هذه المنظمة لما تقدمه من خدمات جليلة للمدنيين”.
“الهيئة التأسيسية للمؤتمر السوري العام” التي تأسست في 16 من سبتمبر /أيلول 2017 صادقت على وزارات حكومة الإنقاذ وشكلت لجنة لصياغة الدستور برعاية هيئة تحرير الشام
وأضاف البيان: “قامت أذرع حكومة الإنقاذ المسلحة بمداهمة واقتحام منازل شرفاء الثورة، والهدف من تصرفاتهم إسقاط كل رمز وطني وشعبي التف حوله أهلنا المظلومون”.
كما خرجت مظاهرة في مدينة كفرنبل الإثنين 26 من نوفمبر/تشرين الثاني للمطالبة بخروج هيئة تحرير الشام، وطالب المتظاهرون بإسقاط الهيئة وخروجها من المدينة، ووصفوا ممارسات هيئة تحرير الشام بأنها تشبه ممارسات النظام وميليشياته، بعد اغتيال أبرز ناشطيها من مجموعاتها الملثمة.
يذكر أن “الهيئة التأسيسية للمؤتمر السوري العام” التي تأسست في 16 من سبتمبر/أيلول 2017 صادقت على وزارات حكومة الإنقاذ وشكلت لجنة لصياغة الدستور برعاية هيئة تحرير الشام، التي أطلقت اسم “حكومة الإنقاذ”، التي بدأت عملها أواخر عام 2017، وأخذت سلطتها وشرعيتها من ذاتها في منطقة أقصت حناجر أهلها وناشطيها بالسلاح، هكذا تفرض قوانينها حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام في إدلب، دون رقيب ورادع لها بعد تمكنها في زمام أمور مناطق سيطرتها، ويعد استمرارها باستمرار هيئة تحرير الشام، فهل سينتهي عهدها؟