غادر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تونس التي كانت المحطة الرابعة في جولته، بعد زيارة استمرت أربع ساعات فقط، متوجهًا للأرجنتين لحضور قمة مجموعة العشرين، على أن يرجع بعدها إلى موريتانيا ومن ثم الجزائر مستثنيًا المملكة المغربية من هذه الجولة العربية التي تعتبر الأولى منذ توليه منصبه كولي عهد.
خشية التقليل من قيمته
استثناء المغرب من هذه الجولة، تقول بعض التقارير الإعلامية إنه راجع إلى اقترح السلطات في البلاد أن يستقبل الأمير رشيد، شقيق الملك محمد السادس، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدلاً من الملك، بسبب أجندة هذا الأخير، وهو ما دفع ابن سلمان لحذف المغرب من لائحة زياراته.
ويرى العاهل السعودي أن استقباله من الأمير رشيد يعتبر تقليلاً من قيمته في الوقت الذي يسعى فيه إلى تبييض صورته والرفع من مكانته المتهالكة، بعد الاتهامات التي وجّهت له في العديد من القضايا المتعلقة بانتهاكات ضد حقوق الإنسان في الداخل السعودي وخارجه.
وبدأ سلمان جولته الأولى، يوم الخميس بزيارة الإمارات ثم مصر والبحرين فتونس، على أن تشمل أيضًا الجزائر وموريتانيا لإجراء محادثات بشأن تطورات الوضع في اليمن وسبل مواجهة الإرهاب وملف إيران ومسار عملية السلام في الشرق الأوسط.
بدأ توتر العلاقات بين البلدين، مباشرة بعد الأزمة الخليجية وبدء الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر
سبق أن زار محمد بن سلمان المملكة المغربية منذ عامين، قبل توليه ولاية العهد، وذلك في أثناء وجود والده الملك سلمان بقصره في مدينة طنجة الساحلية (عادة ما يقضي سلمان عطلته في طنجة)، والتقى حينها الملك محمد السادس، في لقاء غير رسمي.
فضلاً عن رفضه استقباله من الأمير رشيد، جاء استثناء المغرب من هذه الزيارة وفق مصادرنا الخاصة، نتيجة خشية ابن سلمان من انتقال الاحتجاجات التي رافقت زيارته لتونس إلى المغرب أيضًا، إذ يتوقّع المحيطون به أن تدفع زيارة كهذه نشطاء مغاربة إلى التظاهر ضدّها، خاصة الصحفيين الذين يرون أن من ضمن أسباب اعتقال الصحافي توفيق بوعشرين مؤسس جريدة “أخبار اليوم” وجود دعوى تقدمت بها السعودية.
محمد السادس ينأى بنفسه
تعلّل الملك المغربي محمد السادس بأجندته واقتراح الأمير رشيد لاستقبال ابن سلمان، كان الهدف منه وفق بعض الوسائل الإعلام المحلية المغربية، نئي محمد السادس بنفسه عن أي آثار سلبية ممكن أن تحدث له في حال استقبال ابن سلمان في هذا الظرف بالذات.
ويعلم العاهل المغربي الذي يسعى دائمًا إلى إظهار نفسه بكونه فوق النقد، أن استقبال ابن سلمان في هذا التوقيت ستكون نتائجه سلبية عليه ولا فائدة منه، خاصة في ظلّ وجود شبهات تورط هذا الأخير في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
يذكر أن المغرب يعتبر من بين دول عربية قليلة لم يصدر عنه أي رد فعل تجاه جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فيما ذهبت العديد من العواصم العربية إلى مساندة السعودية والترحيب برواياتها لحادث الاغتيال الشنيع وإبداء ثقتها في التحقيقات والعدالة السعودية.
وفي سؤال صحفي يتعلق بموقف الحكومة المغربية من هذه القضية، قال الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني مصطفى الخلفي، خلال ندوة صحفية: “لا يمكن التعليق على قضية خاشقجي إنها ضمن المسطرة القضائية”.
وتواجه المملكة العربية السعودية سيلاً من الإدانات الدولية منذ مقتل خاشقجي الصحفي المتعاقد مع صحيفة “واشنطن بوست” الذي كان مقربًا من العائلة الحاكمة في المملكة قبل أن يصبح من منتقديها وانتقل من بلاده إلى الولايات المتحدة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد عام 2017.
يحاول محمد السادس تجنّب أي إحراج ينتج عن لقاء ابن سلمان
يذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) خلصت إلى أن مقتل خاشقجي، جاء بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حسبما أفادت تقارير إعلامية أمريكية، على الرغم من أن أي جهة رسمية لم تحمّل حتى الآن الأمير محمد المسؤولية عن القضية.
وجاء رفض استقبال ابن سلمان، أيام قليلة بعد طلب المغرب تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية في دورتها الـ13 إلى أجل غير مسمى، بعد أن طلبت الرياض عقده هذه الأيام، وكانت آخر دورة من أشغال اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية قد انعقدت في جدة عام 2013 في الرياض، وحملت رقم 12.
وسبق للمغرب أن بعث في شهر فبراير/شباط الماضي إلى الرياض الكاتب العام لوزارة الخارجية المغربية، للتحضير لعقد الدورة 13 للجنة العليا بين البلدين، مع نظيره السعودي، واتفق الجانبان على عقدها قبل نهاية العام الحاليّ بالرباط.
أزمة صامتة
ما يحصل حاليًّا يؤكّد وجود أزمة صامتة بين البلدين، بعد أن كانت العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة في أحسن حالاتها، ذلك أن المغرب يعتبر من أبرز الداعمين والمشاركين في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وأبرز الحاضرين كذلك في التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية أيضًا، فيما تعتبر هذه الأخيرة من أبرز الداعمين للمغرب في قضية الصحراء الغربية، حيث ما فتئت الرياض تؤكّد دعمها لسياسة الرباط في هذا الشأن.
وبدأ توتر العلاقات، مباشرة بعد الأزمة الخليجية وبدء الحصار الذي تقوده السعودية ضدّ قطر في يونيو/حزيران 2017، حينها دعا الملك محمد السادس الأطراف المعنية في الأزمة الخليجية إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبديًا استعداد المملكة للوساطة من أجل حل الأزمة.
توّجت زيارة عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني إلى الرباط، بتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين
لم تستسغ السعودية ذلك، وسارعت إلى تغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية، حيث عمدت القناة الإخبارية “العربية الحدث” إلى مهاجمة الوحدة الترابية للمغرب بمجرد إعلان الرباط الحياد في الأزمة الخليجية، وخصصت القناة برنامجًا يصف الصحراء المغربية بالأرض المحتلة ويصف جبهة “البوليساريو” بالجمهورية الصحراوية.
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، حيث صوّتت المملكة العربية السعودية في يونيو/حزيران الماضي لصالح الملف الأمريكي المشترك ضد الملف المغربي في سباق تنظيم كأس العالم 2026، ما أثار غضب المغربيين وسخطهم، مطالبين سلطات بلادهم بالرد على هذا العمل السعودي الذي وصفه البعض بـ”الخيانة”.
فضلاً عن ذلك، عمدت السلطات السعودية إلى تقليص الاستثمارات والهبات الموجهة للمملكة بشكل غير مسبوق، وكانت حكومة المغرب قد توقعت الحصول على آخر دفعة من هبات دول الخليج في العام الحاليّ، حيث قدرتها بنحو 750 مليون دولار، بحسب ما جاء في الموازنة، غير أن المركزي المغربي أكد، أن المغرب سيحصل هذا العام على نحو 480 مليون دولار من دول مجلس التعاون.
تراجع الاستثمارات السعودية في المغرب
كما كان العاهل السعودي قد ألغى قبل أشهر زيارته إلى المغرب، حيث كان مقررًا أن يقضي عطلته الصيفية في قصره بمدينة طنجة كما اعتاد في الأعوام السابقة، وذلك على الرغم من أن الترتيبات الخاصة بالزيارة كانت قد أتمت تهيئة الظروف لاستقبال سلمان والوفد الأميري والوزاري المرافق له، خاصة على المستوى التنظيمي واللوجيستي، حيث تم حجز مئات الغرف بأفخم الفنادق، وتجهيز أسطول من السيارات الفارهة.
في مقابل ذلك، قررت السلطات في المغرب عدم مشاركة وزير الثقافة والاتصال المغربي محمد الأعرج في أشغال اجتماع وزراء إعلام دول التحالف المشارك في حرب اليمن، مبرّرة ذلك بارتباطات أخرى، وهي أول مرة يتخلف فيها وزير مغربي عن اجتماع يخص دول التحالف.
إلى جانب ذلك، دعم المغرب علاقته مع قطر، حيث زار محمد السادس الدوحة بعد 5 أشهر من حصارها، فيما توجت زيارة عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، إلى الرباط في مارس/آذار الماضي، بتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، تشمل مجالات حيوية منها التعليم والرياضة والإعلام والزراعة والإسكان والتعاون الصناعي والتجاري والاتصالات وتبادل المعلومات في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كما جرى الاتفاق على فتح خط ملاحي بين الموانئ المغربية وميناء حمد الدولي.
كل هذه المؤشرات تدل على وجود أزمة بين الطرفين، تزداد حدتها يومًا بعد يوم، ما يمكن أن يؤدي إلى خروجها عن نقاط السيطرة، خاصة في ظل “التعنت” السعودي القائم على رفض الاختلاف فمن ليس معي فهو ضدي.