ترجمة وتحرير: نون بوست
صادق البرلمان الأوكراني يوم أمس على مرسوم يقضي بفرض تطبيق قانون الأحكام العرفية الذي اقترحه الرئيس الأوكراني، بترو بوروشنكو. وقد جاء هذا القرار بعد يوم واحد من إطلاق روسيا النار على عدد من السفن الأوكرانية واحتجاز نحو 24 بحارا. وقد تسببت هذه الحادثة في نشوب حالة من الاضطراب في أوكرانيا، حيث وقعت أعمال شغب وتمكنت مجموعة من المحتجين من حرق بعض المركبات ومحاولة حرق السفارة الروسية في العاصمة الأوكرانية، كييف. في الأثناء، قد تتحول الاشتباكات بين روسيا وأوكرانيا في بحر آزوف إلى جبهة بحرية جديدة تستدعي التدخل المباشر للقوات النظامية لكلا البلدين، في امتداد للمواجهة بين الطرفين على خلفية ضم روسيا للقرم والنزاع المسلح في شرق أوكرانيا.
ما الذي حدث بالضبط؟
تتفق الروايتين الأوكرانية والروسية على أمر واحد وهو أن سفينة تابعة لخفر السواحل الروس وتسمى “ذا دون” صدمت قاطرة سفن أوكرانية كانت تبحر إلى جانب سفينتين عسكريتين باتجاه مضيق كيرتش أثناء توجهها إلى ميناء ماريوبول الواقع في منطقة الساحل الشمالي لبحر آزوف. ووفقا لموسكو، كانت السفن الأوكرانية تنفذ “مناورات خطيرة” تتطلب إغلاق المضيق لأسباب أمنية.
أما كييف، فأكدت أن السفن الأوكرانية يحق لها العبور عبر مضيق كيرتش بموجب اتفاق وقع بين البلدين سنة 2003. كما أن الهجوم على القاطرة الأوكرانية، الذي كان مخططا له، قد حدث في المياه الدولية. وأضاف الجانب الأوكراني أن البحرية الروسية فتحت النار على السفن الأوكرانية خلال الاشتباك، الأمر الذي أسفر عن جرح ستة بحارة، اثنان منهم في حالة خطيرة. ووفقا لمسؤول أوكراني رفيع المستوى، تم نقل ثلاثة من المصابين إلى موسكو لتلقي العلاج الطبي، في حين بقي الآخرون في مستشفى في كيرتش.
كيف وصل البلَدان إلى وضعية مماثلة؟
نددت أوكرانيا بأن البحرية الروسية تحتجز سفنا تحمل العلم الأوكراني أو أعلام دول أخرى لعدة أشهر في بحر آزوف وتستجوب طواقمها، دون أي هدف آخر سوى ترويع البحارة ومالكي السفن وثنيهم عن العمل في تلك المياه. ووفقا لما ذكره أنتون شبران، مدير شركة الملاحة البحرية “الخدمات اللوجستية البحرية” ومقرها في ماريوبول، يمكن أن تؤدي عملية احتجاز السفن، التي وصل متوسط مدتها إلى 54 ساعة في نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي، إلى خسائر تتراوح بين ثلاثة آلاف و13 ألف دولار. وتعد هذه الشركة من أكثر المتضررين من هذه الوضعية. وقد ربط الكثير من المراقبين هذه الوضعية بحصار بحري فعلي في مكان تسيطر عليه روسيا بشكل متزايد.
تسارع نسق الحصار منذ الانتهاء من أشغال الجسر الذي يمر عبر مضيق كيرتش، والذي يربط بين منطقة كراسنودار الروسية بشبه جزيرة القرم، خلال شهر أيار/ مايو الماضي
تصاعدت حدة الصراع الأوكراني الروسي بشكل ملحوظ في شهر أذار/ مارس عندما أوقفت السلطات الأوكرانية سفينة صيد من القرم كانت تحمل العلم الروسي، وهو ما تعتبره أوكرانيا غير قانوني. وقد تم اعتقال قائد السفينة وكامل بقية الطاقم. في هذا الصدد، أفادت روسيا أن البحرية الأوكرانية تصرفت مثل “القراصنة الصوماليين”. منذ ذلك الحين، أصبحت روسيا هي من تقوم بدوريات في المياه وتوقف بعض السفن، وهو إجراء غير قانوني بالنظر إلى اتفاق التعاون الذي أُبرم سنة 2003 بين فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني آنذاك، ليونيد كوتشما.
ما هي نتائج هذا الحصار؟
تسارع نسق الحصار منذ الانتهاء من أشغال الجسر الذي يمر عبر مضيق كيرتش، والذي يربط بين منطقة كراسنودار الروسية بشبه جزيرة القرم، خلال شهر أيار/ مايو الماضي. وفي نهاية ذلك الشهر، نشرت روسيا ثلاث سفن عسكرية في بحر آزوف، بهدف معلن يتمثل في حماية البنى التحتية. وقد تم تكليف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بالإشراف على هذه المهمة. ووفقاً للمعلومات المتاحة، فإن المسؤولين عن الاصطدام بالسفن الأوكرانية هم حرس الحدود التابع لمكتب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
الجدير بالذكر أن بناء هذا الجسر يستدعي طرد 144 سفينة عملاقة، كانت تعمل في ماريوبول، من بحر آزوف بشكل تعسفي. ويعود ذلك إلى أن هذه السفن لا يمكن أن تمر من تحت الجسر الذي لا يتجاوز ارتفاعه 33 مترا. ويواجه كل من ميناء ماريوبول وميناء بيرديانسك المجاور انخفاضا اقتصاديا ملحوظا بسبب تقليص نشاطهما التجاري الذي يقدر البعض أنه وصل إلى 30 بالمائة، في حين تبدو أوكرانيا عاجزة تماما أمام هذه الوضعية.
أفراد من الحرس الوطني الأوكراني يحاولون حماية السفارة الروسية في العاصمة الأوكرانية كييف خلال أعمال الشغب التي وقعت في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر.
على ماذا ينص قانون الأحكام العرفية؟
تفاجئ العديد من المراقبين من تطبيق قانون الأحكام العرفية، لأنه لم يُطبق حتى في ذروة القتال في شرق أوكرانيا سنة 2014. في هذا الخصوص، تنطوي حالة الطوارئ على تعبئة عسكرية جزئية، والتنظيم المباشر للدفاعات الجوية، فضلا عن تعزيز الأمن على الحدود مع روسيا وتنظيم حملة إعلامية ورصد البنى التحتية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، يحد هذا القانون من حرية التجمع والحركة والتعبير. بناء على ذلك، أعرب العديد من المعارضين الأوكرانيين عن خشيتهم من إمكانية استخدام قانون الأحكام العرفية كذريعة لإلغاء بعض الحريات، خاصة في ظل تراجع شعبية الرئيس بترو بوروشنكو خلال الفترة الراهنة.
حذرت وزارة الخارجية الروسية “نظام كييف وأرباب العمل الغربيين” من “العواقب الوخيمة” للحادث
تعليقا على هذه المسألة، أفاد مارك بهرندت، المدير الإقليمي للبرامج الأوروبية وأوراسيا في المنظمة غير الحكومية فريدم هاوس، أنه “يجب على الحكومة الأوكرانية أن تدرس بعناية اعتبارات الأمن القومي وحقوق الإنسان أثناء الاستجابة للتهديدات الأمنية في بحر آزوف وتنفيذ قانون الأحكام العرفية”. كما أضاف بهرندت من خلال بيان أنه “لا بد من تبرير أي قيود على الحريات الأساسية بطريقة شفافة ولا تتعارض مع المجتمع الديمقراطي”.
ما هو موقف روسيا؟
بالأمس، حذرت وزارة الخارجية الروسية “نظام كييف وأرباب العمل الغربيين” من “العواقب الوخيمة” للحادث. وقد أوردت الوزارة في بيان لها أنه من الواضح أن أوكرانيا تحاول استفزاز روسيا بشكل مدروس بدقة، حيث أن مكان الحادث والطريقة التي وقع بها يهدفان إلى خلق تركيز آخر للتوتر في تلك المنطقة، واتخاذه كذريعة لزيادة العقوبات ضد روسيا.
كما قالت الوزارة: “لذلك نصدر تحذيرًا لأوكرانيا بأن سياسة السلطة في كييف، التي تتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهدف إثارة نزاع مع روسيا في مياه بحر آزوف والبحر الأسود، محفوفة بالعواقب الوخيمة”. وقد أشارت عدة وسائل إعلام روسية مؤيدة للحكومة إلى أن الغرض من الحادث هو إثارة التوترات لعرقلة اللقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة مجموعة العشرين، التي ستُعقد في وقت لاحق من هذا الأسبوع في الأرجنتين.
في العاصمة الأوكرانية كييف في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، نشطاء من المعارضة الأوكرانية يحتجون على اتفاقية البحرية المشتركة بين روسيا وأوكرانيا التي أُبرمت سنة 2003 والمتعلقة ببحر آزوف.
ما الذي سيحدث الآن؟
من الصعب التنبؤ بالطريقة التي سيتطور بها الوضع الراهن، لكن التوقعات مثيرة للقلق. فبالأمس، أكد الرئيس بوروشنكو أن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية لديها أدلة على أن القوات المسلحة الروسية تعد لهجوم بري حتى تتمكن من نشر الجنود على الجسر شرق البلاد.
من جهته، صرح جون هيربست، السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا بين سنة 2003 و2006، لمجلة “نيوزويك” الأمريكية، أن “الجانب المثير في كل هذا الوضع أن القوات المسلحة الروسية تجرأت على شن هجوم على السفن الأوكرانية في وضح النهار، الأمر الذي يعد تجاوز روسيا لخطوط أخرى”. وأضاف السفير السابق “لقد ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بواسطة جيشها. كما كانت موسكو تشنّ حربا غير سرية تماما في دونباس، حيث يتواجد هناك الآلاف من الضباط الروس وهم يسيطرون على عمليات القتال في حين أن روسيا تنفي ذلك. لكن خلال الأزمة الراهنة، لم تصدر عن روسيا أية تصريحات سلبية”.
من الممكن أن بوتين يريد استنساخ نسخة جديدة من حادثة ضم شبه جزيرة القرم التي جعلت شعبيته تصل إلى 90 بالمائة في صفوف شعبه.
في المقابل، يعتقد بعض المراقبين الآخرين أن الكرملين لا يهدف إلى إثارة نزاع مسلح بقدر ما يسعى إلى انتزاع تنازلات من الجانب الأوكراني، على غرار إعادة إمدادات المياه إلى شبه جزيرة القرم، التي انقطعت بعد غزو سنة 2014. في المقابل، يمكن أن تلعب الانتخابات المقرر إجراؤها في شهر آذار/مارس القادم في أوكرانيا والحظوظ القليلة للرئيس الحالي، دوراً في هذه الأزمة، حيث سيكون بوروشنكو مستعدا للتفاوض بشكل كبير.
على عكس ذلك، يمكن أن يصب تصعيد التوتر مع الجانب الروسي في صالح بوروشنكو. وتنطبق هذه الوضعية أيضا على الرئيس فلاديمير بوتين الذي يمر بأكثر فترة تتراجع فيها شعبيته منذ توليه السلطة على خلفية الإصلاح المثير للجدل الذي أدخله على النظام التقاعدي. ومن الممكن أن بوتين يريد استنساخ نسخة جديدة من حادثة ضم شبه جزيرة القرم التي جعلت شعبيته تصل إلى 90 بالمائة في صفوف شعبه.
المصدر: الكونفدنسيال