تتزايد وتيرة العنف في المدارس العراقية وترتفع نسبتها بشكل يومي ، وتظهر لوسائل الإعلام مشاهد تمارس بحق أطفال لم يبلغوا سن الرشد ، مخلّفة في عقولهم ونفوسهم بغض المدرسة والعملية التعليمية بأكملها، وربما أصبح هاجساً مرعباً لدى الطالب ، لا يعني هذا أن الطالب بريءٌ ومنزهٌ من الإخطاء والسلوكيات السلبية ، ولكن في كثيرٍ من الأحيان تكون العقوبة والردع مبالغٌ فيه ، وتبقى كل هذه السلوكيات تحدث أفعالها في المجتمعات والبيئات التربوية ، بدل أن تصبح المدرسة أداة جاذبة للإنسان ، أصبحت أداة منفرةً له من العلم والتعلم .
هل العقاب وسيلةٌ فعّالة لتأديب التلميذ ؟
يختلف كثيرٌ من علماء التربية والنفس في قضية العقاب ومدى أهميته في تقويم سلوك الطالب وتهذيبه ، وعلى الرغم من هذا الخلاف الحاصل بينهم ، لو قررنا أن نستخدم العقاب على سبيل المثال ، يجبُ أن يكون في المرحلة الأخيرة .
لم يعدْ يخفى على الجميع أن المدارس منذ أمدٍ بعيد تستخدم العقاب والضرب لردع الطلاب عن السلوكيات الخاطئة
ولكن لماذا يغفل معظم التربويين عن وسائل أخرى تكون قبل العقاب ، فوسائل التربية كثيرة جداً ومتنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر :-
أولا : الحرمان ، بإمكاننا المدرس أو الإدارة المدرسية ، أن تحرم التلميذ من بعض الدروس الترفيهية كالرياضة أو الفنية أو عدم المشاركة في الفعاليات اللا صفية .
ثانياً : الحوار ، ضرورة الحوار مع التلميذ وكشف الأسباب الموجبة لقيام التلميذ مهمةٌ جدّا ، ويستطيع المرشد التربوي المختص أن يعرف كل هذه الملابسات ويأخذ دوره بتقويم الطالب وتعديل سلوكه ، فقد يكون السلوك نتيجة لردة فعل أو إثبات وجود .
ثالثا : المناقشة ، لا ينبغي أن تأتي العقوبة ، سواء كانت مادية أو معنوية ، قبل مناقشة الكادر التدريسي في سلوك الطالب ، فقد يتضح أنه مصابٌ بمرض ، أو مصاب بمرض نفسي .
رابعاً : استدعاء ولي أمر الطالب للإطلاع على سلوكيات إبنه في المدرسة وممارساته الخاطئة ومشاركته في إتخاذ الإجراء اللازم في تقويم السلوك .
رغم أني لا أقفُ إطلاقاً مع العقوبة البدنية مهما كان فعل الطالب ، فاللوائح والقوانين المدرسية كثيرةٌ لردع الطالب عن السلوك الخطأ ، وإن كان ولا بد من العقوبة ، فهي مشروطة بالخطوات السابقة .
لماذا يلجأ المدرسون ومدراء المدارس للعقاب ؟
لم يعدْ يخفى على الجميع أن المدارس منذ أمدٍ بعيد تستخدم العقاب والضرب لردع الطلاب عن السلوكيات الخاطئة، وفي نفس الوقت لتحقيق الإنضباط العالي ، وكذلك لإثبات شخصية المدرس أو الإدارة المدرسية من خلال هذه التصرفات .
وبعد ظهور وسائل التواصل الإجتماعي ، وتوفر الإعلام بيد الجميع ، بدأت تخرج لنا فيديوات مؤلمة تنمُّ عن قسوة مبالغة فيها في التعامل مع السلوكيات الخاطئة ، فتلك طفلة تحتجزها مجموعة من المدرسات ويضربونها ضرباً مُبرّحاً ليحدثوا في جسده عاهات دائمة ، وذاك مديرٌ يلاحق طلابه بالعصا ويضربهم ضرباً لا رحمة فيه ولا تأنيب ضمير .
رغم كل هذه الظواهر المستمرة والمتزايدة في الآونة الأخيرة ، ما هي الدوافع لهذه التصرفات ؟
فيرى أحد الحقوقيين : ” أن السبب الاساس لمثل هذه الممارسات العنيفة، يعود لافتقار بعض المعلمين الى الثقافة التربوية التي تؤهلهم لفهم حقوق الانسان واهميتها، فضلا عن حرمة الانسان وكرامته الانسانية، فهذا الامر لا يتعلق فقط بالتربية العائلية او المجتمعية، وانما هو جانب مهني يجب أن يتدرب عليه المعلم وينبغي أن يدخل دورات متخصصة، تؤله ثقافيا كي يكون معلما مثقفا يغرس ثقافة الحقوق لدى تلاميذه وليس العكس ”
مدير مدرسة في مدينة الموصل يقوم بضرب الطلاب
كيف نتخلص من ظاهرة العنف المدرسي ؟
لا يخفى على أحد أن العنف المدرسي اصبح ظاهرة واضحة للعيان وللإعلام ، وأصبح لهذا العنف ضحاياه وهم الطلاب في الغالب ، وقد تأثر كثيرٌ من الطلبة بإعاقات جسدية أو نفسية ، وما زال غياب المؤسسات التربوية المختصة غائب ولا دور يُذكر في هذا الخصوص ، فضلاً أن مؤسسات حقوق الإنسان دورها ضعيف في توثيق الإنتهاكات التي يتعرض لها الطلاب في المدارس .
على الرغم من أن القانون العراقي يُحرم الإعتداء البدني على الطالب ويجرمه ، ولكن القانون لا يفعّل بشكل حقيقي ولم يأخذ دوره الى يومنا هذا .
يقول خبراء في هذا الشأن : ” ان التخلص من آفة العنف المدرسي تتطلب تعاونا مشتركا بين الآباء والمعلمين، من خلال التعامل المدروس والسليم مع الوضع النفسي للطلبة الصغار، والعمل على توفير الاجواء الدراسية الصحيحة لهم، كذلك هناك متطلبات مادية ينبغي توفيرها لهم، وهذه مسؤولية الآباء بالدرجة الاولى، فلا يجوز محاسبة الابناء على تقصير أو خطأ معين، في حين لا يتنبّه الاباء الى اخطائهم”.
يرى خبراء اخرون : ” أن نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف في المجتمع والتلاميذ في غاية الاهمية، وليكن شعارنا التعلم لحقوق الإنسان وليس تعليم حقوق الإنسان”
وأضاف الخبراء في هذا الشأن : ” أما المعلمون فمطلوب منهم التمسك بالمنهج التربوي الخالي من العنف، واللجوء الى اساليب معاصرة تتفهم اوضاع الطلاب، واحتياجاتهم في الجانبين المادي والنفسي، في هذه الحالة يمكن ان يثمر التعاون بين الاباء والمعلمين، من خلال نبذ العنف بصورة تامة، مع توفير الصفوف المدرسية الجيدة والمناهج الجديدة، عند ذاك سوف يتحقق حلم التعليم السليم، وتنتهي ظاهرة العنف المدرسي التي باتت من الظواهر المتخلفة والمدمرة في الوقت نفسه “
كما يرى خبراء اخرون : ” أن نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف في المجتمع والتلاميذ في غاية الاهمية، وليكن شعارنا التعلم لحقوق الإنسان وليس تعليم حقوق الإنسان، الى جانب عمل ورشات ولقاءات للأمهات والآباء لبيان أساليب ووسائل التنشئة السليمة التي تركز على منح الطفل مساحة من حرية التفكير وإبداء الرأي والتركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل واستخدام أساليب التعزيز”
ويضيف الخبراء : ” ان الاهم هو عمل ورشات عمل للمعلمين يتم من خلالها مناقشة الخصائص الانمائية لكل مرحلة عمرية والمطالب النفسية والاجتماعية لكل مرحلة، ولهذا لابد من أن تبادر الجهات المسؤولة المتمثلة بمنظمات التنمية الاجتماعية والأسرة والمؤسسات التعليمية والتضامن إلى اقتراح تشريعات تجرم العنف في المدارس “
ويبقى السؤال متى يعاقب الطالب ؟ وهل تترك له حرية التصرف ، كما يحلو له فيعبث بممتلكات المدرسة ، ويقوم بالسلوكيات الخاطئة كما يحب ويشتهي ، بالتأكيد ليس هذا هو الحل ، ولكن الحل يكمن في التالي :
أولاً : أن تحدد الإدارات المدرسية أنظمة ، كنظام القاعة الدراسية ما يُباح للطالب أن يفعل داخل الصف وأثناء الدرس وما لا يُباح له فعله بالإتفاق مع الأساتذة ، وكذلك نظام الساحة المدرسية ، فيحدد المسموح وغير المسموح به ، وتضع للسلوكيات الخاطئة عقوبات ، في حال تكرار السلوك الخاطئ ، يبدأ باستدعاء ولي الأمر ، والفصل من المدرسة لمدة أيام ، وخصم من درجة السلوك إذا استدعى الأمر .
ثانياً : إذا أحدث الطالبُ أضراراً في بناية المدرسة وأجهزتها وأثاثها ، تقوم إدارة المدرسة بوضع قوانين لهذه الخروقات ، ويكون جزء منها إصلاح الضرر مع الغرامة أو تحديد غرامة مالية