لا تزال العقبات والعراقيل تقف ثابتة أمام باب المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي “فتح” و”حماس”، وتمنع التوصل إلى اتفاق واضح وصريح يُنهي عمر الانقسام القائم الذي دخل عامه الـ12 على التوالي، وتسبب بأزمات ثقيلة يدفع ثمنه الفلسطينيون غاليًا.
القاهرة وهي الوسيط الحصري لملف المصالحة منذ ميلاده الأول في العام 2007، وحاولت كثيرًا تقريب وجهات النظر بين حركتي “فتح” و”حماس”، والوصل لنقطة اتفاق مشتركة، رغم عشرات المبادرات والورقات التي قدمت، إلا إنها حتى هذه اللحظة تراوح في مربع الفشل ولم تغادره.
قبل أيام استقبلت العاصمة المصرية وفود من قادة “فتح” و”حماس”، وبحثت معهم على انفصال إمكانية التوصل لاتفاق واضح يجد طريق التنفيذ على أرض الواقع، ورافقت مع هذا التحرك الجديد الكثير من الآمال والطموحات الفلسطينية التي عطشت لطعم الوحدة والمصالحة، لكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال طارت في هواء الخلافات المتفاقمة من جديد.
الأحمد لم يتطرق فقط لفشل جولة القاهرة الأخيرة، بل تحدث عن عقوبات جديدة ستفرض على قطاع غزة، الأسبوع المقبل
ورغم أن الأنباء الأولى تحدثت عن قرب التوصل لاتفاق، إلا أن التصريحات التي صدرت عن رئيس وفد حركة “فتح” في ملف المصالحة عزام الأحمد، قد صدمت الجميع وأكدت بأن المسافات لا تزال بعيدة، وإمكانية نجاح القاهرة في إحداث اختراقه قوية بملف المصالحة سيكون معجزة.
انقلاب على المصالحة
الأحمد لم يتطرق فقط لفشل جولة القاهرة الأخيرة، بل تحدث عن عقوبات جديدة ستفرض على قطاع غزة، الأسبوع المقبل، وكشف خلال لقائه عبر تلفزيون “فلسطين” الرسمي، مساء الثلاثاء (27/ نوفمبر) الجاري، عن اجتماع مرتقب لإحدى لجان المجلس المركزي لبحث إجراءات تقوض سلطة حركة حماس في قطاع غزة؛ الأمر الذي اعتبرته حماس انقلابا على جهود المصالحة،
وقال إن “الاجتماع المرتقب للجنة المنبثقة عن اجتماعات المجلس المركزي الأخير في رام الله سيخصص “لبحث إجراءات جديدة تقوض سلطة الانقسام ولا تؤذي أهلنا في غزة”، مضيفًا أنه “لم تعرض علينا ورقة مصرية إطلاقا خلال وجودنا الأخير في القاهرة“.
وأكد أن النقاشات هناك تمحورت حول الورقة التي قدمتها فتح للمصالحة، وأن مصر مقتنعة بأن الورقة صالحة لإنهاء الانقسام، لكن حماس لا تملك الإرادة الكافية لإنهائه.
الرئيس عباس اتخذ إجراءات عقابية ضد قطاع غزة، وشملت خصماً يتراوح بين 40% و50% من رواتب موظفي السلطة
في المقابل، قال فوزي برهوم الناطق باسم “حماس”، إن تصريحات الأحمد “انقلاب واضح على جهود مصر لتحقيق المصالحة، وتحمل تهديدا صريحا لأهلنا في القطاع، وهي إساءة لكل من يقف مع غزة المحاصرة، وإلى جانب أسر شهداء وجرحى مسيرات العودة وكسر الحصار“.
واعتبر برهوم أن تلك التصريحات تؤكد “سوء نوايا هذا الفريق المتنفذ في حركة “فتح”، كونه المتضرر الأكبر من نجاح الجهود المصرية والوطنية” لتحقيق المصالحة.
وكان وفد من حركة “فتح” ضم عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية عزام الأحمد، وحسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، عضو اللجنة المركزية، واللواء ماجد فرج مدير المخابرات العامة، قد ناقش مع المسئولين المصريين “ورقة مصرية معدلة” من أجل التوفيق بين الطرفين الفلسطينيين، وذلك بعدما ناقش المصريون هذه الورقة مع وفد من “حماس“.
وحصل خلاف حول تطبيق الاتفاق، وفق ما تم التوصل إليه عام 2011 أو عام 2017. وتريد “حماس” اتفاق 2011؛ لأنه يقضي بتشكيل حكومة وحدة مهمتها إجراء انتخابات بعد أشهر، ويعطيها الحق بالتدخل في إعادة تشكيل عقيدة الأجهزة الأمنية، كما أنه يشمل منظمة التحرير؛ لكن “فتح” تريد اتفاق 2017؛ لأنه يقضي بتسليم “حماس” الحكومة الحالية – وهي حكومة التوافق الوطني – قطاع غزة فوراً، بما يشمل الأمن والمعابر والجباية والقضاء وسلطة الأراضي.
مسيرات شعبية تطالب بإنهاء الانقسام
وكان عصام الدعاليس، نائب رئيس الدائرة السياسية في “حماس”، قال في تغريده له عبر “تويتر”، إن الوفد “أنهى الخميس الماضي لقاءاته بالمسئولين المصريين وغادر فجر السبت، وتم التأكيد خلال المباحثات على موقف الحركة من المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات التي تواجه شعبنا“.
وأضاف أن حركته “عرضت رؤيتها المنسجمة مع الكُل الوطني، والقائمة على الشراكة وتنفيذ ما تم التوافق عليه في اتفاق 2011“.
الجدير ذكره أن الرئيس عباس اتخذ إجراءات عقابية ضد قطاع غزة، وشملت خصماً يتراوح بين 40% و50% من رواتب موظفي السلطة، وتقليص كمية الكهرباء التي تراجع عنها بعد عدم خصمها من أموال المقاصة، والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري، وتأخير متعمد في صرف رواتب الموظفين، ما ضاعف الأزمة والمعاناة في غزّة.
الشروط الثلاث
مصادر مصرية رفيعة المستوى ومطلعة على جولات الحوار الفلسطيني الداخلي، كشفت في تصريحات حصرية لـ”نون بوست”، عن ثلاث شروط رئيسية أدت إلى فشل جولة المصالحة الأخيرة بين حركتي “فتح” وحماس“.
وأكدت أن حركة “حماس” وضعت شرطين أساسيين مقابل إتمام المصالحة مع حركة “فتح” وهما رفع العقوبات كاملة عن قطاع غزة التي فرضها الرئيس محمود عباس منذ شهر أبريل من العام 2017، وتسببت بشلل كافة مناحي الحياة في قطاع غزة.
التحرك المصري الجديد يأتي بعد فترة وجيزة من وضع القاهرة اتفاق تهدئة جديداً في غزة
وعن الشرط الثاني، أكدت المصادر أن “حماس” طالبت اعتماد اتفاق 2011، الذي جرى توقيعه في القاهرة كأساس يمكن السير عليه لتنفيذ باقي بنوده على أرض الواقع دون أي عقبات أو عراقيل.
المصادر المصرية أوضحت لـ”نون بوست”، أن هذا الشرطان رفضتهما حركة “فتح”، ووضعت شرط ثالث وهو أن تسلم “حماس” غزة كاملةً إلى حكومة التوافق الوطني التي يترأسها الدكتور رامي الحمد الله، وتمكين عمليها بالكامل، مقابل تنفيذ اتفاقات المصالحة ورفع العقوبات الاقتصادية عن غزة.
ولفت إلى أن هذه الشروط الثلاث قد أفشلت جولة الحوار الأخيرة، وأعادت كل الطموحات والآمال التي انطلقت معها لمربع الصفر والفشل من جديد، متمنيةً أن تستكمل القاهرة جهودها خلال الأيام المقبلة على أمل الوصول لنقاط مشتركة وأرضية خصبة تدفع عجلة المصالحة الفلسطينية للأمام.
التحرك المصري الجديد يأتي بعد فترة وجيزة من وضع القاهرة اتفاق تهدئة جديداً في غزة، وترى القاهرة أن إتمام مصالحة الآن يُعتبر خطوة ضرورية بعد تثبيت التهدئة في القطاع، وباعتبار أن المصالحة مدخل لتوقيع تهدئة طويلة في غزة عبر منظمة التحرير، على غرار الاتفاق الذي أنهى حرب 2014.
وطلبت مصر، بحسب المصادر، من الطرفين “فتح” و”حماس”، وقف أي تسريبات للإعلام، ووقف أي تراشق كلامي للمساعدة على تهيئة الأجواء أكثر، كما طلبت من الوفود مناقشة الأفكار المطروحة في رام الله وغزة قبل البت فيها.
من جهته، رصد الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور متغيّرات في الحراك المصري الحالي، ومنها دخول الرئاسة المصرية مباشرة على خط المصالحة، وحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي مع عباس في “مؤتمر الشباب” أخيراً حول الأمر، إضافة لتقديم مصر خطة عمل من أجل المصالحة متدرجة وعلى مراحل.
تشهد الساحة الفلسطينية انقساماً سياسياً منذ عام 2007 بين حركتي “حماس” و”فتح” أثر على حياة الفلسطينيين وقضيتهم.
ووفق العمور، فإن المتغير الأهم يتمثل بدخول قطر على خط تسهيل الحياة في غزة وتكفلها برواتب موظفي القطاع المدنيين، والموظفين المعينين من قبل “حماس”، وهو ما كان يمثّل أحد أهم العقبات أمام إنجاز المصالحة، موضحاً أن “مصر لا تريد أن تسجل قطر حضوراً في المشهد الفلسطيني وتسحب منها أوراق الحضور الخاصة بها، لذلك تدفع باتجاه إنجاز المصالحة“.
وأوضح أن “إنجاز المصالحة هو من مصلحة حركة فتح الآن، لأن تحقيقها والعودة للمشهد عموماً ولقطاع غزة على وجه التحديد، ضروري، بعد أن بدأت الحركة تتلاشى من المشهد السياسي في غزة بسبب الانقسام والعقوبات والغياب عن مشاكل وأزمات مليوني فلسطيني هناك“.
وبالنسبة للعمور، فإن “الظروف المحيطة بالمنطقة والإقليم، ليست ذات تأثير في ملف المصالحة الآن، ولكن المهم صدق التوجه نحو هذا الهدف، خصوصاً أنّ الظروف الآن مليئة بالتحديات للقضية الفلسطينية، ومواجهة هذه التحديات بحاجة لوحدة وطنية، فلن تستطيع حماس أن تقاتل لوحدها في غزة، كذلك فتح والسلطة، لن تستطيعا مواجهة مشاريع التهويد في الضفة والقدس لوحدهما“.
وتشهد الساحة الفلسطينية انقساماً سياسياً منذ عام 2007 بين حركتي “حماس” و”فتح” أثر على حياة الفلسطينيين وقضيتهم.
وفي عام 2011 تم التوصل إلى اتفاق للمصالحة، نص على تشكيل حكومة توافق وطني، تكون مهمتها الإعداد للانتخابات، لكن هذا الاتفاق لم يجد طريق التنفيذ على أرض الواقع حتى هذه اللحظة