لا تزال حوادث التحيّز والعنصرية المتعلّقة باللاجئين تملأ صفحات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي يومًا بعد يوم. فقد أثار فيديو يُظهر تعرّض طفلٍ سوريّ لاجئ في شمال بريطانيا، لاعتداءٍ عنيف من أحد طلّاب مدرسته الذي لم يتجاوز عمره الخمسة عشر عامًا، ضجةً واسعة وغضبًا شديدًا على وسائل التواصل، مطالبةً الشرطة بالتعامل مع اعتداءات “الكراهية” التي تحدث بين الفينة والأخرى.
وقد كشفت الضجة المثارة المزيد من المعلومات عن عائلة الطفل المعتدِي محاولةً فضح علاقتها مع اليمين المتطرّف في المملكة المتحدة، فقد مثلت أمّه في المحكمة في وقتٍ سابق لاتّهامات تتعلّق أيضًا باعتداءات عنصرية قائمة على الكراهية والتحيّز. فيما واجه أخوه الأكبر حُكمًا بالسجن لمدة عامين و8 أشهر للأسباب ذاتها أيضًا.
— EHA News (@eha_news) November 27, 2018
تدفعنا هذه القصة وغيرها من الحوادث السابقة إلى ضرورة تسليط الضوء على دور الأسرة والعائلة في تكوين الكراهية المبنية على العنصرية والتحيّز في نفوس أبنائها، خاصّة الصغار منهم.
تجربة الدمية بوبو: التحيّز سلوكٌ متعلّم
في تجربته الشهيرة، والمعروفة باسم “تجربة الدمية بوبو”، حاول عالم النفس الأمريكي “ألبرت باندورا” دراسة قدرة الأطفال على التأثر بالبيئة المحيطة بهم بما فيها من مؤثرات عديدة كالأسرة والمدرسة والأصدقاء والمجتمع ووسائل الإعلام وغيرها الكثير. وباختصارٍ شديد، تقوم فكرة التجربة على أن يراقب الأطفال المشاركين فيها كيف يعامل الشخص البالغ الدمية “بوبو”، وهي دمية بلاستيكية تشبه المهرج لديها وزن ثقيل من الأسفل يساعد على استقرارها و توازنها بحيث لا يمكنها السقوط عندما يدفعها أحد.
يُشاهد الطفل كيفية تصرّف الشخص البالغ والمتواجد معه في الغرفة نفسها، ثم يُترَك الطفل مع الدمية لوحديهما ليُراقب الباحثون تعامله معها. أما النتيجة فكانت كالآتي: الأطفال الذين شاهدوا الشخص البالغ يعامل الدمية “بوبو” بعنف، قاموا بدورهم بضرب الدمية وشتمها بقسوة بعد أن تُركوا لوحدهم معها. أمّا أولئك الذين شاهدوا الشخص البالغ يعامل الدمية بلطف، قاموا بالتودّد لها والتعامل معها أيضًا بلطف.
تجربة الدمية بوبو الشهيرة التي قام بها عالم النفس “ألبرت باندورا” لدراسة قدرة الأطفال على تعلّم السلوكيات ممّن حولهم
وبتعبيرٍ آخر، أظهرت تجربة باندورا أنّ الأطفال يتعلّمون بالأساس عن طريق الملاحظة والمراقبة والتفاعل مع الآخرين، لكنّه سعى إلى دراسة العنف والعدوانية لديهم بوصفهما أحد السلوكيات الخطيرة التي يركّز علم النفس على دراستها. لذلك، بالطريقة نفسها التي يستطيع بها الطفل تعلم العنف والعدوانية، يمكن للأطفال أيضًا أن يتعلموا التحيز والعنصرية والتمييز، أي أنّ العنصرية هي سلوكٌ متعلَّم يكتسبه الطفل من ملاحظة ومراقبة الآخرين من حوله.
وبشكلٍ عام، هناك عدد من النظريات التي حاولت دراسة أصول التحيز والعنصرية، لكنّ معظمها ترتبط بشكلٍ أو بآخر مع نظرية باندورا، أي نظرية التعلّم الاجتماعي التي تنظر إلى التحيّز بوصفه سلوكًا يتمّ تعلّمه بنفس الطريقة التي يتعلّم بها الشخص العديد من المواقف والقيم والتصرّفات الأخرى في يحاته من خلال الملاحظة والمراقبة والتعزيز والقدوة. وبعبارة أخرى، يتعلم الأطفال التحيز من خلال التنشئة الاجتماعية.
الأُسرة وعاء العنصرية الأوّل
تخبرنا الدراسات والأبحاث أنّ الأطفال غالبًا ما يبدأون في سنٍّ مبكّرة جدًا بملاحظة الفروقات العرقية والجنسانية المختلفة من حولهم. فعلى سبيل المثال، يبدأ الأطفال من عمر ثلاثة شهور بتمييز الفروقات في اللون والبشرة للأشخاص المحيطين من حولهم، فيصبحون من هذا العمر أكثر تفضيلًا للوجوه التي تنتمي لمجموعتهم العِرقية مقارنةً بمَن ينتمي لمجموعات أخرى.
الأسرة والمجتمع هما اللبنة الأولى للمعتقدات العنصرية التي تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى وصمات “stigma” يصعب التخلّص منها وتصبح أكثر خطورة حين ترتبط بسلوكياتٍ وتصرّفات عنصرية
لكن ما هو مهمٌّ لدينا هو أنّ ملاحظة الفروقات والاختلافات لا تعني بتاتًا تطور أي معقتقدات أو سلوكيات إيجابية أو سلبية فيما يخصّ العِرق، وإنما تتطور تلك المعتقدات بمرور الزمن وبتأثيرٍ من عوامل أخرى بما في ذلك البيئة الاجتماعية والعائلية التي ينمو فيها الطفل. أما في المرحلة ما بين 6 و 10 سنوات من العمر، يصبح الطفل أكثر إدراكًا للصور النمطية والتحيّزات العنصرية في تعامله مع الآخرين لا سيّما إنْ حضرت بصورةٍ سلبية بقوّة في حياته اليومية.
وإجابةً على سؤالنا من أين تأتي كلّ تلك التحيّزات التي تتبعها، فمن الواضح أنّ الأسرة والمجتمع هما اللبنة الأولى لتلك الأفكار والمعتقدات العنصرية التي تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى وصمات “stigma” يصعب التخلّص منها وتصبح أكثر خطورة حين ترتبط بسلوكياتٍ وتصرّفات عنصرية تمامًا كما حدث في حالة الطفل السوريّ الذي تعرّض للضرب.
وفي حين أنّ الوالديْن والأسرة يلعبان الدور الأكبر، إلا أنّه كلما كبر الطفل أصبحت مجموعة الأقران والأصدقاء ذات تأثيرٍ لا يقلّ أهمية عن دور الوالدين، بل ربما أكثر، خاصة في مرحلة المراهقة حيث يزداد تأثير الأصدقاء على الطفل بشكلٍ قد يطغى على الأسرة والوالدين وأية جوانب أخرى من حياته. كما تُعتبر وسائل الإعلام مصدرًا مهمًّا في تعليم الطفل للعنصرية والتحيّز سواء من خلال البرامج التلفزيونية أو المسلسلات والأفلام وغيرها.
وبالتالي، لا يمكن الاستهانة بتأثير الأفكار العنصرية التي يحملها الوالدان، سواء كانت صريحة أو ضمنية، على أطفالهم. لذا، حلّ المشكلة يبدأ أساسًا من الوالدين عن طريق العمل أولًا على الحدّ من الأفكار والمعتقدات التي يحملونها -وإن كانت غير واعية- فيما يتعلّق بالأعراق والمجموعات الأخرى لأنهما يُعتبران قدوتين أو نموذجين ينظر إليهما الطفل ويتعلّم من سلوكياتههما حتى سن متقدمة من العمر.