ترجمة وتحرير: نون بوست
نتيجة قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القاضي بفرض حظر السفر، تراجع عدد نشطاء حقوق الإنسان من الشرق الأوسط القادرين على زيارة واشنطن ونيويورك بشكل كبير، مما حرم صناع القرار من مداخلات قيمة، وفقا لمسؤولين وخبراء سابقين. وقد أخبر الناشطون والمحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان من اليمن وسوريا وبلدان أخرى موقع “ميدل إيست آي” أنهم حُرموا من الحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة كما منعوا من المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، والمحادثات مع المشرعين الأمريكيين والمسؤولين في واشنطن.
في هذا الصدد، أفادت رشا جرهوم، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة في اليمن، التي كان من المقرر أن تلقي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي في وقت سابق من هذا الشهر لمناقشة كيفية تحمل المرأة لوطأة الصراع الدائر هناك، قائلة: “أنا أنادي بتغيير مقر منظمة الأمم المتحدة من نيويورك”. الجدير بالذكر أنه تم رفض طلب تأشيرة دخول جرهوم إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي أنهت فيه حديثها عبر الفيديو، قالت جرهوم إنها لم تتمكن من مقابلة الدبلوماسيين بعد ذلك أو المشاركة في مناقشات مغلقة ذات قيمة.
أورد معهد كاتو الأمريكي اليميني أن بيانات وزارة الخارجية الأمريكية لم تذكر بالضبط عدد الدول غير المسموح لمواطنيها بدخول الولايات المتحدة
في السياق ذاته، صرحت جرهوم لموقع “ميدل إيست آي” أن “مجلس الأمن يدّعي أنه هيئة لحفظ السلام، لكنه فشل في الحقيقة في تأدية هذا الواجب، ويظهر ذلك من خلال منعه لصناع السلام أمثالي من التحدث في اجتماعاته”. كما أوردت جرهوم، وهي مؤسسة مبادرة “مسار السلام”، أن رفض طلب حصولها على التأشيرة قد أفشل خططها في السفر إلى واشنطن، حيث كانت تأمل في الضغط على السياسيين الأمريكيين بخصوص قرار إعادة تسليح المملكة العربية السعودية وسط ضجة كبيرة حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وأضافت جرهوم: “نحن بحاجة لإيجاد حل في أقرب وقت ممكن، خاصة وأن الأمر لا يتعلق باليمن فقط؛ فلدينا زملاء من سوريا والصومال وليبيا والعراق أيضا”.
خسارة لا تقدر بثمن
قام الخبير في السياسة الإنسانية في الولايات المتحدة، نواه جوتشالك، بترتيب زيارات من قبْل لعدد من الوفود من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى نيويورك وواشنطن خاصة في السنوات الأخيرة، لكنه قال إن تدفقات الزوار قد تراجعت بعد أن سن ترامب قرار حظر السفر للمرة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2017. وقد تم حظر السفر من خلال مختلف الأشكال والعقبات القانونية منذ أول أمر تنفيذي مثير للجدل. فهذا القرار يحظر حاليا المسافرين القادمين من إيران وليبيا وكوريا الشمالية والصومال وسوريا واليمن، وبدرجة أقل فنزويلا، من الدخول إلى الولايات المتحدة.
في حزيران/ يونيو، أورد معهد كاتو الأمريكي اليميني أن بيانات وزارة الخارجية الأمريكية لم تذكر بالضبط عدد الدول غير المسموح لمواطنيها بدخول الولايات المتحدة. لكن، انخفض عدد التأشيرات المؤقتة الممنوحة للزوار القادمين من الدول الخاضعة لحظر السفر بنسبة 86 بالمائة في الأشهر الخمسة الأولى منذ دخول هذه السياسة حيز التنفيذ.
بين جوتشالك أن الناشطين من سوريا كانوا قادرين في الماضي على التحدث عن نقص المساعدات وانتهاكات حقوق الإنسان خلال الأحاديث السرية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس. كما أفاد جوتشالك أنهم كانوا يتشاركون أيضا “تفاصيل محددة جدا عن السياسة، وتأثير نقاط التفتيش، والسيطرة الإقليمية، وهي أمور ساعدت الولايات المتحدة على فهم الأزمة بشكل أفضل”.
يقول الناشطون إنهم ناضلوا لحضور اجتماعات مجلس الأمن الدولي في نيويورك.
أخبر جوتشالك موقع “ميدل إيست آي” أن الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يعملون خارج البلاد وخلف الجدران والأسوار بإمكانهم النضال من أجل الانخراط مع هذه المجتمعات. كما أوضح جوتشالك قائلا: “غالباً ما يتابع الناشطون عملاء الحكومة أو المتمردين باستمرار، لذا فإن هذه الأنواع من الاجتماعات في غرف خاصة في واشنطن هي خسارة لا تقدر بثمن، كما تبين أن سياسة الولايات المتحدة كانت غير فعالة”. علاوة على ذلك، أشار جوتشالك إلى أن هذه المشكلة بدأت تتفاقم في نيويورك.
في الوقت الذي تملك فيه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا شبكة عالمية من السفارات والقنصليات، يمتلك العديد من الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المكون من 15 دولة، قدرة محدودة. في هذا السياق، قال جوتشالك: “بالنسبة لأصغر الأعضاء في الأمم المتحدة، التي لا تملك سفارات في جميع أنحاء العالم، يمكن أن تكون مقابلة أحد النشطاء في نيويورك الفرصة الوحيدة التي تسمح للحكومة بفهم الأوضاع”.
نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك
يتشارك كارن كروس، وهو دبلوماسي بريطاني سابق في الأمم المتحدة ومدير تنفيذي لمجموعة استشارية غير ربحية تعرف باسم “إندبندنت دبلومات”، نفس هذه المخاوف. وفي هذا السياق، قال روس إنه “أصبح من المستحيل على جميع الناشطين في الشرق الأوسط حضور فعاليات الأمم المتحدة في الوقت الحاضر”. وأكد أن أصواتهم قد “وقع إسكاتها بشكل فعال”، الأمر الذي خلق “تأثيرات سلبية”.
أثارت الطفرة في حالات رفض التأشيرات قلق الكثير من فرق المساعدة، التي تسعى إلى إيصال أصوات الناشطين في الأمم المتحدة وفي واشنطن على حد سواء.
كما صرح كروس لموقع “ميدل إيست آي” قائلا: “يمكن أن يكون انتقال مقر الأمم المتحدة إلى خارج الولايات المتحدة عنصرا مساعدا، لكننا كثيرا ما نواجه مشاكل مماثلة في الاتحاد الأوروبي وتحديدا في بروكسل، حيث أصبح أمر الحصول على تأشيرات أكثر صعوبة. نتيجة لذلك، أصبح الدبلوماسيون يعتمدون على تقارير بسيطة وغير دقيقة، في كثير من الأحيان، حول آراء اليمنيين والسوريين والفلسطينيين المقدمة من قبل أشخاص غير ناشطين. ولا يعمل هذا الوضع على تقويض الدبلوماسية الفعالة فقط، بل كذلك على تقويض النضال من أجل الديمقراطية في نهاية المطاف”.
أثارت الطفرة في حالات رفض التأشيرات قلق الكثير من فرق المساعدة، التي تسعى إلى إيصال أصوات الناشطين في الأمم المتحدة وفي واشنطن على حد سواء. وحيال هذا الشأن، قالت آنا تونيلي، وهي خبيرة سياسية في منظمة أوكسفام، “إن زملائها قد كافحوا من أجل الحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة للزائرين القادمين من البلدان التي يشملها قرار حظر السفر”.
أضافت تونيلي لموقع “ميدل إيست آي” أنه “من الصعب تعقب هذا التراجع في أعداد التأشيرات بشكل دقيق، لأننا نعلم أن هذا الحظر قد أثبط عزم العديد من قادة المجتمع المدني المؤهلين حتى في التقدم بطلب من الأساس”. وأفادت تونيلي: “كما يقع إسكات أصوات النشطاء الذين يعملون بشكل وثيق مع البلدان التي تعاني من هذا الحظر، والذين يمكنهم الدفاع عنها بشكل أفضل. وتعتبر السياسة المتبعة من قبل كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأسوأ بالنسبة لهذه البلدان”.
تراجع كبير في عدد تأشيرات دخول الولايات المتحدة لغير المهاجرين
تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بنشر بيانات تتعلق بعدد تأشيرات الدخول لغير المهاجرين الصادرة والتي تُقدم للسياح والمسافرين من رجال الأعمال والدبلوماسيين والطلاب وغيرهم. وعادة ما يتقدم نشطاء المجتمع المدني بطلبات للحصول على تأشيرات لغير المهاجرين لدخول الولايات المتحدة كرجال أعمال أو سائحين.
يعتبر الإيرانيون أكثر المتضررين من هذا الحظر، حيث انخفضت أعداد التأشيرات لغير المهاجرين الصادرة لصالح الإيرانيين من 1.856 تأشيرة إلى 225 بين هاتين الفترتين
قبل إصدار قانون حظر السفر، وخلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2016 وشباط/ فبراير سنة 2018، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية هذه التأشيرات إلى 644 مواطنا سوريا و344 مواطنا يمنيا و157 مواطنا ليبيا. لكن، بعد تفعيل قرار الحظر، وخلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير 2018 إلى أيار/مايو من نفس السنة، انخفضت هذه الأرقام حيث لم يتمتع سوى 115 مواطنا سوريا و73 يمينا و64 ليبيا بهذه التأشيرة. ويمثل هذا انخفاضا بنسبة 85 بالمائة بالنسبة للمواطنين السوريين وحوالي 83 بالمائة بالنسبة لليمنيين. أما فيما يتعلق بالليبيين، فتقدر نسبة تراجع أعداد التأشيرات المقدمة لهم بحوالي 67 بالمائة.
قانون حظر السفر الأمريكي يؤثر على مواطني اليمن، الذين يواجهون أزمة إنسانية نتيجة للحرب.
يعتبر الإيرانيون أكثر المتضررين من هذا الحظر، حيث انخفضت أعداد التأشيرات لغير المهاجرين الصادرة لصالح الإيرانيين من 1.856 تأشيرة إلى 225 بين هاتين الفترتين، وهو انخفاض يقدر بنسبة 91 بالمائة. حيال هذا الشأن، قال مسؤول في الوزارة الخارجية الأمريكية إن “القيود المفروضة على السفر تهدف إلى تعزيز ‘أمن ورفاهية’ المواطنين الأمريكيين، على نقيض الحظر الشامل الذي فُرض على المسافرين المسلمين الذي روج له ترامب خلال المسار الانتخابي”.
كما أضاف المسؤول لموقع “ميدل إيست آي”، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، قائلا: “يعتبر الأمن القومي من أهم أولوياتنا عند البت في الطلبات المتعلقة بالتأشيرة، ويخضع كل مسافر محتمل إلى الولايات المتحدة لفحص أمني مكثف. كما نعمل باستمرار على إيجاد آليات لتحسين عمليات الفحص لدينا ودعم السفر المشروع إلى الولايات المتحدة مع حماية المواطنين الأمريكيين”.
في المقابل، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إنه “لم يكن على علم بوجود مشاكل هامة” بشأن التأشيرات. ولم يساهم ذلك في مواساة سوسن الرفاعي، التي شاركت مؤخرا في اجتماعات الأمم المتحدة كجزء من التوافق النسوي اليمني للسلام والأمن، حيث قالت إن اثنين من أعضاء وفدها المكون من أربعة أشخاص حُرموا من الحصول على تأشيرات، في حين تم رفض جميع طلبات زميلاتها الليبيات في الحصول على التأشيرة.
من جانبها، اضطرت واحدة من زميلاتها وتدعى سهى بشرين للقيام برحلات شاقة ومكلفة وخطرة من جنوب اليمن إلى الأردن لتجهيز أوراقها في السفارة الأمريكية في العاصمة عمان. لكنها ظلت تنتظر جوابا من السفارة لمدة تسعة أشهر ولم تتمكن في النهاية من الذهاب إلى نيويورك. وأفادت الرفاعي لموقع “ميدل إيست آي” قائلة: “نحن نحترم القرار الأمريكي حول السيادة، ولكن كمواطنين في البلدان المتأثرة بالحرب، يجب أن نتمكن من الوصول إلى الهيئة التي تتخذ قرارات مهمة بشأن حياتنا. كما يجب أن نكون قادرين على المشاركة في مصيرنا”.
المصدر: ميدل إيست آي