في عام 1947 حازت الهند على استقلالها وحينها تفتحت لها أبواب واسعة من الآمال والوعود المبشرة بمستقبل أفضل، فقد استطاعت في أقل من 15 عامًا أن تحقق طفرة اقتصادية غير مسبوقة وتسوق اسمها عالميًا في أكثر من مجال مثل الموارد البشرية والطاقة والتكنولوجيا، والمثير للاهتمام بصورة أكبر أن هذه الدولة التي يعاني ثلث سكانها من الفقر المدقع وصلت إلى المحيط الفضائي الدولي.
كيف وصلت الهند إلى الفضاء؟
قبل نحو 5 أعوام،أعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أن “بلاده حققت المستحيل” وذلك عندما أطلقت الهند أول مركبة فضائية لها باسم “مانغاليان” نحو المريخ، لتصبح بذلك رابع وكالة فضائية تصل إلى الكوكب الأحمر المريخ لإظهار قدراتها التقنية وجمع بيانات من أجل رحلاتها المستقبلية، إضافة إلى أهداف علمية أخرى تتعلق بدراسة المناخ وطبيعة الكوكب وظروفه.
ساهمت هذه الخطوة النقلية في انضمام الهند إلى مصاف الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وأوروبا، كما اعتبر بعض الخبراء أن هذه المهمة هي بداية سباق بين الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية واليابان والصين في المجال الفضائي.
الهند لا تتطلع إلى الوقوف بالجانب إلى الدول الكبرى في نفس الصف أو الطابور، وإنما تطمح إلى قيادتهم
بالرغم من هذا النجاح المفاجئ للهند في ذاك الوقت، إلا أن الانتقادات لم تتوان عن تذكير الهند بمشكلاتها كالبطالة وسوء التغذية، ففي الوقت الذي أنفقت فيه 72 مليون دولار على البعثة العلمية، كان هناك الملايين من أفراد شعبها يموتون جوعًا وفقرًا، في الجهة المقابلة، يرى المؤيدون أن ميزانية المهمة كانت محدودة جدًا ومنخفضة نسبيًا، خاصةً أنها منحت للهند فرصة الانتقال إلى محور آخر بعيدًا عن نادي الدول النامية وأقرب إلى الدول المتطورة.
ردًا على هذه التعليقات قال، فيكرام سرابهاي، مؤسس البرنامج الهندي، إن “الهند لا تطمح إلى منافسة برامج الفضاء في الدول المتقدمة اقتصاديًا، لكننا مقتنعون بأنه إذا أردنا أن يكون لنا دور بين الأمم، يجب أن نتفوق على الجميع في تسخير التقنيات الحديثة لخدمة الإنسان والمجتمع”، ما يعني أن الهند لا تتطلع إلى الوقوف بالجانب إلى الدول الكبرى في نفس الصف أو الطابور، وإنما تطمح إلى قيادتهم.
وفي نفس الجانب، قال رودام ناراسيما، وهو عالم في مجال الفضاء وأستاذ في مركز جواهر لال نهرو للبحوث العلمية المتقدمة “إن المهمة هي انتصار للهندسة الهندية المنخفضة التكلفة، ومن خلال هذا التفوق، فإننا نؤسس أنفسنا كأفضل مركز كروي من حيث التكلفة لمجموعة متنوعة من التقنيات المتقدمة”.
ولا بد من تسليط الضوء على دور المرأة في إعداد هذا المشروع، فقد بلغ عدد النساء العاملات فيه نحو 20% من إجمالي العاملين الذين بلغ عددهم 14 ألف و246 عاملاً، ونصفهم تقريبًا كن مهندسات.
بلغ عدد النساء العاملات فيه نحو 20% من إجمالي العاملين الذين بلغ عددهم 14 ألف و246 عاملاً، ونصفهم تقريبًا كن مهندسات
جدير بالذكر بأن الوكالة الفضائية الهندية التي تسمى اختصارًا بـ “إيسرو” تأسست في عام 1969 على يد رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، بمساعدة الأب الروحي للبرنامج سرابهاي، وفقًا لرؤية واضحة وهي “تسخير أبحاث الفضاء لتطوير الوطن، ومتابعة الأبحاث العلمية الفضائية، واستكشاف الكواكب”. علمًا أن بداية عملياتها كانت بمساعدة صواريخ ومحركات سوفيتية إلى أن اعتمدت بعد ذلك على إنتاجاتها المحلية.
الإعلام الأمريكي يسخر من إنجازات الهند
أصدرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية رسمًا كاريكاتوريًا يظهر فيه مزارعًا هنديًا يرتدي الزي التقليدي ويجر بصحبته بقرة، وهو يطرق بفارغ الصبر على باب كتب عليه “نادي الفضاء النخبوي”، ويبدو في هذا الجانب أشخاص يقرأون أخبارًا عن الهند في الصحف ويبدو عليهم التوتر والتردد في فتح الباب.
أثار هذا المنشور جدلًا واسعًا وانتقادات لاذعة من بين من اعتبروه رسمًا مهينًا وفيه تحقير للهند واستعلاء على محاولاتها في اللحاق بركب الدول المتقدمة، ما دفع الصحيفة فيما بعد إلى تقديم اعتذار وتوضيح بأن “هدف الرسام هنغ كيم سونغ هو الإشارة إلى أن استكشاف الفضاء لم يعد مجالًا مقتصرًا على طبقة الدول الغربية الغنية”.
ثقة الدول الأجنبية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، تزيد في وكالة الفضاء الهندية، نظرًا إلى انخفاض تكاليفها وخلو تاريخها من الانتكاسات والإطلاقات الفاشلة، وبذلك تكون الهند استحوذت تقريبًا على سوق إطلاق الأقمار الاصطناعية
في الوقت نفسه، كان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في زيارة للولايات المتحدة، وفي أثناء حديثه أمام حشود كبيرة في مانهاتن، أكد على دور الهند الجديد في الساحة العالمية ونفوذها الاقتصادي المتنامي، فقال: “عندما يسأل الناس ما إذا كنا ما زلنا نلعب مع الثعابين في بلادنا، أقول لهم أننا نلعب الآن مع الفأرة (الإلكترونية)”، لافتًا الانتباه إلى إصراره على تغيير الصورة النمطية للهند من بلد الأفاعي إلى بلد التقنية.
وبالفعل، نجحت الهند في إطلاق الكثير من الأقمار الصناعية لصالحها وصالح الدول الأخيرة، فمن بين 101 قمر صناعي كان من بينهم 75 قمرًا صناعيًا أجنبيًا، ما يعني أن ثقة الدول الأجنبية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، تزيد في وكالة الفضاء الهندية، نظرًا إلى انخفاض تكاليفها وخلو تاريخها من الانتكاسات والإطلاقات الفاشلة، وبذلك تكون الهند استحوذت تقريبًا على سوق إطلاق الأقمار الاصطناعية.
الهند تخطط لإرسال بعثة ذاتية مأهولة إلى الفضاء، إذ سيتوجه مواطن هندي أو هندية إلى الفضاء مع العلم الوطني قبل عام 2022، وهو العام الذي ستحتفل فيه الهند بذكرى مرور 75 عامًا على إعلان استقلال الهند
أما فيما يخص طموحات الهند المستقبلية، فخلال هذا العالم الحالي، أعلن مودي أن بلاده تخطط لإرسال بعثة ذاتية مأهولة إلى الفضاء، إذ سيتوجه مواطن هندي أو هندية إلى الفضاء مع العلم الوطني قبل عام 2022، وهو العام الذي ستحتفل فيه الهند بذكرى مرور 75 عامًا على إعلان استقلال الهند، كما يعتقد العلماء في منظمة “إيسرو” أنهم يحتاجون إلى 1.28 مليار دولار للوفاء بتحدي السيد مودي.
في النهاية، قد رشحت هذه المشاريع الهند لتكون ضمن دول الصف الأول، وأضافت إلى مؤسساتها ومنظماتها سمة الفعالية والتنافسية سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وذلك بالرغم من جميع تحديات الصعود التي تعرقلها وتؤثر على قواها المتنامية من حين إلى آخر.