ترجمة وتحرير: نون بوست
في ظل تواصل الهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان، تصاعدت حدة الحرب المتعددة الجبهات المستمرة منذ عام، بشكل كبير في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عندما أطلقت إيران هجمات صاروخية ضخمة على المنشآت العسكرية في جميع أنحاء إسرائيل. ووفقًا لطهران، كان هذا الهجوم ردًا على اغتيالات إسرائيل لقيادات إيرانية ولبنانية وفلسطينية، أبرزهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
مثلت هذا الهجوم الضربة الإيرانية المباشرة الثانية على إسرائيل في صراع يصف فيه مؤيدو إسرائيل الوضع بأنه “حرب على ست جبهات“، واندماج الصراعات في الشرق الأوسط في “حرب واحدة كبيرة“. منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت إسرائيل هجمات في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران.
في 8 تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ حزب الله تصعيدًا عسكريًا محسوبًا ضد إسرائيل، تلاه هجمات من اليمن وإيران والعراق تحت شعار “وحدة الساحات”. وفي هذا الشهر، مثّل الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل ذروة العمليات المنسقة. ووصف أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، اللحظة بأنه “يومٌ استثنائي في تاريخ الصراع تقاطعت فيه نيران مقاومي الأمة في سماء فلسطين”.
تُعَدُّ هذه التعبئة غير المسبوقة على عدة جبهات دعمًا طال انتظاره للمقاومة الفلسطينية، وتمثل ذروة عقود من التقارب بين الجهات التي تشكل معًا محور المقاومة، وهو شبكة من الدول والحركات المتحالفة، تشمل إيران وسوريا وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان وأنصار الله (المعروفة أيضًا بحركة الحوثيين) في اليمن، بالإضافة إلى العديد من القوى العراقية.
يصف صناع القرار ووسائل الإعلام في الغرب محور المقاومة على أنه “شبكة إرهابية” بلا تاريخ أو سياق، ويعتبرونه تهديدا للاستقرار في الشرق الأوسط. بعد اغتيال حسن نصر الله في 28 أيلول/ سبتمبر، أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بضربة إسرائيل الجوية في ضاحية بيروت الجنوبية، واصفًا إياها بأنها ضربة ضد “المجموعات الإرهابية المدعومة من إيران” و”منظومتها الإرهابية“.
يصف المسؤولون الإسرائيليون محور المقاومة بأنه أخطبوط: “إيران هي رأس الأخطبوط، وتنتشر أصابعه في كل مكان، من الحوثيين إلى حزب الله إلى حماس”. بعد أن وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، وصف مراسل نيويورك تايمز توماس فريدمان محور المقاومة بأنه من “الطفيليات الغازية“. وقد بلغ فريدمان مستوى جديدا في تبرير الإبادة الجماعية الإسرائيلية، حيث كتب أن إيران دبور طفيلي وأن الحوثيين وحزب الله وحماس وكتائب حزب الله هي بيضه، وختم قائلا: “ليس لدينا استراتيجية مضادة تقتل الدبور بأمان وكفاءة دون إشعال النار في الغابة كلها”.
إن نزع الإنسانية عن هذه الأطراف الفاعلة في المنطقة (غالبًا ما يُطلق عليهم وكلاء أو أطراف) يعني منطقيا إنكار حقهم في المقاومة.
بينما تقوم وسائل الإعلام الكبرى في الغرب بشكل متكرر بنزع الإنسانية عن محور المقاومة وإنكار الحقائق التاريخية، فإن جذور المحور الإيديولوجية ظهرت قبل الثورة الإيرانية عام 1979. لقد كانت فلسطين عاملا موحدًا لإيديولوجيته وتطورت بشكل عابر للحدود والأشخاص والأفكار والخبرات، مما جعل المحور قوة مؤثرة في المنطقة.
الثورة الإيرانية
كان لفلسطين أثرٌ واضح على الثورة الإيرانية بين عامي 1978 و1979 ورؤيتها العالمية. منذ البداية، عندما قام آية الله الخميني بثورة من داخل المؤسسة الدينية، كانت قضية احتلال فلسطين وعلاقات إسرائيل بالشاه محمد رضا بهلوي قضية مركزية في كفاحه الثوري.
في 1968، أصدر الخميني فتوى دينية تدعم الفدائيين الفلسطينيين، مما سمح لأتباعه من المسلمين الشيعة بالتبرع لهم. خلال السبعينيات، برزت حركة فتح، التي كانت الفصيل المهيمن في منظمة التحرير الفلسطينية، كعامل مؤثر في الحركة العالمية المناهضة للشاه.
احتضنت الثورة الإيرانية اليساريين ورجال الدين الثوريين، ووفرت لهم الخبرة والتدريب والاتصالات مع المقاتلين من أجل الحرية في جميع أنحاء العالم. بقيادة زعماء ذوي خبرة مثل ياسر عرفات وخليل الوزير، تزعمت حركة فتح منظمة التحرير الفلسطينية بفضل قيادتها القوية ومواردها وكفاءة كوادرها وأيديولوجيتها الشاملة.
حمل قادة منظمة التحرير الفلسطينية والثوار الإيرانيون في الخارج السلاح جنبا إلى جنب خلال السبعينيات. وبعد الثورة عام 1979، لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دورًا أساسيًا في تأسيس الحرس الثوري الإيراني، حيث ألهم تحرير فلسطين الرؤية العالمية للثورة.
تلقى العديد من مؤسسي الحرس الثوري الإيراني، من بينهم محمد منتظري وعباس آقا زماني، تدريبات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في السبعينيات.
استفاد الثوار الإيرانيون من التدريب العسكري والخبرة والروابط العالمية التي تمتعت بها حركة فتح لبناء الذراع العسكري للثورة. وكانت فلسطين أيضًا مركزية في الرؤية العالمية للثورة، حيث تأثرت بالتوجهات الإسلامية المناهضة للاستعمار وروح التضامن مع دول العالم الثالث.
تأثر الثوار من التيار الديني في إيران بفكر دعاة الإسلام السياسي، مثل جمال الدين الأفغاني وحسن البنا، ودعوا إلى توحيد المسلمين في مواجهة الإمبريالية. وكانت فلسطين، كقضية إسلامية شاملة، في صميم الجهود الرامية إلى تحقيق الوحدة التي سعى إليها رجال الدين الثوريون.
كانت الثورة بين عامي 1978 و1979 مشبعة بقيم التضامن مع دول العالم الثالث. وجد الثوار الإيرانيون دروسًا في نضالات أحمد بن بلة في الجزائر، وباتريس لومومبا في الكونغو، وجمال عبد الناصر في مصر، ضد الاستعمار و”النيوكولونيالية”.
كانت فلسطين نقطة التقاطع بين هذه النضالات التحريرية والرؤية الشاملة للثوار من التيار الديني. بالنسبة لهم، مثلت فلسطين قضية نضال في صميم الصراع بين الإسلام وقوى الغطرسة العالمية.
إنشاء محور المقاومة
ظهر محور المقاومة بعد عام 1979 خلال عدة أحداث حاسمة، أبرزها الثورة الإيرانية بين عامي 1978 و1979، وغزو العراق لإيران في عام 1980، وغزو إسرائيل للبنان في عام 1982.
كان العراق، تحت رئاسة صدام حسين، يخشى من انتشار الثورة الإيرانية، بينما كانت إسرائيل قلقة من ظهور محور يجمع منظمة التحرير الفلسطينية وإيران في لبنان.
أدت محاولات احتواء الثورة ضمن الحدود الإيرانية، إلى التقارب بين إيران وسوريا، مما زرع بذور محور المقاومة. على عكس الرواية السائدة في وسائل الإعلام الغربية التي تصف المحور بأنه توسعي، فإنه نشأ بالأساس كتحالف دفاعي بين إيران وسوريا.
في ذلك الوقت، كانت إيران وسوريا تتشاركان مخاوف جيوسياسية بشأن طموحات صدام في المنطقة، حيث كانتا تخشيان من سقوط لبنان في معسكر الأنظمة العربية مثل الأردن ومصر، والتي كانت قد اعترفت بدولة إسرائيل.
بين هذين العاملين، لعبت إسرائيل بشكل غير مباشر دورًا محوريًا في تعزيز التحالف الإيراني السوري.
في يونيو 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان، مما أسفر عن دمار هائل ومجازر، حيث قُتل ما يقرب من 50,000 لبناني وفلسطيني.
نجح الاجتياح في إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، لتحل محلها مقاومة مسلحة أقوى، حيث ظهرت المقاومة الإسلامية على الساحتين اللبنانية والفلسطينية.
انبثق حزب الله من رحم المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد الغزو الإسرائيلي، وتمكن من طرد الجيش الإسرائيلي من بيروت ومعظم أراضي لبنان إلى جنوب لبنان بحلول عام 1985.
كان التعاون بين إيران وسوريا، من خلال توفير القواعد والتدريب العسكري والأسلحة، عاملا حاسمًا في نجاح حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000، باستثناء مزارع شبعا.
تُوجت هذه الإنجازات في تموز/ يوليو 2006، عندما شنت إسرائيل هجومًا شاملاً على لبنان بعد أن أسر مقاتلو حزب الله جنودًا إسرائيليين في عملية عبر الحدود، بهدف تبادلهم مع الأسرى اللبنانيين في إسرائيل.
أطلقت إسرائيل العنان لآلتها العسكرية على لبنان، معلنةً أن الحرب لن تتوقف حتى تسحق حزب الله. بعد ثلاثة وثلاثين يومًا، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار دون تحقيق أي من أهدافها: لم يتحرر أي جندي إسرائيلي، وخرج حزب الله من الحرب أقوى عسكريًا وسياسيًا.
عززت هذه الإنجازات صورة حزب الله كونه التنظيم المسلح الوحيد الذي أجبر إسرائيل على التنازل عن أراضٍ محتلة. في الواقع، حطم حزب الله الخط الأحمر الإسرائيلي: لا تفاوض في مواجهة المقاومة المسلحة.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية مؤثرة في تشكيل حزب الله، وبالإضافة إلى الأثر المحفز للنضال الفلسطيني على مؤسسي حزب الله، كان بعض قادته الرئيسيين، مثل عماد مغنية أو أبو حسن سلامة، أعضاء سابقين في حركة فتح.
يمثّل أبو حسن سلامة، الذي ينحدر من جبل عامل في جنوب لبنان، نموذجا لتأثير حركة فتح الكبير على حزب الله، بما في ذلك التزام الحزب الثابت بالمقاومة المسلحة الفلسطينية. كان سلامة محبوبًا بين الفلسطينيين لدرجة أن عرفات أطلق عليه كنية القائد الفلسطيني الراحل، علي حسن سلامة، الذي اغتالته الموساد في عام 1979.
كقائد عسكري في حزب الله من 1982 حتى اغتياله على يد إسرائيل في عام 1999، نظم أبو حسن سلامة المقاومة في الجنوب وقدّم دعمًا واسعًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحماس، والجهاد الإسلامي.
المقاومة الفلسطينية
لقد تأثر التحوّل في طبيعة المقاومة الفلسطينية، بقيادة حماس والجهاد الإسلامي، بشكل ملحوظ بالمقاومة الإسلامية في لبنان.
كانت الهزيمة التاريخية التي تعرضت لها إسرائيل عام 2000 لحظة حاسمة للفلسطينيين، الذين خاب أملهم منذ فترة طويلة في اتفاقات أوسلو. اندلعت الانتفاضة الثانية (2000-2005) في هذا السياق، مع عودة المقاومة المسلحة ضد الصهاينة. وواصلت حركتا حماس والجهاد الإسلامي تعزيز قدراتهما العسكرية، لا سيما في غزة المحررة.
كان فك الارتباط الإسرائيلي بغزة سنة 2005 لحظة محورية في مسار المقاومة الفلسطينية، ليس فقط بالنسبة لغزة، بل أيضًا بالنسبة إلى تحقيق الهدف الأوسع المتمثل في تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
ومن خلال التعاون مع محور المقاومة، قامت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، وسرايا القدس، الجناح المسلح للجهاد الإسلامي، بتطوير قدراتها العسكرية وخبراتها بشكل مستمر، مما شكل تحديًا كبيرًا للجيش الإسرائيلي.
فمن الاعتماد على المدافع الرشاشة عند انسحاب إسرائيل من غزة، تطورت ترسانتهم لتشمل الصواريخ القادرة على ضرب تل أبيب بقوة تدميرية كبيرة. وقد نبع تطوير هذه القدرات العسكرية نتيجة للتعاون الطويل مع إيران وسوريا وحزب الله، الذين شاركوا خبراتهم في تطوير الصواريخ والطائرات المسيرة مع حماس والجهاد الإسلامي.
وقد تجلت هذه القدرة في معارك متعددة، لا سيما خلال معركة سيف القدس التي استمرت 11 يومًا في 2021، والتي أظهرت قدرة المقاومة على مواجهة إسرائيل وإرباكها في مختلف الجبهات بفعالية.
ومنذ عام 2000، انخرط محور المقاومة في عدد من الحروب والصراعات في المنطقة. وقد أدى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والحرب على تنظيم الدولة في 2014، إلى انضمام العديد من الجماعات المسلحة العراقية إلى هذا المحور.
وفي أعقاب الثورة اليمنية عامي 2011-2012، انحازت جماعة أنصار الله بقوة إلى محور المقاومة، وطورت علاقاتها مع حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني.
في خضم كل ذلك، بقيت فلسطين برمزيتها كنقطة تقاطع بين قوى المقاومة الإسلامية وحركات التحرر في العالم الثالث، عاملًا موحدًا بين الأطراف المتنوعة في المحور، ضمن مساعيها لتحقيق أجندات أيديولوجية وسياسية في سياقات محلية مختلفة، وأحيانًا بطرق متضاربة.
توترات والصراعات
اتسم تاريخ محور المقاومة بالانخراط في العديد من التوترات والصراعات العربية-العربية، وتباينت داخله الميول العروبية واليسارية والإسلامية.
في عدد من المحطات التاريخية، تباينت المواقف بين إيران وسوريا وحزب الله وحماس، بل وتصادمت أحيانًا، مما أثار التكهنات حول قرب انهيار المحور.
خلال سنوات تشكّل الحلف السوري الإيراني في الثمانينيات، ظهرت خلافات بين الرئيس السوري حافظ الأسد وآية الله الخميني حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك الارتباط الإيراني بعرفات والمعارضة الإسلامية في سوريا، وكذلك حول حزب الله وحركة أمل في لبنان، والحرب الإيرانية العراقية.
وقد تضامن رجال الدين في إيران مع الإخوان المسلمين وحافظوا على روابط مع فصيل من الإخوان في سوريا، الأمر الذي أثار مخاوف الأسد. وفي حين ظلت علاقة إيران مع الإخوان المسلمين السوريين محدودة، إلا أن دعم رجال الدين للحركات السنية اللبنانية وحزب الله أدى إلى توترات كبيرة بين دمشق وطهران في لبنان.
لم يكن حافظ الأسد في البداية يثق بحزب الله، وكان يخشى أن يدعم الإخوان المسلمين في سوريا، ويدعم عدوه اللدود عرفات. كما كان الأسد حذرًا من النفوذ الإيراني في لبنان الذي اعتبره الفناء الخلفي لسوريا.
وخلال الثمانينيات، أدى تباين المواقف والخلافات بين دمشق وطهران إلى وضع حزب الله في مسار تصادمي مع سوريا، مما أسفر عن مذبحة لـ 28 عضوًا من حزب الله على يد الجيش السوري عام 1987.
في الوقت ذاته، كان هناك تنافس وصراع بين حزب الله وحركة أمل الموالية لسوريا؛ حيث كانت الحركة تخشى خسارة نفوذها داخل الطائفة الشيعية في لبنان لصالح الحزب. واستمر الصراع بين حزب الله وحركة أمل، الذي أصبح يُعرف بحرب الأخوة، في أواخر الثمانينيات، إلى أن رعت سوريا وإيران اتفاقًا بين الفصيلين في عام 1990.
وقد اعترف حزب الله حينها بنفوذ سوريا في لبنان، الأمر الذي سمح له بالاحتفاظ بسلاحه وحماية علاقاته مع إيران.
ومع توطيد طهران ودمشق شراكتهما في التسعينيات، أصبح دعم إيران لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية مرتبطًا بشكل متزايد بتحالفها مع سوريا. استغرق الأمر عقدًا من الزمن قبل أن تتوصل طهران ودمشق إلى تسوية الخلافات، متحديةً بذلك توقعات كثيرة بانهيار محور المقاومة.
لكن، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والإطاحة بصدام حسين في العراق، بدأت التوترات تطفو على السطح بين طهران ودمشق بسبب اختلاف الرؤى حول مرحلة ما بعد صدام حسين.
أراد السوريون أن يلعب حزب البعث المنحل دورًا في الحياة السياسية، بينما كانت إيران تسعى إلى تقويضه. ومع غياب عدو مشترك، ظهرت التكهنات مجددًا حول احتمال انهيار المحور، لكنه نجح مجددًا في تكذيب التوقعات.
الأزمة والانتفاضات
مع اندلاع الانتفاضات العربية بعد 2010، واجه محور المقاومة واحدة من أصعب أزماته عندما اجتاحت الاحتجاجات المناهضة للنظام أنحاء سوريا، واتخذت البلاد منعطفًا مظلمًا نحو الحرب الأهلية.
أدى قمع المتظاهرين والمعارضين السياسيين في سوريا والدور الإيراني اللاحق إلى تقويض شرعية النظامين. وقمعت إيران من جانبها العديد من النشطاء والمتظاهرين في السنوات الأخيرة.
ومع عسكرة الاحتجاجات في سوريا وتحولها إلى حرب بين مجموعة من الأطراف الإقليمية والدولية، بدأ حزب الله في أوائل عام 2013 بتعميق انخراطه في الحرب.
وواجه حزب الله انتقادات متصاعدة في لبنان والمنطقة على حد سواء بسبب إهمال دوره كحركة مقاومة ضد إسرائيل ودخوله الحرب الأهلية في سوريا.
في أوائل 2012، تخلت حماس بهدوء عن وجودها في دمشق، مما كشف عن حجم الانقسام داخل المحور بسبب الأحداث في سوريا.
في نظر الأسد، خذلته حماس وانحازت إلى جانب عدوه اللدود، جماعة الإخوان المسلمين. وفي لحظة انقسام في المنطقة -بدا أنه أخذ شكلا طائفيًا-، شكلت خسارة حماس انتكاسة كبيرة للمحور. ومع ذلك، لم تنقطع علاقة حماس بإيران وحزب الله.
وقد واصل الجناح العسكري للحركة، كتائب القسام، بناء قدراته من خلال العمل مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ومع حزب الله.
وفي غضون سنوات قليلة، أدى دور الوساطة الذي قام به قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إلى إحياء العلاقة بين سوريا وحماس، وتوجت بزيارة قيادة حماس إلى دمشق في عام 2022.
في الوقت ذاته، سعت الولايات المتحدة في عهد ترامب ومن بعده بايدن، إلى إبرام ما يُعرف بـ”اتفاقيات أبراهام” لخلق شرق أوسط جديد يتمحور حول التطبيع مع إسرائيل، واستبدلت ما يسمى بالسلام الإسرائيلي مع الفلسطينيين بتطبيع إسرائيلي مع الحكام المستبدين في المنطقة، وعلى رأسهم العائلات الحاكمة في السعودية والبحرين والإمارات.
غير أن ما قامت به حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر لم يعرقل “اتفاقيات أبراهام” فحسب، بل أعاد إحياء محور المقاومة مرة أخرى.
وحتى بعد اغتيال زعيم حزب الله في أيلول/ سبتمبر 2024، يظل تفكيك المحور احتمالًا بعيدًا؛ حيث يحتاج تحقيق طموح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شرق أوسط جديد وإحياء “اتفاقيات أبراهام” إلى ما هو أكثر بكثير من الضربات الجوية وعمليات التخريب الاستخباراتية واغتيال قادة المقاومة.
فلسطين.. القضية العالمية
على مدى أربعة عقود، تطوّر المحور ليصبح قوة مهمة في تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط. لكن كيف نجا المحور رغم تناقضاته وازدواجيته في منطقة متقلبة شهدت تاريخيًا العديد من التحالفات قصيرة الأجل؟
وما الذي يمكن أن يفسر عودة حماس للاصطفاف في محور المقاومة، الأمر الذي فاجأ العديد من المراقبين وأدى إلى عرقلة الرؤية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط؟
بالنسبة للصهاينة، يبدو التحالف بين العرب والإيرانيين والسنة والشيعة أمرا “غير طبيعي“، ووفقًا لرؤيتهم الطائفية لمجتمعات الشرق الأوسط وسياساته، كان ينبغي أن ينهار منذ زمن بعيد.
كان من الصعب تصور هذه الاستمرارية دون حركة الدعم العالمية لفلسطين وقضية تحرير القدس، التي مثلت نقطة التقاء للأمة الإسلامية.
وعلى حد تعبير مؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي “فلسطين والوحدة… يشكلان وجهي الأجندة الإسلامية” في مواجهة “التفتيت والكيان الصهيوني، وجهي المخطط الاستعماري”.
بعيدًا عن كونها قضية للمسلمين، تظل فلسطين قضية العالم الثالث الجوهرية. ترتبط القضية الفلسطينية بقضایا أوسع تتعلق بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مما يجعلها واحدة من أكثر القضايا توحيدًا للباحثين عن العدالة بمختلف توجهاتهم.
ومن خلال تجسيد قضايا العالم الثالث ووحدة العالم الإسلامي، نجح أبطال وشهداء فلسطين في توحيد أطراف محور المقاومة بعيدًا عن الهويات الطائفية والخلافات السياسية.
ومنذ أوائل الثمانينيات، أدى تطور المحور إلى تغيير موازين القوة بينه وبين إسرائيل بشكل ملحوظ.
قبل ذلك، كانت إسرائيل تعتبر الذهاب إلى الحرب “نزهة بأقل الخسائر”.
في الفترة التي سبقت غزو لبنان عام 1982، تفاخر رئيس أركان القوات الإسرائيلية آنذاك، رافائيل إيتان، بأن إسرائيل تمتلك “آلة عسكرية مدربة جيدًا ومجهزة بشكل جيد. لماذا لا نستخدمها إذن؟”
ومع تقدم الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، تخلى بعض المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين عن أسلحتهم وفروا من الحرب.
وبعد تحرير لبنان سنة 2000، استذكر نصر الله قصة هؤلاء المقاتلين، معلنًا أن “البعض دفنوا أسلحتهم في التراب سنة 1982 عندما دخل الجيش الصهيوني إلى لبنان، ولكننا سندفن الإسرائيليين إذا عادوا إلى أرضنا مرة أخرى”.
إن حروب إسرائيل الخاطفة التي خاضتها بأقل الخسائر على أراضي الآخرين وأدت إلى انتصارات حاسمة، أصبحت جزءًا من الماضي. يرجع هذا التغيير إلى حد كبير إلى أربعة عقود من التضامن والتعاون العابر للطوائف والقوميات بين أطراف محور المقاومة.
المصدر: ميدل إيست آي