لن تتوقف نتائج وتداعيات جولة الحوار الأخيرة التي جرت برعاية جهاز المخابرات المصرية مع وفود من حركتي فتح وحماس في القاهرة، عند الحديث عن فشلها وعدم مقدرة الوسيط المصري على إحراز أي تقدم بملف المصالحة الشائك والمعقد، بل هذه المرة ستكون لها شرارات قوية تصيب مباشرةً رأس حركة فتح.
طالما كانت حركة فتح تنصاع لأوامر رئيسها محمود عباس، ولا تخرج أي تصريحات من قادتها عن الخطوط العريضة والضيقة التي يرسمها أبو مازن، في التعامل مع الملفات السياسية الداخلية وخاصة المصالحة والعلاقة مع حركة حماس، لكن هذه المرة بدأت تخرج أصوات قوية تُقلق راحة الرئيس الذي كان حريصًا على إسكاتها وإخفائها عن منعرجات طريقه السياسي.
ولأول مرة ومنذ تولي الرئيس عباس رئاسة حركة فتح، خلفًا للرئيس الراحل ياسر عرفات “أبو عمار”، شهدت الضفة الغربية المحتلة، وتحديدًا مدينة رام الله (العاصمة السياسية)، تحركات ومسيرات شعبية تنتقد الرئيس عباس وتطالبه بالعدول عن خطه السياسي وإزالة العقبات لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام القائم منذ العام 2007.
أكدت مصادر فتحاوية ، أن الرئيس عباس يتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤولية وصول جولات المصالحة منذ 12 عامًا تقريبًا لطريق مسدود
التحركات والضوضاء التي أحدثتها التحركات الشعبية الأخيرة ضد الرئيس عباس، كشفت مصادر قيادية في حركة فتح، لمراسل “نون بوست”، أن من يقف خلفها ويحاول تحريكها ودعمها وتوجيها من وراء الستار قادة رفيعي المستوى من حركة فتح.
الفرصة الأخيرة نفدت
وأكدت المصادر أن جولة الحوار الأخيرة في القاهرة كانت بمثابة الفرصة الأخيرة لتحقيق الوحدة، وفشلها يعني إطالة عمر الانقسام لسنوات إضافية والتوجه نحو خيارات أخرى تكون قاسية على الجميع، وقد تتسبب بشرخ الصف الداخلي.
“حركة فتح لن تقف صامتة ومكتوفة الأيدي أمام تفرد الرئيس عباس بالقرار الفلسطيني وتحديد مصيره وحده، فما نمر به الآن بحاجة إلى تحرك جاد وفاعل وقوي ومؤثر يوقف هذه السياسة التي أضرت كثيرًا بالوقع الداخلي وأوصلته لحالة سيئة ومذرية”، تضيف القياديات الفتحاوية.
وتوضح لـ”نون بوست”، أن صبر الحركة لن يطول وستكون لها كلمة قوية وقريبة جدًا في وجه المعطل الرئيس لتحقيق المصالحة، وهناك خطوات عملية على أرض الواقع لرفض استمرار الانقسام وسيكون للشعب وقادته الكلمة الأخيرة في هذا الملف.
وتوقعت أن تشهد مدن الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص رام الله، مسيرات شعبية حاشدة يشارك فيها أطياف الشعب الفلسطيني كافة، ليقولوا “لا للانقسام، ولا لمن يغذيه، ولا لمن يستفيد منه، ونعم للوحدة والمصالحة الوطنية”.
مسيرات شعبية تطالب برحيل عباس
وبسؤال “نون بوست”، عن إن كان ذلك تمرد وانقلاب لأول مرة يحدث ضد الرئيس عباس؟ أجابت المصادر الفتحاوية ذاتها “من يعطل المصالحة والوحدة، ويتسبب في التفرقة وتقسيم الوطن، ويرفض كل نداءات المصالحة والمبادرات التي قدمت لتحقيقها، ويتمسك بالتنسيق الأمني والمفاوضات مع “إسرائيل” واللهث خلفها، دون الاكتراث للمصالحة الفلسطينية والوطنية سيكون مصيره سيئًا ولن نقبل وجوده“.
تجهيزات لما بعد عباس
وأوضحت أن الساعات الماضية شهدت لقاءات واسعة وسرية داخل مدينة رام الله لقيادات فتحاوية رفيعة المستوى، لمناقشة الوضع الفلسطيني الداخلي الراهن وبحث سبل التحرك الشعبي والسياسي للضغط على الرئيس عباس لقبول المصالحة مع حركة حماس أو التجهيز للمرحلة التي بعده.
وأكدت المصادر الفتحاوية ذاتها، أن الرئيس عباس يتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤولية وصول جولات المصالحة منذ 12 عامًا تقريبًا لطريق مسدود، موضحةً أن رئيس وفد حركة فتح للمصالحة عزام الأحمد، يتحمل هو الآخر جزءًا كبيرًا من هذا الفشل والمطلوب إقالته من منصبه، وتعيين شخصية تبحث عن الحلول وتحقيق المصالحة وليس وضع العقبات والعراقيل أمامها.
وكان الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فوزي برهوم، طالب الرئيس عباس بالرحيل لأنه لم يعد أمينًا على الشعب الفلسطيني ومقدساته، حسب قوله.
ولم يتوقف الرئيس عباس عن تهديد قطاع غزة الذي يفرض عليه عقوبات تمثلت في تقليص رواتب الموظفين إلى أكثر من النصف، ووقف إمدادات صحية للمستشفيات، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر.
وقال برهوم في تغريده له على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “آن الأوان لهذا الرئيس (محمود عباس) أن يرحل (..)، فما كان، ولم يعد، أمينًا على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا“، وأكد أن الرئيس عباس تخلى عن ستة أشياء، وهي: حق العودة، حقنا في القدس، حقنا في المقاومة، حقنا في فلسطين التاريخية، حق إطلاق سراح جميع الأسرى، حقنا في الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية.
وتحدث مسؤولون في حركة فتح قبل أيام، أن الحركة قررت إغلاق باب المصالحة والمبادرات مع حركة حماس بصورة تامة بسبب ما أسمّوه “عدم جدوى مثل هذه الحوارات”، مؤكدين أن الرئيس عباس، سيترأس الأسبوع المقبل لجنة خاصة من الحركة لدرس الإجراءات الواجب اتخاذها في قطاع غزة من أجل إجبار حركة حماس على تسليم السلطة للحكومة الرسمية، وفق تعبيرها.
وقال رئيس ملف المصالحة في الحركة عزام الأحمد: “سندرس اتخاذ إجراءات في غزة للضغط على حركة حماس من دون التأثير على المواطنين العاديين”، فيما وصف عضو وفد فتح إلى المصالحة حسين الشيخ، الحوار مع حماس بـ”حوار الطرشان“، وأضاف: “حوار الطرشان الذي يتم منذ 11 عامًا، وصوغ تبادل الأوراق باتت ممجوجة ومضيعة للوقت وتكرس الانقسام وتقتل فرص المصالحة الحقيقية”، مضيفًا “لا شراكة مع حماس في المنظمة أو حكومة وحدة من دون إنهاء كل مظاهر الانقلاب في غزة“.
وقال الأحمد في مقابلة مع محطة تليفزيون فلسطين الرسمية: “نحن لا نثق بحماس، ومتأكدون بأن ليست لديها نية لإنهاء الانقسام، فالبداية بالنسبة إلينا هو أن تستلم حكومة الوفاق مسؤولياتها كافة“.
ترفض حركة حماس تهديدات عباس المتكررة، وتعتبرها تجاوزًا لكل حدود القيم والمبادئ والأخلاق
ولم يتوقف الرئيس عباس عن تهديد قطاع غزة الذي يفرض عليه عقوبات تمثلت في تقليص رواتب الموظفين إلى أكثر من النصف، ووقف إمدادات صحية للمستشفيات، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر.
وكان عباس قد هدد، خلال اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني مؤخرًا، باتخاذ قرارات خطيرة ضد القطاع وحركة حماس، بدعوى إفشالها جهود المصالحة، وعدم إعطاء أي مجال لتنفيذها.
وترفض حركة حماس تهديدات عباس المتكررة، وتعتبرها تجاوزًا لكل حدود القيم والمبادئ والأخلاق، وتقاطعًا واضحًا مع الاحتلال الإسرائيلي في استهداف شعب القطاع ومقومات صموده ومقاومته الباسلة.
وأكد حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أن حركة فتح التي يرأسها عباس أفشلت جهود مصر في إتمام المصالحة الداخلية، وأعاقت التوصل لاتفاق يُنهي الانقسام القائم منذ العام 2007..
وعيّن عباس رئيسًا انتقاليًا في أعقاب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، وتم انتخابه في العام التالي، لِما كان من المفترض أن تكون ولاية من خمس سنوات، وأحكم سيطرة حازمة منذ ذلك الحين، رافضًا تسمية خليفة له، وحال الانشقاق السياسي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دون إجراء انتخابات جديدة.
قال المفكر السياسي المصري فهمي الهويدي إن فشل المصالحة قد يؤدي إلى تطبيق إجراءات تتجاهل رئيس السلطة محمود عباس، وتكون مقدمة لترجمة ما يسمى “صفقة القرن”، على أرض الواقع
وخلص استطلاع للرأي صدر نهاية شهر مارس الماضي أن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم استقالة عباس، و33% فقط ممَّن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم راضون عن أدائه.
خيارات مصر بعد الفشل
وعن الخيارات المتاحة أمام مصر للتعامل مع الملف الفلسطيني بعد فشل المصالحة الداخلية، يقول المحلل السياسي وائل المبحوح: “السيناريوهات المصرية المتوقعة تجاه غزة متعددة منها الإعلان بشكل غير مباشر عن كيان مستقل في القطاع، يرتبط بمصر مباشرة إداريًا واقتصاديًا”، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو مشابه لسيناريو القطاع قبل نكسة 1967، ولكن دون وجود مصري ميداني على أراض القطاع.
ولم يستبعد المبحوح، سيناريو إشراف قطاع غزة تحت الإدارة الدولية، مستدلاً بذلك إلى ما روج إليه المبعوث الدولي للأمم المتحدة في غزة نيكولاي ميلادينوف، بخطته لإنعاش القطاع، بأموال يتم تجنيدها من خلال المجتمع الدولي.
بدوره قال المفكر السياسي المصري فهمي الهويدي إن فشل المصالحة قد يؤدي إلى تطبيق إجراءات تتجاهل رئيس السلطة محمود عباس، وتكون مقدمة لترجمة ما يسمى “صفقة القرن”، على أرض الواقع، وهو أقوى الاحتمالات، وأضاف أن السلطات المصرية تريد أن “تحقق نجاحات على الصعيد الخارجي من أي باب، والملاحظ أن هناك حرصًا مصريًا على إنجاح جهوده في غزة، سواء على صعيد المصالحة أم التهدئة مع الاحتلال”، موضحًا أن مصر قلقة من انفجار الوضع الإنساني في غزة، وبالوقت ذاته، ما يحدث الآن ليس قرارًا مصريًا، بقدر ما هو تفاهمات بين ما يسمى بالرباعية الجديدة (مصر، الأردن، الإمارات، السعودية).
الجدير ذكره أن مصر فشلت في إحراز أي تقدم بملف المصالحة الذي ترعاه منذ سنوات طويلة، ويبدو أن تحركها الأخير ودعوتها الفصائل لزيارة القاهرة، بعد زيارة حماس وفتح، لم تحقق اختراقه في ظل التباعد الحاصل بين الحركتين، وتهديدات عباس المتكررة بفرض عقوبات جديدة على غزة.
وإضافة لاتفاق 2011 الذي لا يزال معلّقًا حتى اللحظة، جرى في القاهرة توقيع اتفاق في 12 من أكتوبر 2017، بين حركتي حماس وفتح، يقضي بتمكين الحكومة من إدارة شؤون غزة كما الضفة الغربية، لكن تطبيقه تعثّر وسط خلافات متصاعدة بين الحركتين بشأن بعض الملفات.