في خطوة اعتادها المصريون خلال السنوات الخمسة الأخيرة رفعت وزارة المالية المصرية، أمس السبت، سعر الدولار الجمركي على عدد من السلع والمنتجات ليصل إلى 17.973 جنيه للدولار الواحد مقابل 16 جنيهًا قبل ذلك، على أن يسري العمل بهذا السعر الجديد لمدة شهر كمرحلة أولية تنتهي في 31 من ديسمبر الحاليّ.
القرار أثار حالة من الجدل داخل الشارع المصري لما ينطوي عليه من قفزات جنونية في أسعار بعض السلع وهو ما سينعكس بالطبع على الحالة المعيشية لمحدودي الدخل ممن فقدوا الكثير من مقومات حياتهم إثر موجات رفع الأسعار الجنونية التي حولت الكثير من السلع الإستراتيجية الحيوية إلى كمالية يمكن الاستغناء عنها.
ورغم أنها ليست الموجة الأولى لارتفاع الأسعار، فإن المنحنى وفق هذا المسار يتجه نحو تضاعف معدلات الفقر في بلد يحيا ما يقرب من ثلثه تقريبًا تحت مستوى خط الفقر، هذا في الوقت الذي يتم الحساب فيه على المعادلة المصرية والمتمثلة في واحد دولار يوميًا، بينما النسبة قد تقفز إلى معدلات خيالية حال طبقت على المعدل العالمي والمقدر بدولارين في اليوم.
ما المقصود بالدولار الجمركي؟
تتعامل السوق المصرية بقائمة من العملات الأجنبية على رأسها الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي، وإن كانت النسبة الأكبر من معدلات التصدير والاستيراد تتم عبر العملة الأمريكية، غير أن هناك نوعين للدولار يتعامل بهما المصريون في سوق التجارة والجمارك.
الأول وهو الدولار العادي الذي يتعامل به المصريون داخل البنوك وفي أسواق الصرافة، وكان في السابق يحدده البنك المركزي وبقية البنوك العاملة تحت لوائه، غير أنه ومع دخول قرار تعويم العملة المحلية (الجنيه) حيز التنفيذ في نوفمبر 2016 أصبح يحدد سعره بناء على العرض والطلب وإن كانت هناك بعض الاتهامات الخارجية بتدخل البنك المركزي في تحديد سعره.
الثاني وهو الدولار الجمركي، ويقصد به ما يدفعه المستورد من مبالغ جمركية نظير الإفراج عن البضاعة المستوردة والمحجوزة في الجمرك في انتظار فك الحجز عنها، فعندما يطلب أي مستور بضائع مستوردة من الخارج وتصل تلك البضاعة، يكون عليه استلامها بعد سداد مبلغ مالي ويعرف هذا المبلغ باسم الجمارك أو الرسوم الجمركية التي في الكثير من الأحيان يتم تقديرها بالدولار ويتم تحديده من البنك المركزي وفي الغالب يكون بسعر أقل من الدولار في الأسواق العادية بما يحقق هامش الربح للمستوردين.
قرر مسؤولو ما يقرب من 20 توكيل سيارات في مصر رفع أسعارها بقيمة تبدأ من 10% إلى 25% في بعض الماركات بعد اعتماد الأسعار النهائية اليوم الأحد، والبدء في إرسال قائمة الأسعار الجديدة للموزعين والمعارض الإثنين لتطبيقها
ما السلع المتوقع زيادة أسعارها؟
القرار وفق ما أشارت إليه وزارة المالية المصرية يتعلق بالسلع والمنتجات الترفيهية التي يطلق عليها البعض “غير الضرورية” وتشمل قائمة عدة أبرزها الهواتف المحمولة والحاسب الآلي والأثاث والملابس والأحذية وسيارات الركوب الخاصة والتكاتك والسجائر ومنتجات الخمور، ومنتجات أخرى حددتها الوزارة في أكثر من جدول.
تلك المنتجات هي ما سيطبق عليها الزيادات الجديدة في سعر الدولار، أما بقية السلع الأخرى فسيبقى السعر القديم كما هو والمحدد بـ16 جنيهًا للدولار، مع العلم أن غالبية السلع والمنتجات المستخدمة في مصر يتم استيرادها من الخارج وهو ما يجعل أي زيادة في سعر الدولار ولو طفيفة تنعكس بشكل كبير على أسعار المنتجات داخليًا.
التجار والمستوردون يتوقعون نسب زيادة في أسعار السلع تتراوح بين 10-15%، فحسبما جاء على لسان محمد المهندس رئيس غرفة الصناعات الهندسية في اتحاد الصناعات، فإن أسعار الهواتف المحمولة والحاسب الآلي، سترتفع بنفس نسبة الزيادة في سعر الدولار الجمركي، متوقعًا أن تتراوح بين 12إلى 15%.
فيما أشار أحمد شوقي، تاجر أثاث، أن الزيادة المتوقعة في أسعار الأثاث والموبيليا بصفة عامة تترواح بين 10-20% مشيرًا في تصريحات لـ”نون بوست” أن السوق تعاني بطبيعتها من تضخم كبير في المنتجات الخشبية ومع ذلك فإن الزيادة المقررة في سعر الدولار الجمركي سيكون لها ارتدادات عكسية على أسعار تلك المنتجات.
وفي السياق ذاته قرر مسؤولو ما يقرب من 20 توكيل سيارات في مصر رفع أسعارها بقيمة تبدأ من 10% إلى 25% في بعض الماركات بعد اعتماد الأسعار النهائية اليوم الأحد، والبدء في إرسال قائمة الأسعار الجديدة للموزعين والمعارض الإثنين لتطبيقها، كما اتفق معظم الوكلاء على رفع أسعار الطرازات تدريجيًا لكنها لن تقل عن 10 آلاف جنيه في البداية وترتفع تدريجيًا خلال شهر ديسمبر لتصل في بعض الماركات الفارهة لأكثر من 50 ألف جنيه.
ارتفاع متوقع في أسعار السيارات بعد قرار زيادة الدولار الجمركي
يصب في مصلحة المواطن
مصلحة المواطن.. العبارة الأكثر استخدامًا ورواجا مع كل زيادة في الأسعار، حتى باتت مثار سخرية من الجميع، لا سيما أنها أصبحت المبرر الوحيد والشماعة التي يعلق عليها المسؤولون قرارت رفع الأسعار التي لم يجدوا لها تفسيرات منطقية قادرة على إقناع المواطنين.
الدكتور محمد معيط وزير المالية المصري، في بيان له قال: “اسـتمرار تثبيت سعر الدولار الجمركي عند 16 جنيهًا، بالنسبة للسلع الإستراتيجية والضرورية بداية من أول ديسمبر 2018 وحتى 31/12/2018، يأتي ضمانًا لعدم ارتفاع أسعار تلك السلع، أو زيادة الضغوط التضخمية، مما يؤكد استمرار الدولة في دعم وحماية محدودي ومتوسطي الدخل”.
وأضاف أن استثناء السلع الأساسية والضرورية للشريحة الأكبر من المواطنين، يعكس جهود الحكومة في تدعيم شبكة الحماية الاجتماعية للمواطنين والشريحة الأكثر تضررًا من الآثار الناتجة عن تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة على مدار الثلاث سنوات الماضية.
تشير التوقعات إلى احتمالية زيادة معدل التضخم خلال الفترة المقبلة مع بدء تطبيق السعر الجديد للدولار الجمركي خلال الشهر الحاليّ
بدوره أشاد الدكتور محمد البهي، رئيس لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات، بالقرار، لافتًا إلى أن من يتعامل مع تلك السلع سيستطيع أن يتحمل هذا الفارق الضعيف.
رئيس لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات في مداخلة تليفزيونية له أشار إلى أن الغرض من هذا القرار هو تشجيع المجال الصناعي المصري، موضحًا أن الدولة اتخذت خلال الفترة الماضية عدة قرارات تصب جميعها في مصلحة الصناعة المصرية والمواطنين، حيث إنهم يعملون دائمًا على تقليل الأسعار من خلال خفض نسبة الاستيراد.
بينما ترى الدكتورة بسنت فهمي، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، أنه قرار يحقق العدالة الاجتماعية، موضحة أنه بتطبيق هذا القرار تكون لدينا إيرادات أكثر لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين ويتم الصرف على الصحة والتعليم واحتياجات أخرى في الدولة بشكل أوسع.
محمد معيط وزير المالية المصري
ارتفاع في نسب التضخم
منذ قرار تعويم الجنيه المصري قبل عامين ونصف تقريبًا زادت نسب التضخم بصورة جنونية لم تشهدها مصر منذ عقود طويلة، غير أن المعدل تراجع خلال الفترة الماضية بصورة مرحلية، إلا أنه عاود الارتفاع مرة أخرى الأشهر الأخيرة، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
الجهاز في بيان له كشف ارتفاع معدل التضخم في مصر إلى نسبة 14.4% خلال يونيو/حزيران، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، مشيرًا أن هذا الارتفاع في معدل التضخم الأول من نوعه منذ عشرة أشهر، ويأتي في أعقاب القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية مطلع يونيو/حزيران، بزيادة أسعار الوقود بمعدل تراوح بين 35%و50% مطلع يونيو/حزيران، والكهرباء بمتوسط 26% والمياه بنسبة بلغت 46.5%، كما رفعت أسعار عدد من الخدمات مثل استخراج جوازات السفر والهاتف المحمول وغيرها.
الملفت للنظر أن ارتفاع معدلات التضخم جاءت وسط زيادة معدلات تحويلات العاملين المصريين بالخارج، التي تعد واحدة من أكبر موارد مصر من العملة الأجنبية، بمعدل 41.2% خلال أبريل/نيسان الماضي، لتصل إلى 2.3 مليار دولار، مقارنة بـ1.7 مليار دولار في نفس الشهر من العام الماضي.
معدلات الفقر الحاليّة في مصر لن تتوقف مكانها طويلاً، إذ من المرجح أن تزداد وتيرتها خلال الفترة القادمة
وتشير التوقعات إلى احتمالية زيادة معدل التضخم خلال الفترة المقبلة مع بدء تطبيق السعر الجديد للدولار الجمركي خلال الشهر الحاليّ، وهو ما أثار قلق الكثيرين من رجال الأعمال والمستثمرين، ما دفعهم للتحذير من خطورة تلك القرارات المفاجئة بينما يعاني المواطنون من تراجع في مستوى معيشتهم مع بقاء معدلات دخولهم دون أي تحرك.
بينما اعترض عمرو الجوهري عضو اللجنة الاقتصادية، على القرار، مشيرًا إلى أن الحكومة رفعت الضريبة الجمركية على هذه السلع من قبل لأكثر من 40% وفقًا للقرار رقم 25 لسنة 2016 بغرض حماية الصناعة الوطنية وزيادة الحصيلة الجمركية، متسائلاً:”هل السوق المصرية الآن في وضع يسمح بزيادة الأسعار حتى ولو كانت سلع ترفيهية؟”، لافتًا إلى أن المواطن لا يعلم ما البنود الترفيهية من غيرها.
زيادة في معدلات الفقر
تسير منحنيات الفقر في مصر بصورة جنونية، إذ بلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27.8%، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق لعام 2015، وفقًا لتقارير جهاز الإحصاء الرسمي، التي كشفت أن 30 مليون مصري يقعون تحت خط الفقر، وأن متوسط دخل الأسرة المصرية يبلغ 45 ألف جنيه سنويًّا، بينما متوسط دخلهم الشهري 3750 جنيهًا، تزامنًا مع ذلك زيادة مرتفعة للأسعار ومعدل التضخم السنوي بنسبة 12.9% في مايو 2017، كما ارتفعت الأسعار إلى 188.9 نقطة مقابل 182.8 نقطة خلال أبريل 2017.
معدلات الفقر الحاليّة في مصر لن تتوقف مكانها طويلاً، إذ من المرجح أن تزداد وتيرتها خلال الفترة القادمة، بحسب الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الذي أوضح أن التقرير الإحصائي للجهاز المركزي أشار إلى أن قيمة متوسط خط الفقر المتوقع للفرد في الشهر لا تتجاوز 322 جنيهًا، بينما وصلت قيمة متوسط خط الفقر الكلي للسكان 482 جنيهًا شهريًّا، هذا على حساب دولار واحد في اليوم في الوقت الذي يحدد فيه خط الفقر العالمي بدولارين في اليوم.
صادق لـ”نون بوست” لم يكتف بالتحذير من زيادة معدلات الفقر وفقط، بل توقع تزامنًا مع ذلك زيادة نسبة الجريمة ومعدلات السرقة خلال الأيام المقبلة في ظل التداعيات السلبية لقرارات الإصلاح الاقتصادي التي تعتمد في المقام الأول على استنزاف جيوب الفقراء عبر خفض الدعم وزيادة الرسوم والضرائب.