تتواصل في تونس، مقاطعة الأساتذة لامتحانات الثلاثي الأول للأسبوع الثاني على التوالي نتيجة عدم التوصل إلى اتفاق مع وزارة التربية التي هدد المسؤول الأول فيها بـ”تطبيق القانون” في حال لم يتراجع المربون عن قرارهم، شد وجذب بين الطرفين رأى العديد من التونسيين أن ضحيته الأولى التلميذ، فهو بمثابة حطب حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.
مطالب معلقة
يقول القائمون على نقابة التعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل إن “اضطرارهم” لمقاطعة الامتحانات لهذا الثلاثي بالنسبة إلى المرحلة الإعدادية والثانوية بمختلف المؤسسات التربوية، جا نتيجة تجاهل وزارة التربية لمطالبهم المادية والاجتماعية المعلقة منذ أكثر من سنة، ورفض رئيس الوزراء يوسف الشاهد التدخل لإيجاد حل.
وتتمثل مطالب النقابة في حسم مسألة التقاعد الاستثنائي بالنسبة لمدرسي التعليم الثانوي والإعدادي على قاعدة 32 سنة عمل وعمر 57 عامًا مع تنفيل بخمس سنوات باعتبارها مهنة شاقة، وتحسين وضعهم المادي بالنظر في المنح الخصوصية خاصة بالمدرسين على غرار منحة العودة المدرسية ومنحة الامتحانات ومنحة العمل الدوري ومنح خاصة بمديري المعاهد.
كما تطالب النقابة أيضًا بإصلاح المنظومة التعليمية إصلاحًا جوهريًا وشاملاً، ورفع ميزانية المؤسسات التربوية التي لم تعد قادرة على إدارة العملية التربوية بشكل مرضي، وفق قول القائمين عليها، فضلاً عن سن قانون يجرم الاعتداء على المربين والعاملين بالمؤسسات التربوية.
قبل ثلاث سنوات، أطلقت وزارة التربية في 2015 حوارًا عن الإصلاح التربوي، عبر تشكيل لجنة تضم الوزارات ذات العلاقة والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر هيئة نقابية في البلاد) إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني، بهدف تقديم مقترحات لإصلاح المنظومة التعليمية، إلا أن الأمر تعطل مرات عديدة.
سجلت تونس خلال السنة الدراسية الحاليّة، مليونين و121 ألف تلميذ موزعين على 85635 فصلاً
منذ ديسمبر الماضي، اتخذ المدرسون في تونس أشكالاً احتجاجية متنوعة بدأت بالتظاهر وحجب نتائج الامتحانات وصولاً إلى تعليق التدريس، بهدف تحقيق مطالبهم، وفي يناير/كانون الماضي، قررت نقابة التعليم الثانوي حجب أعداد اختبارات النصف الأول من العام الدراسي، بينما لم يتبق إلا أسابيع قليلة على اختبارات النصف الثاني من العام الدراسي الحاليّ، على خلفية عدم استجابة الوزارة لمطالبهم المادية والمهنية.
وفي شهر أبريل/نيسان الماضي، نفذ آلاف الأساتذة في المدارس الإعدادية والثانوية التونسية إضرابًا مفتوحًا عن العمل، بعد فشل المفاوضات مع وزارة التربية التونسية والاستجابة إلى مطالبها “التعجيزية” كما وصفها وزير التربية حاتم بن سالم.
وما فتئ الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي سعد اليعقوبي يدعو زملاءه للثبات على الموقف والذهاب بعيدًا في معركتهم من أجل تحقيق مطالب المدرسين، مؤكدًا أن هذه السنة لن تكون كسابقتها، متوعدًا باستمرار التصعيد لحين الحصول على مطالبهم رغم مماطلة الوزارة.
اقتطاع الأجور
وزير التربية في تونس حاتم بن سالم، قابل المقاطعة التي ينفذها الأساتذة بالرفض، حيث قال في رده على تساؤلات النواب، خلال الجلسة عامة التي خصصت أمس الأحد لمناقشة الباب 25 من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2019 المتعلق بوزارة التربية “لا لتعطيل الامتحانات، وإذا تعطلت سأطبق القانون”.
ويرى الوزير التونسي أن قرار المقاطعة يعتبر إخلالاً خطيرًا يترتب عليه آليًا الاقتطاع من الأجر علاوةً على التبعات الإدارية للأستاذ المقاطع، مشيرًا إلى أن في ذلك مخالفة لمبادئ العمل النقابي شكلاً ومضمونًا، ومن شأنه الإضرار بمصلحة التلميذ التي يجب أن تكون فوق الاختلافات والخلافات والاعتبارات.
وأكد بن سالم في تدخله في البرلمان، وجود إشكال مالي يتعلق بمطلبين من بين مطالب الجامعة العامة للتعليم الثانوي، أولهما يتعلق بطلب مضاعفة المنحة الخصوصية للأساتذة التي لا تعد من مشمولات وزارة التعليم، وقبل وزير التربية المنحة عام 2015، لكن وزارة المالية ترفض زيادة المنحة.
عن المطلب الثاني أوضح أنه يتعلق بالتقاعد المبكر “لكلفته المالية الباهظة جدًا والمقدرة بنحو 2000 مليون دينار”، مشيرًا إلى أنه لم يرفض مقترح التقاعد بل دعا إلى إبرام اتفاقية تتعهد من خلالها الوزارة بإعطاء الأساتذة الراغبين في مغادرة التدريس مواقع عمل أخرى إدارية أو تكوينية.
وسجلت تونس خلال السنة الدراسية الحاليّة، مليونين و121 ألف تلميذ موزعين على 85635 فصلاً، ويدرسهم 151 ألف مدرس، في حين يبلغ العدد الإجمالي للمؤسسات ما بين مدارس ابتدائية ومدارس إعدادية ومعاهد ثانوية 6107 مؤسسات حسب آخر إحصاءات قدمتها الوزارة.
وكانت وزارة التربية قد نشرت بيانًا عبرت من خلاله عن رفضها القاطع لقرار نقابة التعليم مقاطعة الامتحانات لمخالفته قوانين العمل النقابي، كما عبرت في بيان آخر عن استغرابها لما أسمته أسلوب وعيد وشيطنة من الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي، متوعدة باقتطاع أيام من أجور الأساتذة المقاطعين للامتحانات.
التلميذ.. وقود معركة
هذه التجاذبات القائمة بين نقابات التعليم ووزارة التربية، التي بلغت مستويات قياسية خلال السنتين الماضيتين والسنة الحاليّة، وما صاحبها من إضرابات متكررة من المدرسين بهدف الضغط على الوزارة والحكومة لتلبية مطالبهم المشروعة، من شأنها أن تؤثر سلبًا على تكوين التلميذ.
ويرى عدد من أولياء التلاميذ أن تكرر الإضرابات بالمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بغية تسوية الإشكاليات المطروحة بين سلطة الإشراف والنقابات التربوية لا تبرر هذه الممارسات التي حرمت أبناءهم من حقهم في مدرسة عمومية مستقرة توفر لهم تعليمًا جيدًا.
يعتقد الأولياء والتلاميذ أنهم الوحيدون الذين سيدفعون ثمن الصراع بين الأساتذة والوزارة
يؤكد هؤلاء، أنه كان من المفترض أن يتم حل كل الإشكاليات بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية بالتفاوض خلال العطلة الصيفية المنقضية، لا أن يتم ترحيلها حتى تتعطل الدروس في أكثر من مرة ويكون التلميذ الضحية.
وبالتوازي مع ذلك، نظمت تنسيقية “أولياء غاضبون” وقفات احتجاجية أمام عدد من الإعداديات والمعاهد الثانوية في مناطق متفرقة من البلاد، احتجاجًا على قرار جامعة التعليم الثانوي القاضي بمقاطعة امتحانات الثلاثي الأول.
ويقول التلميذ صالح العمري، إنهم سئموا هذا الوضع والشد والجذب بين النقابة والوزارة، ويضيف العمري لـ”نون بوست”: “لا نعرف ماذا نفعل أمام هذا الوضع”، واختار عدد كبير من التلاميذ مقاطعة الدروس كشكل من أشكال الاحتجاج السلمي على تواصل الأزمة في مدارسهم.
يخشى التلاميذ في تونس من مصيرهم الغامض
بدورها أكدت ميساء الجزيري رفضها لما وصلت له الأوضاع في المدرسة التونسية، وتعنت طرفي الأزمة، وعدم رغبتهما في الوصول إلى حل يرضي الجميع وينقذ السنة الدراسية المهددة بالفشل في حال تواصل الوضع على ماهو عليه حاليًّا.
وتقول ميساء في تصريح لـ”نون بوست”: “المقاطعة بدأت من الأسبوع الماضي، ظننا أنها ستنتهي خلاله، لنبدأ هذا الأسبوع في الامتحانات الكتابية لكن المقاطعة متواصلة”، وعبرت الجزيري عن خشيتها من الارتدادات السلبية لهذه القرارات الصادرة عن طرفي الأزمة.
إزاء تعطل الدراسة في أكثر من مرة في المدارس التونسية، بدأ شعور الإحباط والقلق يساور عدد كبير من التلاميذ والأولياء في تونس، ذلك أنهم يعتقدون أنهم الوحيدون الذين سيدفعون ثمن الصراع بين الأساتذة والوزارة.