بفارق زمن لم يزد على 48 ساعة، تمكنت الخطوط الجوية الإثيوبية من لفت الانتباه إليها مرتين خلال الأسبوع الماضي: المرة الأولى عندما أُعلن في العاصمة المغربية الرباط فوزها بجائزة “أفضل شركة طيران إفريقية” للعام السابع على التوالي وذلك خلال الدورة الخمسين لجمعية شركات الطيران الإفريقية (أفرا).
وفي المرة الثانية نجحت الشركة في جعل إثيوبيا تطيح بأحلام مدينة دبي الإماراتية لتصبح الأولى أكبر معبر للرحلات إلى إفريقيا الأمر الذي سلط الضوء على تفوق شركة الخطوط الجوية الإثيوبية وإصلاحات رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد علي التي أسمهت بكل تأكيد في هذه النجاحات خاصة فيما يتعلق بالإنجاز الثاني وهو إطاحة الناقلة بمطار دبي في تسيير الرحلات الجوية إلى إفريقيا كما سيتبين لنا في هذا التقرير.
نجاح متصاعد واستحواذ على 4 حصص إقليمية
استفادت إثيوبيا من كونها تحتضن المقر الرئيس للاتحاد الإفريقي، كما سهّل لها موقعها الإستراتيجي في شرق القارة الإفريقية أن تكون شركة طيرانها المملوكة للحكومة همزة الوصل بين دول القارة السمراء ومختلف أرجاء الكرة الأرضية من الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا وشبه القارة الهندية وأستراليا، فمدّت جسور الصلة لتغطي أكثر من 90% من محطات القارة السمراء، ولذلك أصبحت الخطوط الجوية الإثيوبية خيارًا مفضلًا لمعظم المسافرين من دول إفريقيا، وظلت تحوز على تصنيف أفضل شركة طيران إفريقية من مؤسسة سكاي تركس المتخصصة في تصنيف شركات الطيران العالمية.
الإثيوبية تفوز بجائزة أفضل شركة طيران إفريقية من مؤسسة سكاي تركس
وانتهزت الإثيوبية الأوضاع التي خلفتها ثورات الربيع التي أطاحت بأنظمة دول عربية إفريقية عديدة، إذ وجدت سانحتها في التوسع وإضافة وجهات جديدة في مقابل اضمحلال شركة مصر للطيران وتدهور الخطوط الليبية وتأثر الخطوط التونسية التي انخفض فيها عدد السياح القادمين من الخارج بنسبة كبيرة.
في أغسطس/آب الماضي، أعلنت الخطوط الجوية الإثيوبية أنها اشترت حصة بـ30 مليون دولار مقابل إعادة إحياء طيران زامبيا الذي كان قد أعلن إفلاسه عام، كما دخلت الشركة في محادثات مع العديد من الحكومات الإفريقية ومن بينها غانا لإعادة انطلاق طيرانها الوطني، ثم تشاد التي وقعت معها الخطوط الجوية الإثيوبية اتفاقًا مماثلًا وامتلكت 49% من أسهم الشركة التشادية على أن يكون ما تبقى 51% ملكًا لحكومة تشاد.
يضم أسطول شركة الطيران الإثيوبية في الوقت الراهن أكثر من 100 طائرة ركاب
وأظهرت الناقلة الإثيوبية المملوكة للحكومة اهتمامًا غير مسبوق في السوق الإفريقية الكبيرة، إذ تدير أيضًا خطوط طيران مالاوي عبر اتفاقية وقُعت عام 2013، كما تشارك في شركة الطيران الخاصة بجمهورية توغو “أسكي” من خلال مقرها الرئيسي في العاصمة لومي، وتجري الشركة في الوقت الراهن محادثات مع جيبوتي وغينيا الاستوائية وغينيا لإنشاء شركات طيران عبر مشاريع مشتركة، وتهدف أيضًا إلى تأسيس شركة طيران جديدة في موزمبيق ستتملكها بالكامل.
أسطول عملاق جعلها الناقلة الأولى إفريقيًا
بدأت الخطوط الجوية الإثيوبية عملياتها في ديسمبر/كانون الأول من عام 1945 وخلال 73 عامًا من النمو المتصاعد نجحت الشركة تدريجيًا في التفوق على كل شركات الطيران الإفريقية حتى العريقة منها مثل مصر للطيران وخطوط جنوب إفريقيا والخطوط الكينية وهي شركات تأسست قبل وقت طويل من ظهور الخطوط الإثيوبية.
يضم أسطول شركة الطيران الإثيوبية في الوقت الراهن أكثر من 100 طائرة ركاب ونتذكر هنا أن مصر للطيران بقيت على أسطولها المكون من 81 طائرة فقط، وبالإضافة إلى ذلك تمتلك الإثيوبية 8 طائرات شحن عملاقة، كما أن لديها طلبيات مؤكدة لـ65 طائرة أخرى، مع ملاحظة أن أكثرية أسطول الإثيوبية من طراز بوينغ الأمريكية وليس لديها من إيرباص الأوروبية إلا 9 طائرات جميعها الموديل الحديث A350-900XWB حيث كانت الإثيوبية الشركة الأولى في الشرق الأوسط وإفريقيا التي تسلّمت الطائرة العملاقة ذات السعة العريضة في العام الماضي.
هذا فيما يتعلق بأسطولها الدولي، وتمتلك الناقلة عددًا آخر من الطائرات صغيرة الحجم طراز Q-400 التي تعمل في مجال النقل الداخلي، فلدى إثيوبيا نحو 18 مطارًا داخليًا حديثًا تسيّر الخطوط الإثيوبية رحلات منتظمة بين هذه المطارات التي تقع في المدن الكبرى وعواصم الأقاليم والعاصمة أديس أبابا.
جانب من أسطول الإثيوبية
توسُّع في عدد الوجهات
المتتبع لمسيرة الخطوط الجوية الإثيوبية يجدها تتوسع باستمرار وتضيف وجهات جديدة بشكلٍ متواصل، ففي الشهر الماضي على سبيل المثال أطلقت الناقلة رحلاتها المباشرة إلى العاصمة الأردنية عمّان، وفي ديسمبر/كانون الأول الحاليّ ستبدأ بإطلاق خطها تجاه موسكو وإسطنبول.
وقد صنّف الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، الخطوط الجوية الإثيوبية بأنها أكبر شركة طيران في إفريقيا، وفقًا للإيرادات والأرباح، إذ بلغت إيراداتها في العام المالي 2017 نحو 3.7 مليار دولار، وتقدم الشركة الخدمات الإقليمية والدولية في نقل الركاب والبضائع، إلى أكثر من 117 وجهة عالمية، عبر القارات الخمسة.
آثار الإصلاحات التي حققها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد لم تكن بعيدة عن نجاحات الناقلة
كما تستعد الناقلة لإضافة خطوط أخرى من بينها رحلات مباشرة لمدينة لوس أنجلوس الأمريكية من غرب إفريقيا أي دون المرور بأديس أبابا لتكون الإثيوبية الأولى من نوعها التي تقدم هذه الخدمة لدول غرب القارة.
آثار الإصلاحات التي حققها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد لم تكن بعيدة عن نجاحات الناقلة فقد أعادت الشركة في يوليو/تموز الماضي رحلاتها من وإلى العاصمة الإريترية أسمرا بعد توقف لـ20 عامًا، كما استأنفت الشهر الماضي الرحلات إلى العاصمة الصومالية مقديشو بعد 41 عامًا من الانقطاع؛ أدّت هذه التطورات المتلاحقة إلى زيادة حركة الطيران بين إثيوبيا وجيرانها، وبالتالي رفع معدل رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية من حجم وجهاتها الإقليمية، ونشير إلى أن محطتي أسمرا ومقديشو لم تكونا مدرجتين في خطط الشركة ورغم ذلك تمكنت من تغطيتهما من دون أن تواجه صعوبات وهذا ما يؤكد جاهزية الشركة وأسطولها لتوسعات غير موجودة في خطتها.
أمر آخر لا ينبغي أن يفوتنا وهو تمكن الإثيوبية من استخدام المجال الجوي الإريتري بعد اتفاقية السلام مع الجارة، حيث انعكس ذلك بصورة إيجابية على نتائج الشركة المالية خلال الـ5 أشهر الأخيرة بعد أن تمكنت من توفير مبالغ مالية كبيرة كانت تنفقها في الوقود لكي تتفادى المرور بالمجال الجوي الإريتري.
مسار رحلات الخطوط الإثيوبية بعد إنجاز المصالحة مع إريتريا
خدمات الخطوط الإثيوبية جعلت أديس أبابا تتفوق على دبي
عن نجاحات الخطوط الجوية الإثيوبية تحدث لـ”نون بوست” عبر الهاتف، مستشار خدمات الطيران المدني زهير يوسف الذي عزا تفوق إثيوبيا على دبي لأن الأولى جعلت من مطار أديس أبابا محورًا مركزيًاCentral Hub لكل رحلاتها من جميع الاتجاهات فأصبح الراكب يفضل العبور عن طريق أديس أبابا دون غيرها لأنه يسافر على الناقل الجوي نفسه “الخطوط الاثيوبية” وبالتالي لا يواجه مشاكل في تغير المطارات والطائرات وتحويل “العفش” من سفرية إلى أخرى.
وأضاف يونس وهو مهندس تخرج في أكاديمية الطيران الإثيوبية: “تقدم الناقلة كذلك خدمة ضيافة إضافية لراكب الترانزيت بدءًا من الوجبات في أثناء انتظاره لموعد رحلة المواصلة، أما إذا كانت فترة الانتظار طويلة فإن الخطوط تنظم رحلة تعريفية وترفيهية حول مدينة أديس أبابا لرؤية المعالم التاريخية للمدينة وكذلك الأسواق التجارية المفتوحة التي تشكل معلمًا متميزًا للمدينة وهذا ما يشجع المسافر على اختيار الإثيوبية”.
مشيرًا إلى أن “تخفيض أسعار التذاكر ورسوم الوزن الإضافي للعفش من العوامل المهمة للراكب الإفريقي، إلى جانب تسهيل الحصول على تأشيرات الدخول والترانزيت عبر إثيوبيا بعد القرارات الأخيرة وأخيرًا حسن المعاملة وكرم الضيافة والابتسامة غير المفتعلة من طواقم الخدمة الأرضية والجوية فالراكب الإفريقي يشعر بأنه في بلده عندما يحضر لإثيوبيا زائرًا أو عابرًا”.
ولكن لا بد من مطار جديد كليًا
يعتقد مستشار الطيران زهير يونس أن إثيوبيا تسير على الخط الصحيح بمواكبة أحدث التقنيات في السفر وزيادة مواعين الطيران بأحدث الطائرات حجمًا ونوعًا، لكنه يؤكد أنها بحاجة ماسّة إلى مطار جديد بديل عن مطار بولي الحاليّ، لافتًا إلى أن الزيادة الكبيرة التي حلّت على أسطول الناقل الوطني مع زيادة عدد الشركات الخاصة الناقلة المحلية التي وصل عددها إلى 30 شركة نقل خاصة وشركات النقل الجوي الأجنبية لم يواكبها توسُّع في مساحة المطار الذي ظلّ على حاله منذ العام 1964 وبالتالي لم يتم استيعاب تصاعد عدد الركاب القادمين والعابرين.
نجاح إثيوبيا وخطوط طيرانها في انتزاع لقب أكبر مسيّر للرحلات إلى إفريقيا من إمارة دبي، بعد أيام قليلة من إعلان شركة طيران الإمارات تراجع أرباحها بمعدل 86% من العام الماضي بالتوازي مع النمو المتواصل للخطوط الجوية الإثيوبية سيلقي بظلالٍ على العلاقات الوطيدة التي جمعت بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد
وزاد يونس في حديثه لـ”نون بوست”: “من العوامل المهمة التي يجب أن توضع في الحسبان للمطار الجديد أن يستوعب قسم العفش الجوي Air Cargo Section وهذا القسم يمكن أن يحقق دخلًا كبيرًا للشركة، كذلك قسم خدمات وجبات الركاب catering المعني بتجهيز خدمة تحضير وجبات الركاب للناقل الوطني، فضلًا عن القسم الذي يمثل العمود الفقري للناقلة وهو قسم صيانة الطائرات والمعدات الأرضية، فلكي تتوفر الخدمة المناسبة والمريحة والجاذبة للراكب في مساحات مناسبة ومريحة ومنضبطة ودون شد أعصاب أو طول انتظار فلا بد من تطوير كل تلك الاقسام بالتساوي والتوازي في موقع متكامل يسع كل تلك الخدمات في مكان واحد وهو مطار جديد بمواصفات جديدة وحديثة”.
الإمارات ستقلق من نجاحات إثيوبيا وآبي أحمد يستأنف اتصالاته مع قطر
انتهت الإفادات المهمة التي أدلى بها مستشار خدمات الطيران زهير يونس الذي جزم بعدم وجود جدوى للتوسعة الذي تجريها السلطات لمطار بولي الحاليّ بإضافة مبنى الركاب 3، وبالفعل تسعى إثيوبيا إلى بناء مطار جديد مقترح في مدينة بيشوفتو “دبرزيت” على بعد 27 كيلومترًا من العاصمة، ولكن ربما تواجه الحكومة الإثيوبية مشكلة تمويل للمطار الجديد بالنظر إلى المشروعات الكبرى التي تبنيها ومنها سد النهضة الذي واجه تعثرات أدت إلى تأخر إكماله، ويرى كثير من المواطنين الإثيوبيين أن الحكومة لم تكن موفقة عندما شرعت في بناء إستاد كرة القدم الضخم في أديس أبابا الذي يقع على مقربة من المطار الحاليّ، فهؤلاء يرون أن الأموال التي تم إنفاقها في تشييد الإستاد كانت كافية تمامًا لبناء مطار جديد أو توسعة الحاليّ على أقل تقدير.
أخيرًا، نجاح إثيوبيا وخطوط طيرانها في انتزاع لقب أكبر مسيّر للرحلات إلى إفريقيا من إمارة دبي، بعد أيام قليلة من إعلان شركة طيران الإمارات عن تراجع أرباحها بمعدل 86% من العام الماضي بالتوازي مع النمو المتواصل للخطوط الجوية الإثيوبية، مؤكد أنه سيلقي بظلالٍ على العلاقات الوطيدة التي جمعت بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
فالأخير ربما يقلق من النمو المتصاعد للنمر الإفريقي القادم بقوة على حساب مكانة الإمارات التي أخذت تفقد بريقها تدريجيًا، ومن الراجح أن تتجه إثيوبيا إلى توسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول أخرى في المنطقة ولعل اتصال آبي أحمد مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد مساء الخميس الماضي خير دليل على هذا الاتجاه حيث بحث الزعيمان العلاقات بين البلدين وتعزيز الشراكة والاستثمارات القطرية في إثيوبيا، بحسب وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية.