أكثر من أربعة أشهر مضت على سيطرة النظام السوري والميليشيات التابعة له على محافظة درعا جنوب البلاد، خلال اتفاق أبرم بين النظام وفصائل كانوا محسوبين على المعارضة السورية المسلحة، وذلك برعاية روسية وضوء أخضر أمريكي يشرع للنظام السيطرة على المنطقة.
وعلى الرغم من سيطرة النظام على محافظة درعا، فإنها شهدت في الأسابيع القليلة الماضية تطورات جديدة من ناحية انتهاكات قوات النظام للاتفاق والقيام بانتهاكات بحق مدنيين، ومن ناحية ثانية تشكيل المقاومة الشعبية التي تعمل على رد خروقات النظام للاتفاق حسب تعبير القائمين عليها، هذه التطورات جعلت مخاوف النظام تزداد نظرًا للخرق الكبير في صفوف قواته التي تخللها فصائل المصالحات.
النظام ينشر حواجز مكثفة في درعا لاعتقال الشبان وسوقهم للخدمة الاحتياطية
انتهاكات النظام لاتفاق “التجنيد الإجباري”
نشرت قوات النظام أمس الأحد 2 من ديسمبر/كانون الأول حواجز مكثفة بين القرى والبلدات في محافظة درعا، لاعتقال الشبان لسوقهم إلى الخدمة الاحتياطية في صفوفه، في محاولة منه لمنع الشبان من التهرب من الخدمة الإلزامية وفي حال تهرب أحدهم يكون معرضًا للاعتقال والسجن، بينما بلغ النظام عبر مخاتير البلدات والقرى وقادة فصائل المصالحات بضرورة التحاق الشبان بصفوف قواته.
ولم تمض أسابيع على سيطرة النظام حتى بدأ بفرض الخدمة الاحتياطية عن طريق شعب التجنيد التابعة له في المحافظة، على الرغم من أن الاتفاق الذي رعته روسيا يضمن لشبان المنطقة مدة ستة أشهر للالتحاق بالخدمة الإلزامية، ولكن النظام بدأها فور سيطرته على المحافظة.
وفي السياق أرسلت شعب التجنيد التابعة للنظام في محافظة درعا تبليغات لآلاف الشبان للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، حيث شملت التبليغات كل القرى والبلدات التي سيطر عليها النظام مؤخرًا.
وقال تجمع أحرار حوران من مصدر وصفه بالأهلي: “مخفر الشيخ مسيكن بريف درعا الأوسط استلم أمس الجمعة 23 من نوفمبر/تشرين الثاني قائمة تحوي 1800 اسم مطلوبين للاحتياط والخدمة العسكرية في المدينة، ويتوجب عليهم على الفور مراجعة شعبة التجنيد للالتحاق المباشر بالخدمة، كما تم التهديد بالملاحقة من الأفرع الأمنية في حال المماطلة في الاستجابة للبلاغ”.
أدى الاشتباك لإغلاق الطرق الرئيسية في المنطقة، التي تصل بمدينة درعا، كما درات اشتباكات بين هؤلاء العناصر وقوات الفرقة الرابعة في حي الضاحية في المدينة ذاتها
وأضاف المصدر أن قائمة جديدة تحوي 200 مطلوب للخدمة العسكرية من بلدة خربة غزالة سُلمت قبل عدة أيام إلى مخفر البلدة، في حين وصلت قائمة لبلدة أم ولد بمطلوبين للخدمة الاحتياطية من مواليد 1986 وما دون، كما وصلت مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني قوائم إلى شعبة التجنيد في بلدة الصنمين تضم أكثر من 1000 اسم، لإبلاغهم بوجوب الالتحاق بالخدمة الاحتياطية.
ومن جانب آخر أبلغت الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام عناصر فصائل المصالحات المنضوية تحتها مؤخرًا، الاستعداد للخروج إلى الشمال السوري، للمشاركة في قتال فصائل المعارضة المسلحة، وعلى إثرها رفضت فصائل المصالحات الطلب المقدم من قيادة الفرقة وشكلت عصيانًا، مما أدى لاندلاع اشتباكات مسلحة في بلدة اليادودة غربي درعا.
وأدى الاشتباك لإغلاق الطرق الرئيسية في المنطقة، التي تصل بمدينة درعا، كما درات اشتباكات بين هؤلاء العناصر وقوات الفرقة الرابعة في حي الضاحية في المدينة ذاتها، وخلال ساعات من الاشتباك أجبرت قيادة الفرقة الرابعة على تلبية مطالب العناصر، وكانت قيادة الفرقة الرابعة توعّدت خلال الاتفاق بعدم خروج العناصر من مناطقهم، لكن سرعان ما نقضت قيادة الفرقة الاتفاق وزجت بالعديد من عناصر المصالحات على جبهات بادية السويداء الشرقية وجبهات الشمال السوري.
اعتقالات تعسفية تطال مدنيين وعناصر من فصائل المصالحات
النظام يعتقل المدنيين والعسكريين في درعا
يومًا بعد يوم تزداد حدة التوتر في درعا، نتيجة الاعتقالات التعسفية التي يقوم بها النظام وميليشياته بحق مدنيي المحافظة، وعلى الرغم من استلام كل المقيمين في درعا بطاقة تسوية من النظام، فإنهم معرضون للخطف والاعتقال وربما الاغتيال للتخلص منهم.
عمليات الاعتقال التي قامت بها قوات النظام وأجهزته الأمنية طالت المدنيين والعسكريين على الرغم من استلامهم ورقة تسوية، فقد استطاع ناشطون توثيق أكثر من 42 حالة اعتقال قامت بها قوات النظام ضد عناصر محسوبين على فصائل المصالحات، أو كانوا سابقًا في صفوف قوات المعارضة المسلحة، إذ لم تشفع لهم ورقة التسوية ولا حتى مشاركتهم في القتال إلى جانب قواته.
وتأتي حملات الاعتقال بذريعة جديدة وقانونية بحسب تعبير النظام، إذ يطلب النظام من الموالين له تقديم ادعاءات في المحاكم القضائية بحق عناصر المعارضة السابقين، لتشريع اعتقالهم، وذلك بعد استدعائهم إلى المحكمة، وبهذه الحجة اعتقل النظام العشرات منهم.
وقامت قوات النظام الخميس 29 من نوفمبر/تشرين الثاني باعتقال زياد التركماني من منزله في بلدة السهوة، علمًا أنّه مدني ويحمل بطاقة تسوية، كما اعتقلت يوم الثلاثاء 27 من نوفمبر/تشرين الثاني، كلًا من ياسر إسماعيل ذيب المسالمة من مدينة درعا، ووائل يوسف العيد من بلدة تسيل، وأديب أحمد العطا من مدينة إنخل، ومعتصم محمود الحشيش من بلدة زيزون، إضافة إلى سيدة أخرى.
ردت المقاومة الشعبية المشكلة مؤخرًا في درعا على خروقات النظام للاتفاق الأخير في الجنوب السوري، حيث تعرض الحاجز الرباعي التابع للنظام السوري الثلاثاء 27 من نوفمبر/تشرين الثاني، في بلدة المسيفرة شرقي درعا لهجوم عسكري
وفي ذات السياق اعتقلت قوات النظام 70 مدنيًا خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بحسب مكتب التوثيق في درعا، بينما اعتقلت قوات النظام في الأشهر الماضية أكثر من 50 شخصًا لا يزال مصيرهم مجهولاً، وقد سجل الشهر المنصرم ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المعتقلين مقارنة مع الأشهر السابقة، بينما ارتفعت حدة الغضب الشعبي في المنطقة بالآونة الأخيرة.
بعد إعلان تشكيلها.. المقاومة الشعبية ترد على خروقات النظام
ردت المقاومة الشعبية المشكلة مؤخرًا في درعا على خروقات النظام للاتفاق الأخير في الجنوب السوري، حيث تعرض الحاجز الرباعي التابع للنظام السوري الثلاثاء 27 من نوفمبر/تشرين الثاني، في بلدة المسيفرة شرقي درعا لهجوم عسكري، وفق مصادر ميدانية، وأكدت المصادر أن مجهولين هاجموا الحاجز دون ورود معلومات عن أعداد القتلى في صفوف قوات النظام، إلا أنها عززت من وجودها الأمني في المحافظة.
وفي السياق نفذت المقاومة الشعبية، الأحد 25 من نوفمبر/تشرين الثاني عملية عسكرية ضد قوات النظام في مدينة الصنمين شمالي درعا، حيث أعلنت المقاومة الشعبية عبر صفحتها في فيسبوك مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف حاجزًا عسكريًا لقوات النظام في المدينة إضافة لاستهداف فرع الأمن الجنائي بقذائف “الأربي جي” والقنابل اليدوية، مما أدى إلى سقوط قتيلين على الأقل وإصابة آخرين في صفوف قوات النظام.
كما شهد الشهر المنصرم العديد من العمليات العسكرية ضد قوات النظام داخل محافظة درعا نفذتها المقاومة الشعبية، وأسفرت عن مقتل العشرات من قوات النظام وميليشياته، فيما شنت الجمعة 23 من نوفمبر/تشرين الثاني، هجومًا مباغتًا على أطراف مدينة جاسم مما أسفر عن مقتل كل من الملازم منهل سليمان شاش من قرية رأس الكتان بطرطوس والعنصر حامد سليمان شدود من مصياف.
تعيش قوات النظام وميليشياته في الجنوب السوري حالة من الاستنفار الأمني نظرًا للمخاوف التي سببتها لهم المقاومة الشعبية، عبر تنفيذ عملياتها كخلايا نائمة لا يمكن كشفها
وصعدت المقاومة الشعبية عملياتها في الآونة الأخيرة نتيجة تصعيد النظام ضد أهالي المدينة وخرقه للاتفاق باعتقال الشبان والعسكريين الذي أجروا التسوية، وتضم المقاومة الشعبية عناصر سابقة في قوات المعارضة وآخرين مطلوبين للخدمة العسكرية.
وتشكلت المقاومة الشعبية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، حيث قالت في بيان لها: “الهدف من تشكيلها ردع كل من تسول له نفسه أن يعتدي على أراضي الجنوب التي صبغت بالدم في كل مناطقها وإننا لن نخون الدماء التي سالت ولا الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ليعيش الجنوب حرًا”.
وأضافت: “هذه العمليات كتنبيه وتحذير لهؤلاء الخونة والقتلة والمجرمين، ولكن بعد جرائم النظام الأسدي بحق الجنوب وأهله فإن المقاومة الشعبية التي ما زالت تمتلك السلاح والإيمان بالنصر والثبات على المبادئ والقيم الأصيلة ستطلق أذرعتها المنتشرة في كامل الجنوب لتكون نارًا تحرق كل من يحاول المساس بكرامة أهلها وشعبها”.
وتعيش قوات النظام وميليشياته في الجنوب السوري حالة من الاستنفار الامني نظرًا للمخاوف التي سببتها لهم المقاومة الشعبية، عبر تنفيذ عملياتها كخلايا نائمة لا يمكن كشفها.
الأحداث الأخيرة في درعا.. هل تعيد روح الثورة من جديد؟
تطورات درعا.. هل تعيد للثورة رمزها؟
تعتبر محافظة درعا جنوب سوريا رمزًا من رموز الثورة لأنها الشرارة الأولى التي صدحت بالحرية ولكرامة، لكن التدخلات الخارجية خلال السنوات الأخيرة جعلتها محطة المصالح الدولية، وذلك بتخلي واشنطن عن فصائل المقاومة بعد انتهاء خفض التصعيد، ومحاولة روسيا حليفة النظام لاستعادتها كلها، التي أنهت وجود المعارضة المسلحة جنوبًا باتفاق التسوية.
“يسقط النظام” عبارات كتبها مجهولون على جدران درعا مجددًا
ولكن بعد سيطرة النظام وميليشياته على المنطقة لم تهدأ الفوضى الأمنية على الإطلاق، وذلك نظرًا لاختلاف الميليشيات التي تعمل لصالح النظام ولأجندات دولية ومن أهمها شيعية إيرانية ولبنانية، ولعل الأحداث الأخيرة والتطورات الميدانية في المنطقة تعيد لها روح الثورة من جديد وذلك لاستياء الأهالي من ممارسات النظام وميليشياته.
عبارات كتبها مجهولون في مدينة الصنمين
بينما نشر ناشطون صورًا تظهر عبارات كتبت على الجدران تطالب بإسقاط النظام، الأمر الذي بدأ يهدد ميليشيا النظام في عدم قدرتها على السيطرة على المنطقة، ومن جانب آخر فقد توعد جميل الحسن رئيس فرع الاستخبارات الجوية التابعة للنظام، وجهاء محافظة درعا على خلفية زيارة له للمحافظة، حيث طلب منهم نسيان أبنائهم الذين اعتقلتهم أجهزة النظام الأمنية قبل عام 2014، وذلك يؤكد تورط النظام بمقتلهم داخل أقبيته.
فيما هدد الحسن بلدتي ناحتة وبصر الحرير، لأنهم قتلوا أكثر من 200 عنصر تابع للاستخبارات الجوية السورية في وقت سابق، في قوله: “أنا عربي والعربي لا ينسى الثأر”، وهذه التهديدات ليست غريبة على مسؤولي النظام، فقد سبقه في ذلك عاطف نجيب الذي توعد أبناء المحافظة مما أدى إلى تظاهر المئات ضد النظام التي كانت بذرة انتفاضة الثورة السورية، وتبدو الأحداث الأخيرة في درعا تنذر بفترة جديدة، تنقلب على الأسد الذي بدأ بفرض قوانينه ومصادرة أملاك المعارضين له في أرجاء المحافظة كافة، مما أدى إلى احتقان شعبي بين أوساط الأهالي، فهل سيعود رمز الثورة من جديد؟