في الـ3 من ديسمبر/كانون الأول من كل عام يحتفل العالم باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3/47، هذا الاحتفال الذي يهدف إلى تعزيز حقوق هؤلاء الأشخاص في جميع المجالات الاجتماعية والتنموية، ولإذكاء الوعي بواقعهم في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ورغم الجهود المبذولة لخدمة ذوي الإعاقة على مستوى العالم منذ تخصيص يوم دولي لهم عام 1992 غير أن الأرقام والإحصاءات بشأن معدلات تزايدهم تكشف النقاب عن حجم الأزمة وضرورة التصدي لها بعدما بلغت نسبتهم 15% من إجمالي سكان الكرة الأرضية.
عربيًا.. تتفاقم معاناتهم بصورة كبيرة إثر صعوبة إدماجهم في المجتمع في ظل تقاعس العديد من الحكومات عن القيام بدورها في هذا الشأن، هذا بخلاف النظرة غير السوية التي يعاني منها المصابون في كثير من المجتمعات العربية، وهو ما يعمق أزمتهم ويضعها تحت مجهر العناية والاهتمام.
15% من سكان العالم
واحد من بين كل سبعة أشخاص لديه شكل من أشكال الإعاقة، إذ يبلغ عدد المصابين بالإعاقة قرابة مليار شخص من بين 7 مليارات نسمة هم إجمالي سكان العالم، بينهم أكثر من 100 مليون طفل، فيما يعيش ما يزيد على 80% من عدد المصابين في الدول النامية، 50% منهم لا يستطيعون تحمل تكاليف رعايتهم الصحية.
تشير التعريفات الواردة في أدلة الأمم المتحدة إلى أن الإعاقة عبارة عن “حالة أو وظيفة يحكم عليها بأنها أقل قدرة قياسًا بالمعيار المستخدم لقياس مثيلاتها في نفس المجموعة” ويستخدم هذا المصطلح في معظم حالاته على الأداء الفردي، بما في ذلك العجز البدني والعجز الحسي وضعف الإدراك والقصور الفكري والمرض العقلي وأنواع عديدة من الأمراض المزمنة، ويصف بعض الأشخاض ذوي الإعاقة هذا المصطلح باعتباره مرتبطًا بالنموذج الطبي للإعاقة.
تتصدر مصر قائمة الدول العربية الأكثر عددًا في معدلات ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ يقدر عددهم بنحو 12 مليون مصري
التعريف يشير إلى أن المصابين بالإعاقة أقلّ حظًا من غيرهم فيما يخص الحالة الصحية والإنجازات التعليمية والفرص الاقتصادية، كما أنّهم أكثر فقرًا مقارنة بغيرهم، مرجعًا ذلك لعدد من الأسباب على رأسها نقص الخدمات المتاحة لهم والعقبات الكثيرة التي يواجهونها في حياتهم اليومية، سواء كانت ناتجة عن قوانين وسياسات أم تصرفات اجتماعية وعنصرية.
التقارير تشير كذلك إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر عرضة من غيرهم لأعمال العنف، إذ يتعرض الأطفال المعاقين إلى أربعة أضعاف العنف الذي يتعرض له غيرهم من غير المصابين بأي من أشكال الإعاقة، فيما يتعرض البالغين إلى ضعف ونصف مقارنة بغيرهم من غير المعاقين.
أما البالغون المصابون بحالات صحية عقلية فيتعرضون لأربعة أضعاف العنف الذي يتعرض له غيرهم، وترجع هذه الظاهرة إلى عدة عوامل منها التمييز والجهل بالإعاقة، فضلاً عن الافتقار إلى الدعم الاجتماعي لمن يقومون برعاية هؤلاء الأشخاص، وهو ما يساهم في تفاقم الأزمة.
مليار شخص حول العالم يعاني من واحدة من صور الإعاقة
الشمول والمساواة
حددت الأمم المتحدة موضوع هذا العام تحت عنوان “تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان الشمول والمساواة” بوصف هذا التمكين جزءًا أصيلاً من خطة التنمية المستدامة 2030 التي وضعت ضمن محاورها معيارًا مهمًا ومحددًا يتمثل في “ألا يُخلّف أحد عن الركب”.
وفق هذه الخطة يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة بوصفهم مستفيدين ومؤثرين في المجتمع الإسراع لتحقيق تنمية شاملة لا سيما في القطاعات التي من الممكن الإجادة فيها وتأتي في سياقات العمل الإنساني والتنمية الحضرية، مع حث الحكومات على العمل بروح الفريق الواحد لتحقيق الأهداف المنشودة.
التجارب السابقة كشفت أن المجتمع بأكلمه المستفيد الأكبر عند إزالة العوائق التي تحول دون تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من المشاركة في الحياة العامة، وعليه فإن أي عائق يتم وضعه، سواء كان من الحكومات عبر القوانين والسياسيات أم من الأفراد والكيانات عبر التمييز والنظرة غير السوية، ستضر بالمجتمع برمته، ويدفع وحده ثمنها الذي قد ينعكس على مسيرة التقديم والتنمية الشاملة فيه.
تصل نسبة المعاقين في السعودية 7% من إجمالي عدد السكان بتعداد قدره 1.5 مليون مواطن، هذا بخلاف حجم المعاناة التي يواجهونا بصورة يومية
جدير بالذكر أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تقر بأن وجود الحواجز مكون أساسي للعجز، “وإذ تدرك أن الإعاقة تشكِّل مفهومًا لا يزال قيد التطور وأن الإعاقة تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص المصابين بعاهة، والحواجز في المواقف والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم مشاركة كاملة فعالة في مجتمعهم على قدم المساواة مع الآخرين”.
المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، سابقًا، مارغريت تشان، في رسالة لها بمناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة أكدت أن “الإعاقة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، فكل واحد منا يعاني، أو سوف يعاني، من الإعاقة بدرجة أو بأخرى في حياته”، لافتة إلى ضرورة التذكير بوضع الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم، مضيفة: “من المهم في المقام الأول أن نقاوم إغراء استعمال كلمتي “نحن” و”هم”.
40 مليون معاق عربي
التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من 40 مليون عربي مصاب بشكل ما من أشكال الإعاقة، أكثر من نصفهم من الأطفال والمراهقين، وتصل نسبة الإصابة في بعض البلدان لمعدلات قياسية أعلى من المعدلات العالمية بكثير، وذلك بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.
ذات التقديرات وغيرها كشفت أنه ورغم الجهود المبذولة عربيًا لرعاية المعاقين، فإن أغلبها يقتصر على إدماجهم في التعليم دون تدشين منظومة تشريعية تضمن له حقوقه التي كفلتها المواثيق والاتفاقيات الدولية، وهو ما يعزز من عزلة هذه الفئة مجتمعيًا وتهميشها بصورة تزيد من تفاقم ما تعانيه.
تتصدر مصر قائمة الدول العربية الأكثر عددًا في معدلات ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ يقدر عددهم بنحو 12 مليون مصري حسب تقديرات أممية، تفنيدًا للأرقام المصرية التي تذهب إلى أن العدد الحقيقي يتراوح بين 3 إلى 4 ملايين معاق.
تعاني هذه الشريحة من مشاكل كبيرة، إما لغياب الإطار التشريعي أو الرقابي، فرغم إقرار اللائحة التي تحدد على سبيل المثال نسبة 5% من التعيينات في الأجهزة الحكومية للمعاقين، فإن النسبة العظمى لا تلتزم بها، وهو ما يزيد من معدلات البطالة بينهم، هذا في الوقت الذي يعانون فيه من مشاكل التعليم والصحة وممارسة حقوقهم السياسية والاندماج في المجتمع بصورة كريمة.
أما في لبنان فبحسب التقرير الأخير الذي صدر عن البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية فإن ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون نسبة 15% من سكان لبنان، ورغم مضى 13 عامًا على صدور القانون 220/2000 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة في لبنان فإن معظم بنوده لم تطبق بعد وهو ما يهدد حياة هذه الفئة.
فيما يتجاوز عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب حاجز الـ2.2 مليون مواطن، ما يمثل 6.8% من إجمالي عدد السكان، ما يعني أن أسرة واحدة من بين كل 4 أسر معنية بالإعاقة، وفقًا للنتائج التي أوردتها وزارة الصحة المغربية لبحث وطني عن الإعاقة في المملكة تم إجراؤه مؤخرًا.
البحث كشف حجم المعاناة التي تواجهها تلك الفئة، سواء فيما يتلعق بحظوظ التعليم وفرص العمل، هذا بخلاف ما يتعرضون له من تهميش في شتى المجالات من المجتمع المغربي.
وقفات لذوي الاحتياجات الخاصة في مصر للمطالبة بحقوقهم
فلسطينيًا.. هناك ما يقرب من 400 ألف شخص من ذوي الإعاقة، أكثر من نصفهم في سن العمل، وتصل نسبة ذوي الإعاقة إلى %24 من أبناء المجتمع العربيّ، مقابل %21 في المجتمع اليهوديّ، فيما تصل نسبة ذوي الإعاقة الصعبة إلى %15 في المجتمع العربيّ مقابل %9 في المجتمع اليهوديّ.
التقارير ترصد حجم معاناة ذوي الإعاقة داخل المجتمع الفلسطيني، فعلى سبيل المثال فإن متوسط الدخل الشهري للأشخاص الذين يعانون من أي من صور الإعاقة أقل بكثير من متوسط الدخل العام؛ فيما يتعذر على قرابة %60 منهم تحمل تكاليف حياتهم الشهرية، بينما يشعر 30% منهم بالوحدة وافتقارهم للأصدقاء والفشل في الاندماج بالمجتمع.
كما تصل نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية 7% من إجمالي عدد السكان بتعداد قدره 1.5مليون مواطن، هذا بخلاف حجم المعاناة التي يواجهونا بصورة يومية، جراء عدد من العوامل على رأسها عدم تفعيل الأنظمة الحقوقية والقوانين وتطبيقها على أرض الواقع كحق العمل، إضافة إلى قلة المراكز الإرشادية الحكومية والخاصة التي تساعد الأسرة نفسها على تقبل وجود معاق فيها وهو ما يزيد من تفاقم المعاناة.
علاوة على التشخيص والعلاج اللذين يعدان من أهم الصعوبات، حيث تفتقد الأسرة إلى مراكز متخصصة في تشخيص الإعاقات ومقاييسها وعلاجها وبالأخص الإعاقات الغامضة مثل التوحد الذي تصل نسبة الإصابة به في المملكة إلى 1 لكل 77 طفلاً، بجانب الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسرة التي بها أحد المعاقين في مقدمتها نظرة العائلة والأقارب والمجتمع، والتكاليف الباهظة للعلاج ونقص أماكن الترفيه المخصصة لهم.