ترجمة وتحرير: نون بوست
لعبت وكالة مقرها في طهران دورا كبيرا في تغذية الدعايات بالاعتماد على ما لا يقل عن 70 موقعا إلكترونيا، في بلدان عديدة منها أفغانستان وروسيا. وقد ساهمت شركات أمريكية في هذا الأمر.
يقول الموقع الإلكتروني نايل نت أونلاين أنه يعد المصريين بأخبار حقيقية من مكتبه في قلب ميدان التحرير في القاهرة، من أجل توسيع أفق حرية التعبير في العالم العربي.
آراء هذا الموقع لا تنسجم مع ما تروجه وسائل الإعلام الحكومية في مصر، التي تحتفي بالعلاقات الجيدة التي تربط دونالد ترامب بالقاهرة. وفي إحدى مقالاته مؤخرا، سخر موقع نايل نت اونلاين من الرئيس الأمريكي ووصفه بأنه ممثل مسرحي رديء قام بتحويل أمريكا إلى أضحوكة، وذلك بعد أن أقدم ترمب على مهاجمة إيران في خطاب له في الأمم المتحدة.
وإلى حد وقت قريب، كان موقع نايل نت أونلاين يحظى بمتابعة أكثر من 115 ألف شخص في فيسبوك وتويتر وانستغرام. إلا أن أرقام الهاتف المتاحة للإتصال به، ومن بينها الرقم 0123456789، كلها خارج الخدمة. كما أن خارطة منشورة في صفحته على فيسبوك لإظهار موقع مكتبه، تقود إلى نقطة في وسط الشارع ولا تؤدي إلى أي مبنى. ويؤكد الأشخاص العارفون بميدان التحرير، ومن بينهم شرطي وآخر صاحب كشك، أنهم لم يسمعوا أبدا بهذا الموقع.
والسبب وراء هذا: هو أن نايل نت أونلاين هو في الواقع جزء من عملية دعائية تدار من طهران.
وهو واحد من أكثر من 70 موقعا إلكترونيا توصلت وكالة رويترز إلى أنها تقوم بنشر الدعايات الإيرانية في 15 بلدا، في عملية بدأ خبراء الأمن السيبراني، وشركات التواصل الاجتماعي والصحفيون، يكتشفون تفاصيلها للتو. هذه المواقع التي اكتشفتها وكالة رويترز يزورها أكثر من نصف مليون شخص شهريا، ويتم الترويج لها في حسابات تواصل اجتماعي تحظى بمتابعة أكثر من مليون شخص.
قال جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، حول الحملة الإيرانية: “إن الإيرانيين لديهم مهارات متطورة في المجال السيبراني. وهنالك عناصر من أجهزة المخابرات الإيرانية قادرة على تنفيذ مهام في شبكة الإنترنت.”
هذه المواقع تكشف قيام الأطراف السياسية في أنحاء العالم بالترويج للمعلومات الخاطئة أو المشوهة على شبكة الإنترنت، من أجل التأثير على الرأي العام. وتأتي هذه الاكتشافات إثر ورود اتهامات في وقت سابق بأن روسيا أيضا نفذت حملات تضليل أثرت على الناخبين في الولايات المتحدة وأوروبا. كما أن مستشارين لولي العهد السعودي، وجيش ميانمار، هم أيضا يدخلون ضمن قائمة من يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لنشر البروباغاندا ومهاجمة خصومهم. وقد نفت موسكو هذه الاتهامات فيما امتنعت الرياض وميانمار عن التعليق.
وكان جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، قد أخبر رويتر بأن “بلدان عديدة حول العالم تستخدم الآن هذا النوع من تكتيكات الحرب الإعلامية.”
وقال برينان حول الحملة الإيرانية: “إن الإيرانيين لديهم مهارات متطورة في المجال السيبراني. وهنالك عناصر من أجهزة المخابرات الإيرانية قادرة على تنفيذ مهام في شبكة الإنترنت.”
وقد تم إجراء عملية تعقب نشاط هذه المواقع، على يد شركتي الأمن السيبراني فاير آي وكلير سكاي، ليتبين أنها تنشط على فترات مختلفة منذ العام 2012. هذه المواقع تبدو مثل كل المنصات الإعلامية والإخبارية العادية، واثنين منها فقط تكشف عن ارتباطها مع إيران.
ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت الحكومة الإيرانية هي التي تقف وراء هذه المواقع، كما أن المسؤولين الإيرانيين في طهران ولندن لم يجيبوا عن تساؤلاتنا.
إلا أن كل هذه المواقع مرتبطة بإيران بواحدة من طريقتين: فبعضها يتضمن قصصا إخبارية ومقاطع فيديو ورسوم كرتونية زودتها بها وكالة إلكترونية تسمى الاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي (آي.يو.في.إم)، التي يقول على موقعها الرسمي إن مقرها يقع في طهران. أما النوع الثاني من الارتباط فهو أن بعض المواقع لديها بيانات تسجيل على شبكة الإنترنت تماثل بيانات هذه الوكالة، مثل العناوين وأرقام الهواتف. كما أن 21 من هذه المواقع ترتبط بإيران بكلتا الطريقتين.
أكثر من 70 موقع عثرت عليهم رويترز، تتكفل بنشر الدعايات الإيرانية في 15 بلدا، محتوى هذه المواقع يأتي من الاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي الذي يقول إن مقره الرئيسي يقع في طهران
ويشار إلى أن الرسائل الإلكترونية الموجهة إلى وكالة الاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي لم تصل إلى وجهتها، ما يعني أن العناوين غير متوفرة.كما أن أرقام الهاتف التي تعرضها الوكالة في بيانات تسجيلها في الموقع الرسمي هي في الواقع خارج الخدمة.
وتشير الوثائق المتوفرة في الموقع الرئيسي للاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي إلى أن أهدافه تتضمن “مواجهة الغطرسة والحكومات الغربية وواجهات الأنشطة الصهيونية”.
كما لم يقم موقع نايل نت أونلاين بالرد على الأسئلة الموجهة له عبر العنوان الإلكتروني الوارد في موقعه. ولم يتم تحديد مواقع العاملين في هذا الموقع، وباقي المواقع التي رصدتها رويترز. كما تعذر الوصول إلى الملاك السابقين المشار إليهم في سجلات تاريخ الموقع. وامتنعت الحكومة المصرية عن الاستجابة لطلبنا بالتعليق عن هذا الأمر.
دعاية طهران
أكثر من 70 موقع عثرت عليهم رويترز، تتكفل بنشر الدعايات الإيرانية في 15 بلدا. محتوى هذه المواقع يأتي من الاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي الذي يقول إن مقره الرئيسي يقع في طهران.
الحقيقة المسكوت عنها
بعض هذه المواقع التي يديرها الإيرانيون تم فضحها للمرة الأولى في أغسطس/ آب الماضي، على يد شركات من بينها فيسبوك، تويتر، وألفابت (الشركة الأم لجوجل)، بعد أن رصدتها شركة فاير آي. وقد قامت شركات التواصل الاجتماعي المذكورة بغلق المئات من الحسابات التي تروج لهذه المواقع أو تنشر الرسائل الإيرانية. وقد أعلن فيسبوك في الشهر الماضي أنه أغلق أيضا 82 صفحة ومجموعة وحسابا، مرتبطة بالحملة الإيرانية، بعد أن تمكنت مجتمعة من جذب أكثر واحد مليون متابع في الولايات المتحدة وبريطانيا.
بعض هذه المواقع يمكن رؤية هوية وموقع المالكين السابقين لها، من خلال سجلات تاريخ تسجيلها على الإنترنت
إلا أن المواقع التي اكتشفتها وكالة رويترز تعمل على نطاق أوسع بكثير. فهي يتم النشر فيها باعتماد 16 لغة مختلفة، من الأذربيجانية إلى الأردية، وهي تستهدف مستخدمي الإنترنت في الدول أقل تقدما. وقد وصل مداها إلى القراء في المجتمعات التي تخضع لرقابة صارمة، مثل مصر التي قامت يحظر المئات من المواقع الإخبارية منذ 2017، وهو ما يشير إلى قدرة هذه الحملة على الإنتشار.
وتتضمن هذه المواقع الإيرانية:
-موقع إخباري يسمى أناذر وسترن دون (فجر غربي آخر)، وهو يقول إن تركيزه ينصب على نقل الحقيقة المسكوت عنها. وقد تمكن هذا الموقع من خداع وزير الدفاع الباكستاني وجعله يوجه تهديدا نوويا ضد “إسرائيل”.
-عشر منصات تستهدف القراء في اليمن، أين تخوض إيران صراعا بالوكالة ضد السعودية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وذلك منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2015.
– منصة إعلامية تقدم أخبارا يومية ورسوما كرتونية ساخرة في السودان. ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى أي من العاملين في هذا الموقع.
-موقع يسمى ريالني نوفوستي (الأخبار الحقيقية)، موجه للقراء الروس. وهو يعرض أيضا تطبيقا للهاتف الجوال يمكن تنزيله، ولكن لم يكن ممكنا تعقب مديري هذا الموقع.
ويشار إلى أن الأخبار الواردة في هذه المواقع ليست كلها زائفة. حيث توجد فيها بعض القصص الإخبارية الحقيقية، إلى جانب الرسوم الكرتونية المقرصنة وخطابات للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. هذه المواقع تدعم الحكومة الإيرانية بكل وضوح، وتعمد لتضخيم حالة العداء ضد البلدان المعادية لإيران، وبشكل خاص “إسرائيل” والسعودية والولايات المتحدة. ويلاحظ أن المقال الذي تحدث حول تحويل ترامب بلاده إلى أضحوكة، الذي نشره موقع نايل نت، هو في الواقع منسوخ من مقال ورد في شبكة تلفزيونية حكومية إيرانية، تم نشره في وقت سابق من نفس اليوم.
أكثر من 50 من هذه المواقع تعتمد على مزودي خدمة إنترنت من الولايات المتحدة، على غرار كلاودفلير وأونلاين أن أي سي
بعض هذه المواقع يغلب عليها التسرع. وأحدها يسمي نفسه وكالة الصحافة اليمنية، مع وجود خطأ لغوي في كتابة اسم الوكالة باللغة الإنجليزية، وهو يعرض “تحديثا متواصلا للجرائم السعودية ضد اليمنيين خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية”، بحسب تعبيره. وقد تم توجيه رسائل إلكترونية إلى العنوان المشار إليه في موقع الوكالة، باسم شخص يدعى عرفات شروه، إلا أن الرسالة لم تصل لأن العنوان ليس متاحا.
كما أن عنوان ورقم هاتف هذه الوكالة قادنا إلى فندق في العاصمة اليمنية صنعاء، قال الموظفون العاملون فيه إنهم لم يسمعوا أبدا عن شخص يدعى عرفات شروه.
وبعض هذه المواقع يمكن رؤية هوية وموقع المالكين السابقين لها، من خلال سجلات تاريخ تسجيلها على الإنترنت: حيث أن 17 من أصل 71 موقعا كانت في السابق مقيدة على أنها في إيران أو طهران، أو تضم رقم هاتف أو فاكس إيراني. ولكن المالكين الحاليين لهذه المواقع غالبا ما لا يظهرون، كما أن مشغلي هذه المواقع المرتبطين بإيران لا يمكن الوصول لهم.
وأكثر من 50 من هذه المواقع تعتمد على مزودي خدمة إنترنت من الولايات المتحدة، على غرار كلاودفلير وأونلاين أن أي سي، وهي شركات تقدم لمالكي المواقع الإلكترونية أدوات لحماية أنفسهم من الاختراق والبريد المزعج. وهذه الخدمات تمكن أحيانا من إخفاء مالكي هذه المواقع والأماكن التي تنشط منها. وقد رفضت هذه الشركات الكشف لرويترز عن مشغلي هذه المواقع.
وطبقا للقانون الأمريكي، فإن شركات الاستضافة وخدمات الويب هي بشكل عام ليست مسؤولة قانونيا عن محتوى المواقع التي تقدم لها خدماتها، بحسب ما يقوله إريك غولدمان، مدير معهد قوانين التقنية المتطورة في جامعة سانتا كلارا في كاليفورنيا. ولكن رغم ذلك، فإن العقوبات الأمريكية على إيران “حظرت منذ العام 2014 تصدير أو إعادة تصدير، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات استضافة المواقع سواء المتعلقة بأغراض تجارية أو خدمات تسجيل اسم النطاق.”
ويقول دوغلاس كريمر، المستشار القانوني العام لشركة كلاودفلير: “إن الخدمات التي تقدمها هذه الشركة لا تتضمن خدمات استضافة المواقع. لقد اطلعنا على مختلف أنظمة العقوبات المسلطة على إيران، ونحن واثقون من أننا لم نقم بخرقها.”
رغم أن العملية الإيرانية تبدو أصغر، فإنها أحدثت تأثيرا على عدد من القضايا الساخنة
كما ذكر لنا متحدث باسم شركة أونلاين أن آي سي أن لا أحد من المواقع التي يتعامل معها صرح بارتباطه بإيران في بيانات التسجيل، والشركة ملتزمة بشكل كامل بالعقوبات الأمريكية والحظر التجاري.
ونشير إلى أن مكتب الخزينة الأمريكية لمراقبة الأصول الأجنبية رفض التعليق عما إذا كان يعتزم التحقيق في هذا الأمر.
فجر غربي آخر
بشكل عام يعتبر الكرملين قوة عظمى في حرب المعلومات الحديثة. وانطلاقا من المعلومات التي كشفت لحد الآن، فإن عمليات الدعاية والتأثير الروسية، التي تنفيها موسكو، تفوق العملية الإيرانية بكثير من حيث الحجم. وبحسب إدارة تويتر، يوجد حوالي 4 آلاف حساب مرتبط بالحملة الروسية، نشرت أكثر من 9 ملايين تغريدة بين 2013 و2018، وفي المقابل هنالك حوالي 1 مليون تغريدة، نشرها أقل من ألف حساب يعتقد أنه تتم إدارته في إيران.
ورغم أن العملية الإيرانية تبدو أصغر، فإنها أحدثت تأثيرا على عدد من القضايا الساخنة. وعلى سبيل المثال فإن موقع فجر غربي جديد، الذي يدعي أنه ينقل “الحقيقة المسكوت عنها”، نشر في العام 2016 قصة كاذبة دفعت بوزير الدفاع الباكستاني لإصدار تحذير عبر تويتر من أنه يمتلك الأسلحة لقصف “إسرائيل” بالنووي. ولم يكتشف هذا الوزير أن تلك الكذبة كانت جزء من عملية إيرانية، إلا عند الاتصال به من وكالة رويترز.
هذا السياسي المخدوع، وهو آصف خواجة البالغ من العمر 69 عاما، والذي غادر الحكومة الباكستانية في وقت سابق من هذا العام، علق على تلك الحادثة بالقول: “لقد كانت تجربة تعلمت منها. ولكن يمكن للمرء الآن أن يفهم أن مثل هذه الأشياء قد تحدث بسبب انتشار الأخبار الكاذبة على نطاق واسع. لقد أصبح أي شخص قادر على القيام بهذا الأمر، وهذا خطير.” ويشار إلى أن المسؤولين الإيرانيين رفضوا التعليق على هذا الأمر.
فاير آي، شركة الأمن السيبراني الأمريكية، حددت في البداية ستة مواقع ضمن حملة التأثير الإيرانية
وينشر موقع فجر غربي آخر أخباره باللغات الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية والألمانية. وبحسب البيانات التي تنشرها شركة سيميلار ويب لتحليل أنشطة المواقع الإلكترونية، فإن هذا الموقع يستقبل حوالي 12 ألف زائرا فقط في الشهر. ومن بين الذين ساهموا في نشر قصص واردة في هذا الموقع وغيره من المواقع المذكورة، تمكنت رويترز من التعرف على شخصيات سياسية في بريطانيا والأردن والهند وهولندا، إضافة إلى نشطاء حقوق إنسان، ومؤلف موسيقى هندي، ونجم لموسيقى الراب في اليابان.
وظائف للنساء
يذكر أن فاير آي، شركة الأمن السيبراني الأمريكية، حددت في البداية ستة مواقع ضمن حملة التأثير الإيرانية. وقد قامت رويترز بفحص هذه المواقع، ولاحظت أن محتواها يقود إلى الاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي، وهي الوكالة التي يقع مقرها في طهران.
هذه الوكالة هي في الواقع تشكيلة من 11 موقعا، بأسماء متشابهة مثل iuvmapp و iuvmpress وiuvmpixel. هذه المواقع مجتمعة تشكل مكتبة من المواد الرقمية، من بينها تطبيقات للهاتف الجوال، ومقالات وصور من الإعلام الحكومي الإيراني، إلى جانب مقاطع فيديو وقصص إخبارية من مصادر أخرى على شبكة الإنترنت، كلها تروج لسياسات طهران.
وقد قادتنا عملية تعقب استخدام محتوى هذه الوكالة من قبل مواقع أخرى، إلى مواقع استخدمت نفس هذه المواد، وبيانات التسجيل، أو كلاهما. وعلى سبيل المثال، فإن 22 من هذه المواقع لديها نفس رقم الهاتف، وهو في الواقع رقم خارج الخدمة، ومذكور أيضا في بيانات الوكالة. كما أن ما لا يقل عن سبعة من هذه المواقع تستخدم نفس العنوان، الذي يعود إلى دار إقامة للشباب في برلين. وقد أكد موظفوا هذه الدار لوكالة رويترز أنهم لم يسمعوا أبدا بهذه المواقع المشار إليها. كما أن مشغلي الموقع لم يتسن الوصول إليهم للحصول على تفسير لارتباطاتهم بالوكالة.
تعتبر إيران نفسها في منافسة مع “إسرائيل” والسعودية والولايات المتحدة، بغرض الحصول على الدعم الدولي، وهي تقوم بنقل هذه المعركة إلى شبكة الإنترنت بحسب ما يراه آريان طباطبائي، الباحث والخبير في الشؤون الإيرانية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن
وقد قام اثنين من هذه المواقع بنشر إعلان وظيفة لفائدة وكالة الإتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي، يدعو النساء اللواتي “يمتلكن القدرة على العمل الفعال ولديهن المعرفة بأسس التعامل مع شبكات التواصل الإجتماعي والإنترنت”، لتقديم ترشحاتهن.
بيت تم هدمه
أحد أكثر المواقع التابعة لهذه الوكالة شعبية يسمى SUDAN TODAY (السودان اليوم)، وتشير بيانات شركة سيميلار ويب إلى أنه يستقبل حوالي 150 ألف زائر شهريا. وعلى فيسبوك يقول هذا الموقع لمتابعيه البالغ عددهم 57 ألف أنه ينشط دون أي انحياز سياسي. كما أن متابعيه في تويتر، البالغ عددهم 18 ألف، توجد من بينهم السفارة الإيطالية في السودان، ومنشوراته تمت الإشارة إليها في تقرير لوزارة الكهرباء المصرية.
أما عنوان المكتب الذي سجل فيه موقع السودان اليوم في العام 2016 فهو ليس دقيقا، ويشمل جزء كاملا من المدينة في شمال الخرطوم، وذلك بحسب تفاصيل تسجيل هذا الموقع بالاستعانة بالبيانات المقدمة من شركتي هويز إي بي آي ودومين تولز أل أل سي. أما أرقام الهاتف الواردة في هذه السجلات فهي خارج الخدمة.
ولم تتمكن رويترز من تحديد هوية الموظفين المشار إليهم في صفحة فيسبوك موقع السودان اليوم. كما أن فندق كورينثيا الواقع في وسط الخرطوم، وهو من فئة الخمس نجوم، الذي يقول الموقع أنه نظم فيه ذكرى تأسيسه خلال العام الماضي، أكد العاملون فيه لوكالة رويترز أن هذا الحفل لم يحدث. إضافة إلى ذلك فإن عنوانا مذكورا في أحد حسابات التواصل الاجتماعي التابعة لهذا الموقع، هو في الواقع منزل تم هدمه.
وكان السودان في الماضي حليفا لإيران، إلا أنه غيرت موقفه وأصبح يقف إلى جانب المملكة السعودية، وهو ما يعني خسارة إيران لموطئ قدم مهم في منطقة القرن الأفريقي، في وقت واجهت فيه المزيد من العزلة من قبل الغرب. وفي ظل هذا الوضع، تعتبر إيران نفسها في منافسة مع “إسرائيل” والسعودية والولايات المتحدة، بغرض الحصول على الدعم الدولي، وهي تقوم بنقل هذه المعركة إلى شبكة الإنترنت بحسب ما يراه آريان طباطبائي، الباحث والخبير في الشؤون الإيرانية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن.
يرى أوهاد زيدنبورغ، الباحث في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية كلير سكاي، أن هذا الخليط من المحتوى الإعلامي يوفر الغطاء للروايات التي تعمل على التأثير على تصورات ومواقف الجمهور المستهدف.
وتتضمن الأخبار المعروضة في الصفحة الرئيسية لموقع السودان اليوم، نفس مجموعة القصص اليومية الواردة في الصحف المحلية، ونتائج الدوري الأوغندي. كما أنها تعرض تقارير حول أسعار الخبز، التي تضاعفت في يناير/ كانون الثاني الماضي بعد أن قامت الحكومة في الخرطوم برفع الدعم، وهو ما أثار موجة من الإحتجاجات الشعبية.
ويرى أوهاد زيدنبورغ، الباحث في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية كلير سكاي، أن هذا الخليط من المحتوى الإعلامي يوفر الغطاء للروايات التي تعمل على التأثير على تصورات ومواقف الجمهور المستهدف.
كما يركز هذا الموقع أيضا على العمليات العسكرية السعودية في اليمن. وكان الرئيس السوداني عمر البشير، منذ إنهائه لتحالفه مع إيران، قد أرسل قوات عسكرية وطائرات مقاتلة للانضمام إلى القوات التي تقودها السعودية في الصراع اليمني.
وفي إحدى الرسوم الكرتونية التي نشرها موقع السودان اليوم في أغسطس/ آب الماضي ، وتعود في الأصل إلى وكالة الاتحاد الدولي للإعلام الإفتراضي، يظهر دونالد ترامب وهو يمتطي طائرة مقاتلة ويحمل تحت ذراعه كيسا مملوء بالأوراق المالية المتطايرة. وتبدو هذه الطائرة مغلفة بالثوب السعودي التقليدي، وهي تلقي بالقنابل على الأراضي اليمنية التي تغطيها الدماء. وفوق هذه الأرض تتطاير ألعاب وأحذية الأطفال.
يذكر أن رسام الكرتون التركي ميكائيل جيفتجي هو من رسم هذه الصورة في الأصل. وقد أخبر رويترز بأنه لم يمنح موقع السودان اليوم الإذن لإعادة استخدامها.
ويقول الناجي البشرى، وهو مطور برمجيات من الخرطوم عمره 28 عاما، إنه يحب قرءة مقالات موقع السودان اليوم في المساء، عندما ينتظر أن يخلد طفله الرضيع إلى النوم. إلا أنه هو وثلاثة سودانيين آخرين من قراء السودان اليوم، أجابوا على تساؤلات رويترز بالقول إنهم لا فكرة لهم عن الأطراف التي تقف وراء الموقع. وقال الناجي: “هذه مشكلة كبيرة، فنحن لا يمكننا أن نعلم أن هذا الموقع ليس من السودان.”
يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي القيام بعمليات مسح لأعداد كبيرة من الحسابات التابعة لهذه الحملة الإيرانية، إلا أن مجموعة المواقع التي تعد العمود الفقري لهذه الحملة يصعب جدا تفكيكها
ونشير إلى أن المسؤولين الحكوميين في الخرطوم، والبيت الأبيض، والسفارة الإيطالية ووزارة الكهرباء المصرية لم يجيبوا على طلباتنا بالتعليق على هذا الأمر.
العمود الفقري
ويقول ديفيد كونراد، وهو مدير التقنية في منظمة آيكان، وهي منظمة غير ربحية مختصة في توزيع وإدارة عناوين الآي بي وأسماء المجال: “إنه من غير الواضح ما إذا كان هنالك طرف في العالم مكلف بالتصدي لحملات تضليل على شبكة الإنترنت مثل تلك التي تشنها إيران، ومن غير الواضح كيف يجب التصدي لهذا الأمر.”
ويمكن لمنصات التواصل الاجتماعي القيام بعمليات مسح لأعداد كبيرة من الحسابات التابعة لهذه الحملة الإيرانية، إلا أن مجموعة المواقع التي تعد العمود الفقري لهذه الحملة يصعب جدا تفكيكها، لأن غلق موقع إلكتروني يتطلب غالبا تعاون مؤسسات إنفاذ قانون رسمية، ومزودي خدمة الإنترنت وشركات البنية التحتية للإنترنت.
وقد أفضت الجهود المبذولة من مواقع التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل التصدي لهذه الحملة، إلى نتائج متباينة.
فبعد وقت قصير من اتصال رويترز بها، قامت إدارة تويتر بغلق حسابات مواقع نايل نت اونلاين والسودان اليوم. وقالت المتحدثة باسم الشركة: “إنه يصعب تحديد من يقف وراء هذه الحسابات، إلا أن الشركة سوف تواصل تحديث قاعدة بيانات التغريدات والحسابات المرتبطة بالوسائل الإعلامية الحكومية، كلما توفرت لها معلومات جديدة.”
ويشار إلى أن إدارة جوجل لم تجب بشكل مباشر على أسئلتنا حول المواقع التي توصلت إليها رويترز. وقالت الشركة إنها حددت وأغلقت 99 حسابا مرتبطا بوسائل إعلام حكومية إيرانية. كما قالت المتحدثة باسم الشركة: “لقد استثمرنا في تطوير أنظمة قوية تمكن من تحديد الحملات الدعائية التي تطلقها حكومات أجنبية.”
لحد الآن لا تزال الحسابات المرتبطة بالمواقع الإيرانية نشطة على شبكة الإنترنت، خاصة تلك التي تعتمد لغات أخرى غير الإنجليزية
أما إدارة فيسبوك فقد ذكرت أنها على علم بالمواقع التي اكتشفتها رويترز، وأنها حذفت خمس صفحات إضافية. إلا أن المتحدث باسم الشركة قال إنه بناء على بيانات المستخدمين المتوفرة لديها، فإن فيسبوك لم يتمكن لحد الآن من تحديد الرابط بين حسابات كل هذه المواقع والأنشطة الإيرانية التي تم اكتشافها. حيث قال: “خلال الأشهر الماضية، قمنا بحذف المئات من الصفحات والمجموعات والحسابات المرتبطة بعناصر إيرانية ضالعة في تنفيذ عمليات مفتعلة ومنسقة. ونحن نواصل حذف الحسابات في كل أقسام خدماتنا وفي كل اللغات المعنية.”
ولحد الآن لا تزال الحسابات المرتبطة بالمواقع الإيرانية نشطة على شبكة الإنترنت، خاصة تلك التي تعتمد لغات أخرى غير الإنجليزية. وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، كانت 16 من هذه المواقع الإيرانية لا تزال تنشر تحديثات يومية على فيسبوك وتويتر وانستغرام أو يوتيوب، من بينها مواقع السودان اليوم ونايل نت اونلاين. وهي مجتمعة تضم في حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من 700 ألف متابع.
المصدر: كريستوفر بينغ