مرَّ المجتمع الشيعي في لبنان بموجات من التحولات السياسية والهوياتية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وعندما نشأ “حزب الله” في الثمانينيات أثبت نجاحه أكثر من أي حركة شيعية أخرى، واحتشد خلفه شيعة لبنان في مناسبات كثيرة وشعروا أنهم في مرحلة قوة، ولكن هذا لم يجعلهم بالضرورة جسمًا واحدًا متماسكًا، بالنسبة إلى البعض “حزب الله” يعني المقاومة، وبالنسبة إلى الكثيرين يعني الحماية والتمكين والخدمات والدعم المالي، وبالنسبة إلى آخرين يعني السلطة.
ما يجمع هؤلاء اليوم هو القلق من النزول عن ذلك الحصان إلى الأرض، يخافون إذا فقد “حزب الله” قوته لأي سبب من الأسباب، فإن المجتمعات الأخرى تنتظرهم للانتقام وانتزاع المزايا التي اكتسبوها على مرّ العقود الأخيرة، وربما يكون ذلك تصورًا نفسيًا وليس واقعيًا، لكنه خوف يجب أخذه في الاعتبار.
نستكشف طبيعة هذه العلاقة المعقدة والشائكة بين “حزب الله” والمجتمع الشيعي في الضاحية عبر تقديم قراءة لكتاب “أرض حزب الله: رسم خرائط الضاحية والمجتمع الشيعي في لبنان” لابنة الضاحية وكبيرة باحثي معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حنين غدار، وفيه تضيء على الأدوات التي يملكها “حزب الله” للسيطرة على المجتمع الشيعي، والأهم استعراض التحولات التي طرأت على مصالح وأجندات “حزب الله”، وكيف أدت إلى توتر علاقته بالمجتمع الشيعي.
جذور “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت
وفقًا للمؤرخ اللبناني الشيعي سعدون حمادة، فإن الشيعة اللبنانيين لم يكونوا مهاجرين إلى لبنان من أماكن أخرى في المنطقة، إنما كان وجودهم في لبنان نتيجة تشيُّع جماعات من سكانه الأصليين منذ زمن قديم.
وأثناء الحروب الصليبية التي جرت على أرضه وفي مدنه، دفع لبنان ثمنًا فادحًا، ولما نجا من الحروب الصليبية قامت غزوات المغول المتكررة بتدميره، ثم خلال العهد المملوكي عاش لبنان الكثير من المحن التي تركت آثارها الأليمة لسنين طويلة لاحقة.
وحسب ما يروي سعدون، فقبل العهد العثماني كان الشيعة يسيطرون على كل لبنان، وقامت إمارات ومقاطعات شيعية تمتّعت بالكثير من مظاهر الاستقلال، فحاول العثمانيون تغيير هذا الواقع لكن أبدى العديد من شيعة لبنان مقاومة مستمرة.
ويوضح سعدون أن النظرة العثمانية إلى الشيعة كانت وليدة أحداث عسكرية وسياسية، أكثر منها نتيجة تبايُن في الفقه أو الاجتهاد، فالحروب الصفوية وثورات القزلباش (بالتركية: Kızılbaş) على السلطنة العثمانية هي التي رسمت المنطلق الرئيسي للسياسة العثمانية نحو الشيعة بشكل عام.
ومنذ القرن السابع عشر، حدثت توترات مستمرة بين العثمانيين وشيعة لبنان، أدت إلى طرد الشيعة تدريجيًا من كسروان في شمال لبنان إلى جبل عامل في الجنوب وإلى البقاع، وفي القرن نفسه أسّس علي الصغير إمارة شيعية بلبنان انتهت في عام 1781، عندما حارب حاكم عكا العثماني أحمد باشا الجزار أمراء الإقطاع الشيعة في معركة يارون الشهيرة، وهو ما أنهى رسميًا الحكم الذاتي الشيعي في جبل عامل.
بعد نجاح الجزار في القضاء على أمراء الشيعة، ركّز علماء الشيعة في جبل عامل على التعليم، وغادر كثير منهم إلى النجف، ثم عاد آخرون إلى لبنان لفتح المدارس الدينية، حيث اُفتتحت أول حوزة دينية في منطقة شيعية في النبطية عام 1884، بمنهج يعتمد على التقاليد العلمية النجفية، والتحق بهذه المدرسة العديد من العلماء والسياسيين الشيعة المشهورين، ومنهم أحمد رضا وسليمان ظاهر وأحمد عارف زين ومحمد جابر الصفا.
بدأ الحراك السياسي الشيعي في مايو/ أيار 1920 أثناء الانتداب الفرنسي على لبنان، واجتمع علماء الشيعة وزعماؤهم السياسيون في وادي الحجير، أحد الأودية الوعرة في جبل عامل، وشكّلوا تحالفًا مع الملك فيصل الذي حكم سوريا آنذاك، وهو القرار الذي وضعهم في صراع مع مسيحيي لبنان، وأدى إلى قتال مسلح بحسب ما تروي حنين غدار.
في نهاية المطاف سحقَ الفرنسيون التمرد الشيعي، وضمّوا جبل عامل والبقاع لتشكيل دولة لبنان الكبير في سبتمبر/ أيلول 1920، وبعد 5 سنوات، وخوفًا من انضمام الشيعة إلى التمرد الدرزي المناهض للفرنسيين، سمح الفرنسيون للشيعة بإنشاء محكمة قضائية مستقلة على أساس القانون الجعفري الشيعي.
وكما أوضح ماكس وايس في كتابه “في ظل الطائفية: القانون والتشيُّع وصناعة لبنان الحديث”، كانت المحكمة الجعفرية هي أهم مؤسسة شيعية في لبنان، قبل إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في عام 1969.
ساهم الاستعمار الفرنسي في جعل المجتمع الشيعي في جنوب لبنان أكثر طائفية، وعندما نال لبنان استقلاله في عام 1943 كان هناك تفاهم سياسي غير مكتوب بين المسيحيين والسنّة، على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيًا مارونيًا ورئيس الوزراء مسلمًا سنّيًا، وانضم الشيعة إلى هذا الميثاق بعد 4 سنوات -في عام 1947-، وجرت العادة أن يكون رئيس مجلس النواب شيعيًا.
كما أوضح ماكس وايس، كان المجتمع الشيعي يسعى لإيجاد طريقة للاندماج في بنية الدولة بعد فترة الانتداب، وتروي حنين غدار أن الأوضاع الاجتماعية للشيعة في ذلك الوقت كانت مزرية، وعاشوا على هامش السلطة والثروة.
وحسب حنين، فعندما بدأ الرئيس فؤاد شهاب مبادراته التنموية في لبنان عام 1963، اكتشفت الحكومة أن من بين 452 بلدة وقرية في الجنوب -موطن 400 ألف نسمة- 250 بلدة وقرية ليس لديها إمكانية الوصول إلى المياه، و7 فقط لديها إمكانية الوصول إلى الكهرباء.
ووفقًا لعدد من الدراسات التي أُجريت قبل الحرب الأهلية عام 1975، كان 21% فقط من الشيعة متعلمين، وفي دراسته عام 1968 وجد مايكل هدسون أنه في المنطقتين اللتين هيمن عليهما الشيعة، وادي البقاع والجنوب، لم يلتحق سوى 13% من الطلاب الشيعة بالمدارس الثانوية.
بناءً على هذه الوقائع، ارتحلت مجموعة من الشخصيات الدينية الشيعية من النجف وقم إلى لبنان في ستينيات القرن الماضي، وكان أولهم موسى الصدر الذي وصل إلى لبنان عام 1960، وتبعه شخصيتان بارزتان، الشيخ محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، وكلاهما من العلماء اللبنانيين الذين درسوا في النجف.
أسّس هؤلاء الثلاثة معًا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وكانت الاختلافات بينهم ملحوظة، فقد أراد فضل الله إنشاء جسر بين الحكومة الإسلامية الجديدة في إيران والمجتمع الشيعي في لبنان، بينما أراد شمس الدين صياغة توجهات إسلامية في إطار مشروع لبناني وطني، أما موسى الصدر فقد هدف إلى تسييس المجتمع الشيعي وتوسيع أدوار الشيعة في مؤسسات الدولة.
يعتبر الباحث والكاتب اللبناني فؤاد عجمي، أن نقطة التحول البارزة في رحلة المجتمع الشيعي في لبنان للخروج من ازدراء الذات والجمود السياسي، بدأت عندما وصل موسى الصدر إلى جنوب لبنان وعُيّن رئيسًا للمحكمة الجعفرية في مدينة صور.
كان موسى ينتمي إلى الفرع الفارسي لآل الصدر من جبل عامل في لبنان، ودرس علوم الدين في قم والنجف، ثم استقر في لبنان في وقت كان شباب الشيعة مغرمين بالأيديولوجيات الناصرية والبعثية والماركسية، ومع الوقت، ازداد بروز ونفوذ الصدر، وانكبَّ في سبعينيات القرن العشرين على توحيد الشيعة من خلال تكوين نواة حركة سياسية لتلبية احتياجات المجتمعات الشيعية الجنوبية.
وهي الحركة التي أُطلق عليها اسم “المحرومين”، وحسب حنين تمكّن الصدر من نقل ثقل الدعم السياسي الشيعي الشعبي من هيمنة بعض العائلات مثل الأسعد وحمادة وخليل والزين، والأحزاب اليسارية والعلمانية اللبنانية المختلفة، إلى المؤسسة الدينية الشيعية.
مع تزايُد تسييس المجتمع الشيعي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وصل العديد من الثوار الإيرانيين إلى لبنان، وعملوا بشكل وثيق مع شيعة لبنان مثل مصطفى شمران، الذي شغل منصب وزير الدفاع الإيراني بعد سقوط الشاه.
وحسب حنين غدار، تنامت حركة التشيُّع السياسي في لبنان بسبب تحوُّلَين رئيسيَّين في المنطقة: الأول انهيار القومية العربية، والثاني الثورة الإيرانية عام 1979 وتأسيس أول دولة شيعية، كما أدّت الحرب الأهلية في لبنان التي اُختطف الصدر خلالها إلى زيادة تعريض المجتمع الشيعي اللبناني لتأثير النظام الإيراني.
قبل عام 1982، كان المزاج العام بين الطائفة الشيعية اللبنانية معاديًا للفصائل الفلسطينية التي هيمنت على أجزاء من المناطق الشيعية في جنوب لبنان، لذا رحّب الشيعة علنًا بالغزو الإسرائيلي عام 1982 وألقوا الورد على الدبابات الإسرائيلية، لكن الإسرائيليين تجاوزوا فترة ترحيبهم، وفرضوا حظر التجول ونفّذوا تدابير أمنية عدوانية، وشكّلوا تحالفات مع الميليشيات المسيحية.
وسرعان ما حلَّ العداء تجاه الإسرائيليين محل المزاج الترحيبي الشيعي، وانقسم عدد من قادة حركة أمل وشكّلوا حركة جديدة عُرفت آنذاك باسم “حركة أمل الإسلامية”، ودعمها رجال الحرس الثوري الإيراني الذين كانوا موجودين في لبنان.
خلال هذه الفترة، كان المجتمع الشيعي منقسمًا بين الجماعات اليسارية والعائلات الثرية وحركة الصدر التي كانت تقدم الخدمات الاجتماعية، وفي هذا السياق ولد “حزب الله” في عام 1982، ومنذ تأسيسه سعى إلى حشد دعم المجتمع الشيعي والتوفيق بين العديد من الهويات الشيعية المتنافسة، وربطها بولاية الفقيه النظام المتّبع في إيران.
وسرعان ما بدأ “حزب الله” في التنافس مع حركة أمل على قيادة المجتمع الشيعي، فخاض الحزبان الشيعيان قتالًا عنيفًا بين عامي 1988 و1990 أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، فيما أطلق عليه اللبنانيون “حرب الإخوة”.
بعد حربه مع حركة أمل، بدأ “حزب الله” في بناء شبكة خدماته الاجتماعية، وملء الفجوة سياسيًا وأيديولوجيًا واقتصاديًا جنبًا إلى جنب مع بنيته العسكرية، وحصل الحزب على بعض الدعم من العشائر واكتسب قبولًا من معظم العائلات الشيعية في جميع أنحاء لبنان.
وبالتالي، من خلال جهوده لتسييس الشيعة وعسكرتهم وتوحيدهم تحت مظلة حركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مهّد الصدر الطريق أمام “حزب الله” الذي استغل شبكة علاقات الصدر من الستينيات والسبعينيات، “فحزب الله لم ينشأ من العدم ولم يبدأ من الصفر” على حد قول الكاتب والباحث وضاح شرارة.
على مدار هذه الديناميكيات، تحول المجتمع الشيعي من مجتمع ريفي يهيمن عليه عدد قليل من العائلات النخبوية -من الجنوب ومنطقة البقاع- إلى قوة طائفية عسكرية في أواخر الثمانينيات، تنبع قوتها الجديدة من ظهور الأحزاب السياسية الشيعية، وأبرزها “حزب الله” الذي استقر في الضاحية.
بمرور الوقت، غيّر “حزب الله” سياساته وأولوياته، وتحرك تدريجيًا نحو المشهد السياسي اللبناني، أولًا من خلال البرلمان، ثم من خلال مجلس الوزراء، وبعد عام 2006 تكرّست هيمنة الحزب على المجتمع الشيعي، وسيطر تدريجيًا على معظم مؤسسات الدولة اللبنانية ومواردها، حيث تولى مناصب عليا داخل المؤسسات الأمنية والمالية والسياسية المهمة، مثل جهاز أمن الدولة، وجهاز الأمن العام، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمحكمة العسكرية والجامعة اللبنانية، ووزارات الإعلام والصحة والطاقة.
دولة موازية في الضاحية الجنوبية
لم تشهد الضاحية الجنوبية هذا التوسع الكبير في سكانها ومساحتها حتى الحرب الأهلية (1975-1990)، والتي سرّعت من وتيرة النزوح والاستقرار في الضاحية بشكل كبير، ورغم أنه تم تطويرها لإيواء حوالي 150 ألف شخص، لكن اليوم يسكن الضاحية حوالي مليون نسمة معظمهم شيعة.
ومثل غيرهم من الجماعات اللبنانية، يتألف المجتمع الشيعي في الضاحية الجنوبية من عدة طبقات، تنقسم على أُسُس سياسية وثقافية واجتماعية وهويات متضاربة، فوفقًا لتحليل حنين إن “حزب الله” لا يشغل سوى طبقة واحدة، لكنه غالبًا ما طغى على الطبقات الأخرى.
تشمل أحياء الضاحية 5 مناطق رئيسية، الغبيري وهي من المناطق الراقية ويبلغ عدد سكانها اليوم نحو 200 ألف نسمة، ويقيم فيها أغلب الأثرياء وأبناء الطبقة المتوسطة العليا من الشيعة، بما في ذلك كبار المسؤولين في “حزب الله”. تليها منطقة برج البراجنة، وهي منطقة أقل ثراءً، يفصل سكانها عن الغبيري نادي الغولف الوحيد في لبنان.
تليهما حارة حريك التي تعدّ قلب “حزب الله”، حيث تضم نحو 250 ألف نسمة، وتقع فيها مكاتب ومؤسسات إيران المختلفة، وتشمل مؤسسة الإمام الخميني للإغاثة، ومكاتب المرشد الأعلى خامنئي وغيرها من المؤسسات الدينية الشيعية الإيرانية والعراقية، ومكاتب السيستاني ودار نشر أهل البيت.
وكانت حارة حريك تضمّ في السابق أغلب المؤسسات السياسية والدينية والثقافية لـ”حزب الله”، لكن بعد عام 2012 عندما وجّه أهدافه واستراتيجيته وأمواله نحو الحرب في سوريا، أغلق العديد من هذه الكيانات.
أما حي السلم والليلكي فيعتبران من أفقر أحياء الضاحية، حيث يعيش 250 ألف نسمة في منطقة مكتظة تبلغ مساحتها 4.5 كيلومترات، ومعظم السكان هم من عشائر بعلبك الهرمل، انتقلوا إلى الضاحية بسبب الصعوبات الاقتصادية، كذلك استقر العديد من اللاجئين السوريين في هذه المنطقة بسبب إيجاراتها الرخيصة.
وأخيرًا حي الأوزاعي، والذي كان موطنًا للمنتجعات الشاطئية الفاخرة ومقصدًا لكبار نجوم العرب لتصوير أفلامهم على شاطئها قبل الحرب الأهلية اللبنانية، لكنه الآن من أفقر أحياء الضاحية، ويقطنه نحو 150 ألف نسمة.
حسب حنين غدار، فمجتمع “حزب الله” في الضاحية يتألف من 3 مجموعات رئيسية، الأولى هي المجتمع الشيعي الأكبر، وتشمل هذه الفئة جميع الشيعة اللبنانيين، بمن فيهم أنصار “حزب الله” ومعارضوه، وقد تجمّع معظم هؤلاء حول الحزب طلبًا للحماية والخدمات الاجتماعية والوظائف. في هذا السياق، يرى بشار حيدر أن العديد من الشيعة يدعمون “حزب الله” لأنه يقوّي مجتمعهم داخل الدولة، ويمنحهم امتيازات لا يتمتع بها آخرون.
المجموعة الثانية هي أعضاء “حزب الله” ومقاتليه وجنوده الاحتياطيين بجانب موظفيه العاملين في المجال الطبي والعسكري والمعلمون والإعلاميين والمجموعات النسائية، ويأتي معظم أفراد هذا المجتمع من مناطق الطبقة المتوسطة مثل حارة حريك أو الأحياء الفقيرة كتلك الموجودة في برج البراجنة.
أما المجموعة الثالثة فهي النخبة والقادة، وتتألف من أعضاء رفيعي المستوى في “حزب الله” وكبار القادة العسكريين، وتشكّل هذه المجموعة دائرة موثوقة حول الأمين العام للحزب، وهم مخولون للتعامل مع التحديات واتخاذ القرارات ومرتبطون أيضًا بالبرجوازية الشيعية ومجتمع رجال الأعمال، وتميل هذه النخب السياسية والعسكرية والتجارية إلى الإقامة في أحياء الطبقة العليا في الضاحية، بما في ذلك الغبيري والجناح وحي ماضي.
ركائز السيطرة على المجتمع الشيعي
قد يُنظر إلى “حزب الله” باعتباره ميليشيا أو جماعة عسكرية تستخدم القوة لفرض أجندتها وحماية مصالح إيران، لكن “حزب الله” أكثر من ذلك بكثير، فقوته العسكرية تستند إلى هيكل أوسع يعمل كدولة موازية، فعلى النقيض من الأسر الإقطاعية والجماعات الأخرى داخل المجتمع الشيعي، لدى “حزب الله” أنظمة مؤسسية وموارد مالية وجيش.
ورغم وجود البلديات والخدمات الحكومية في الضاحية، فإن هذه المؤسسات غير فعّالة والسلطات اللبنانية لا تستطيع أن تفعل أي شيء في الضاحية إلا بالتنسيق مع مسؤولي “حزب الله”، وفيما يلي ركائز “حزب الله” الثلاث للسيطرة على المجتمع الشيعي بالضاحية:
نظام الخدمات
إن نظام الخدمات هو أهم ركائز قوة “حزب الله” في الضاحية للحفاظ على ثقة وولاء المجتمع الشيعي، وتعتبر حنين أن تقديم هذه الخدمات للمجتمع الشيعي وسيلة “حزب الله” لاستبدال الدولة، فمن خلالها يخبر “حزب الله” الشيعة أنهم لا يحتاجون إلى الدولة اللبنانية، لأنه سيوفّر لهم هذه الخدمات.
أنفق “حزب الله” قدرًا كبيرًا من الموارد للحفاظ على علاقته بالطائفة الشيعية وكسب دعمها، وله ممثلون في كل مدينة وبلدة وقرية شيعية، ودائمًا ما يضيف لمسته الأيديولوجية ويرسّخ روايته في كل ممارسة اجتماعية وثقافية، من عاشوراء إلى الجنازات وحفلات الزفاف، وحتى المستشفيات والمدارس التي قام ببنائها، زيّنها بشعارات الحزب.
يعتمد “حزب الله” على ما تسميه الكاتبة حنين “مثلث القوة”، وهو مثلث تحده ولاية الفقيه، والهوية الشيعية، والمساعدات والخدمات الاجتماعية التي يقدمها، وحسب حنين فإن الارتباط بين هذه النقاط الثلاث جعل من الصعب جدًّا على الشيعي أن يفصل هويته وتطلعاته السياسية عن أيديولوجية إيران وولاية الفقيه.
يتألف نظام خدمات “حزب الله” من وحدة اجتماعية، ووحدة صحية، ووحدة تعليمية، وتضمّ الوحدة الاجتماعية 4 منظمات: مؤسسة جهاد البناء، ومؤسسة الشهداء، ومؤسسة الجرحى، ولجنة الخميني للإغاثة.
أما الوحدة الصحية فتتكون من 5 مستشفيات ومئات المراكز الطبية والمستوصفات وعيادات الأسنان ومقدمي خدمات الصحة العقلية، وبحسب حنين فإن الوحدة الصحية لـ”حزب الله” تقدّم تأمينًا صحيًا مجانيًا وتغطية للأدوية الموصوفة من خلال شبكة من الصيدليات المحلية.
كذلك أنشأ الحزب مؤسسة الشهداء لتقديم المساعدة المالية والرعاية الصحية لأقارب القتلى في المعارك، في حين شكّل مؤسسة الجرحى لمساعدة المدنيين المصابين أثناء القصف الإسرائيلي أو العمليات الأخرى.
ومن خلال وحدته التعليمية، يدير “حزب الله” عددًا من المدارس الابتدائية والثانوية برسوم أقل كثيرًا من تلك التي تفرضها المدارس الأخرى، ويقال إن مدارس “حزب الله” تخدم نحو 20 ألف طالب، وبالإضافة إلى التعليم المدرسي، يوفّر “حزب الله” للطلاب من ذوي الدخل المنخفض منحًا دراسية، وأشكالًا أخرى من المساعدات المالية والكتب، بجانب الجمعيات الدينية وغيرها من الكيانات التي يروج لها “حزب الله” لإظهار جانبه الخيري.
كذلك أنشأ “حزب الله” وحدة الضمان الاجتماعي، وهي كيان جديد يهدف إلى التنسيق مع البلديات في جميع أنحاء لبنان لتوفير الغذاء والوقود والأدوية للأسر المحتاجة، لكن وفقًا لحنين، ونقلًا عن سكان المدن في جميع أنحاء الجنوب ووادي البقاع، كان “حزب الله” يوزّع هذه المساعدات -معظمها صناديق مليئة بالمنتجات الإيرانية- على أعضاء وعائلات الحزب.
كما بنى “حزب الله” مؤسسات مالية موازية، تتجسّد في مصرف القرض الحسن، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في عام 2021. وتخضع مؤسسات الخدمة التابعة لـ”حزب الله” لسيطرة مباشرة من المجلس التنفيذي للحزب، وتشير الجهود والمبالغ الكبيرة التي ينفقها “حزب الله” على الخدمات الاجتماعية عن أهمية هذا الدعم بالنسبة إليه.
السجون وقوات الأمن
الجزء الأهم من هيكل السيطرة لـ”حزب الله”، فهو السجون وقوات الشرطة ووحدات الاستخبارات، لكنها تظل مخفية عكس نظام الخدمات، حيث اعتمد الحزب على تدابير أمنية مشددة في الضاحية، مثل إقامة نقاط تفتيش إضافية ونشر قوات أمن معروفة محليًا باسم “القمصان السود”.
وحسب حنين، إحدى أدوات الأمن الداخلي الرئيسية لـ”حزب الله” هي “كتائب المقاومة اللبنانية”، وتتألف من مزيج من المقاتلين الشيعة والسنّة والمسيحيين، وهي قوة منفصلة عن قوة “حزب الله” القتالية ولها قيادتها الخاصة، ولا يتم استخدام هؤلاء المقاتلون إلا لقمع المعارضين اللبنانيين الداخليين.
كذلك انتشرت أنباء عن سجون الضاحية التي بناها الحزب، وفي عام 2018 اتهم نجل مسؤول في “حزب الله” يدعى حسين مظلوم “حزب الله” ببناء عدد من مراكز الاحتجاز السرّية، بعيدًا عن أعين السلطات اللبنانية.
القوة الناعمة
إضافة إلى أجهزة الأمن والخدمات الاجتماعية، فقد أدرك “حزب الله” منذ فترة طويلة أن القوة العسكرية والمال وحدهما لا يبنيان الجذور داخل المجتمع، ولذا استثمر بكثرة في أدوات القوة الناعمة التي تعزز تقاربه مع الشيعة.
سمح “حزب الله” لإيران بتوسيع إمبراطوريتها الإعلامية التي تبثّ من الضاحية دون ترخيص، حيث إضافة إلى “قناة المنار” التلفزيونية و”إذاعة النور” (محطة “حزب الله” الإذاعية) وعشرات الصحف المطبوعة والإلكترونية، فتحت إيران في الضاحية فروعًا لكل منفذ إعلامي عربي في بنيتها الإعلامية العربية. وحسب حنين، فقبل أن تشلّ العقوبات الأمريكية الأخيرة مالية إيران، كان لديها أكثر من 50 قناة تلفزيونية وإذاعية تبث لملايين الأشخاص من الضاحية.
إضافة إلى قناتَي “العالم” و”بريس تي في” الإيرانيتَين، تعمل العديد من القنوات الأصغر والأكثر تخصصًا بما في ذلك “قناة اللؤلؤة” التي تلبّي احتياجات الشيعة البحرينيين، و”الاتجاه” للشيعة العراقيين، و”النبأ” للشيعة السعوديين، وغيرها.
يدير “حزب الله” هذه المؤسسات التي تلبّي احتياجات المجتمعات الشيعية في العالم العربي، وتقع هذه المكاتب والاستوديوهات فيما يطلق عليه السكان “مدينة الإعلام الإيرانية”، والتي تقع على بُعد مبنى واحد من السفارة الإيرانية في منطقة الجناح – بئر حسن، في مجمع مغلق يحرسه عناصر مسلحون من “حزب الله”.
شقوق في الواجهة
تشير الباحثة حنين إلى أن عددًا من الشخصيات الدينية والعلماء المؤثرين ومؤسساتهم الدينية والثقافية في الضاحية لا يزالون تابعين للنجف وآية الله السيستاني، ويتمتعون بنوع من الحضور العام والقوة، ويشكّل وجودهم ونفوذهم تحديًا لـ”حزب الله”، خاصة عندما يبدأ العديد من أفراد المجتمع الشيعي في البحث عن بدائل، وإذا توّحدت هذه الفئات فمن الممكن أن تشكّل مرجعًا دينيًا بديلًا لـ”حزب الله”.
مع ذلك، فإن المجتمع الشيعي في لبنان ليس مستعدًّا للانقلاب ضد “حزب الله”، لكن مع تضييق الخناق على الحزب، فقد ازدادت حدة التصدع في صفوف قاعدته الشيعية، ويعزى هذا الاستياء والتراجع إلى عدد من العوامل التالية:
انكماش الدعم والخدمات
رغم أن “حزب الله” بذل جهودًا هائلة للحفاظ على دعمه الشعبي من خلال التوسع في تقديم الخدمات الاجتماعية، واستفاد المجتمع الشيعي خاصة الطبقة الدنيا من الطرق والمدارس العامة والخدمات التي قدّمها الحزب، رغم أن بعضها مموّل من الدولة.
لكن مع تنامي دوره في سوريا والمزيد من الإنفاق على عملياته العسكرية، بجانب تعرض إيران لضغوط اقتصادية، اضطر الحزب إلى القيام بتخفيضات كبيرة في الإنفاق على قطاع الخدمات، وجمّد جميع عمليات التوظيف وحدَّ من تقديم الدعم الاجتماعي والمالي.
وبدأ في تلبية احتياجات مجتمع “حزب الله” أكثر من المجتمع الشيعي ككل، ثم عندما أصبحت الأمور أكثر صعوبة وتخلى مجتمع الأعمال عن “حزب الله” بطريقة ما خوفًا من العقوبات، ركّز الحزب على تلبية احتياجات المقاتلين والقادة العسكريين والنخب التابعة له.
الأمر الذي تسبّب في سخط شعبي متزايد، وبتعبير حنين: “الفجوات الاقتصادية التي نجح حزب الله في سدها منذ ثمانينيات القرن العشرين عادت اليوم إلى الظهور بسبب الدور الإقليمي للحزب في سوريا”.
جدير بالذكر أن الحزب نفّذ تدابير تقشفية قاسية جديدة أصبحت أكثر حدة مع دخول لبنان في أزمته المالية والاقتصادية الأخيرة. وحسب ما تروي الباحثة حنين، فقد أثّرت هذه التدابير التقشفية على العلاقة بين “حزب الله” والمجتمع الشيعي، وصدم العديد من أعضاء “حزب الله” وأنصاره بهذه التدابير، بما في ذلك المقاتلون الذين كانوا محميين إلى حد كبير من تخفيضات سابقة.
وبحسب حنين، فقد ظهر هذا التأثير في الفجوة الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة داخل أحياء الضاحية بين الأغنياء والفقراء، وبين مجتمع “حزب الله” والمجتمعات الشيعية الأخرى، وداخل صفوف “حزب الله” نفسه، والأهم من ذلك أن حملة التقشف هزّت صورة الحزب، حيث شهدت جميع المدن والبلدات الشيعية الكبرى مظاهرات للمرة الأولى منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ضد “حزب الله”، وألقوا عليه اللوم في خسارة سبل عيشهم وتورُّطه في الحرب بسوريا.
كانت هذه الاحتجاجات، بحسب مؤلفة الكتاب، إحدى أشد الضربات التي تلقاها “حزب الله” من حاضنته الشعبية، لكن ردّه على المتظاهرين كان عنيفًا بشكل عام، وعدوانيًا بشكل استثنائي تجاه المتظاهرين الشيعة، فنظر العديد من الشيعة إلى “حزب الله” باعتباره أداة للقمع والدفاع عن النخبة السياسية، بدلًا من محاربة الظلم.
تحطُّم السمعة
حاول “حزب الله” تعويض خسارته للأموال القادمة من إيران وفرض عقوبات على مؤسساته المالية، فسعى إلى سدّ هذه الفجوة من خلال تكثيف عمليات إنتاج وتهريب الكبتاغون وسحب الإيرادات من خزينة الحكومة اللبناني، بجانب تهريب البضائع، ومنذ ذلك الحين اهتزت صورة “حزب الله” النزيهة.
كما وسّع العديد من النخبة العسكرية والسياسية في “حزب الله” استثماراتهم المحلية في مجالات العقارات والسياحة والتجارة، وهو ما أدّى إلى انتقادات وغضب واسع النطاق، فقد تحطمت صورتهم كمجموعة مقاومة، حيث أصبحوا في نظر الكثيرين أكثر شبهًا بكارتيل مخدرات أو عصابة تحمي الفساد.
Hezbollah got him addicted to psychostimulants.
In today’s “Hezbollah’s Hostages,” a drug smuggler takes us inside the terror group’s criminal empire fueled by the “jihadist drug” Captagon.
Watch “The Drug Mule,” produced by @peacecomcenter. https://t.co/bsgoTXdya2 pic.twitter.com/bD2btiILlt
— The Free Press (@TheFP) September 30, 2024
حلقة بعنوان “رهائن حزب الله”: داخل إمبراطورية المخدرات
وبحسب الباحثة حنين، فقد أدّى تهريب “حزب الله” للمواد الغذائية والأساسية إلى سوريا إلى تقليص تقدير المجتمع الشيعي للحزب، وعندما بدأ الناس يشكون من تزايد عمليات التهريب، حاول “حزب الله” إثارة قضية المقاومة، وألقى باللوم على “الحصار الأمريكي للبنان”، بل إن أحد مسؤولي الحزب، الشيخ صادق النابلسي، اعترف بالتهريب عبر الحدود، قائلًا إن مثل هذه الجهود تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من المقاومة.
الهزائم العسكرية
تزامنًا مع استهداف “إسرائيل” مواقع “حزب الله” وأفراده في سوريا ولبنان والعمليات الاستخباراتية المكثفة التي نفّذتها مؤخرًا، ظهرت تصدعات في مزاعم “حزب الله” بالقوة، وبدأت الشكوك تتزايد داخل المجتمع الشيعي حول قدرات الحزب العسكرية، فنتيجة للخسائر الكبيرة للرجال وتقليص الخدمات، شعر الشيعة بأنهم يعطون دون أن يتلقوا أي شيء في المقابل.
وتشير حنين إلى أن عواقب الحرب الإسرائيلية الحالية ستكون وخيمة على “حزب الله” ولبنان على حد سواء، فحزب الله يفتقر إلى الموارد اللازمة لتمويل الحرب واستعادة قوته القتالية لمواصلة الحرب في لبنان، مع العلم أن الحزب لم يتمكن بعد من تعويض خسائره. ومن المرجّح أن يلوم المجتمع الشيعي “حزب الله” على الدمار، وباختصار لن تكون إعادة الإعمار كما كانت في عام 2006، نظرًا إلى الضغوط المتزايدة على “حزب الله” اليوم.
دور “حزب الله” في سوريا
ترى الباحثة حنين أن المجتمع الشيعي أصبح أكثر انقسامًا حول “حزب الله” بسبب دوره في سوريا، إذ كان للحرب التي خاضها الحزب في سوريا إضافة إلى العقوبات الأمريكية التأثير الأقوى على علاقاته مع المجتمع الشيعي، كما أثّر أيضًا على الشيعة من حيث العزلة والخطاب الطائفي.
بالنظر إلى الوضع الحالي، فقد كان لتورُّط “حزب الله” في سوريا أثر سلبي كبير على المجتمع الشيعي بشكل عام والمقاتلين بشكل خاص، وحسب ما تروي حنين، فقد أحدث هذا الصراع خسائر نفسية خطيرة على المقاتلين وأُسرهم، وبدأ الناس يطرحون الأسئلة إثر فقدان العديد من أبنائهم في سوريا، وأخبرهم الحزب بأنهم قُتلوا دفاعًا عن لبنان والمراقد الشيعية في سوريا.
ووفقًا لعدد من التقارير، فإن العديد من الجنود الذين قاتلوا لصالح “حزب الله” في سوريا يتلقون مع أسرهم العلاج النفسي في 3 مراكز يديرها الحزب، واحد في الضاحية واثنان في جنوب لبنان.
رواية المقاومة
من أوائل الثمانينيات وحتى عام 2006، كانت المقاومة الركيزة الأكثر أهمية في خطاب “حزب الله”، وقد وعد اللبنانيين بأنه سيحرر أراضيهم من المحتل الإسرائيلي، وممّا لا شك فيه أن انتصارات “حزب الله” ضد “إسرائيل” أكسبته دعم وولاء العديد من الشيعة اللبنانيين وغيرهم.
لكن عندما ذهب “حزب الله” لأول مرة إلى سوريا لدعم نظام الأسد، فقدَ خطاب المقاومة جاذبيته ومنطقه بعد أن كان غير قابل للشك. وأدرك الناس أن المقاومة ماتت، ورغم أن “حزب الله” يعمل اليوم على استعادة صورته كمقاومة تجاه “إسرائيل”، والتي فقدها على مرّ السنين الماضية، لكنه لم يعد يحمل نفس البريق بالنسبة إلى المجتمع الشيعي.
كذلك تشير الباحثة حنين إلى أن الشيعة يؤيدون القضية الفلسطينية، لكنهم ينظرون إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باعتبارهم عبئًا ثقيلًا، ومجتمعًا أقل شأنًا من حيث الحقوق والحريات، وقد يرغب الشيعة في عودة “حزب الله” إلى المقاومة، لكنهم في الوقت نفسه يخشون تداعيات الحرب.
ختامًا، يدرك “حزب الله” أنه من دون المال والوظائف وقوة الخدمات لا يمكنه الحفاظ على دعم المجتمع الشيعي، ومع انخفاض خدماته الاجتماعية وعدم الثقة في خطاب المقاومة، ركّز الحزب على دوره كحامٍ لجميع الشيعة وسعى لتعزيز الهوية الشيعية، بجانب تضخيم خطاب الخوف من الآخر -خاصة السعودية والتهديد السنّي-، وحسب حنين فهذا أهم ركن يمكن أن يعتمد عليه “حزب الله” لتعويض مشاكله الأخرى.
مع ذلك، ما زال هناك تصدع ملحوظ في علاقة الحزب بالمجتمع الشيعي، خاصة بعد الانهيار الاقتصادي، ومن الواضح أن الطائفة الشيعية تشعر بالإحباط إزاء فساد “حزب الله” وإخفاقاته، لكنهم في الوقت نفسه يخشون فقدان شخصية الأب والتحول إلى يتيم في بلد لكل مجتمع فيه نموذجه الأبوي الخاص، والأهم من ذلك أنه ليس أمام الشيعة المحبطين بديل حقيقي عن “حزب الله”. وأمام هذه التفاعلات لا يريد “حزب الله” الحرب الحالية، لكنه يريد الثمن والبقاء.