خرجت تركيا في يونيو/حزيران الماضي من انتخابات برلمانية ورئاسية حددت ملامح ووجهة ومؤسسات المسار الرسمي بشكل رئيسي، وحاليًّا تتجهز لانتخابات محلية في مارس/آذار القادم تحرص فيها كل الأحزاب السياسية على الاقتراب والانسجام مع نبض المجتمع التركي ولهذا على سبيل المثال رأينا حرصًا رسميًا من الرئيس أردوغان شخصيًا ومن وزير المالية بيرات البيرق على إظهار جهودهم ومحاولاتهم الحثيثة في حل الأزمة المالية وتخفيض درجة التضخم في البلاد من خلال العديد من الإجراءات والخطط على المديين القريب والبعيد.
وفي هذا السياق نجد أن هذه التحركات تنسجم مع نظرة المجتمع التركي لواقع تركيا والمشكلات التي تواجهها، ففي استطلاع رأي أجرته شركة أوبتيمار وجدت الشركة أن 47.5% من الشعب التركي يرون أن الاقتصاد أول مشكلة على أجندة تركيا يليه مشاكل الإرهاب ثم البطالة ثم التعليم.
ووفقًا للاستطلاع المذكور فإنه عند سؤال الناس عن صاحب التأثير في انخفاض الدولار من 7.2 ليرة إلى 5.3 ليرة، كانت إجاباتهم كالتالي:
40% أردوغان (دور الرئيس أردوغان)
30% بيرات البيرق (إجراءات وزارة المالية)
23% اطلاق سراح الراهب برانسون (تحسن العلاقة مع الولايات المتحدة)
المؤسسة الرئيسة التي أصبحت تقود المشهد التركي بأبعاده كافة بعد 24 من يونيو/حزيران هي مؤسسة الرئاسة، حيث أصبحت الحكومة حكومة رئاسية وقد تم إلحاق عدد من المؤسسات برئاسة الجمهورية، كان أبرزها رئاسة هيئة الأركان ورئاسة الاتصالات والأمانة العامة لمجلس الأمن القومي وجهاز الاستخبارات ورئاسة إدارة القصور الوطني
ومع الإشارة إلى أن الاقتصاد هو المشكلة الأولى التي تواجه تركيا حاليًّا فإن شركة أنار للاستطلاعات قد أشارت في استطلاع أجرته مؤخرًا أن حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية سيتعرضان لتراجع في الأصوات بنسبة 1-2% وكذلك الحال مع حزب الشعب الجمهوري بنسبة 1-1.5% ويعزو الاستطلاع التراجع في نسبة حزب العدالة والتنمية إلى المشكلة الاقتصادية.
المؤسسات
وكما ذكرنا فإن المؤسسة الرئيسة التي أصبحت تقود المشهد التركي بأبعاده كافة بعد 24 من يونيو/حزيران هي مؤسسة الرئاسة، حيث أصبحت الحكومة حكومة رئاسية وقد تم إلحاق عدد من المؤسسات برئاسة الجمهورية، كان أبرزها رئاسة هيئة الأركان ورئاسة الاتصالات والأمانة العامة لمجلس الأمن القومي وجهاز الاستخبارات ورئاسة إدارة القصور الوطنية ورئاسة الصناعات الدفاعية ومجلس رقابة الدولة، وقد تفرع مؤخرًا عن مؤسسة الرئاسة عدة لجان رئيسة بالإضافة إلى المؤسسات الكبيرة التي كانت تتابعها الرئاسة من قبل، كما تم إلحاق رئاسة أرشيف الدولة ورئاسة الإستراتيجية والميزانية والصندوق السيادي.
وتتشكل اللجان الجديدة التي أصبحت عنصرًا مهمًا في صياغة القرار الداخلي والخارجي في تركيا من اللجان التالية:
هيئة العلوم والتكنولوجيا وسياسات التجديد.
هيئة سياسات التعليم والتدريس.
هيئة السياسات الاقتصادية.
هيئة السياسات الأمنية والخارجية.
هيئة السياسات القانونية.
هيئة السياسات الثقافية والفنية.
هيئة السياسات الغذائية والصحية.
هيئة السياسات الاجتماعية.
هيئة سياسات الإدارات المحلية
ويمكن الاطلاع بشكل أكثر تفصيلاً على هيكلية مؤسسة الرئاسة الذي نشرته وكالة الأناضول من خلال الرابط التالي:
جاء الإعلام في المرتبة الـ12 في آخر المؤسسات التي يثق فيها المواطن بنسبة 0.4%
وفي هذا الصدد فإن الاستطلاع الذي أجرته شركة أوبتيمار اشتمل على تساؤل بعنوان: ما أكثر مؤسسة تثق بها في تركيا؟ وقد كانت الإجابات على النحو التالي:
18.4% مؤسسة الرئاسة
13.5% الأمنيات (أجهزة وزارة الداخلية)
8.4% المحكمة الدستورية
7.7% القوات المسلحة
وقد جاء الإعلام في المرتبة الـ12 في آخر المؤسسات التي يثق بها المواطن بنسبة 0.4%، ولعلنا نفرد مقالاً خاصًا للحديث عن وضع الإعلام في تركيا وحالة الثقة والاستقطاب الموجودة.
وعندما ننظر إلى استطلاعات رأي سابقة عن المؤسسات التي يثق بها المجتمع التركي نجد أن هناك تحولاً في نظرة المجتمع بهذا الخصوص، فقبل محاولة انقلاب 15 تموز أجرت شركة سونار للاستطلاعات استطلاعًا نشر في شهر أبريل/نيسان من عام 2016 قالت فيه إن أعلى مؤسسة يثق بها المجتمع التركي هي مؤسسة القوات المسلحة ثم مؤسسة الشرطة والأمن ثم المحكمة الدستورية ثم مؤسسة الرئاسة يليها البرلمان الوطني ثم الحكومة.
يمكننا أن نقف على عدد من النتائج وهي أن مؤسسة الرئاسة أصبحت المؤسسة الأولى في أولويات ثقة الشعب التركي بعد أن كانت مؤسسة الجيش تتبوأ هذا الموقع لعقود
ورغم أنه قد يشكك في صحة أو دقة بعض الاستطلاعات، فإن هذه النتائج تعطي مؤشرات لوجود حالة تحول وخاصة من الثقة بالمؤسسات العسكرية إلى المؤسسات المدنية، كما نجد أيضًا أن مؤسسة الأمن التابعة لوزارة الداخلية والمحكمة الدستورية تحافظان على موقعهما في ترتيب الثقة حسب الاستطلاعان في 2016 و2018، علمًا أن شركتين مختلفتين نفذتا الاستطلاعين.
لقد أصبحت مؤسسة الرئاسة التركية مؤسسة وازنة وقوية بعد أن كانت مؤسسة ذات قيمة رمزية إبان النظام البرلماني وبالتالي يمكن أن تفسر ثقة المجتمع التركي بها بالزخم الذي استطاعت أن تأخذه من كل من البرلمان والرئاسة، كما أن وجود الرئيس رجب طيب أردوغان بقوته المعروفة والمشهودة على رأس المؤسسة له دور مهم في المساهمة في هذه الثقة حتى من مواطنين يعطون أصواتهم للأحزاب المعارضة.
وفي الحقيقة وصلت الحكومة تحت رئاسة أردوغان في 2005 إلى نسب تأييد عالية من المجتمع التركي فوفق استطلاع أجرته اللجنة الأوروبية عام 2005 وجدت فيه أن 76% من الشعب التركي يثقون بالحكومة، فيما رأى 68% أن هناك مصلحة لتركيا بدخول الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا الأمر الأخير قد حدث فيه بعض التغيير فقد أصبحت نظرة المجتمع التركي إلى الاتحاد الأوروبي أكثر سلبية وتقريبًا وفق أحد استطلاعات الرأي نجد أن أكثر من 52% ينظرون بشكل سلبي إلى الاتحاد الأوروبي، فقد قال نحو 31% أنهم غيروا رأيهم بشأن الاتحاد الأوروبي.
وفي سياق آخر ووفق استطلاع أجرته صحيفة تركيا عن قرار تطبيق حكم الإعدام في تركيا، فإن قرابة 91% أيدوا تطبيق حكم الإعدام، فيما رفض الأمر 7%، بينما كانت نسبة 2% مترددة في اتخاذ قرارها، أما عن الدولة التي يعتبرها الأتراك أكثر عداءً لتركيا باستثناء عام 2016 حيث كانت روسيا موجودة في هذا الموقع، فقد بقيت “إسرائيل” الدولة الأكثر عداءً منذ عام 2011 في نظر الشعب التركي.
ولهذا يمكننا أن نقف على عدد من النتائج وهي أن مؤسسة الرئاسة أصبحت المؤسسة الأولى في أولويات ثقة الشعب التركي بعد أن كانت مؤسسة الجيش تتبوأ هذا الموقع لعقود، وهذا مؤشر كبيرعلى التوجه نحو المدنية وإسناد مؤسساتها من ناحية والدور الكبير الذي باتت تلعبه مؤسسة الرئاسة من ناحية أخرى.
كما أن المجتمع يرى أن المشكلة الأولى التي تواجه الدولة حاليًّا هي مشكلة الاقتصاد بعد أن كان يرى مشكلة الإرهاب المشكلة الأولى التي تواجه الدولة منذ سنوات، وفي الحقيقة يوجد رابط بين الأمرين وهو رابط قوي، وهي أن قدرة المجتمع على الإحساس بأولويات الدولة من حيث المخاطر والمصالح أمر مهم جدًا وحيوي وكذلك القدرة على إعطاء الأولويات مكانها الحقيقي بسبب التغييرات السريعة أمر مهم أيضًا، ولكن الأهم قدرة المؤسسة الحاكمة على الظفر بثقة المجتمع من خلال الاهتمام الحقيقي بأولوياته والتواصل معه وإشعاره بدورها في هذا الاهتمام، وهو ما تقوم به الحكومة التركية حتى الآن بشكل جيد وخاصة في التعامل مع أزمة الليرة على سبيل المثال.