بعد عام كامل من الملاحقة والمطاردة في قطاع غزة، وعشرات العروض المالية لمن يسهم في القبض عليه من قبل جانب الاحتلال، ارتقى يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، شهيدًا خلال اشتباك مسلح، بعدما أصاب أحد جنود الاحتلال بجروح خطيرة، وذلك مساء الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، في حي السلطان برفح والذي تم إخلائه من سكانه منذ أكثر من خمسة أشهر.
استشهد السنوار مقبلًا غير مدبر، ممتشقًا سلاحه، خاض الاشتباك الأخير فوق الأرض وليس مختفيًا ومتحصنًا بين الأسرى في الأنفاق، كما ادعت جميع الروايات الإسرائيلية السابقة، لتثبت طريقة استشهاده أن السنوار ظل في الميدان حتى الرمق الأخير، متحديًا كل محاولات الاحتلال لتشويه صورته، وليؤكد أن القادة الحقيقيين يظلون في الصفوف الأمامية مع مقاتليهم حتى النهاية.
رغم تباهي الاحتلال بقدراته الاستخباراتية لأشهر طويلة، واستعانته بأفضل القوات الأمريكية والبريطانية في عمليات البحث عن المطلوبين، إلا أنه فشل في تعقّب يحيى السنوار حتى سقط شهيدًا بمحض الصدفة، كما اعترف المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، الذي أقرّ بالقول: “لم نكن نعلم بوجوده هناك، في البداية تعرفنا عليه بوصفه مسلحًا داخل أحد المباني، وشوهد وهو ملثم يلقي لوحًا خشبيًا نحو الطائرة المسيرة حتى الثواني الأخيرة من مقتله”.
خاض السنوار معركته الأخيرة ببسالة وثبات حتى استنفد كل رصاصة في جعبته، محرمًا الاحتلال من تحقيق “نصره الرمزي” عبر اغتياله في نفق أو العثور عليه مختبئًا بين المدنيين، كما روجت رواياتهم طوال عام كامل، ليثبت السنوار أنه كان يقاتل فوق الأرض إلى جانب رفاقه، متحركًا بين الجبهات بمرونة، حتى جاء أمر الله على بعد خطوات من منطقة عمليات إسرائيلية، ليكتب فصلًا جديدًا من الفداء والتضحية في سجلّ المقاومة.
مقبلًا غير مدبر
أثار خبر استشهاد السنوار وطريقة ارتقائه ردود فعل واسعة وجعلت من استشهاده أيقونةً تتردد أصداؤها في أوساط المقاومة وأنصارها، حيث تصدر اسمه محركات البحث في مواقع التواصل الاجتماعي، ونعاه الآلاف عبر منصتي “إكس” و”فيسبوك”.
بينما خلّدت مقاطع الفيديو الأخيرة له، الذي بثها الاحتلال، وهو يرمي المسيّرة الإسرائيلية بقطعة من الخشب، صورًة ملحمية عبرت عن سيرة قائد مشتبك أمضى حياته مقاومًا عنيدًا لم تثن سنوات السجن من عزيمته، حسب وصف الكثيرين.
بيد واحدة بقي يقاوم بعد أن بُترت يمينه في القتال، هذه النهاية الملحمية تليق بقائد من طراز فريد، وما تركه خلفه من ميراث المجد والمقاومة وإمكانية كسر العدو مسار مرسوم بالدم لمن أراد أن يسير خلف الشهيد القائد..
— أبو خالد (@AbdulqdoosA) October 17, 2024
واعتبر مغردون أن طريقة استشهاد السنوار أدت إلى استفزاز العدو، حيث لم يمت كما أرادت “إسرائيل” عبر عملية اغتيال أو تصفية مخطط لها، بل اختار أن يقاتل حتى النهاية في مواجهة مباشرة، مانعًا العدو من التلذذ بإنجاز اغتياله، مما يجعل موته استمرارًا لإثارة التحدي حتى الرمق الأخير.
رحمه الله، حتى في استشهاده كان الرجل مستفزاً لعدوه، لم يقتل اغتيالاً ولا تصفية كغيره بل حرمهم لذة نصر موته بان يكون مقاتلا مشتبكاًً كأي جندي اخر.
عجيب هذا الطوفان وعجيب ما خلقه في هذا العالم وما سيأتي علينا جميعا بعده.
— عبدالعزيز الوثّيري (@war13vv) October 17, 2024
بينما اعتبروا أن السنوار كان مصرًا على خوض المعركة بنفسه، ورفض البقاء في مواقع القيادة البعيدة عن ساحات القتال، مما يعكس التزامه الشخصي بالمواجهة جنبًا إلى جنب مع رفاقه، وإيمانه بضرورة المشاركة المباشرة في العمل الميداني.
وعبّرت هبة عبد الجواد عن مدى تأثير استشهاد السنوار، إذ بدا وكأنه تأبين جماعي يعكس أثره العميق على النفوس، ليس فقط في سياق المقاومة، بل أيضًا في توحيد مشاعر الناس عبر اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم، جامعًا بينهم على حبّ الإقدام والشجاعة التي أظهرها السنوار.
كأنه تأبين مفتوح على مصراعيه ترى فيه أثر عام كامل في النفوس رغم اختلاف المشارب فكريا.
أثر شجاعة المواجهة والإقدام التي أزاحت شجاعة اليأس من على كاهل جموع أثقلتها هزائم الربيع العربي.
جسده المسجى جمع القاصي والداني حبًا في فعل الإقدام كأنه الفعل الذي نتمنى أن نكون عليه جميعًا..
— هبة عبد الجواد Heba Abdulljawad (@Heba_gawad) October 17, 2024
ترحيب غربي
وبينما التزمت الدول العربية الصمت حيال استشهاد يحيى السنوار، سارع العديد من الدول الغربية إلى الترحيب بخبر مقتله، واصفة الحدث بأنه “فرصة لتعزيز السلام” و”تطور إيجابي” على صعيد حلّ الأزمة، مع الأمل في الإفراج غير المشروط عن الأسرى الإسرائيليين، فقد وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، مقتل السنوار بأنه “يوم جيد لإسرائيل وأمريكا والعالم”.
وقال بايدن أن مقتله “يزيل عقبة أساسية أمام التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى المحتجزين في القطاع”، إضافة إلى اتصاله برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتهنئته على مقتل السنوار.
أما نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية المقبلة، كامالا هاريس اعتبر أن مقتل السنوار يشكل “فرصة لإنهاء الحرب في غزة “، بينما قال مستشار الأمن القومي جاك سوليفان “أنه لم يكن للولايات المتحدة أيّ دور في عملية قتل السنوار التي تمت خلال اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي”.
وفي ذات السياق، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون مقتل السنوار “نقطة تحول” قائلًا عبر منصة “إكس” أنه “يجب اغتنام هذه الفرصة لتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين وإنهاء الحرب أخيرًا”.
فيما أكد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستورمر، إن بلاده “لن يبكيها” مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار “العقل المدبّر لأكثر الأيام دموية في التاريخ اليهودي منذ المحرقة”.
من جهته كرر المستشار الألماني، أولاف شولتس، رواية الاحتلال الكاذبة قائلًا “إن المتشدد قد ارتكب أسوأ الجرائم في الهجوم غير الإنساني الذي شنته حماس على المواطنين الإسرائيليين الذين قتلوا واغتصبوا وتعرضوا للإذلال بأبشع الطرق” مضيفًا أن “السنوار هو المسؤول عن ذلك”، بحسب وصفه.
بدوره، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عبر حسابه في منصة “إكس” إن السنوار “كان عقبة أمام وقف إطلاق النار والإفراج غير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين”. بعد وصفه بأنه “كان إرهابيًا، مدرجًا على قائمة الاتحاد الأوروبي (للارهابيين).
المقاومة تنعي السنوار
من جانبها نعت حركات المقاومة في فلسطين السنوار، وأصدر الجناح العسكري لحركة حماس بيانا اعتبر فيه أن السنوار “ارتقى مقبلًا غير مدبر في أشرف المعارك”، مؤكدة أن “مسيرة الجهاد لن تتوقّف حتى تحرير فلسطين.. وإن إسرائيل تخطئ إن ظنت أنها باغتيال قادة المقاومة ستدفعها الى التراجع”.
وأصدر حزب الله اللبناني بيانا اعتبر فيه أن السنوار “حمل الأمانة وشعلة القيادة من الشهيد القائد إسماعيل هنية، كي يكمل مسيرة المقاومة والعطاء والتضحيات مع المجاهدين الأبطال والمقاومين الشجعان، الذي وقف في مواجهة المشروع الأمريكي والاحتلال الصهيوني، وبذل في سبيل ذلك دمه حتى نال الشهادة وأسمى مراتب الكرامة والكمال الإنساني”.
من جانبه أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن السنوار سيبقى “مصدر إلهام للمقاومين في المنطقة”، مضيفاً أن “قضية تحرير فلسطين من الاحتلال صارت اليوم نابضة بالحياة أكثر من أي وقت مضى”.
في حين اكتفى الأزهر الشريف، المؤسسة الإسلامية الكبرى، بإصدار بيان خجول أشار فيه إلى “شهداء المقاومة الفلسطينية الأبطال” دون تسمية السنوار بالاسم أو تخصيصه في النعي، جاء فيه أن “شهداء المقاومة الفلسطينية كانوا مقاومين بحق، أرهبوا عدوهم، وأدخلوا الخوف والرعب في قلوبهم، ولم يكونوا إرهابيين كما يحاول العدو تصويرهم كذبًا وخداعًا”.
وبينما غاب إصدار أي بيان رسمي من قبل تركيا، كتب وزير الداخلية السابق، والنائب البرلماني سليمان صويلو، عبر حسابه في منصة “إكس” قائلًا “إننا ننحني إجلالاً أمام استشهاد القائد يحيى السنوار، الذي كان يدافع عن غزة واجهة العالمي الإسلامي، كما كانت مدينة شناق قلعة أولى جبهاتنا الإسلامية والتركية من قبل. فسلام الله على قائد لم يتخلى عن جبهته”
Yahya Sinvar’ın Şehadeti önünde saygıyla eğiliyorum.
Çanakkale; İslam ve Türk dünyasının ön cephesiydi. Gazze de İslam ve Türk dünyasının ön cephesidir.
Cephesini terk etmeyen komutana selam olsun.
— Süleyman Soylu (@suleymansoylu) October 17, 2024