أعاد استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقائد “طوفان الأقصى”، الشهيد يحيى السنوار، النقاش مجددًا حول مستقبل الحرب العدوانية التي تشنّها “إسرائيل” وتجاوزت بحدودها قطاع غزة الذي لم تحسم فيه المعركة، لينتقل ثقلها إلى شمال فلسطين المحتلة وتتوسع أهدافها.
يعزى إلى السنوار أنه صاحب القرار الرئيسي في انطلاق هجوم السابع من أكتوبر، ويتهمه الاحتلال، والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، بأنه المحرك الرئيسي لكل مفاعيل “طوفان الأقصى”، وأنه المقرر الأساسي في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وبالتالي -وفق تقدير المذكورين- فإن هذا الغياب سيصحبه أثر كبير على مجريات الحرب.
يقدر الاحتلال أن المركزية الكبيرة التي تمتّع بها يحيى السنوار في مستويات صنع القرار في حركة حماس، وفي قيادة جناحها العسكري، إضافة إلى الثقل المعنوي الذي كان يمثله بقاؤه حيًّا طوال هذه المدة، ستؤدي إلى نتيجة عكسية على المقاومة الفلسطينية بعد غيابه، إذ تعود الرهانات مجددًا على احتمالات الانهيار الداخلي بفعل الضغط الكبير والاغتيالات وضرب سلسلة القيادة، ما سيفتح المجال أمام ارتكاب الأخطاء أو تقديم التنازلات، ومنح نتنياهو “نصره المطلق” الذي انتظره كثيرًا.
إذًا، هل يقترب الواقع من التقدير، أم أن المقاومة الفلسطينية قد استعدت للتعامل مع هذا السيناريو منذ سنوات طويلة خلت، وعزز الجهوزية لهذا منذ انطلاق “طوفان الأقصى”؟ وبالتالي فإن استشهاد يحيى السنوار سيكون دليلًا جديدًا على حجم التضحية لدى قيادة المقاومة، ويعكس نفسه على مزيد من الصلابة والتماسك للمضيّ قدمًا في إفشال أهداف الاحتلال.
نشوة إسرائيلية ومزيد من الاندفاع
خطاب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن فيه قتل السنوار، حمل ملامح واضحة من النشوة المتوقعة، وتعبيرات تعكس بوضوح الإصرار الإسرائيلي على المضي قدمًا في حرب الإبادة، والعمل على إحداث تغيير استراتيجي شامل يقرّبها من الشرق الأوسط الجديد المنشود.
كانت تعبيرات نتنياهو واضحة: “لم تنتهِ الحرب بعد”، و”لم تنتهِ مهمتنا بعد”، فأهداف الحرب الإسرائيلية لم تتحقق، ولا تزال الشهية الإسرائيلية العارمة للمزيد من القتل والحسم الواسع في أوجها، في الوقت الذي يرى فيه نتنياهو أنه يسجّل نجاحات غير مسبوقة في تحييد رمزيات المقاومة وقادتها، يكاد يعيد صياغة المشهد القيادي في القوى الفلسطينية، وقوى محور المقاومة.
دعا نتنياهو المقاومين إلى تسليم سلاحهم وتسليم المخطوفين الإسرائيليين مقابل الأمان، ودعا كذلك أهالي قطاع غزة، ومن قبلهم اللبنانيين في كلمة سابقة، إلى “رفض” فعل قوى المقاومة والتمرد عليها، ليحصلوا على “الحياة” وفقًا للمقاييس الإسرائيلية، في دعوة لا تعكس عبثية النداء، بل إنها رهان إسرائيلي واضح على إمكانية استثمار الضغط الشديد والضربات المتلاحقة في إحداث شرخ مؤثر بين مستويات القيادة والقاعدة المنهكة، تؤدي إلى تسلسل في الانهيارات يعجّل حسمًا عسكريًا لمجريات القتال طال كثيرًا ولا أفق ميداني قريب له.
صورة قتل يحيى السنوار سيطرت على عقل وطموح بنيامين نتنياهو منذ اللحظات الأولى التي اتضح فيها مشهد السابع من أكتوبر، لتشكّل في وجدان قادة الحرب الصهاينة مكونًا رئيسيًا من صورة “النصر المطلق” التي بحثوا عنها كثيرًا، إلا أن مجريات الواقع لم تتلاءم مع الطموح الإسرائيلي بتنفيذ عملية اغتيال كبرى تظهر فيها القدرة الإسرائيلية الفائقة في الوصول إلى خصومها وتصفيتهم في مكامنهم، وهو ما حاول نتنياهو جاهدًا تعويضه عبر تصدير روايته للمشهد، ومحاولة تصوير أن الادّعاءات الإسرائيلية حول طريقة تخفي يحيى السنوار وتحصّنه صحيحة.
لن تتوقف الاندفاعة الإسرائيلية قريبًا، وإن كانت تقع في صلب أهداف الحرب الإسرائيلية صورة النجاح الإسرائيلي في تصفية قادة المقاومة الفلسطينية، وكل من تتهمهم بالمسؤولية عن عملية السابع من أكتوبر، إلا أنها أهداف تعدّت في جوهرها مواجهة “طوفان الأقصى”، وعكست التوجّه العداوني الواسع لدى حكومة الاحتلال، وسعي نتنياهو المستميت لإعادة هندسة الشرق الأوسط الذي تقوده “إسرائيل”.
ثبات وتماسك
على المقلب الآخر، فإن حركة حماس على نحو الخصوص، والمقاومة الفلسطينية عمومًا، فقدت قائدًا مهمًّا ومحوريًا، وصاحب توجهات استراتيجية ومشروع مقاوم واضح المعالم، تمتّع بدور مركزي في المشهد القيادي، وفي بلورة معادلات العمل المشترك والتكامل القيادي.
إلا أنه من المهم إعادة تأكيد أن يحيى السنوار قد حمل مشروع تغيير ومواجهة استراتيجيًا، لكنه لم يكن مشروعه وحده، ولم يحمله وحده أيضًا، بل كان تعبيرًا عن توجُّه قيادي واسع، حملته المؤسسة التنظيمية في حركة حماس، وأجنحتها العسكرية والجماهيرية والدعوية، ومستواها السياسي.
وعلى الرغم من محاولات التصوير المتعددة والدعاية التي يقف الاحتلال خلفها بدرجة أساسية، وأطراف أخرى موالية ومتقاطعة مع أهداف الاحتلال بدرجة ثانوية، التي تدّعي أن يحيى السنوار وفريقه المصغّر قد اتخذوا هذا المسار بمعزل عن التوجه الجمعي، في حركة حماس أولًا، وفي المقاومة الفلسطينية ثانيًا، وفي قوى محور المقاومة ثالثًا، فإن الواقع مغاير تمامًا.
على أرض الواقع، كثيرة هي الشواهد على كون خيار “طوفان الأقصى”، والتمسك بالصمود وإفشال أهداف الاحتلال، والاستعداد للمضي حتى نهاية الطريق من المقاومة الفلسطينية وحلفائها خيارًا استراتيجيًا، وقد مثّل اختيار يحيى السنوار رئيسًا بالإجماع للمكتب السياسي لحركة حماس التعبير الحمساوي الأوضح حول قرار كل أجنحة الحركة ومستوياتها وأقاليمها الالتفاف حول خيار المواجهة، والتمسك بـ”طوفان الأقصى”.
على صعيد قوى المقاومة، فمواقف القوى والفصائل من يسارها إلى يمينها واضحة، ولا لبس ولا تردد فيها، بكون “طوفان الأقصى” مسار تغيير ومواجهة استراتيجيًا يتمسّك الجميع بخوض غماره في مواجهة الاندفاعة الإسرائيلية.
في محور المقاومة، فإن خيار “حزب الله” واضح، تمسك فيه الحزب قبل اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وتمسك فيه أيضًا بعد الاغتيال وتوسع الهجمة الاسرائيلية على مرافق ومواقع الحزب اللبناني، وعبّر عن مساره بوضوح نائب أمينه العام نعيم قاسم، بأن لا عودة لمستوطني شمالي فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم دون انتهاء الحرب.
الأمر سواء في الموقف اليمني، والتصعيد الإيراني غير المسبوق، فالاندفاعة الإسرائيلية لم تجد مقابلها ترددًا وتراجعًا، بل إقداما وتجاوزًا للمساحات الرمادية، وإدراكًا من الجميع بأن ما ينشده نتنياهو ليس سوى شرق أوسط إسرائيلي بامتياز، وبأن الدوائر ستدور على كل قوى المنطقة غير المتماهية مع السياسات الأمريكية.
ستشكّل الطريقة التي استشهد فيها يحيى السنوار، مقاتلًا متقدمًا مشتبكًا، حافزًا غير مسبوق للمقاومة الفلسطينية، لتجديد حيوية طوفانها، والتمسك بالمحددات التي أجمع عليها مع رفاقه في قيادة المقاومة الفلسطينية بوصفها مسارًا فعليًا وحقيقيًا في مواجهة الإجرام الإسرائيلي ومخططات التصفية.
سيشكّل استشهاد السنوار معولًا جديدًا من معاول تصليب الموقف المقاوم، وتثبيته، كما سيشكّل فرصة مهمة لتظهير حجم صلابة وحدة الموقف والتوجه، بخلاف الدعاية الإسرائيلية التي حاولت كثيرًا الاستثمار في فكرة أن “طوفان الأقصى” وقيادته كانتا حصرًا بيد يحيى السنوار وفريقه المصغّر.
عرض أمريكي جديد وفرص تبادل الأسرى
على عجل، خرجت الولايات المتحدة بعد أن هنّأت “إسرائيل” على قتل يحيى السنوار، لتعلن أنها ستسعى إلى تقديم مقترح جديد للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى، وأن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، سيطير إلى الشرق الأوسط خلال أيام حاملًا المقترح الجديد.
في “إسرائيل”، عادت أصوات كثيرة إلى الحديث عن صفقة التبادل ووجود أفق جديد لها بعد استشهاد يحيى السنوار، وأن الفرصة الحالية قد تكون من أكثر الفرص الذهبية التي لم تلح في الأفق منذ بداية الحرب على قطاع غزة.
على الرغم من أنه لا نية جدّية حقيقية لدى نتنياهو في التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى، ومن الواضح أنه قد تجاوز منذ اللحظة الأولى للحرب على قطاع غزة المعضلة الأخلاقية المرتبطة بضرورة إعادة الأسرى والتوصل إلى صفقة تبادل، فإنه بالطبع لن يوفر إمكانية الظفر بكل شيء: استمرار في الحرب، وصفقة تبادل لا يقدم فيها أية تنازلات جوهرية.
لا يعكس الحديث الأمريكي، وبعض الأصوات الإسرائيلية، أي حراك أو تغيُّر جدّي، ولا ينطلق من كون حكومة الاحتلال قد تليّن موقفها أو تقبل بما لم تقبله سابقًا في صفقة تبادل الأسرى، وفي المقدمة منه إنهاء الحرب والوقف الشامل لإطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة، بل على النقيض تمامًا، تنطلق هذه التحركات من وهم أن استشهاد يحيى السنوار سيكسر الموقف التفاوضي الفلسطيني، وأن يحيى السنوار -كما حاولت آلة الاعلام الإسرائيلية الادّعاء مرارًا- من يقف عثرة أمام نجاح التفاوض في الوصول إلى صفقة تقبل فيها المقاومة بأقل من الحد الأدنى المعلن سابقًا.
المستوى الآخر من الوهم يتمثل بالاعتقاد بأن استشهاد يحيى السنوار سيضرب سلسلة القيادة الطبيعية في حركة حماس، وسيدفع الحركة إلى البحث عن أول العروض لالتقاطها والهرولة نحوها للتوصل إلى صفقة بأية صيغة، تسمح لها بإعادة لملمة صفوفها وترتيب أوضاعها، والتعامل مع تجليات الواقع الجديد.
لا تمتّ الأوهام المذكورة سلفًا للواقع بأية صلة، فقد روّج الاحتلال حين اغتال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، إسماعيل هنية، أنه من كان يعرقل إمكانية تقديم حماس لتنازلات جوهرية، والأمر كان كذلك حين اغتال العاروري، والآن حين استشهد يحيى السنوار ملتحقًا برفيقَيه في قيادة الحركة.
أخذت الاستراتيجية التفاوضية التي أقرّتها المقاومة في الحسبان تمامًا فرضية اغتيال القيادات، وهي تعمل وفق منهجية وأُسُس واضحة، ولا تتأثر بأية مجريات سبق وأن صنّفتها قيادة المقاومة بأنها جزء متوقع من مجريات الحرب العدوانية، وفي المقدمة منها عمليات الاغتيال، والمجازر الإسرائيلية الكبرى، وحتى توسع رقعة الاشتباك والمواجهة.
تخوض المقاومة غمار عملية التفاوض بالفريق التفاوضي ذاته الذي يقوده نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة (أي نائب يحيى السنوار سابقًا) وعضو مكتبها السياسي خليل الحية، برفقة جزء من أعضاء المكتب السياسي، من داخل قطاع غزة وخارجه، ويعملون بوتيرة ثابتة وواضحة، ضمن توافق وطني على الحد الأدنى المقبول، والخطوط الحمراء في التنازل، وهو مسار ثابت ليس ثمة ملامح تغيير فيه.
يؤكد انخراط يحيى السنوار في جبهات القتال والمواجهة، وهو ما أثبته شكل ومكان وطريقة الاستشهاد، أن يحيى السنوار قد فوّض رفاقه في قيادة الحركة بالعديد من الصلاحيات القيادية، واتفق معهم مسبقًا على استراتيجيات القيادة وملامحها، وترك التنفيذ للبناء المؤسساتي والقيادي الجاهز لاستيعاب كل الضربات وتجاوزها، والحفاظ على تماسك منظومتها القيادية ومسارات عملها، وقد أثبت أكثر من عام من الحرب على قطاع غزة مدى هذا التماسك والصلابة والديناميكية غير المعهودة.
لن تقدم حركة حماس أية تنازلات جوهرية، كما أنها لن تدخل تغييرات على شكل وطبيعة العملية التفاوضية، وما كان ساريًا قبل استشهاد يحيى السنوار سيبقى ساريًا بعد استشهاده، وأي تغيير فيه سيخضع لنقاش قيادي، ليس على مستوى حركة حماس فحسب، بل على مستوى قوى المقاومة بأسرها، التي تشارك في دراسة وصياغة كل العروض، وهذا ما كان سيكون بوجود إسماعيل هنية وبعد استشهاده، وما سيكون بوجود يحيى السنوار وبعد استشهاده.
وهذا ما أكده عضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية في كلمته التي نعى فيها السنوار، حين قال إن “أسرى إسرائيل لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة والانسحاب الكامل منها وخروج أسرانا من المعتقلات”، وهي نفس شروط الحركة سابقا والتي لم تتغير باستشهاد السنوار.
معادلات الاستنزاف
لن تلجأ المقاومة في المرحلة القادمة إلى اتخاذ تغييرات دراماتيكية في مجرى الأحداث، ولن يدخلها استشهاد يحيى السنوار في معادلة حسابات جديدة للموقف والاستراتيجية، بل على العكس تمامًا، ستعمل المقاومة على تجاوز أثر غياب يحيى السنوار بهدوء وروية، مع الحفاظ على المسار الذي خطّه بنفسه، ضمن محددات العمل المتوافق عليه مسبقًا لمجريات المعركة.
في الذكرى الأولى لـ”طوفان الأقصى”، أكدت كتائب القسام أن قصفها تل أبيب يأتي في سياق “حرب الاستنزاف المستمرة مع الاحتلال”، وقد ورد التأكيد ذاته في كلمة الناطق باسمها أبو عبيدة، وهو التعبير الواضح عن الانتقال إلى مستوى جديد من القتال ومواجهة العدوان الإسرائيلي.
في الوقت الذي يبحث الاحتلال عن حسم معاركه، وتحقيق أهدافه، تعي المقاومة تمامًا أن المعركة لا تزال طويلة، وأن درب إفشال الاحتلال ومنعه من تحقيق أهدافه درب يحمل في طياته الكثير من المنعطفات والآلام، ويحتاج إلى نفس طويل وقدرة مستمرة على التعامل مع الضربات والاستهدافات.
انتقلت المقاومة إلى مرحلة الاستنزاف في دليل على انعدام خشيتها من خوض المسار الطويل، وهي تعرف تمامًا أن كلمة السر مرتبطة بالصمود والمواجهة لإفشال مخططات الاحتلال، فبعد عام من القتال المستمر لم ينجح الاحتلال لا في تفكيك بنية المقاومة ولا في هزيمتها، ولا حتى ضرب منظومات القيادة والسيطرة فيها، كما لم ينجح في لمس أية بوادر لإمكانية هندستها لـ”اليوم التالي” في قطاع غزة.
من المفهوم أن أي “يوم تالٍ” تريد “إسرائيل” تثبيته يحتاج في جوهره إلى انعدام القدرة الفلسطينية على المواجهة، وبالتالي إن بقاء المقاومة صامدة وقادرة على توجيه الضربات واستنزاف جيش الاحتلال، يبقى صمّام الأمان الرئيسي في إفشال أهداف الحرب الإسرائيلي وكسر الاندفاعة الإسرائيلية المستمرة.
يحاول نتنياهو جاهدًا تحقيق نتائج حاسمة على أرض الواقع قبل انتهاء السباق الانتخابي الأمريكي ووصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، وبالتالي إنه يسابق الزمن ليحسم أي فعل مقاوم وقدرة على المواجهة، ليضمن سلاسة الانسجام الأمريكي مع توجهاته في حسم معادلات المنطقة، وتشكيل “الشرق الأوسط الجديد” الذي تتسيّده “إسرائيل”.
تعمل المقاومة في قطاع غزة وفق عقلية ومنهج الاستنزاف الأقصى لجيش الاحتلال، وتحويل تواجده على الأرض في قطاع غزة إلى فرصة مستمرة لاستهدافه ورفع كلفة هذا التواجد، والأمر سواء في منطق الاستنزاف الذي يعتمده “حزب الله” في المواجهة شمال فلسطين المحتلة، وفي الضربات المنطلقة من اليمن والعراق.
لقد قاد يحيى السنوار الهجوم الذي يحمل في طياته بوادر التغيير للشرق الأوسط كله، ويعيد إلى القضية الفلسطينية زخمها وموقعها الاستراتيجي، وبحث السنوار في هجومه عن أوسع جبهة اشتباك مع الاحتلال، تدفع العالم أجمع إلى إدراك أن المعادلات كلها قد تغيرت، وأن “إسرائيل” ليست “الغول” الذي يستطيع أن يبطش ويحسم معاركه بالقوة، ولا يمكن التصدي له وإفشاله في تحقيق أهدافه وتحقيق انتصارات واضحة عليه، وهو ما يقاتل الاحتلال بكل قوته، ومن خلفه الولايات المتحدة ومعسكر حلفائها، من أجل إثبات عكسه وتفوق “إسرائيل” المطلق في المنطقة.
إنها معركة تتطلب نفسًا طويلًا وعزيمة صلبة، وصمودًا يجهض أوهام الحسم العسكري كلها، ويدفع الجميع إلى الإقرار بأن حقوق الشعب الفلسطيني المفتاح الوحيد لأمن الشرق الأوسط والعالم بأسره.