من المنتظر أن تنطلق غدًا وبعد غد الـ6 و7 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، مفاوضات في جنيف بشأن قضية الصحراء الغربية، ستجمع كل الأطراف المعنية بالنزاع وذلك من أجل التوصل إلى حل ينهي هذا النزاع القائم منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن بين المغرب وجبهة البوليساريو.
تأتي هذه الخطوة في ظل تطورات إقليمية تشهدها المنطقة لعل من أهمها دعوة العاهل المغربي جارته الشرقية الجزائر إلى تأسيس لجنة مشتركة لبحث الملفات الخلافية العالقة بينهما بما فيها الحدود المغلقة، مؤكدًا أن مهمتها ستتمثل في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية وصدق وحسن نية وبأجندة مفتوحة ودون شرط أو استثناءات، جاء ذلك في خطاب ألقاه الملك المغربي بمناسبة الذكرى الـ43 لما يعرف بـ”المسيرة الخضراء” في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم.
اللافت للنظر والجديد في هذه المفاوضات التي دعا إليها المبعوث الشخصي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء الغربية هورست كوهلر هو قبول المغرب أو رضوخه لقبول حضور الجزائر على دائرة النقاش بالإضافة إلى موريتانيا، بعد أن كان المغرب يرفض ذلك في السابق باعتبار أن النزاع قائم بينه وبين جبهة البوليساريو، وإقليم الصحراء الغربية ما هو إلا جزء لا يتجزأ من أراضيه ويدعي عليه حقوقًا تاريخية ويفرض حكمه كأمر واقعي، في حين تطالب جبهة البوليساريو بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
نتيجة للتعقيدات والتداخلات المتشابكة لهذه القضية وتدرجها إلى قضية جيوسياسية تتصارع عليها أهم قوتين في المنطقة، غدت هذه الأزمة من أكثر النزاعات التي واجهتها المنظمات الإقليمية والدولية تعقيدًا
قد يبدو ظاهريًا أن الأمر كذلك، أي أن النزاع محصور بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، بيد أننا إذا ما عدنا إلى أسباب النزاع والسياق التاريخي الذي اندلع فيه سيتضح لنا أن له أبعادًا مترابطة سياسة واقتصادية وتنافسية، بعضها ضارب في التاريخ المحلي الإقليمي للمنطقة المغاربية، تلعب الجزائر فيه دورًا كبيرًا كونها أهم داعم لجبهة البوليساريو مع اعتماد واستناد هذه الأخيرة عليها، وذلك رغم تأكيد الجزائر مرارًا وتكرارًا أنها ليست لها أطماع أو مطالب سيادية في الإقليم قائمة على التاريخ، وإنما تعتبر أن إقليم الصحراء الغربية يصنف ضمن الأقاليم المستعمرة التي لم تتمتع بحق تقرير المصير المنصوص عليه في المادتين 1 و59 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة وعلى هذا الأساس يجب على السلطة المديرة للإقليم أن تمنحه الاستقلال.
نتيجة للتعقيدات والتداخلات المتشابكة لهذه القضية وتدرجها إلى قضية جيوسياسية تتصارع عليها أهم قوتين في المنطقة، غدت هذه الأزمة من أكثر النزاعات التي واجهتها المنظمات الإقليمية والدولية تعقيدًا، وظلت مستعصية على الحل إلى حد كتابة هذه السطور، رغم جهود ومحاولات أبرز المنظمات المعنية بمختلف وسائلها في إيجاد حل يرضي الأطراف المعنية به.
ملك المغرب مع المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية هورست كولر
عرفت هذه القضية مبادرات تسوية ومقترحات حلول من عدة فاعلين إقليميين ودوليين على رأسهم منظمة الوحدة الإفريقية سابقًا (الاتحاد الإفريقي حاليًّا)، ومنظمة الأمم المتحدة التي عينت عدة مبعوثين خاصين للأمين العام للأمم المتحدة مكلفين بهذه القضية وأصدرت بشأنها العديد من القرارات وأرسلت إليها بعثة لحفظ السلام (المينورسو) مباشرة بعد نجاحها في وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو سنة 1991، من أجل الإشراف على استفتاء تقرير مصير في الإقليم كان من المقرر تنظيمه نهاية التسعينيات إلا أن هذا الاستفتاء لم ينفذ بسبب الخلافات بين الجانبين المتنازعين فيما يخص مسألة تحديد هوية من يحق لهم التصويت والإحصاء السكاني.
نظمت بعد ذلك جولات عديدة كان آخرها قبل 10 سنوات من الآن، كان أبرز ما تمخضت عنه هو مقترح مقدم من المغرب يقضي بمنح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا موسعًا في إطار سيادته، وبمنح الصحراويين حق تسيير شؤونهم بأنفسهم من خلال إقامة هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، غير أن الجبهة رفضت ذلك وظلت متشبثة بحق تقرير المصير.
وفي انتظار مفاوضات الغد التي يتفاءل بها العديد من الأوساط يحق لنا التساؤل: هل الأطراف المعنية مستعدة لتقديم تنازلات من أجل البحث عن وسيلة جادة لإنهاء هذه الأزمة أم أن حوار الصم سيستمر ويبقى كل طرف متمسكًا بموقفه؟