قبل أسبوع، أجرت شركة “أسيلسان” التركية المتخصصة في الصناعات العسكرية والإلكترونية، تجربة على الأراضي القطرية، لاختبار أحدث أسلحتها محلية الصنع، سلاح “صرب – ظفر” وفق بنود صفقة برق التي أبرمت مارس الماضي، بين الشركة التركية وبرزان القابضة التابعة لوزارة الدفاع القطرية، لتكتب تاريخًا جديدًا في العلاقات بين البلدين.
وتعد التجربة باقورة اختبارات منظومة وسط صحراء قطر، وهي مرحلة مهمة في قطف ثمار التعاون والاستثمار العسكري بين البلدين، بجانب دفع جدية العلاقات بينهما إلى آفاق أكثر عمقًا، لا تقف عن حدود احتضان القاعدة العسكرية التركية الأولى في المنطقة وسلسلة الاتفاقيات العسكرية والأمنية والدفاعية التي أبرمت بينهما طوال الفترات الماضية.
تقف منظومة سلاح “صرب – ظفر” التي جرى اختبار لها في الصحراء القطرية، على رأس الأسلحة ذات خاصية التحكم عن بُعد لدى الشركة التركية الشهيرة
ومنذ عامين، والعلاقة بين الدوحة وأنقرة تتطور بشكل مذهل، يعكس ذلك كثرة تبادل الزيارات والحضور القطري والعكس في كل أزمة تحيط بأي منهما، ويحرص المسؤولون في البلدين من شتى التخصصات على ارتباط كل منهما بالآخر، باتفاقيات شراكة وتعاون، تزيد من التزامات كل طرف في دفع العلاقات إلى مسافات أبعد مما يتوقع أحد.
لماذا “صرب ـ ظفر”؟
تقف منظومة سلاح “صرب – ظفر” التي جرى اختبار لها في الصحراء القطرية، على رأس الأسلحة ذات خاصية التحكم عن بعد لدى الشركة التركية الشهيرة وتم إخضاعها لاختبارات مكثفة من جهة الجيش القطري للوقوف على مدى كفاءتها، لا سيما بعدما تطورت المنظومة بشكل كبير، بعد الاهتمام الكبير الذي أبدته بعض الدول بالسلاح التركي وعلى رأسهم قطر.
اختبارات الإطلاق التي بدأت في الصحارى القطرية، بعد تركيبها على مركبة “يوروك القتالية” طورتها شركة “نورول ماكينة” التركية أيضًا، ومن أهم ميزات المنظومة قدرتها على تلقيم الذخيرة من داخل المركبة القتالية دون الحاجة إلى خروج العناصر، فضلاً عن تصميمها الذي ينعكس إيجابًا على المركبة خلال العمليات في المناطق المأهولة.
وتقول المعلومات المتاحة عن المنظومة الجديدة التي تمت تجربتها في قطر، إنها تتيح إمكانية التحكم والمراقبة عن بُعد وتحديد الأهداف بطريقة أوتوماتيكية وتحييد الأهداف المتحركة، إلى جانب ضمانها حماية العناصر العسكرية على مستويات عالية، خاصة أن شركة “أسيلسان” زودت منظومة سلاح “صرب – ظفر” بآلية قياس المسافات ووضع العلامات على الأهداف عبر الليزر، مما يمنح قطر قدرات عسكرية جديدة، سلطت الضوء عليها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وأكدت أنها خطوة عسكرية متقدمة على طريق تحسين العلاقات بين قطر وتركيا، ومرحلة جديدة في تعزيز القوة المسلحة لقطر التي تبدو عازمة على عدم التراجع أمام السعودية والصمود أمامها أطول وقت ممكن، ولكن يكون ذلك إلا بامتلاك أدوات القوة من دولة قوية حليفة لها بوزن تركيا.
تمد صفقة السيارات المدرعة، القوات المسلحة القطرية بـ85 سيارة مدرعة، منها 50 من طراز كيربي، و35 من طراز أمازون
وتركز الدفاعات القطرية على السلاح التركي حاليًّا، وقبل صفقة “صرب ـ ظفر” وقعت شركة “بي إم سي” التركية للصناعات العسكرية، اتفاقية مع القوات المسلحة القطرية، تشتري بموجبها الأخيرة 85 سيارة مدرعة على هامش معرض ومؤتمر الدوحة للدفاع البحري “ديمدكس 2018” الذي انعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، وشهد المعرض عروضًا ضخمة للشركات العالمية، وصل عددها إلى 180 عارضًا من أكثر من 60 بلدًا في مجال الصناعات البحرية والعسكرية، وشاركت تركيا وحدها في المعرض بنحو 33 شركة عاملة في مجال الصناعات الدفاعية.
وتمد صفقة السيارات المدرعة، القوات المسلحة القطرية بـ85 سيارة مدرعة، منها 50 من طراز كيربي، و35 من طراز أمازون وفق المصدر، وهي سيارات متميزة وعليها طلب كبير من العديد من دول العالم، وخاصة الجيش التركمانساتي والتونسي، بحسب أدهم سنجاكتار رئيس مجلس إدارة “بي إم سي”.
ثمار التعاون العسكري والسياسي بين قطر وتركيا
في أوائل يونيو/حزيران من العام الماضي، سارعت قطر وتركيا لتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت بينهما منذ عام 2014، وشملت الإجراءات السريعة التي اتخذت في ضوء انقلاب دول الجوار على قطر، وخاصة السعودية والإمارات والبحرين، وفرض قيود على حركة الملاحة الجوية والمعابر البرية إبرام اتفاقيتين تسمحان بنشر قوات عسكرية بقاعدة تركية في قطر بجانب تدريب قوات الدرك القطرية.
مستوى اللقاءات التي جمعت بين تميم وأردوغان وعددها، تؤكد ذكاء استباقي قطري في توقع الأحداث، ومن هو الحليف الذي يجب أن تكون قطر على راداره ومن هنا كان أردوغان.
تنظر تركيا إلى قطر أنها كانت دائمًا وخاصة خلال السنوات العشرة الماضية “حليف الأوقات الصعبة الأخيرة”
خلال القمم التي جمعت بين أعلى مستوى قيادي بين البلديين، وبلغت 12 قمة منذ عام 2014، يلاحظ وجود تطور كبير في العلاقات على مستوى جميع المجالات وحتى يكون التعاون مؤسسيًا، لجأ الحليفان إلى تدشين لجنة عليا للتعاون الإستراتيجي، في مجال الطاقة والسياحة والإنشاءات والدفاع والأمن، واستعانت قطر بتركيا في استيراد أحدث أجهزة عسكرية وصلت إليها تركيا، من مركبات مدرعة إلى رادارات، ومن طائرات دون طيار إلى معدات عسكرية متنوعة للاتصالات.
بشكل تقريبي، هناك أكثر من 30 اتفاقية ومذكرة تفاهم، يمكن رصدهم بين قطر وتركيا، على رأسهم وجود 150 عنصرًا من أفراد الجيش والبحرية والقوات الخاصة التركية الذين انتقلوا على الفور إلى قطر في 2015، وفور اندلاع الأزمة الخليجية، انتظارًا للانتهاء من بناء قاعدة عسكرية تركية، تضم ثلاثة آلاف عنصر من أفضل التشكيلات العسكرية التركية.
وتنظر تركيا إلى قطر أنها كانت دائمًا وخاصة خلال السنوات العشرة الماضية “حليف الأوقات الصعبة الأخيرة”، فعند الانقلاب على أردوغان، تولت الجزيرة مهمة الدفاع عن الشرعية التركية، في حين كانت قنوات عربية منافسة تبث من دول مجاورة، تتبنى وجهة نظر الانقلاب العسكري على أردوغان، واستطاعت الجزيرة التفوق عليهم تمامًا، ولم يكن هذا وحده، بل سارعت قطر إلى مد تركيا بالغاز الطبيعي بدلاً من روسيا، بعد تدهور العلاقات التركية مع الأخيرة بسبب عملية إسقاط الطائرة الروسية في شهر نوفمبر من عام 2015.
ترفض كل من تركيا وقطر آليات الحلف الجديد في معالجة الأزمات التي تتصدر المشهد الدولي والإقليمي
ويبدو لأي قارئ للسياسة في المنطقة، أن كلاً من قطر وتركيا تواجهان مخاطر جسام في أغلبها متشابهة، سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي، لذا يسعيان بكل قوة لإحداث حالة من التوازن بين التهديدات الأمنية التي تحيط بالمنطقة وتحديات الإرهاب وتطورات القضية الفلسطينية، وكذلك محاولات تشكيل نظام جديد يفرض واقعًا ليس على هوى القطريين والأتراك، لا سيما أن من يقوده “السعودية والإمارات”.
وترفض كل من تركيا وقطر آليات الحلف الجديد في معالجة الأزمات التي تتصدر المشهد الدولي والإقليمي، فقطر من ناحية مدعومة بتركيا، تسعى إلى حرية القرار القطري الذي تراه يجب أن يكون مساندًا للحريات وثورات الشعوب العربية ضد الطغيان، وخلق شخصية غير قابلة للانضواء تحت مظلة القرار السعودي والإماراتي، الأمر الذي يقابل بعنف شديد من الحلف المقابل، الذي يرى هو الآخر في تصرفات قطر شطحات للتحريض على استقرار أنظمة الحكم، أكثر منه انحيازًا للحرية.
وكما تعيش بلدان محور التحالف العربي الجديد، حالة من العداء لتيارات الإسلام السياسي، تسير في اتجاه مخالف تمامًا مواقف قطر وتركيا، التي تجمع النخب في كل منهما روابط قوية مع مختلف جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، والبعض يرى أن القضية تتجاوز الإطار السياسي إلى أنساق أيديولوجية تربط بين نخب السياسة والحكم الحاليّ في تركيا بالإسلاميين، منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس الجناح التركي لجماعة الإخوان، بجانب العلاقات التاريخية التي تجمع بين القطريين وتيار الإسلام السياسي، بما يجعل من قطر وتركيا شوكة في حلق السياسة الجديدة التي تريد دول التحالف فرضها على الواقع.