يصادف الـ5 من ديسمبر من كل عام اليوم العالمي للتطوع الذي تم إقراره عام 1986 وأصبح منذ ذلك الوقت مناسبة يحتفل بها جميع المشاركين في العمل التطوعي، تأكيدًا على أهمية جهودهم وإنجازاتهم في الحفاظ على المبادئ الاجتماعية المهمة في بناء مجتمع مترابط ومعطاء ومسؤول، فقد ساعدت هذه المشاريع على توسيع مفهوم التطوع وانتشاره بين جميع الطبقات والأنواع الاجتماعية إلى أن أصبح توجهًا ثقافيًا أو منهجًا أساسيًا لبعض الدول في تنميتها وتعزيز صورتها الخارجية، وهذا ما ينطبق على دولة الكويت التي تعد المركز الإنساني في الوطن العربي.
من السهل جدًا ملاحظة الآثار الكويتية، شعبًا وحكومةً، في ميادين العمل التطوعي والخيري، سواء من خلال مراقبة عدد الجمعيات والمبادرات المتنامي أم المؤتمرات والندوات التي تهتم برسالة التطوع وتهدف إلى إرسالها وتوضيحها لجميع المواطنين لكي تشجع الناس على تبني هذه العادة بغض النظر عن ظروفهم وخلفيتهم الاجتماعية وانتماءاتهم، ولذلك نجد أن الحملات التطوعية والخيرية الكويتية تخطت الحدود المحلية والإقليمية وانخرطت في الأعمال والحوادث العالمية في أكثر من موقف.
العمل التطوعي والخيري في الكويت عادة اجتماعية أصيلة
بصفةٍ عامة، يحبذ البعض هذا النشاط دون غيره لمرونته وغياب البيروقراطية فيه، لكن رغم جميع إيجابياته وتبعياته الحضارية، فإن أهميته لا تزال غائبة عن الوعي العربي، ويعود ذلك غالبًا إلى الجهل بأهميته أو قلة الوقت وتعارضه مع أنشطة أخرى أو تشدد المنظمة بجدول أعمالهم، وفي ظروف أخرى قد يبتعد الأفراد عن هذه الأعمال خوفًا من الوقوع في أنشطة تخدم أجندات سياسية وحركية معينة، ونظرًا لهذه العوامل والتخوفات تبقى ثقافة العمل التطوعي والخيري هشة وعشوائية في بعض الدول وبعيدة كل البُعد عن السمات الحضارية والإنسانية.
على سبيل المثال، أطلق الشباب الكويتي مبادرة باسم “ريفوود” لإعادة تدوير الطعام المهدور من خلال التواصل مع المطاعم الكبرى في الكويت والحصول منهم على بقايا الطعام الزائد وتقديمه بشكل لائق إلى العائلات ذات الدخل المحدود، علمًا أن الكويت تهدر تقريبًا بشكل سنوي نحو مليون طن من الطعام، لكن مع تعاون المتطوعين في تحويل هذه البقايا إلى وجبات صحية رأت مريم العيسي، رائدة المشروع، أن هذه الخطوة ستكون حلًا لهذه الأزمة وفي نفس الوقت ستنقذ العديد من العائلات من الجوع وتساعدهم على التخلص من معانتهم اليومية.
نتيجة لهذه الجهود، توج الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، هذه الأعمال في عام 2014 بتكريم سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قائدًا للعمل الإنساني ودولة الكويت مركزًا للعمل الإنساني
ورغم انضمام نحو 350 متطوعًا إلى هذه المبادرة، فإن العيسى ترى أن العمل التطوعي في الكويت ما زال مهملًا ويمر بتحديات عديدة، فتقول: “يعتقد الكويتيون أنك إذا كنت متطوعًا فهذا يشير إلى أن حياتك الشخصية غير ممتعة، أو أنك لا تعمل على نحو كافٍ”، وتعرف التطوع قائلةً: “إنه تكريس وقت من برنامج الإنسان، الذي كان من الممكن أن تستخدمه بأمورٍ أخرى مهمة لك، لكن بدلًا عن ذلك قررت خدمة المجتمع”.
وبصرف النظر عن هذه النظرة الاجتماعية في بعض الأوساط إلا أن الكويت لا تزال تتصدر الدور العربية في نجاحاتها ومبادراتها المتتالية في قطاع المساعدات الإنسانية والخيرية وخاصة تلك التي تستهدف المتضررين من الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية مثلما فعلت مع اللاجئين السوريين في دول الجوار مثل الأردن ولبنان وتركيا، إضافة إلى ما منحته لليمن والعراق وفلسطين، ونتيجة لهذه الجهود، توج الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، هذه الأعمال عام 2014 بتكريم سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قائدًا للعمل الإنساني ودولة الكويت مركزًا للعمل الإنساني.
بعض من مساهمات الكويت الخيرية في الخارج
من جهتها أطلقت جميعة الهلال الأحمر الكويتي حملة “الشتاء الدافئ” لمساعدة الأسر السورية المحتاجة على التخلص من برودة وقسوة الشتاء، وافتتحت جمعية “النجاة” في وقت سابق 3 مدارس بتركيا يدرس بها 2500 طالب سوري وتعاقدت لبناء 25 مدرسة أخرى في تركيا، كما أرسلت مساعداتها إلى مناطق أخرى كإندونيسيا، فقد نظمت جمعية “الإغاثة الإنسانية الكويتية” حملات إغاثية لمساعدة المتضررين من الزلازل والكوارث الطبيعية، وقدمت لهم سلل غذائية بقيمة 66 ألف دولار خلال الحملة الأولى، ومما لا شك فيه أنها ساهمت أولًا في مساعدة أبنائها من المحتاجين من خلال حملات متكررة تهتم بتوفير مستلزماتهم الغذائية والحياتية الأخرى كالملابس والرعاية الصحية.
“تأخذ الكويت بعين الاعتبار الأولويات والخصائص الوطنية والإقليمية لتلبية احتياجات الدول النامية وتوفير أرضية مناسبة لها لتمكينها من بلوغ أهداف التنمية المستدامة بتخصيص 7.0% من مجمل دخلها القومي للمساعدات الإنمائية”
بشكل عام كانت قد أعلنت الكويت أن مساهمتها المالية الطوعية لعدد من وكالات الأمم المتحدة وبرامجها ستبلغ 6.4 مليون دولار ومن شأنها أن تساهم في مكافحة الإيدز والملاريا والسل، وبرامج أخرى تعني برعاية الطفل والمرأة ومكافحة المخدرات، فقد قال المندوب المناوب لوفد الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة المستشار طلال الفصام، في مؤتمر الأمم المتحدة: “تأخذ الكويت بعين الاعتبار الأولويات والخصائص الوطنية والإقليمية لتلبية احتياجات الدول النامية وتوفير أرضية مناسبة لها لتمكينها من بلوغ أهداف التنمية المستدامة بتخصيص 7.0% من مجمل دخلها القومي للمساعدات الإنمائية”.
ويضيف الفصام “ورغم أن دولة الكويت مصنفة وتعد من الدول النامية، فإنها عكفت على تحمل مسؤولياتها الإقليمية والدولية كمركز للعمل الإنساني بمواصلة تقديمها الدعم لمختلف القضايا الإنسانية العالمية ومواكبة الأحداث والأزمات والكوارث”، مشيرًا إلى أن نسبة المساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها الكويت بلغت ضعف النسبة المتفق عليها دوليًا “تعزيزًا لنهجها الإنساني والإنمائي المعهود على المستويين الرسمي والشعبي”، مؤكدًا على تخصيص الكويت ما يقرب من 10% من إجمالي مساعداتها للدول المنكوبة منذ عام 2008.
تحديات العمل التطوعي في الكويت
يقال إن أول جمعية خيرية افتتحت في الكويت كان في عام 1913 ومن أبرز إنجازاتها افتتاح مستوصف للفقراء وتأسيس مكتبة عامة، ومن هناك بدأ العمل التطوعي والخيري ينتشر من داخل البلد إلى خارجه، إذ تقول الشيخة انتصار الصباح: “اندفاع شباب الكويت في المشاركة بالأنشطة والفعاليات التطوعية استمرار لتاريخ طويل من العطاء، حيث أصبح للكويت اسمًا بارزًا في مجال العمل التطوعي محليًا وخارجيًا”، ولكن في الجهة المقابلة نجد بعض الصعوبات التي تخللت هذه الأنشطة.
على سبيل المثال، يواجه الشباب الكويتي مشكلة المحدودية في الأماكن التي يستطيع التطوع من خلالها، عدا عن تحديد بعض الجمعيات النوع الاجتماعي للمتطوع وترحيبهم بنوع معين أو تفضيل بعضها التعامل مع مشاهير منصات التواصل الاجتماعي دون غيرهم، ما قد يؤدي في النهاية إلى إحباط رغبة وعرقلة تقدم المتطوعين الآخرين في هذه التجربة، ويضاف إلى ذلك، ضعف التغطية الإعلامية لهذه النشاطات والفعالية، التي من شأنها أن تشجع الشباب على التطوع والتبرع بصورة كبيرة وفعالة لو أنها ركزت قليلًا على الجهود الشبابية في هذا القطاع.
ففي حوار خاص لـ “نون بوست” مع خديجة الشمري، إحدى المتطوعات في عدة جمعيات مستقلة مثل رييفود ومهندسون بلا حدود، قالت: “إن البيروقراطية أهم المشاكل التي تواجه العمل التطوعي وكذلك ندرة ثقافة العمل بروح الفريق الواحد، ولذلك نلاحظ أن النماذج الفردية أكثر نجاحًا وتميزًا في هذا المجال”.
وتضيف: “فضلًا عن افتقار بعض المبادرات للاحترام المتبادل بين الجهة المتطوعة والمحتاج سواء في النظرة الاجتماعية لحالته أو الطريقة المتبعة في مساعدته، وذلك عدا عن التفرد بصناعة القرار وحب السيطرة على الجموع بدلًا من إشراكهم في عملية التخطيط والتعامل معهم كجزء من المشروع”، مشيرةً إلى أن هذه الصعوبات تقلل من مشاركة الشباب في الأعمال التطوعية بالرغم من رغبتهم وميلهم إلى هذا النوع من الأنشطة.
أما بالنسبة إلى الجانب المشرق، فتذكر الشمري أن المجتمع الكويتي، بالجانب إلى قدرته العالية على صرف الأموال، فإنه يمتلك حالة مثالية لحب العمل الخيري والإقبال عليه كبير وله احترامه ومكانته الاجتماعية، ولا سيما فيما يخص القضايا الدولية، وبهذا الشأن تفسر الشمري هذا الميل الكبير إلى العمل التطوعي بالخارج على أنه حالة إنكار لفكرة وجود أفراد يعانون من الفقر في الكويت.
ومع ذلك، لم تغيب المساهمات التطوعية والخيرية التي تحمل اسم الكويت عن أي منطقة تعاني من الجوع أو الحرب أو الاضطهاد، سواء داخل الكويت أو خارجه في اليمن أم سوريا أم فلسطين أم تنزانيا أم الروهينغا، وتبعًا لهذا الإصرار على تقديم الدعم المادي والمعنوي لأصحاب المناطق المنكوبة، أصبحت الكويت نموذجًا للدولة الفاعلة والحضارية في المجتمع الدولي من خلال حرصها على هذا النشاط الإنساني.