ترجمة وتحرير نون بوست
خلال الشهر الماضي، ناقشت حاجة التعليم إلى تغيير جذري والتوجه إلى الأدوات التي تلاقي انتشارا واسع النطاق في الوقت الراهن والتركيز على الابتكارات في أبرز الصناعات الناشئة خلال القرن الواحد والعشرين. وبما أن الأتمتة والمهن القائمة على التكنولوجيا تدفعنا إلى التخلي عن الأدوات التعليمية ومناهج القرن العشرين، من المهم أن نقوم بتحديث طرق تعلم أطفالنا. لهذا السبب، أقوم هذا الشهر، بالتعمق في التقنيات سريعة الانتشار والأفكار التي تعتبر مهمة بالنسبة لتثقيف الجيل القادم. وفيما يلي نظرة عامة على أهم خمس تكنولوجيات من شأنها إعادة تشكيل مستقبل التعليم:
1- الواقع الافتراضي
أظهرت الأبحاث أننا نتذكر 20 بالمائة مما نسمعه و30 بالمائة مما نشاهده أو نراه، وحوالي 90 بالمائة ممّا نقوم به أو نعمل على محاكاته. ومن جهته، يساعد الواقع الافتراضي على تطبيق عنصر المحاكاة على أكمل وجه. وتمكّن تقنية الواقع الافتراضي الطلاب من محاكاة التجول عبر مجرى الدم، بينما يدرسون الخلايا المختلفة، أو السفر إلى المريخ لفحص إمكانية الحياة على سطحه. ولجعل هذا الأمر حقيقة، أطلق “غوغل كارد بورد” برنامج “بيونير إكسبديشن”.
في إطار هذا البرنامج، تزودت آلاف المدارس في جميع أنحاء العالم بمجموعة أجهزة تكنولوجية تحتوي على كل ما يحتاجه المعلم لاصطحاب تلاميذه في رحلة افتراضية. وعلى الرغم من أن البيانات المتعلقة باستخدام تقنية الواقع الافتراضي في مدارس التعليم الأساسي والمعاهد لم يتم جمعها بعد، إلا أن النمو المطرد الذي يشهده السوق يظهر من خلال ارتفاع أعداد الشركات المتخصصة في صناعة هذه التقنيات، بما في ذلك شركة “زي سبيس” و”ألكيمي في آر” و”ايمرسيف في آر إيدوكايشن” المخصصة لتزويد المدارس بمجموعة من مناهج التعليم والمحتوى.
بالإضافة إلى تقنية الواقع الافتراضي، ظهرت تكنولوجيا أخرى تسمى بالواقع المعزز فضلا عن التعلم التجريبي لتصبح بمثابة أدوات تُستخدم في مجال التعليم. فعلى سبيل المثال، تخيل أنك بصدد ارتداء خوذة واقع معزز قادرة على استعراض الدروس التعليمية على تجارب العالم الواقعي. أما إذا كنت مهتما بعلم النبات، تقوم خوذة الواقع المعزز وأنت تمشي في حديقة بتقديم أسماء وتفاصيل عن كل نبتة تشاهدها.
2- طباعة ثلاثية الأبعاد
لا داع من وجود كمبيوتر على كل مكتب، أو جهاز لوحي لكل طالب، نظرا لأن ذلك أصبح من البديهيات. في المقابل، وخلال المستقبل القريب، سيرغب كل من المعلمون والطلاب في الحصول على آلة طباعة ثلاثية الأبعاد على المكتب لمساعدتهم على تعلم المبادئ الأساسية للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
من جهته، يرغب بري بتيس، من شركة مايكر بوت، في رؤية آلة طباعة ثلاثية الأبعاد على كل مكتب مدرسي في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، تساءل بتيس قائلا: “لو كنت تمتلك آلة طباعة ثلاثية الأبعاد بدل لعبة الليغو عندما كنت طفلا، كيف ستكون الحياة الآن بالنسبة إليك؟ يمكنك حينها طباعة المجسمات الصغيرة أو المباني التي تقوم بصناعتها ويمكنك تكرار ذلك على تصاميم جديدة بالسرعة التي يسمح بها خيالك”.
والجدير بالذكر أن منتجات شركة مايكر بوت متواجدة في الوقت الراهن في أكثر من خمسة آلاف مدرسة تعليم أساسي في الولايات المتحدة. وعند مزيد تطور هذه التكنولوجيا، يمكنك تخيل وجود ملف ثلاثي أبعاد لمعظم مدخلات ويكيبيديا، مما يسمح لك بطباعة ودراسة موضوع لا يمكنك قراءته أو رؤيته سوى في الواقع الافتراضي.
3- المستشعرات والشبكات
سيؤدي انتشار أجهزة الاستشعار والشبكات إلى السماح لأي شخص بالاتصال بشبكة الإنترنت بسرعة الجيجابت، مما يتيح لك النفاذ إلى الفيديوهات الغنية بالمعلومات في جميع الأوقات. وفي الوقت نفسه، تواصل أجهزة الاستشعار تصغير حجمها وتخفيض قوتها، لتصبح جزءا لا يتجزأ من جميع الأجهزة. وتتمثل فوائد هذه الخطوة في ربط بيانات المستشعر بتعلّم الآلة والذكاء الاصطناعي، وسيجعل ذلك عملية قياس وتوصيل المعلومات المتعلقة بتشتيت انتباه الطفل أو ارتباكه، مهمة سهلة. وستتمثّل النتيجة في عرض المعلومات بطريقة بديلة أو بسرعة مختلفة.
4- تعلم الآلة
لا يوجد طالبان يتشاركان في طريقة التعلم، نظرا لامتلاكهم طرقا مختلفة في مجالات كالقراءة والمشاهدة والاستماع للمعلومات والانتماء لخلفيات تعليمية متنوعة وامتلاكهم لقدرات ذهنية متفاوتة ومدى اهتمام مختلف. ومن جهته، يساعد تعلم الآلة على جعل عملية التعلم قابلة للتكيف ومخصصة وفقا للشخص. وعموما، تسعى التطورات الذي يشهدها تعلم الآلة وتصاعد حركة التعلم التكيفي إلى حل هذه المشكلة.
كما تمتلك شركات على غرار “كنوتون” و”دريم بوكس” أكثر من 15 مليون طالب في منصات التعلم التكيفي الخاصة بكل منهم. وقريبا، سيخصص كل تطبيق تعليمي الدرس لطلاب معيّنين. وستتوفّر تطبيقات اختبار تكيفية وتطبيقات لبطاقات الاستذكار فضلا عن تطبيقات للكتاب المدرسي وتطبيقات المحاكاة وغيرها من التطبيقات.
5- الذكاء الاصطناعي
يقدم كتاب عصر الماس لصاحبه نيل ستيفنسون رؤية رائعة حول التكنولوجيا التعليمية ويطلق عليه اسم “كتيب تمهيدي للسيدة الصغيرة”. كما وصفه بيت شونديمان، بالكتاب التفاعلي الذي يُمكنه الإجابة على أسئلة المتعلم، ويستخدم لغة سهلة، ويقوم بالتدريس من خلال قصص خيالية تتضمن عناصر من بيئة المتعلم. كما يقدم معلومات في الوقت المحدد وتتعلق بالسياق.
في الواقع، يتضمن هذا الكتيّب التمهيدي أجهزة استشعار تراقب سلوك المتعلم وتقدم ملاحظات. ويخضع المتعلم إلى تمهين إدراكي بواسطة هذا الكتاب. ويقدم هذا الكتيّب مثال عن مهارة معينة، من خلال شخصيات قصص خيالية مجازية، التي يمكن أن يمارسها المتعلم في الحياة الواقعية.
يتّبع هذا الكتيّب التمهيدي تدرجا في عملية التعليم من خلال تقديم مهام أكثر تعقيدا على نحو متزايد. كما يمكن اعتبار أهدافه التربوية بمثابة مبادئ إنسانية، نظرا لأنه يعمل على دعم المتعلم ليصبح شخصا قويا ومستقلا. ويمكن اعتبار هذا الكتيب التمهيدي بمثابة رفيق لتدريس الذكاء الاصطناعي حسب الاحتياجات الفردية. كما يعدّ كذلك نتيجة للتقارب التكنولوجي، وقد وصفه “س ج ب قراي” في الفيديو الخاص به الذي يعرف باسم “ديجيتال أريستوتال”، قائلا: “عند التفكير في مستقبل التعليم، سيكون لرفيقك المختص في الذكاء الاصطناعي نفاذ غير محدود إلى المعلومات المتوفرة على السحابة وسيقدمها بسرعة مثالية لكل طالب بطريقة ممتعة”.
علاوة على ذلك، سيعمل هذا المنتج القائم على الذكاء الاصطناعي على إضفاء الطابع الديمقراطي على التعليم، وسيكون متاحا للجميع مجانا على غرار غوغل، وسيقدم أفضل تعليم لأطفال العالم الأكثر ثراء وفقرا على حد سواء. كما سيكون هذا الرفيق القائم على الذكاء الاصطناعي، ليس بمثابة معلم يقدم حقائقا وأرقاما وإجابات، بل طرفا مساعدا للطالب، ويساعد كذلك الأشخاص على الدراسة. ومن خلال هذه الطريقة، يتعلم الشخص كيف يدرس بشكل أفضل.
عادة ما يكون الذكاء الاصطناعي في حالة استعداد، ويراقب علامات الإحباط والملل التي قد تسبق إقلاع الشخص عن عملية التعليم، ويبحث عن علامات الفضول والاهتمام التي تشير إلى البحث النشط فضلا عن علامات الاستمتاع والإتقان التي قد تشير كذلك إلى تجربة تعلم ناجحة.
العقليات الراسخة في القرن الواحد والعشرين
من المهم بالنسبة لي مناقشة العقليات؛ كيف نفكر في آفاق المستقبل، وكيف نتعلم وماذا علينا أن نفعل. إن علم النفس يعتبر عنصرا أساسيا عندما يتعلق الأمر بالأداء العالي، بل أكثر من ذلك خاصة في بيئة ثقافية غنية ومتنوعة مثل الشرق الأوسط.
كنت قد كتبت بشكل مكثف حول أهمية وجود عقلية الوفرة وتسارع انتشار عقليات أصحاب المشاريع والرؤساء التنفيذيين، وأعتقد أيضا أنه علينا الانتباه إلى العقلية المنتشرة في مدارسنا الابتدائية، خاصة عندما يقوم الطفل بتشكيل نظام التشغيل في البرنامج العقلي لبقية حياته، باعتباره أكثر أهمية. على هذا النحو، أوصي بأن تعتمد المدارس مجموعة من المبادئ التي تعلّم وتروّج لبعض العقليات في برامجها. والجدير بالذكر أن هناك العديد من العقليات المهمة التي تصلح للترويج، وهذه إحدى الأمثلة:
1. تعزيز التفاؤل ونشر عقلية الوفرة
نحن نعيش في عالم تنافسي، حيث يواجه الأطفال ضغطا شديدا من أجل تقديم أفضل ما لديهم. لكن عندما يفشلون، ينكمشون على أنفسهم. في الحقيقة، كلنا نخفق في بعض الأحيان، وهذا جزء من الحياة، لذلك إذا أردنا أن نربي الأطفال على فكرة أنهم قادرون على النجاح في أي عمل حتى بعد الفشل وأن يصبحوا أقوى، فمن الحكمة أن نشجعهم على التفاؤل.
تجدر الإشارة إلى أن الأطفال المتفائلين هم أكثر صحة، كما أنهم أفضل في حل المشاكل وتكوين علاقات إيجابية. ويمكنك تعزيز التفاؤل داخل مدرستك من خلال البدء بالتركيز على الامتنان بشكل يومي (معرفة الأمر الذي يجعل كل طفل يشعر بالامتنان)، أو “التركيز الإيجابي”، حيث يُسمح لكل طالب بالتحدث لمدة 30 ثانية عن أكثر ما يثير حماسه، أو عن أكثر حدث أثّر فيه بشكل إيجابي. وعلى سبيل المثال، أبدأ كل اجتماع مع فريقي المذهل بالتركيز بشكل إيجابي.
أخيرا، يمكن مساعدة الطلاب على فهم أن العالم في الواقع في طور التحسن (من خلال البيانات والرسوم البيانية). ويمكن أن تعتمد على كتابي الأول “الوفرة: المستقبل أفضل مما تظن” فهو سيساعدهم على مواجهة التدفق المستمر للأخبار السلبية التي تنشرها وسائل الإعلام. وتأكد أنه عندما يشعر الأطفال بالثقة في قدراتهم ويصبحون متفائلين تجاه العالم، فإنهم سيكونون مستعدين للعمل بجهد أكبر كما سيصبحون أكثر إبداعا.
2. تقبّل الفشل
تقبل الفشل هو درس يصعب تعلمه كما يصعب تعليمه أيضا، ولكنه مهما جدا للنجاح في الحياة. وقد تحدث أسترو تيلر، وهو مدير فرع شركة الابتكار إكس التابعة لشركة جوجل، كثيرا حول التشجيع على الفشل. على سبيل المثال، يحاول الموظفون في شركة إكس بشكل منتظم إحباط أفكارهم. وفي حال نجحوا في إحباط فكرة ما، فإنهم يفشلون، وهكذا يتمكنون من توفير قدر كبير من الوقت ورأس المال. فالأفكار التي لا يمكنهم إحباطها هي التي تنجح، وهي التي تتبلور لتساهم في تطوير أعمال تبلغ قيمتها مليار دولار. والمفتاح هو أنه في كل مرة يتم فيها إحباط فكرة ما، يكافئ أسترو الفريق بالمعنى الحرفي، بمنحهم مكافآت نقدية، كما يتم الاحتفال بفشلهم ويصبحون أبطالا.
من الضروري القيام بذلك في الفصل الدراسي، حيث يتوجب على الأطفال محاولة انتقاد أفضل أفكارهم (تعليمهم التحليل الموضوعي)، من ثم الاحتفال بالفشل بنجاح، من خلال جلب بعض الكيك والبالونات والنثار، والكثير من رذاذات الخيوط.
في غضون قرن من انتشار عقلية الوفرة بشكل متزايد، أدركنا أن التعليم هو حق بديهي لكل شخص موجود على هذا الكوكب. لذا يجب أن نعطي الأولية للتعليم أكثر من أي أولوية أخرى، حيث يجب ألا نكتفي فقط بتعليم شبابنا. ومن خلال تسخير أحدث التقنيات والأفكار الحديثة في صناعات الغد، يجب أن تكون نظمنا التعليمية ذات صلة بالسياق وملائمة وقادرة على الاستجابة لمتطلبات اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وحشد قوى عاملة ذات فكر عالمي.
سواء كنت تعيش في دبي أو بوسطن أو نيروبي أو شنغهاي، يتوجب على الأطفال أن يكونوا قادرين على صقل مهاراتهم العقلية بعناية والاستمرار في المحاولة رغم الفشل، بالإضافة إلى تعزيز ثقتهم من أجل الاستفادة من التقنيات الحديثة في عالمنا اليوم، وتلك التي ستظهر في القرون القادمة. في نهاية المطاف، نحن نتجه نحو عالم يكون فيه الأشخاص أكثر تعلما. والجدير بالذكر أننا نعيش حقا في أكثر الفترات الزمنية إثارة في هذا العالم.
المصدر: إنتربنيور