ترجمة حفصة جودة
في الشهر الماضي زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيرنا في بلغاريا كضيف شرف لقمة مجموعة كرايوفا التي تضم قادة صربيا واليونان وبلغاريا ورمانيا، كانت نتنياهو أول قائد أجنبي يتلقى دعوة لحضور القمة، ففي السنوات الأخيرة سعت “إسرائيل” نحو سياسات خارجية استباقية مع دول البلقان من منظور إستراتيجي ولأجل إضعاف موقف الاتحاد الأوروبي من القضية الفلسطينية.
كان الاتحاد الأوروبي شوكة في حلق “إسرائيل” كداعم لحل إقامة دولتين ومعارض للمستوطنات الإسرائيلية، في 2011 قامت “إسرائيل” بحملة قوية لكسب دعم دول البلقان في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يبدو أن الحملة كانت ناجحة، ففي عام 2012 امتنعت رومانيا وبلغاريا عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو.
الدولة الفلسطينية
رغم أن العديد من دول البلقان لم تنضم بعد للاتحاد الأوروبي، فإن “إسرائيل” نجحت في إقناع الصرب البوسنيين بالتصويت ضد قرار دعم الدولة الفلسطينية على مستوى دولة البوسنة والهرسك، يأتي هذا القرار عقب زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أفيغادور ليبرمان.
هذا الخلاف مع تركيا تسبب في فقدان النفوذ الإسرائيلي مع حليف إستراتيجي طويل المدى
ومؤخرًا في شهر مايو أرسلت جمهورية التشيك والمجر ورومانيا مبعوثيها للاحتفالات بنقل السفارة الأمريكية للقدس، ورغم أن جميع دول مجموعة كرايوفا تعترف بفلسطين باستثناء اليونان، فإن نتنياهو يستخدم علاقاته مع دول البلقان للضغط على الاتحاد الأوروبي، فقبل يوم من القمة انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي موقف الاتحاد الأوروبي المنافق والعدائي.
يعود هذا السياق الإستراتيجي الواسع من اهتمام “إسرائيل” بدول البلقان إلى تحول مذهبها في الأمن القومي خلال السبع سنوات الماضية، ففي عام 2011 وقعت “إسرائيل” في خلاف مع حليفها القديم تركيا بعد رفض “إسرائيل” الاعتذار عن الغارة المميتة على سفينة مرمرة، هذا الخلاف مع تركيا تسبب في فقدان النفوذ الإسرائيلي مع حليف إستراتيجي طويل المدى.
اهتمام “إسرائيل” بدول البلقان يحركه تنافسها مع إيران أيضًا، ففي عام 2012 هاجم حزب الله حليف إيران سياح إسرائليين في بلغاريا ردًا على اغتيال علماء نوويين إيرانيين.
دفعت البيئة الإستراتيجية السيئة “إسرائيل” للقيام بتغيير في تحالفاتها وتعديل مفهوم المحيط التاريخي، وذلك بتكوين تحالفات مع دول غير عربية خارج محيط الشرق الأوسط للتعويض عن عدائها مع الدول العربية المجاورة.
ومنذ ذلك الحين توسعت “إسرائيل” في محيطها وأقامت علاقات دبلوماسية وأمنية وثيقة مع اليونان وقبرص لمواجهة النفوذ التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
تكوين شراكات
كجزء من هذا التحول، أقامت “إسرائيل” تدريجيًا علاقات مع دول البلقان مثل رومانيا وبلغاريا وألبانيا وغيرهم، هذه العلاقات الدبلوماسية مع دول البلقان أمر منطقي، نظرًا لأن العديد من تلك الدول تقع في الطريق بين الشرق والغرب، فاليونان لها طريق بحري يصلها بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتربط صربيا جزيرة البلقان بوسط أوروبا، أما رومانيا وبلغاريا كدول البحر الأسود فيفتحان الباب أمام دول القوقاز ووسط آسيا.
الرئيس الصربي ألكسندر فسيوتش يصافح نظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين
في شهر يوليو أصبح الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أول رئيس إسرائيلي يزور صربيا، وفي بلدية زيمون ببلغراد حيث عاش والداه سمى أحد الشوارع على اسم الكاتب الصهيوني تيودور هرتزل، ازدادت الاستثمارات الإسرائيلية في صربيا وكذلك عدد السياح، وخلال سنوات أصبحت “إسرائيل” أحد أهم الداعمين الدبلوماسيين لجمهورية صرب البوسنة؛ الكيان الصربي في البوسنة.
تجنب الألبان من ألبانيا وكوسوفو الوقوف ضد “إسرائيل” في المحافل الدبلوماسية رغم عدم اعتراف “إسرائيل” باستقلال كوسوفو، كما غذت “إسرائيل” علاقاتها العسكرية والدبلوماسية مع كرواتيا ومقدونيا، وخلال قمة كرايوفا أشاد نتنياهو بالتعاون الاستخباراتي بين “إسرائيل” ودول البلقان.
الفراغ الغربي
لا يعد تحول السياسة الإسرائيلية الخارجية تجاه البلقان سلبية أو إيجابية، فهي تستغل الفراغ الذي سببه خمول اللاعبين الغربين في البلقان منذ 2008، وتبحث عن فرص لتعزيز مصالحها الخاصة.
لم تكن “إسرائيل” اللاعب الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتجه نحو البلقان، فقد قامت بذلك تركيا والإمارات والسعودية وإيران، ولا تملك “إسرائيل” القدرة على تحقيق وجود قوي في البلقان لكن نشاطها المتزايد يقدم رؤية جيوسياسية مهمة ألا وهي أن البلقان والشرق الأوسط يجب أن يتوقفا عن النظر لبعضهما البعض كوحدتين غير مترابطتين من الناحية الجيوسياسية.
لقد أصبح واضحًا أن هناك تفاعلاً جيوسياسيًا وأمنيًا بين المنطقتين، مثلما يبدو من وجود الجماعات الجهادية في البلقان وتدفق اللاجئين والوجود الدبلوماسي للاعبي الشرق الأوسط مثل “إسرائيل”.
المصدر: ميدل إيست آي