أجواء ضبابية تخيم على منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) قبيل اجتماعها اليوم وغدًا في فيينا، لبحث مدى إمكانية الاتفاق على خفض معدلات إنتاج النفط وفق الحصص المتفق عليها في 2016 ضمانًا لاستقرار الأسعار التي تهاوت خلال شهر نوفمبر فقط بنسبة 22%، الذي يعد أسوأ شهر منذ الأزمة المالية العالمية في أكتوبر/تشرين الأول 2008.
قبل 6 أشهر وافقت المنظمة على زيادة إنتاجها من النفط لمنع تجاوز السعر حاجز الـ100 دولار وهو ما أثار حفيظة دول العالم وقتها على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي وجهت سهام نقدها لأوبك، واليوم تسعى الدول الأعضاء لوقف تراجع الأسعار عن طريق خفض معدلات الإمدادات وهو أيضًا ما أثار قلق الغرب مرة أخرى.
خلافات داخلية متصاعدة وضغوط أمريكية وشروط روسية وانسحاب قطر، تحديات جسام تنتظر المنظمة في اجتماعها بما يهدد بفشل الاجتماع أو تقويض ما يمكن أن يفرزه من نتائج في ظل انتقادات حادة توجه لسياسات أوبك التي باتت وفق كثير من الخبراء رهينة لمصالح السعودية وروسيا بعيدًا عن بقية الأعضاء.
اتفاق على تخفيض الإمدادات
بات من الواضح أن هناك اتفاقًا بين أعضاء أوبك على ضرورة خفض معدلات الإنتاج حفاظًا على استقرار الأسعار في ظل التأرجح الكبير الذي ربما يؤثر بشكل كبير على اقتصادات الدول التي تعتمد في المقام الأول على عائداتها من النفط على رأسها السعودية التي تسعى للحصول على دعم روسي لخفض الإمدادات.
وزير النفط العماني محمد بن حمد الرمحي، وخلال مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماع للجنة المراقبة الوزارية المشتركة التي تضم السعودية وروسيا ومنتجين آخرين أمس الأربعاء قال “اتفقنا جميعنا ومعنا روسيا على أن هناك ضرورة للخفض”، مضيفًا أن المناقشات لا تزال مستمرة بخصوص أحجام التخفيضات، وسيكون مستوى إنتاج سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول 2018 هو مستوى الأساس للخفض الذي سيستمر من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران، بحسب “رويترز“.
أعلنت اليوم إيران على لسان وزير نفطها بيجن زنغنة، أنه يجب استثناءها من جميع قرارات أوبك حتى يتم رفع العقوبات عنها
فيما نقلت الوكالة عن مندوبين في المنظمة قولهما إن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عاد أمس إلى موسكو للحصول على الموافقة النهائية من الرئيس فلاديمير بوتين، في محاولة للتوصل إلى صيغة موحدة لقرار خفض الأسعار، بعد أن ألمحت السعودية عن رغبتها في خفض المنظمة إنتاجها بما لا يقل عن 1.3 مليون برميل يوميًا، بما يعادل 1.3% من الإنتاج العالمي.
التقارير الأولية تشير إلى أن أوبك وحلفاءها يناقشون فكرة تخفيض الإنتاج بالعودة إلى اتفاق 2016 ما يعني مليون برميل يوميًا، غير أن الجانب الروسي لم يعلن موافقته بعد على هذا المقترح، مع العلم أن كلاً من الرياض وموسكو وأبو ظبي قد زادوا معدلات إنتاجهم منذ يونيو/حزيران الماضي في أعقاب دعوة الرئيس الأمريكي تعويض انخفاض الصادرات الإيرانية من النفط بسبب العقوبات المفروضة عليها عن طريق زيادة نسب الإمداد.
نقاشات سعودية روسية بشأن خفض الإنتاج
5 قنابل موقوتة
تشهد أروقة أوبك حزمة من التصدعات، الداخلية والخارجية، تهدد نفوذها التاريخي وتقوض دورها المؤثر في أسواق النفط العالمية وهي التي تشكل فيه ما يقرب من 35% من إجمالي إمدادات الخام، غير أن هناك خمسة قنابل موقوتة ربما تضع مستقبل المنظمة على المحك بصرف النظر عما ستخرج به نتائج الاجتماع الحاليّ:
خلافات داخلية
حالة من التوتر وتصاعد الخلافات بين الدول الأعضاء في المنظمة والبالغ عددهم 12 عضوًا حتى الآن، فلم تعد أوبك كما كانت في السابق يدًا واحدة وقرارًا موحدًا قادرًا على لعب دور محوري في سوق النفط العالمية، إذ ساهمت سياسات السعودية على وجه الخصوص بجانب بعض القرارات الخارجية في امتعاض العديد من الدول.
بجانب انسحاب قطر قبل أيام، أعلنت اليوم إيران على لسان وزير نفطها بيجن زنغنة، أنه يجب استثناءها من جميع قرارات أوبك حتى يتم رفع العقوبات عنها، مضيفًا في لقاء له مع الصحفيين: “يجب استبعاد إيران من أي قرار بشأن المستوى المستقبلي للإنتاج حتى رفع العقوبات غير القانونية””، معلنًا عدم نية بلاده الانضمام إلى لجنة المتابعة الوزارية التابعة للمنظمة المسؤولة عن مراقبة اتفاق فيينا وتقديم توصيات لتعديله.
علاوة على ذلك فإن الخلاف بين الأعضاء بشأن مسألة معدلات الإنتاج، زيادة كانت أو انخفاضًا، معول جديد من معاول الهدم التي ربما تزيد من انقسامات المنظمة، خاصة أنها باتت رهن أجندات دول بعينها بعيدًا عن مراعاة المصلحة العامة لبقية الدول، ولعل هذا كان أحد أسباب انسحاب قطر.
أيهم كامل رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة Eurasiagroup، نقلت عنه “نيويورك تايمز” قوله إن المملكة العربية السعودية وروسيا تمليان شروطًا فيما يتعلق بالإنتاج وهو ما أثار غضب واستياء أعضاء أوبك الآخرين على رأسهم إيران، لافتًا أن تلك الهيمنة قد تكون أحد دوافع الدوحة للانسحاب من المنظمة التي باتت أسيرة أجندات دول بعينها.
الضغوط الأمريكية
يمارس دونالد ترامب ضغوطًا شديدة على الرياض فيما يتعلق بضرورة الإبقاء على نسب الإمدادات دون تخفيض خشية زيادة الأسعار، ففي يوليو الماضي، انتقد سياسات أوبك وطالبها بزيادة معدلات إنتاجها، كما جدد مطالبته المملكة بزيادة إنتاجها مليوني برميل نفط يوميًا.
وفي الـ30 من يونيو الماضي غرد الرئيس الأمريكي بأنه اتصل بالعاهل السعودي وطالبه بأن ترفع بلاده إنتاجها من النفط وأن سلمان استجاب لطلبه، مضيفًا “لدي علاقة جيدة جدًا مع الملك وولي عهد السعودية والمحيطين بهما، وسيتعين عليهم ضخ مزيد من النفط”.
الضغوط الأمريكية تجاوزت حد المطالبة إلى المقايضة، حيث ألمح أكثر من مرة إلى أن زيادة الإنتاج مقابل الحماية، وهو الذي لوح في مرات سابقة إلى أن العاهل السعودي لا يمكنه البقاء فوق كرسيه أكثر من أسبوعين دون الحماية الأمريكية، ومع ذلك رضخت المملكة لتلك الدعوات قبل ستة أشهر وزادت من معدلات الإنتاج بجانب الإمارات.
قرار الانسحاب وإن لم يكن مؤثرًا بالشكل الكبير كون إنتاج قطر من النفط لا يتعدى 2% من إجمالي ما تنتجه المنظمة، إلا أنه في المقابل تحرك رمزي يعكس هشاشة الكيان النفطي العالمي
قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي ربما تكون حاضرة بشكل غير مباشر على طاولة اجتماعات أوبك، فالضغوط الممارسة على الرياض كبيرة، ومصير ولي العهد بات على المحك، وهناك رغبة ملحة في استجداء الجانب الأمريكي في هذه القضية، ومن ثم فإن أي قرار لا بد أن يراعي عدم استفزاز الحليف الأمريكي خشية أن يقلب الطاولة على الأمير الشاب.
بوب مكنالي رئيس مجموعة رابيدان للطاقة التي مقرها الولايات المتحدة قال في تصريحات نقلتها “رويترز” إن أوبك بين شقي الرحى بالنظر إلى ضغط ترامب من ناحية والحاجة إلى إيرادات أعلى من ناحية أخرى، مضيفًا “نعتقد أن أوبك ستسعى للوصول إلى خفض ضبابي للإنتاج، لن يُوصف بأنه خفض لكنه سيعني عمليًا الخفض، وسيكون من الصعب قياسه”.
Just spoke to King Salman of Saudi Arabia and explained to him that, because of the turmoil & disfunction in Iran and Venezuela, I am asking that Saudi Arabia increase oil production, maybe up to 2,000,000 barrels, to make up the difference…Prices to high! He has agreed!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 30, 2018
انسحاب قطر
المشاركة القطرية في هذا الاجتماع ستكون الأخيرة بعد حضور دائم استمر منذ عام 1961 وذلك بعد انسحابها قبل أيام وبحوزتها ما يقرب من 630 ألف برميل من النفط يوميًا، وهو ما يلقي بظلاله دون شك على أروقة الاجتماع بشكل أو بآخر.
قرار الانسحاب وإن لم يكن مؤثرًا بالشكل الكبير كون إنتاج قطر من النفط لا يتعدى 2% من إجمالي ما تنتجه المنظمة، إلا أنه في المقابل تحرك رمزي يعكس هشاشة الكيان النفطي العالمي ويفند مزاعم التماسك المهلهل في ظل ما شابه من تسييس لصالح جهات بعينها خلال الآونة الأخيرة.
وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لقطر للبترول، سعد بن شريده الكعبي، علق على قرار بلاده الانسحاب بقوله: “لا نقول إننا سنخرج من نشاط النفط لكن المنظمة التي تسيطر عليه تديرها دولة واحدة”، كاشفًا أن هذا التحرك يأتي في إطار التخطيط لإستراتيجية طويلة المدى والبحث في سبل تحسين دورها العالمي عبر تطوير قطاع الغاز بها وزيادة إنتاج الغاز المسال من 77 مليون طن سنويًا إلى 110 ملايين بحلول 2024.
وزير الطاقة القطري سعد الكعبي
التعنت الروسي
يمثل التعنت الروسي في خفض الإنتاج بالنسبة التي تريدها السعودية تحديًا جديدًا أمام المنظمة في اجتماعها الحاليّ، إذ ترغب المملكة في خفض الإمدادات بما لا يقل عن 1.3 مليون برميل يوميًا بما يعادل 1.3% من الإنتاج العالمي، وتريد من موسكو أن تساهم في هذا الخفض بما يتراوح ما بين 250 إلى 300 ألف برميل يوميًا، وهو ما يعترض عليه الجانب الروسي الذي يرغب في أن تكون الكمية نصف ما تريده الرياض.
بعض التقارير أشارت إلى أن روسيا ستدعم خفضًا كبيرًا في إنتاج المنظمة البالغ حاليًّا 32.5 مليون برميل يوميًا، غير أن وزير النفط السعودي خالد الفالح شكك في هذه المعلومات كاشفًا أن “أوبك والمنتجين خارجها لا يزالون يدرسون ما يجب عمله بشأن خفض الإنتاج والكمية التي يجب خفضها”.
مع ضبابية الأجواء التي يعقد فيها اجتماع أوبك هناك 3 سيناريوهات رئيسية تخيم على نتائج هذا الاجتماع، ورغم الضغوط الأمريكية الممارسة على المنظمة بوجه عام والسعودية على وجه الخصوص فإن مسألة زيادة معدلات الإنتاج مستبعدة بصورة كبيرة وفق ما تطرق إليه خبراء
تحديات أسواق النفط العالمية
“أوبك” باتت مؤسسة غير مجهزة للتكيف مع التطورات المتلاحقة التي تحدث بأسواق النفط العالمية” بهذه العبارة استهل ليام دينينج الصحفي المتخصص في الطاقة ورئيس التحرير السابق لـ”وول ستريت جورنال” تقرير له بشبكة “بلومبيرج” عن التحديات التي تواجه المنظمة ودوافع قطر للانسحاب.
ديننج في تقريره تطرق إلى أن اعتماد المنظمة على أسواق إنتاجية خارج قائمة أعضائها في إشارة إلى روسيا يكشف حجم الصعوبات التي يواجهها هذا الكيان، هذا بخلاف التأرجح في قرارات زيادة الإنتاج وانخفاضها التي تأتي في معظمها استجابة لرغبات رئيس أمريكا.
علاوة على ذلك يكشف التقرير احتمال قيام ترامب بدعم تشريعات مناهضة للمنظمة في الكونغرس، هذا بخلاف تداعيات نقاط الضعف التي تعاني منها وجعلتها غير ملائمة لتشكيل سوق نفط أكثر ديناميكية.
3 سيناريوهات
مع ضبابية الأجواء التي يعقد فيها اجتماع أوبك إلا أن هناك 3 سيناريوهات رئيسية تخيم على نتائج هذا الاجتماع، ورغم الضغوط الأمريكية الممارسة على المنظمة بوجه عام والسعودية على وجه الخصوص فإن مسألة زيادة معدلات الإنتاج مستبعدة بصورة كبيرة وفق ما تطرق إليه خبراء.
خفض كبير للانتاج.. يتضمن السيناريو الأول التوصل إلى قرار بتخفيض معدلات الإمدادات بصورة كبيرة، وهو احتمال ربما يكون وفق البعض صعبًا في هذا التوقيت حيث الضغوط الأمريكية الممارسة ضد المنظمة من جانب والسعودية من جانب آخر بشأن التحذير من تجاوز نسب التخفيض الحد الذي تقفز فيه الأسعار بصورة كبيرة.
كما يمثل الموقف الروسي الرافض للاستجابة للرغبة السعودية في وصول معدل الخفض إلى 1.3مليون برميل يوميا، تحديًا أخر ربما يقلل من احتمالات تحقيق هذا السيناريو، هذا في الوقت الذي تشير فيه مجموعة “يوراسيا” في تقرير نشرته الأسبوع الماضي، إنها تتوقع اتفاقا بين أوبك وروسيا لخفض الإنتاج بـ1.5 مليون برميل يوميا.
الأمين العام لأوبك، محمد باركيندو، يعتقد أن النتيجة الأقل احتمالا هي عدم توصل المنظمة إلى خفض الإنتاج
فيما يتطرق السيناريو الثاني وهو الأقرب وفق بعض المحللين إلى إحداث انخفاض متوسط في الانتاج يحقق ارتفاع طفيف في الأسعار بما يتماشى مع رغبات الدول الأعضاء التي تتأثر بشكل كبير جرًاء التهاوي الكبير في أسعار المورد الأول بالنسبة لاقتصاديات تلك الدول
الفريق الداعم لهذا السيناريو يعزز موقفه بأن الرياض تسعى بخفضها لمعدلات الانتاج بنسب متواضعة إلى إحداث حالة من التوازن بين مصلحة أعضاء المنظمة وما يريده حليفها الأول، دونالد ترامب، وهو ما يرجح احتمالية التوصل مع روسيا إلى اتفاق حول هذا الاحتمال.
السيناريو الثالث يتطرق إلى إبقاء الوضع على ماهو عليه، وهو ما يعني مزيدًا من النزيف بالنسبة لاقتصاديات دول أوبك لاسيما السعودية، خاصة مع توقعات تراجع جديد في أسعار النفط، وهو ما لايقبله أي من الأعضاء، ومن ثم تذهب بعض الأصوات إلى عدم ترجيح هذا التصور وهو ما ألمح إليه أمين عام المنظمة النفطية.
الأمين العام لأوبك، محمد باركيندو، يعتقد أن النتيجة الأقل احتمالا هي عدم توصل المنظمة إلى خفض الإنتاج، وذلك بحسب تصريحاته لـCNN في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي قال فيها إن الأعضاء يتحدثون لضمان التوافق قبل اجتماع فيينا، وهو ما أكد عليه وزير النفط العماني أمس في تصريحات له.