أعلن تقرير صادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية أن الصين تستمر في قيادة العالم في مجال براءات الاختراع المحلية منذ 8 سنوات تقريبًا، ولا شك أن هذا المؤشر لا يملك وزنًا حقيقيًا على الاقتصاد الصيني إلا أنه يشير إلى التحول الإستراتيجي في الصناعات الصينية التي يبدو أنها تنزع عن نفسها رداء النسخ والتقليد وترتدي بدلًا منه الابتكارات والاختراعات الجديدة والخلاقة، وذلك بعد أن بدأت الصين تنفق نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مجالات البحث والتطوير، سعيًا لتحقيق طموحها في قيادة العالم اقتصاديًا.
في عام 2017، احتلت الصين أيضًا المرتبة الأولى في هذا المجال بواقع 1.38 مليون تسجيل، مقابل 607 آلاف تسجيل براءة اختراع في الولايات المتحدة الأمريكية، و318 ألفًا في اليابان، و205 آلاف في كوريا الجنوبية، و107 آلاف في دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب 490 ألفًا لبقية دول العالم، ما يعني أن دول الصين والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي استحوذت وحدها على 85% من إجمالي براءات الاختراع في العالم، علمًا أنه حتى عام 1985 لم يكن يوجد قانون براءات الاختراع في الصين.
أما بالنسبة إلى تسجيل البراءات في الخارج، فقد أتى الأمريكيون في المرتبة الأولى بواقع 231 ألف طلب تسجيل، مقابل نحو 200 ألف لليابانيين، و103 آلاف للألمان، و67 ألفًا للكوريين، وما زالت الصين غير قادرة على المنافسة في هذا المضمار بسبب اختلاف المعايير الأوروبية والأمريكية في هذا المجال عن المقاييس الصينية، لكن بشكل عام تدلل هذه المؤشرات على المنافسة الكبيرة بين الدول، إذ تسعى الصين لمضاعفة عدد براءات الاختراع التي تتقدم بها بحلول عام 2020 ثلاثة أضعاف.
هل تصبح الصين مركزًا للابتكار في العالم؟
على مدار ما يقرب من 10 سنوات، تفوقت الصين في تطوير مركز الملكية الفكرية في بلادها وتحديدًا في مجال التكنولوجيا ووسائل النقل، وهو الأمر الذي أدى إلى توتر علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل تدريجي ومتكرر، لكن على الرغم من العدد الهائل من الابتكارات، يقول مراقبون إننا إذا أردنا أن نقيم مدى قدرة الصين على ريادة مجال الابتكار، فإننا بحاجة إلى النظر إلى ما وراء عدد براءات الاختراع لأن العدد ليس مقياسًا للجودة، لا سيما أن طلبات براءات الاختراع الصينية لم تنضم إلى المحور العالمي ما يعني أنها لم تتمكن بعد من تحسين جودة براءاتها أمام التقييمات والمقاييس العالمية.
يضاف إلى ذلك، أن الصين لا تتأكد من فائدة وفعالية الاختراعات المقدمة لها، ويوضح ذلك، لو جونفينج، محامي براءات الاختراع في مكتب قانون البراءات والعلامات التجارية في شنغهاي، ويقول: “هذا يعني أن براءات الاختراع ليست ذات قيمة كبيرة كما يفكر الناس، فإذا كان عدد الاختراعات التي تصل إلى خطوة التصميم منخفضة جدًا، فإنه يدفعنا لطرح تساؤلات عن منهجية التسجيل والقبول”، إذ يتم التخلص من معظم الاختراعات بعد 5 سنوات، أي حين تصل إلى مرحلة التصميم، وبذلك تخسر الصين نحو 9 اختراعات من كل 10، ما يعني أنه يتم التخلص من 91% منها، وهو النقيض التام للاختراعات في أمريكا.
في الصين يعد تغيير شكل المنتج الأساسي ونمطه ولونه كافيًا للحصول على براءة الاختراع ولهذا السبب لم تصل اختراعاتها للمستوى اللازم من الإبداع ليكون هناك اعتراف عالمي بابتكاراتها
كما أكد أحد الخبراء في براءات الاختراع لصحيفة الأخبار البريطانية، بي بي سي، أن “ما يراه الصينيون على أنه براءة اختراع ليس في الحقيقة سوى نوع من التصميم، وهذه نوعية الطلبات التي تقدم لهم بكثرة”، وأضاف “تشير تفاصيل ما يتقدمون به من ابتكارات إلى أنهم لم يصلوا للمستوى اللازم من الإبداع ليكون هناك اعتراف عالمي بالابتكار”، ففي أوروبا تغيير شكل المنتج ليس معيارًا كافيًا للحصول على براءة اختراع، ويتطلب الأمر جانبًا تقنيًا يميز العملية الجديدة ويقدم تحسينًا لم يكن مكتشفًا من الخبراء في هذا المجال، لكن في الصين فإن مجرد تصميم جديد أو تغيير في شكل المنتج الأساسي ونمطه ولونه يعد كافيًا للحصول على براءة الاختراع.
إضافة إلى ذلك، يقول محامون محليون إن العاملين في مكاتب البراءات الصينية يتلقون أجورًا عالية إذا وافقوا على المزيد من براءات الاختراع، ما يجعلهم في الغالب يقبلون أفكارًا مشبوهة ومشكوك في أصالتها وحداثتها، مثلما قال توني شين، محامي البراءات في شركة “جونز داي”: “من السهل تسجيل براءات الاختراع، ولكن من الصعب العثور على الأحجار الكريمة في جبل من الخردة”.
بعض الشركات تحتال على النظام وتسجل براءات اختراع للحصول على حوافز نقدية وتخفيضات ضريبية، فمنذ عام 2008 شجعت السلطات الصينية مواطنيها على الابتكار وكانت التخفيضات الضريبية – من 15% إلى 25%- والمساعدات السنوية جزءًا من سياستها
وفي نفس الشأن، أشار وانغ شيانغ رئيس قسم التسويق في الصين إلى أن بعض الشركات تحتال على النظام وتسجل براءات اختراع للحصول على حوافز نقدية وتخفيضات ضريبية، فمنذ عام 2008 شجعت السلطات الصينية مواطنيها على الابتكار وكانت التخفيضات الضريبية – من 15% إلى 25%– والمساعدات السنوية – قدرها 70 ألف دولار أمريكي – جزءًا من سياستها، لكن من جديد انتبهت الحكومة إلى هذه الممارسات وبدأت بإلغاء تراخيصهم وطلباتهم كنوع من الحساب والعقاب على أفعالهم التي تضر بالمبتكرين.
ومع ذلك فإن دعم الصين للبراءات عزز بعض القطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتكنولوجيا الطبية والاتصال، ما جعل الشركات الصينية تتقدم بطلبات أكثر من نظيراتها في أمريكا بـ8 أضعاف، فهي لا تزال تصر على التقدم في هذا المجال بالأخص، لكن نظرًا للاستنتاجات والشهادات السابقة ينبغي على الصين التركيز على جودة أنشطتها المبتكرة والإبداعية لكي تضمن تقدمًا ذا قيمة وثقل اقتصادي.