مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وعدم فصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ملف ترشحه لولاية خامسة، تتعالى أصوات من الموالاة والمعارضة تدعو لتمديد عهدة الرئيس الحالية قد تصل لسنتين في انتظار الخروج من الوضع الذي تعيشه البلاد والتوافق على مرشح موحد يمكن أن يخرج البلاد من حالة الضبابية السياسية التي تعيشها وجعلتها لا تصل إلى المكانة التي من المفروض أن يتقلدها بلد مثل الجزائر.
ولم يعد الحديث اليوم في الأوساط السياسية يخرج عن موضوع الرئاسيات المقبلة المقرر تنظيمها في نيسان إبريل المقبل، ففي وقت كانت الموالاة ترافع لترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، خرجت أصوات من صلبها لا تستبعد تأجيل الموعد الرئاسي وتمديد ولاية بوتفليقة الحالية التي تنتهي في إبريل 2019.
تمديد بالإجماع
بعدما كان من الداعين لترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، عاد رئيس حزب تجمع أمل الجزائر “تاج” عمار غول ليغير كلامه ويدعو إلى إمكانية التمديد للرئيس الحالي وتأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعمار غول هو وزير الأشغال العمومية والنقل الأسبق الذي انشق في 2013 عن حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) بعدما قررت خروجها من التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة، وأسس حزبه تاج الذي استطاع أن يحصد 20 مقعدا في البرلمان رغم خطابه الانبطاحي الداعم دون شروط لرئيس البلاد.
قال رئيس حزب تاج إن هذه “الندوة الجامعة فضاء مفتوح أمام مكونات الطبقة السياسية بمختلف أطيافها وكذا المجتمع المدني والشريك الاجتماعي والنخبة الوطنية”
ويدعو غول إلى عقد ندوة وطنية بمشاركة جميع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية من معارضة وموالاة بهدف الوصول إلى إجماع وطني لمواجهة التحديات التي تعيشها البلاد .
وحسب غول، فإن الهدف من تنظيم هذه الندوة هو التوصل إلى “إجماع وطني وتمكين الجزائر من مجابهة التحديات الوطنية والدولية وذلك من خلال تجميع القوى الحية في البلاد، لبحث السبل الكفيلة لمعالجة النقائص ومواجهة مختلف التهديدات”.
وأوضح أن “الجزائر تواجه سهاما تضرب ظهرها في كل الاتجاهات، لذلك وجب التصدي للأفكار المسمومة التي تنشر ثقافة اليأس والإحباط خاصة في أوساط الشباب إلى جانب جملة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
وقال رئيس حزب تاج إن هذه “الندوة الجامعة فضاء مفتوح أمام مكونات الطبقة السياسية بمختلف أطيافها وكذا المجتمع المدني والشريك الاجتماعي والنخبة الوطنية”، تسعى إلى وضع رؤية استشرافية للجزائر آفاق 2050 وتضمن مستقبلا أفضل للأجيال”.
ويأمل غول أن تنظم هده الندوة الوطنية قبل رئاسيات 2019، وتحت رعاية الرئيس بوتفليقة الذي يملك لوحده حق إعطاء الضوء الأخضر لتنظيم ندوة بهذا الحجم.
وحسب غول، فإن المبادرة التي يرافع لعقدها “أكبر وأهم من الرئاسيات، لأن هذا الموعد الانتخابي محطة ثانوية مقارنة بهذه المبادرة، فلا مشكل في تأجيل الرئاسيات إذا اقتضت المبادرة ذلك”
ولما سئل غول عن التمديد لبوتفليقة في حال تأجيل الرئاسيات، أجاب بكل صراحة قائلا ” وفاؤنا ودعمنا للرئيس بوتفليقة ثابت ودائم ومستمر “.
قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري إن “المكتب التنفيذي الوطني للحركة يرحب بالتجاوب الإيجابي مع بنود مبادرة التوافق الوطني الذي عبرت عنه سابقا أو في هذه الأيام العديد من مكونات الساحة السياسية في المعارضة والموالاة:
لكن مبادرة غول تظل الوحيدة في معسكر الموالاة، ما قد يجعلها خطوة لجس نبض المعارضة من طرف محيط الرئيس بوتفليقة، قد يتبعها دعم من باقي أحزاب السلطة وفي مقدمتها الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني وشريكه التجمع الوطني الديمقراطي في حال ما قرر بوتفليقة التمديد فعلا.
وما قد يواجه هذه المبادرة من صعوبات هو ربطها بالرئيس بوتفليقة الذي تريد بعض أطياف المعارضة جزائر جديدة لا مكان للرئيس الذي يحكم البلاد منذ 1999 فيها بالنظر للحالة الصحية التي يعيشها منذ النوبة الأقفارية التي تعرض لها في إبريل 2013.
ترحيب حذر
لا تعد مبادرة غول الوحيدة في المشهد السياسي الجزائري، فقد سبقته إلى ذلك جبهة القوى الإشتراكية وحزب العمال اللذين يدعوان إلى عقود نوة وطنية لتحقيق التوافق وتشكيل مجلس تأسيسي يخرج البلاد من الوضع التي تعيشه، كما سبق للجبهة الوطنية الجزائرية التي يرأسها موسى تواتي أن اقترحت تنظيم مؤتمر للتوافق الوطني مع التمديد في فترة الرئيس بوتفليقة، لكن تبقى مبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها منذ أشهر حركة مجتمع السلم التي تمثل إخوان الجزائر الأبرز في المدة الأخيرة، والتي لا يبدو أنها ترفض مقترح عمار غول، بل اعتبرته امتدادا لخطوتها التي أجرت بشأنها العديد من اللقاءات مع مختلف الأحزاب.
وقال رئيس الحركة عبد الرزاق مقري إن “المكتب التنفيذي الوطني للحركة يرحب بالتجاوب الإيجابي مع بنود مبادرة التوافق الوطني الذي عبرت عنه سابقا أو في هذه الأيام العديد من مكونات الساحة السياسية في المعارضة والموالاة، وتؤكد الحركة بأنها ستتعامل إيجابيا مع هذه المعطيات الإيجابية وستسعى ليكون ذلك في إطار المصلحة العامة والخطاب الصادق وليس المصلحة الشخصية ولغة الخشب”
يقترح مقري الذي يرفض تسمية “التمديد” لبوتفليقة بـ”تأجيل الانتخابات” لفترة لا تزيد عن سنة تخرج خلالها مختلف الأطياف بمرشح توافقي للانتخابات المقبلة.
وحسب مقري، فإن مبادرة غول تأتي بعدما “تأكد يوما بعد يوم انغلاق الأفق نحو الانتخابات الرئاسية 2019، فلا يبدو أنه ثمة عهدة خامسة كما أشرنا إلى ذلك في الصائفة الماضية، ولا القوى الموالية قادرة على التوافق بينها على مرشح واحد ولا المعارضة باستطاعتها الدخول في المنافسة الانتخابية في ظل هذا الغموض وغياب الضمانات، كما أن الصراعات داخل النظام السياسي أغلقت المنافسة كلية في 2019 وقد يصيب الساحة السياسية مكروه كبير إذا بقي الأمر كما هو”.
وخاطب مقري الجميع قائلا “أيها الحكام، أيها السياسيون، أيها العقلاء تعالوا إلى كلمة سواء، تعقلوا ولا تغامروا بالجزائر، تعالوا إلى الحوار، تعالوا إلى التوافق الوطني، وإذا تطلب الأمر مزيدا من الوقت للوصول إلى حل وتحقيق التوافق فلتؤجل الانتخابات الرئاسية لفترة نتفق فيها، لا تسيروا بنا في هذه الانتخابات إلى المجهول.”
ويقترح مقري الذي يرفض تسمية “التمديد” لبوتفليقة بـ”تأجيل الانتخابات” لفترة لا تزيد عن سنة تخرج خلالها مختلف الأطياف بمرشح توافقي للانتخابات المقبلة.
حرج قانوني
غير أن مقترح التمديد لبوتفليقة يواجه رفضا قانونيا من دستور البلاد الذي ينص في المادة 110 على أنه “يوقَف العمل بالدّستور مدّة حالة الحرب ويتولّى رئيس الجمهوريّة جميع السّلطات .وإذا انتهت المدّة الرّئاسيّة لرئيس الجمهوريّة تمدّد وجوبا إلى غاية نهاية الحرب”.
ووفق هذه المادة، لا يمكن التمديد لبوتفليقة دون انتخابات فالجزائر لا تعيش حالة حرب، بل إن تقارير دولية صنفتها في خانة الدول الآمنة في القارة الإفريقية.
ومن ثم سيكون الحل أمام بوتفليقة اللجوء إلى حل وحيد وهو التعديل الدستوري، لكن هذا المقترح لا يحبذه الكثيرون، لأنه سيزيد من جملة الانتقادات الموجهة له، فالمعارضة تتهمه بخرق مواد الدستور لما عدله في 2008 وفتح الولايات الرئاسية لأكثر من ولايتين ما سمح له بالترشح لعهدة ثالثة ورابعة، وخامسة تشوبها العديد من الشكوك كونه قد عاد في 2016 وقرر تحديد العهدة الرئاسية بعهدتين فقط، ومن ثم فإن التمديد له يعد انتهاكا لما تعهد به.
في ظل تواصل صمت الرئيس بوتفليقة بشأن موقفه من الموعد الانتخابي المقبل، رغم الإيحاءات التي حملتها رسالتها الأخيرة بإمكانية ترشحه لولاية خامسة يبقى تجسيد هذه المبادرات مربوطا بقراره النهائي
ويُتخوف من أن تكون هذه الخطوات إفقاد للشرعية الدستورية التي يجب أن يستند عليها رئيس البلاد، وهو ما قد يفتح المجال للاعبين آخرين في تحديد الرئيس المقبل للبلاد أولاهم الجيش الذي وصف دائما بصانع الرؤساء في الجزائر.
وفي ظل تواصل صمت الرئيس بوتفليقة بشأن موقفه من الموعد الانتخابي المقبل، رغم الإيحاءات التي حملتها رسالتها الأخيرة بإمكانية ترشحه لولاية خامسة يبقى تجسيد هذه المبادرات مربوطا بقراره النهائي في مواصلة مكوثه على كرسي الرئاسة أو تركه المجال لمرشحين آخرين في الموعد الرئاسي المقبل.