رغم أن قرار إدانة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كحركة مقاومة فلسطينية في الأمم المتحدة فشل التصويت عليه، فإن واشنطن نجحت للمرة الأولى وبشكل نادر في الحصول على أصوات دول الاتحاد الأوروبي لصالح القرار، في تطور مهم جدًا للسياسة الخارجية الأوروبية التي ظلت تحافظ على موقفها المحايد من القضية الفلسطينية بإنشاء دولة فلسطينة على حدود 67 كموقف مخالف نسبيًا لموقف الإدارة الأمريكية الجديدة في رؤيتها للصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا التطور خطير جدًا في الجهود الدبلوماسية التي بذلتها السلطة الفلسطينية في علاقتها مع دول الاتحاد الأوروبي.
ينص مشروع القرار الذي يدين حركة حماس وقدمته سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية نكي هيلي في يومها الأخير بالأمم المتحدة كتذكرة وداع مجانية للاحتلال الإسرائيلي على “إدانة حماس لإطلاقها المتكرر لصواريخ نحو “إسرائيل” وتحريضها على العنف معرضة بذلك حياة المدنيين للخطر”، ويطالب النص “حماس وكيانات أخرى – بما فيها الجهاد الإسلامي الفلسطيني – بأن توقف كل الاستفزازات والأنشطة العنيفة بما في ذلك استخدام الطائرات الحارقة”، ولو أقر النص سيكون أول إدانة من الأمم المتحدة لحركة حماس على الرغم من أنه غير ملزم قانونيًا.
وقد صوتت جميع دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية وتركيا ضد مشروع القرار الأمريكي لإدانة المقاومة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
موقف متقدم للسلطة الفلسطينية
تصرفت السلطة الفلسطينية بلغة المؤسسات والقانون الدولي، ورفضت عبر مستوياتها كافة القرار منذ بداية الحديث عنه، وقد حيدت الانقسام الفلسطيني جانبًا بعيدًا عما يمس مقاومة الشعب الفلسطيني ودعت الدول كافة للتصويت ضد القرار الأمريكي ونجحت في ذلك.
فقد اعتبر وزير الخارجية الفلسطينية والمغتربين رياض المالكي القرار الذي تحاول الإدارة الأمريكية تسويقه أنه حرب معلنة تشنها هذه الإدارة على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وقال المالكي: “الدبلوماسية الفلسطينية تعمل على مواجهة القرار الأمريكي الذي يستهدف إدانة حركة حماس في خطوة اعتبرها فرضًا لوقائع جديدة في الأمم المتحدة لاستباق أي خطوة فلسطينية تدين “إسرائيل” في عدوانها على قطاع غزة.
قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في تغريدة عبر تويتر: “موقف حركة فتح من مشروع القرار الأمريكي المعروض على الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين المقاومة، موقف مسؤول ويعبر عن مصلحة وطنية لشعب تحت الاحتلال”
وعلى المستوى الفصائلي طالب حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قبل أسبوع من عرضه برفض مشروع القرار الأمريكي الذي يدعو لإدانة حماس وقال: “القرار مرفوض جملةً وتفصيلاً، ودليل قاطع على سياسة الانحياز الأمريكي الكامل للاحتلال، والمساواة بين الضحية والجلاد”.
أشادت حركة حماس بموقف حركة فتح حيث قال عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق في تغريدة عبر تويتر: “موقف حركة فتح من مشروع القرار الأمريكي المعروض على الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين المقاومة، موقف مسؤول ويعبر عن مصلحة وطنية لشعب تحت الاحتلال”.
إلا أن حركة حماس لم تتخذ موقفًا إيجابيًا سابقًا لدعم خطاب الرئيس عباس في سبتمبر الماضي، حيث صرح سامي أبو زهري أحد ناطقي حركة حماس قائلاً: “لن نوفر أي شرعية أو غطاء لخطاب الرئيس”، لافتًا أن “مضمون الخطاب لا يحظى بأي شرعية أو توافق وطني ولا يمثل شعبنا”.
وربط أبو زهري دعم حماس لخطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة سابقًا بوقف التنسيق الأمني ورفع العقوبات عن غزة، حيث هاجم الرئيس عباس حركة حماس في أثناء خطابه وطالبها بتسليم قطاع غزة بالكامل إداريًا وسياسيًا، لكن حركة حماس لم تتوصل إلى صيغة توافقية مع حركة فتح والسلطة بشأن مرونة أكثر على أساس الوحدة الوطنية للخطاب السابق في الأمم المتحدة.
نظمت اتفاقية لاهاي عام 1907 عمل حركات المقاومة ونصت على أن يكون لها رئيس وشعار، وأن تحمل السلاح علنًا بعد أن تتقيد بأعراف وقوانين الحرب
هنا يمكن الإشارة على الصعيد الدولي وهو الأهم حاليًّا وفق ما يحدث من محاولات تجريم للمقاومة وترسيخ لحالة التطبيع الحاصلة مع الاحتلال الإسرائيلي أن موقف السلطة متقدم في الحفاظ على المكانة الفلسطينية في السياق الدولي والقانوني ودعم حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة.
ولكن هل فعلًا كفل القانون الدولي حق المقاومة وفق ما يقول الفلسطينيون؟
تعتبر المقاومة الفلسطينية جزءًا من حركات التحرر الوطني التي انطلقت لنزع الاستعمار عالميًا، ومع انتهاء حقبة الاستعمار بقي الفلسطينيون يعانون من استعمار متشعب أكثر خطورة من الاستعمارات السابقة، وفي البداية يمكن الإشارة أن المقاومة الفلسطينية تأتي هنا في إطار الدفاع عن النفس نظرًا لحجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين منذ نشأته دون احترام لأي بعد قانوني دولي، ودون تحقيق رادع فعلي للاحتلال.
وقد نظمت اتفاقية لاهاي عام 1907 عمل حركات المقاومة ونصت على أن يكون لها رئيس وشعار، وأن تحمل السلاح علنًا بعد أن تتقيد بأعراف وقوانين الحرب، واعترفت الأمم المتحدة بالشعب القائم في وجه العدو كفاعل من فواعل القانون الدولي، وطبقت على حركات التحرر نظام فيينا للبعثات الدائمة أو المؤقتة في المنظمات الدولية.
يفسر ذلك اللقاءات الدولية والدورية التي عقدت إما من دول فاعلة قوية كفرنسا وبريطانيا أو من الأمم المتحدة سابقًا مع قائد حركة التحرر الوطني الفيتنامي هوتشي منه، أو مع قائد حركة التحرر في جنوب إفريقيا نيلسون منديلا، كحالات مشابهة للحالة الفلسطينية.
اختارت أمريكا هذا التوقيت لإقرار القرار ونزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية وفصلها عن السلطة تمامًا تزامنًا مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 من نوفمبر لتعكير زخم التأييد الدولي للقضية الفلسطينية
ويدعم القرار الأممي رقم 3236 الصادر بتاريخ 1974 حق الشعب الفلسطيني في استخدام الوسائل كافة لنيل حريته المتاحة بما فيها الكفاح المسلح، وكان هذا القرار من أهم الوثائق التي أكدت الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، خاصة “الحق في تقرير المصير والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين”.
وقد دعا قرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن في 22 تشرين ثاني 1967 إسرائيل إلى التخلي عن الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967، إضافة للقرار رقم 3314 الخاص والصادر عن الأمم المتحدة في تعريف العدوان أكد على “حق ومشروعية كفاح الشعوب في المطالبة بحقها في تقرير المصير واستبعاد هذا الاستخدام من دائرة الأعمال العدوانية ومظاهر الاستخدام اللامشروع للقوة”.
وعلى ما ذكر سابقًا نرى أن للشعب الفلسطيني الحق المطلق في تقرير مصيره وفق قرارات الأمم المتحدة وحين عدم السماح له من الاحتلال في نيل هذا الحق تقرر شرعية المقاومة بكل أشكالها السلمية أولًا والقتالية لانتزاع حقه.
لماذا اختارت أمريكا هذا التوقيت للتصويت على تجريم المقاومة الفلسطينية؟
اختارت أمريكا هذا التوقيت لإقرار القرار ونزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية وفصلها عن السلطة تمامًا تزامنًا مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 من نوفمبر لتعكير زخم التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، حيث تحتفل الأمم المتحدة بهذا اليوم منذ اعتماد الجمعية العامة القرار 32/40 “ب” المعتمد بتاريخ 2 من ديسمبر/كانون الأول 1977، والقرار 34/65 “د” المعتمد بتاريخ 12 من ديسمبر/كانون الأول 1979، والقرارات اللاحقة التي اتخذتها الجمعية العامة بشأن قضية فلسطين، لما ينطوي عليه من معانٍ ودلالات بالنسبة للشعب الفلسطيني.
قد يكون رفض القرار فلسطينيًا فرصة سريعة للمصالحة الداخلية التي تعتبرها الدول الأوروبية وأمريكا ذريعة لتمرير مخططاتها المضادة لإقامة الدولة الفلسطينية
وخلال هذا العام تم ويتم التصويت على 16 قرارًا يتعلق بجوانب القضية الفلسطينية من بينها أربعة قرارات بشأن الأونروا، وقرار يتعلق بالقدس، وقرار ينص على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وقرارات تتعلق بالمصادر الطبيعية الفلسطينية، وقرارات بشأن الإبقاء على شعبة فلسطين في إدارة الشؤون السياسية كجزء من الأمانة العامة للأمم المتحدة ووحدة الإعلام عن القضية الفلسطينية في إدارة شؤون الإعلام، اللتين تحاول الولايات المتحدة منذ سنوات إلغاءهما.
أمريكا اليوم التي تعرض قرارها على الأمم المتحدة لكسب تأييد من جموع الفاعلين هي نفسها التي انسحبت من المنظمات الدولية الفاعلة والتابعة للأمم المتحدة: اليونسكو أولًا التي صوتت بإسلامية القدس، ثم مجلس حقوق الإنسان الذي أدان الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطيين، واتفاقية المناخ لما تتعارض مع مصلحة أمريكا في دفع الأموال لصالح رفاهية العالم والتقليل من مخاطر التغيرات المناخية، وقد اعتبر ترامب أن علماء المناخ الذين يحذرون من خطورة التغير المناخي لديهم أجندات سياسية.
وهو نفسه الإطار الجامع الذي هددت فيه أمريكا كل الدول التي تتلقى مساعدات منها بقطع هذه المساعدات إذا صوتت ضد قرار اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، إذا في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا لاستخدام الأمم المتحدة كذريعة لإدانة الفلسطينين، تتنكر لقرارات الأمم المتحدة التي تدين الاحتلال الإسرائيلي وتنسحب تكرارًا من أي منظمات دولية فاعلة تابعة للأمم المتحدة تقر بذلك، وقد استخدمت حق النقد الفيتو بشكل متواصل في مجلس الأمن ضد أي قرار يدعم حق الشعب الفلسطيني.
قد يكون رفض القرار فلسطينيًا فرصة سريعة للمصالحة الداخلية التي تعتبرها الدول الأوروبية وأمريكا ذريعة لتمرير مخططاتها المضادة لاقامة الدولة الفلسطينية، وقد تكون فرصة جديدة لتطوير الموقف الفلسطيني الجامع أمام الدول العربية أولًا التي صوتت بالإجماع ضد القرار وكذلك كثير من الدول التي تناصر القضية الفلسطينية.. فهل يتعظ الفلسطينيون هذه المرة؟