يشهد الاقتصاد المغربي في السنوات الأخيرة، هزات متتالية نتيجة أسباب عدة، ما أثر سلبًا على إيرادات البلاد المالية، الأمر الذي دفع السلطات للتوجه مجددًا نحو خصصة بعض الشركات العامة، حتى تتمكن من سد احتياجات الموازنة العامة للمملكة، فهل تكون الخصخصة الخيار الأمثل لضمان سد ثقوب الميزانية في المغرب؟
الشركات المستهدفة
صادقت الحكومة المغربية خلال الشهر الماضي، على مشروع قانون يمكّن من ضم فندق المأمونية بمراكش ومحطة توليد الطاقة “تاهدارت” الواقعة بضواحي مدينة طنجة، إلى قائمة الشركات القابلة للخصخصة، فيما جرى سحب خمس شركات من القائمة، من بينها القرض العقاري والسياحي.
مشروع هذا القانون الذي من المنتظر أن يعرض على مجلس نواب الشعب في الأيام القليلة القادمة بعد أن وافقت عليه لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في المجلس ذاته يوم 16 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تسعى من خلاله الحكومة إلى إنعاش المالية العمومية، وتعود ملكية محطة “تاهدارت” للمكتب الوطني للمياه والكهرباء، فيما تعود ملكية فندق المأمونية لمكتب السكك الحديدية ومدينة مراكش.
ويستند الاختيار، حسب مذكرة لوزير المالية محمد بنشعبون مرفقة بمشروع القانون المذكور، إلى الجدوى الاقتصادية والمالية للمؤسسة المعنية، التي يجب أن تتوافر أيضًا على خصائص تؤمن لها وضعية مالية سليمة ومستدامة مع توافرها على حد أدنى من المردودية وإمكانيات التطور، فضلاً عن الموارد المالية الجديدة والقدرة على الابتكار التي يمكن أن يوفرها المشتري المحتمل.
تتكون المحفظة العمومية من 209 مؤسسات عمومية و44 شركة ذات مساهمة مباشرة للخزانة و466 شركة تابعة أو مساهمة عمومية
يتوقع مشروع قانون المالية، العام المقبل، جذب مليار دولار عبر خصخصة بعض الشركات العمومية، ونصف تلك الإيرادات ستحول إلى الموازنة، والنصف الآخر سيوجه لصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وحسب بعض المتابعين للشأن الاقتصادي في المغرب، يرجح أن تعمد الحكومة إلى بيع حصة إضافية من شركة الموانئ “مرسى ماروك”، التي تملك فيها الدولة حصة 60%، بعد طرح 40% قبل عامين في البورصة، وما زالت الدولة تملك 30% في رأسمال “اتصالات المغرب”، حيث إن بيع جزء من تلك الحصة سيساهم في إنعاش بورصة الدار البيضاء.
موارد مهمة
يرى العديد من الخبراء في المغرب، أن عملية الخصخصة ستمكن من ضمان موارد مالية مهمة، مما سيخفض العجز في الموازنة العامة المقدر بـ 3.7%، ويقول الأستاذ الجامعي عبد الحفيظ أدمنو في هذا الشأن: “الهدف من التوجه لخصخصة هذه المؤسسات العمومية إلغاء الدعم المالي الممنوح لهذه الشركات سنويًا في القانون المالي وتحقيق عائد مالي مهم عند التفويت فيها، وهو ما يؤدي إلى تقليص العجز المالي للبلاد”.
ويضيف أدمنو في تصريح لنون بوست “العديد من التقارير وخاصة تقارير المجلس الأعلى للحسابات أكدوا الصعوبات المالية لهذه الشركات والعبء المالي الكبير على الميزانية العامة، ما يستدعي ضرورة خصخصتها، إما بالتفويت التام فيها أو تفويت جزء من رأسمال، أو استمرار ملكية الدولة ولكن في صيغة شركات مساهمة.
ورأى الباحث المغربي أن الاستمرار في تمويل شركات تحقق عجزًا سنويًا في أدائها يعتبر إهدارًا للمال العام، لذلك الأفضل التفويت الشركات الوطنية التي تمارس نشاطًا تجاريًا لربح بعض المال الذي كان يذهب إليها دون فائدة.
يأمل المغرب في جني عائدات مالية مهمة نتيجة التفويت في عدد من الشركات العامة
من خلال النظر في التوجه الحكومي الجديد، يبدو أن نجاح عمليات الخصخصة في قطاع الاتصالات وخاصة الصفقات المربحة التي سجلت على مستوى شركة اتصالات المغرب دفعت بالحكومة إلى الشروع في بيع مؤسسات عمومية جديدة أو تحويل بعضها إلى شركات مجهولة الاسم، مثلما حصل مع المكتب الوطني للسكك الحديدية الذي تحول اسمه لـ”المكتب المغربي للسكك الحديدية” والصندوق الوطني للقرض الزراعي.
وتتكون المحفظة العمومية من 209 مؤسسات عمومية و44 شركة ذات مساهمة مباشرة للخزانة و466 شركة تابعة أو مساهمة عمومية، حسب تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية، وتشير الحكومة في تقرير أرفق بمشروع الموازنة، إلى أن التوجه الحاليّ للخصخصة، يأتي في سياق توصية من المجلس الأعلى للحسابات.
تغطية النفقات الاجتماعية
قديمًا، كانت الخصخصة تتم بناء على توصيات صندوق النقد الدولي، أما هذه المرة فإن الغرض منها تغطية النفقات الاجتماعية، وتحتاج الحكومة المغربية نحو 27 مليار درهم (نحو 2.8 مليار دولار) مبلغًا إضافيًا لتغطية النفقات الاجتماعية والاقتصادية الزائدة في موازنة 2019، ستتمكن الحكومة من تحصيل قرابة 6 مليارات درهم (632 مليون دولار) من المبلغ من خلال خصخصة المؤسستين المملوكتين للدولة السابق ذكرهما.
ومنذ 2008، خففت الحكومة المغربية من عمليات الخصخصة وبيع مساهمات في مؤسسات أو شركات عمومية، حيث أضحت شبه منعدمة، حسب المجلس الأعلى للحسابات، وتساهم الشركات التي كانت مملوكة للدولة قبل خصخصتها، بشكل أكبر في إيرادات الدولة سواء عبر الجباية أم التحملات الاجتماعي، ما يؤشر في تصور خبراء على الوزن الذي تحتله في الاقتصاد الوطني.
ويعرف المغرب أزمة اجتماعية، زادت حدتها في الفترة الأخيرة، وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، كشف رئيس المجلس الأعلى للحسابات (هيئة مراقبة المال العام) إدريس جطو أن المغرب لم يتمكن بعد من تقليص الفوارق الاجتماعية والحد من مظاهر الفقر، رغم المجهودات المبذولة في هذا المجال.
وأوضح المسؤول المغربي خلال تقديمه تقرير عن أعمال المحاكم المالية أمام البرلمان، أنه على الرغم من المجهود المالي للدولة في المجال الاجتماعي، وتعدد البرامج والأجهزة العمومية المكلفة بإنجازها، فإن المغرب لم يتمكن بعد من تقليص الفوارق، والحد من مظاهر الفقر والهشاشة في العديد من مناطق وجهات المملكة”.
بدأ انخراط المغرب في برنامج خصخصة الشركات العمومية أو فتح رأسمال بعض الشركات الأخرى، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي
تخشى الحكومة المغربية، من تنامي حالة الاحتقان الاجتماعي في البلاد، وتصاعد الحركات الاحتجاجية التي تشهدها العديد من المناطق المتفرقة في البلاد، نتيجة عدم استجابة حكومة سعد الدين العثماني لمطالبهم الاجتماعية العالقة منذ فترة طويلة.
وتواجه الحكومة المغربية ضغوطًا متزايدة جراء اتساع الفوارق الاجتماعية، بينما لا تسمح موارد الموازنة العامة بالتصدي بشكل فعّال للمشكلة الحاليّة، ما دعاها إلى البحث عن وسائل جديدة لمعالجة تلك الفوارق التي حذرت تقارير دولية ومحلية من تداعياتها.
ويساهم عجز الموازنة وديون الخزانة العامة، في إضعاف قدرة الدولة في التدخل لإرساء عدالة اجتماعية مثلى بين مختلف فئات المجتمع المغربي، وخصصت الحكومة المغربية مخصصات مهمة في موازنة السنة المقبلة لتلبية المطالب الاجتماعية، خاصة ذات الصلة بتحسين القدرة الشرائية والصحة والسكن، سيأتي جزء منها من عملية الخصخصة.
مخاوف عدة
يخشى عدد من المغاربة أن تؤدي عمليات الخصخصة المتواصلة منذ سنوات بنسق متسارع، إلى تخلي الدولة عن كامل الشركات التابعة لها، وبالتالي يصبح اقتصاد البلاد مرهونًا للشركات الخاصة المملوكة أغلبها لمستثمرين أجانب.
وبدأ انخراط المغرب في برنامج خصخصة الشركات العمومية أو فتح رأسمال بعض الشركات الأخرى، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وجاء هذا التمشي نتيجة التحولات الاقتصادية الدولية، وتزايد الأعباء الاجتماعية وخاصة الأعباء المالية الموجهة لضمان استمرار نظم الدعم، كما هو الحال بالنسبة لنظام صندوق المقاصة الخاص بدعم المواد الاستهلاكية الأساسية.
من جهته رأى الباحث المغربي عمر المروك، أن “خصخصة بعض الشركات يعتبر نوعا من التخلي عن مؤسسات ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي بطبعها منتجة ووضعها جيد.” وقال في المروك في تصريح لنون بوست، “خصخصة بعض الشركات ودخول رأس المال الأجنبي هو عنوان للتدخل في الشأن الداخلي للبلاد، ولإملاءات الشركات المتعددة الجنسيات التي تفوق قوتها أحيانا قوة بعض الأنظمة وتعمل بشكل غير مباشر في تحوير القرارات السيادية لصالحها حتى لو كانت في غير صالح المواطن وضد رغبته.”
وأوضح الباحث المغربي، أن غاية الشركات في ذلك “الربح المادي الصرف، بعيدا عن تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي ومراعاة متطلبات العيش الكريم والعدالة الاجتماعية لكل أفراد الوطن الواحد، والتي تبقى صلب ادوار الدولة وهدفها الأسمى.”
لم تعد عمليات الخصخصة السابقة بالنفع على الفئات المهمشة في المغرب
وفي نهاية حديثه تساءل عمر المروك، عن ربح الدولة من هذا التوجه، وعن “مدى تأثير الغزو الليبرالي على النمط المعيشي للمواطن وعلى قدرته الاقتصادية في ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية حرجة ودخل فردي متدني ونسبة إعالة مرتفعة تحتاج لدور أكبر للدولة الحامية التي تقوم بتليين آليات السوق وتحمي المواطن الضعيف اقتصاديا واجتماعيا.
فضلاً عن ذلك، لا يرى مغاربة أي إضافة لعمليات الخصخصة السابقة على المجتمع، فعملية تحرير سوق الاتصالات مثلاً، التي عادت على الحكومة بما يقرب من 4.5 مليون دولار، لم يكن لها أثر يذكر على هذه الفئة المهمشة من المجتمع.
ويرى عدد من الخبراء، أن المغرب وجد نفسه في مسلسل متسارع لخصخصة منشآته العمومية تماشيًا مع التوجه العام لمتطلبات السوق العالمية، إلا أن هذه العمليات لم يكن لها أثر كبير على السياسة المالية العامة المغربية والوضعية الاجتماعية للمغاربة، ذلك أن معظم عائدات هذه العمليات توجه لدفع أجور الموظفين.