أطعمة تركية شتوية بنكهة عثمانية.. ما حكايتها؟

bozaci-1024x683

اهتمت الإمبراطورية العثمانية بثقافتها الغذائية، فقد تطور المطبخ العثماني منذ بداية القرن الخامس عشر وبالتحديد عام 1453 في عهد السلطان الفاتح محمد، وهي نفس الفترة التي زاد بها الاهتمام بمطابخ القصور العثمانية، ومن البديهي أن يكون للدولة العثمانية التي دام حكمها ل 700 سنة تقريبًا ثقافة خاصة وغنية في الطهي.

ويمكن حصر العوامل التي لعبت دورًا مهمًا في إثراء المطبخ العثماني بين التنوع الجغرافي والتحولات السياسية والتبادلات التجارية والثقافية التي حدثت في تلك الحقبة، فالطبيعة الجغرافية المتنوعة بين المدن التركية والطوائف والمجتمعات المختلفة التي عاشت على أراضيها ساعدت في تشكيل عادات جديدة في المطبخ العثماني، ومن هذه التأثيرات هي الثقافة الإسلامية والرومانية والبيزنطية والآسيوية والإيرانية.

وبالرغم من التنوع الكبير الذي يتميز به المطبخ العثماني إلا أنه لسوء الحظ البحوث المتعلقة بهذا الموضوع غير كافية، والدراسات الموجودة لا توثق أكثر من طريقة طهي طبق معين دون ذكر خلفيته التاريخية والاجتماعية، وهذا بحسب كتاب “إعادة استكشاف العثمانيين” للمؤلف إيلبير أورتايلي، ومما تبقى من هذه الأدلة استطعنا في هذا التقرير أن نسرد بعض الخلفيات التاريخية لبعض أشهر الأطباق الشتوية التي يمتد تاريخها من زمن الدولة العثمانية إلى الجمهورية التركية الحالية.

البوزا التركية

 ينضم هذا المشروب إلى قائمة المشروبات التقليدية التركية والذي يعود تاريخ اكتشافه وتسميته إلى القرن ال 10 ميلادي، فحين اكتشف الشعب التركي فوائده المذهلة في محاربة برد الشتاء وأمراضه كالسعال والزكام والتهاب الحلق، زادت شعبيته وانتشر لاحقًا في ظل حكم الدول العثمانية في دول البلقان وبلدان أخرى مثل كازاخستان وقرغيزستان.

يتمتع هذا المشروب بقيمة غذائية عالية، إذ يحتوي كل كأس منه على 240 سعرًا حراريًا وخليط من الفيتامينات والنشويات والخمائر والسكريات والبروتينات النباتية التي تحافظ على حرارة الجسم عالية وتبقيه دافئًا، والمثير للاهتمام أنه بالرغم من فوائده الصحية وأهميته، إلا أنه تم حظره في القرن السابع عشر على يد السلطان سليم الثاني، فقديمًا كان الشعير يعد واحد من مكونات هذا المشروب، وإذا ترك لفترة طويلة دون استخدام كان يتخمر ويتحول إلى مادة مُسكِرة، ما جعل السلاطين يعرضون عنه ويمنعون الناس من تداوله مثل السلطان محمد السادس أيضًا.

بالرغم من منع البوزا في البلاد إلا أن هذا القرار لم يُفرض على الجنود والعاملين في الجيش بل تم التسامح معهم تمامًا في هذا الموضوع، وذلك لأن البوزا زادتهم قوة وساعدتهم على البقاء أصحاء خلال أوقات البرد

لكن وبحسب ما ذكره، أوليا جلبي، الرحالة التركي الشهير فبالرغم من منع البوزا في البلاد إلا أن هذا القرار لم يُفرض على الجنود والعاملين في الجيش بل تم التسامح معهم تمامًا في هذا الموضوع، وذلك لأن البوزا زادتهم قوة وساعدتهم على البقاء أصحاء خلال أوقات البرد وبذلك كانت البوزا أفضل طريقة لوقايتهم من الأمراض وقسوة الشتاء في الظروف الصعبة، إلى أن تم تصنيع نسخة غير كحولية أو قابلة للتخمر في القرن التاسع عشر وذلك عندما جاء ألباني اسمه “حاجي صادق” من كوسوفو وأصبح يبيع البوزا متجولًا في أحياء وشوارع إسطنبول إلى أن افتتح متجره الخاص في عام 1876 وأصبح مكانه البقعة المفضلة لدى الأرستقراطيين والسلاطين الذين كانونا يسكنون في نفس الحي.

منذ ذاك الحين، اكتسبت البوزا شهرة واسعة خاصة أن “حاجي صادق” غير من مكونات البوزا وأصبحت أقل حموضة وأكثر سمكًا ولزوجة، ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المشروب يعد واحدًا من مشاهد الحياة اليومية في الأحياء التركي، فقديمًا كان الباعة يتجولون في الشوارع وينادون على السكان لشراء هذا المشروب، ودليل على ذلك، رواية الكاتب التركي، أورهان باموق، “غرابة في عقلي” والتي تكون الشخصية الرئيسية فيها تتحدث عن بائع متجول، كان 300 متجر وألف بائع متجول.

شوربة الترهانة

تعد الشوربات من الأطعمة المفضلة في المطبخ العثماني بعدما وجدت في منطقة الأناضول قبل 6 آلاف عام، حيث تختلف أنواعها ووصفاتها من منطقة إلى أخرى، ولكن من المؤكد أنها لا تغيب عن المائدة التركية، صباحًا أو مساءً، فهي تحتوي على أكثر من 20 نوعًا منها، ما بين المكونات النباتية والحيوانية، مثل حساء الدجاج والبقوليات واللبن والسمك والملفوف واليقطين والشعيرية، وغيرها الكثير، ولعل شوربة الترهانة من أكثرها أهمية وخاصةً في فصل الشتاء.

يحتوي هذا الحساء المكون من الدقيق والقمح واللبن والطماطم والبصل على الفيتامينات والكالسيوم والأملاح المعدنية والحديد والزنك، ما يجعله الحساء الأكثر استهلاكًا عند الإصابة بنزلة برد أو إنفلونزا بسبب قدرته على تقوية جهاز المناعة وعلاج حساسية الشتاء وأمراضه، عدا عن مذاقه اللذيذ.

يعد هذا الحساء الأكثر استهلاكًا عند الإصابة بنزلة برد أو إنفلونزا بسبب قدرته على تقوية جهاز المناعة وعلاج حساسية الشتاء وأمراضه، عدا عن مذاقه اللذيذ.

يعتقد أن اسم الترهانة يعني “البيت الضيق”، ففي يوم من الأيام ذهب السلطان سليم الأول مع وزيره لزيارة إحدى الأحياء الفقيرة في مدينة إدرينا خلال شهر رمضان، وهما في طريقهما نادى عليهما أحد سكان الحي للإفطار معهم، فقبل السلطان والوزير الدعوة ودخلا إلى المنزل، فلم يقدم لهم صاحب المنزل سوى هذه الشوربة ولم يتعرف حينها المضيف على هوية ضيوفه إلا عندما سأل الوزير السلطان سليم عن رأيه بالشوربة وقال له: “هل أعجبتك الشوربة يا باشا؟”، فرد بالإيجاب، وعندها تفاجئ الرجل الفقير وأعتذر له عن تواضع ضيافته وشرح له ظروفه المادية التي منعته من تقديم طعام آخر، ومنذ ذاك الحين أطلق على هذا الحساء اسم “دار هاني” ومع كثرة التداول تم تحريفه إلى “تار هاني” أي البيت الضيق كما ذكرنا سابقًا.

حلوى السميد

تعتبر هذه الحلوى واحدة من أطباق المطبخ التركي التي لا غنى عنها فلم يستغنى عنها العثمانيون في أي من مناسباتهم، فقد كانت شريكة لهم في جميع الأوقات السعيدة والحزينة سواء عند الولادة والموت أو المرض والشفاء أو الزواج أو عند المطر أو الانضمام إلى الجيش، وإضافة إلى هذه الشعبية الواسعة، اكتسبت قيمة ثقافية خاصة عندما كانت تقدم في احتفالات السلاطين، الخاصة والعامة، مثل الولادة أو تربع ولي العهد على العرش أو عند الانتصار بمعركة ما، أي أنها باختصار جزءًا من حياتهم من المهد إلى اللحد.

وصلت إلى الأتراك من الشرق الأوسط عندما تبنت الدولة العثمانية الدين الإسلامي وأصبحت أكثر قربًا من العرب وإلى أن انتقلت تدريجيًا إلى دول البقان أيضًا، لكنها حصدت مجدها تحديدًا زمن الدولة العثمانية، فقد كانت دومًا تحرص على توزيعها على موظفي القصر وضيوفه وخاصة في فصل الشتاء لما تحتويه من سميد وسكر وفستق وحليب والزبدة، وجميعها تساعد الجسم على الشعور بالدفء.

ارتبطت بعادة وتقليد يسمى “أحاديث الحلوى” إذ كان عندما يجتمع الأقارب أو الأصدقاء لاحتساء الشاي في ليالي الشتاء كانت حلوى السميد حاضرة بينهم

والمثير للاهتمام بشأن هذه الحلوى أنها ارتبطت بعادة وتقليد يسمى “أحاديث الحلوى” إذ كان عندما يجتمع الأقارب أو الأصدقاء لاحتساء الشاي في ليالي الشتاء كانت حلوى السميد حاضرة بينهم، كما لم تكن هذه العادة حصرًا على الأوساط العامة والشعبية، بل فرضت نفسها أيضًا على جلسات النبلاء والشخصيات الرفيعة مثل الشعراء والمؤرخين والعلماء والذين كانوا غالبًا مدعوين إلى قصر السلطان