جاء في الموقع الرسمي للبرلمان العراقي “بما أن نظام الحكم في العراق (ديمقراطي نيابي اتحادي) كما نص دستور جمهورية العراق، فإن مجلس النواب يعتبر أعلى سلطة تشريعية ورقابية في العراق يتم انتخابها من المواطنين العراقيين انتخابًا مباشرًا كل أربع سنوات، ويقوم مجلس النواب بتحقيق مصلحة البلد والمواطنين من خلال تشريع مختلف القوانين الضرورية التي تنظم عمل السلطة التنفيذية (الحكومة) والهيئات المستقلة وإقرار موازنة الدولة السنوية ومصادقة الاتفاقيات الدولية.
ويقوم (أي مجلس النواب) بمراقبة السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارة للتأكد من التزامها بالقوانين وتحقيق مصالح البلد والمواطنين المبتغاة من التشريعات، كما ويقوم بمهمته الدستورية في تمثيل المواطنين وحاجاتهم ومصالحهم من خلال تواصل السيدات والسادة أعضاء مجلس النواب في إطار دوائرهم الانتخابية مع ناخبيهم بشكل مباشر للوقوف على مشاكلهم ومعاناتهم ومن ثم التواصل مع الجهات المعنية لمعالجة تلك المشاكل والمعاناة، ويتكون مجلس النواب في دورته الانتخابية الثانية من 328 نائبًا تم توزيعهم على 26 لجنة دائمية ولجان أخرى مؤقتة”.
قراءة هذه الديباجة الموجودة في موقع المجلس على الشبكة العنكبوتية يؤكد أن هؤلاء النواب ممثلو الشعب ينقلون همومه وتطلعاته، وبالتالي هم موظفون لدى الشعب يتقاضون مخصصات وظيفية لقاء هذه الوظيفة، وإلا فهم لا يستحقون هذه المخصصات.
في بداية هذا العام كلفت الجلسة الافتتاحية للبرلمان ولمدة 25 دقيقة فقط 24 مليار دينار عراقي، أي ما يعادل 20 مليون دولار أمريكي
البرلمان العراقي يعد من البرلمانات الأعلى تكلفة في العالم، وسنحاول هنا بيان ذلك والإشارة إلى أنه لأول مرة في تاريخ البشرية يتقاضى الوكيل راتبًا أعلى من الموكِل (بكسر الكاف) وهم الناخبون العراقيون!
سبق لصحيفة الصباح العراقية أن كشفت بأن “رواتب أعضاء مجلس النواب العراقي تعد الأعلى بين رواتب النواب في العالم، حيث يتقاضى عضو مجلس النواب الأمريكي أقل من 165 ألف دولار سنويًا أي نحو 190 مليون دينار عراقي، كما يتقاضى عضو مجلس العموم البريطاني نحو 170 ألف دولار أي نحو 200 مليون دينار عراقي، في حين يتقاضي عضو مجلس النواب العراقي 384 مليون دينار”.
وفي بداية هذا العام كلفت الجلسة الافتتاحية للبرلمان ولمدة 25 دقيقة فقط 24 مليار دينار عراقي، أي ما يعادل 20 مليون دولار أمريكي، حيث استلم كل نائب 10 ملايين دينار كراتب شهري (8500 دولار أمريكي) و30 مليون دينار عراقي رواتب لأفراد الحماية الخاصة لكل نائب (25000 دولار أمريكي) و90 مليون دينار عراقي لتحسين المستوى المعيشي للنائب (77000 دولار أمريكي)!
وفي منتصف الشهر الماضي كشفت صحيفة المدى العراقية عن نفقات ونثريات مجلس النواب خلال دوراته التشريعية الثلاث السابقة، وأن مجموع ما أنفقه المجلس بلغ نحو 7 ترليونات دينار، والنائب الواحد يكلف ميزانية الدولة ملياري دينار سنويًا، (أكثر من 166 مليون دينار شهريًا) بحسب نفقات المجلس الإجمالية، بينما يصل مجموع رواتب البرلماني في الدورة البرلمانية الواحدة (4 سنوات) نحو 700 مليون دينار”!
وتسربت قبل أقل من شهر تقريبًا وثيقة رسمية صادرة عن رئاسة البرلمان تشير إلى تخصيص مبالغ “بدل الإيجار” 3 ملايين دينار شهريًا لأعضاء المجلس القادمين من المحافظات، ثم عدلت بأخرى لتشمل حتى نواب بغداد، ليصل مجموع منحة “بدل الإيجار” لكل النواب خلال الدورة التشريعية الحاليّة 5 مليارات دينار عراقي!
قال النائب مشعان الجبوري إن عضو البرلمان يتسلم راتبًا يصل إلى 45 مليون دينار في الشهر، أي ما يعادل نحو 37 ألف دولار، مقارنة بنحو 200 دولار يتقاضها، أصغر موظف في العراق
والبرلمان له صرفيات خيالية تقع تحت العديد من البنود ومنها بند “الموازنة التشغلية” للبرلمان دون إضافات أخرى، والحمايات العامة والخاصة، وشراء 350 سيارة مصفحة والإيفادات، وغيرها.
وبعيدًا عن هذا التَنَعُم والتبذير، فإن هذا الترف البرلماني يأتي في الوقت الذي وصلت فيه نسبة الفقر في عموم العراق قرابة 30%، فيما وصلت في المناطق التي تسميها الحكومة بالمحررة إلى أكثر من 40%.
لقد ذكرنا هذه الأرقام المذهلة فقط لبيان أن عالم النواب ليس عالم المواطن العادي، ولهذا نجد غالبيتهم يماطلون في جلساتهم ويؤجلونها ويتخذون قرارات غير فاعلة وغير ملائمة للواقع العراقي، لأنهم في عالم آخر، عالم البذخ البرلماني، فيتعاملون مع الواقع العراقي بروح مطمئنة، وكأننا نعيش أبهى صور التطور والأمن والإعمار والتقنية!
مقابل هذا النعيم البرلماني هنالك موجة فقر متنامية بلغت ثلث المواطنين تقريبًا! ولا أدري كيف يمكن تفهم هذا التناقض بين حال الفقراء وحال وكيلهم البرلماني المترف الذي يعيش في عالم الأغنياء والمترفين؟
في فبراير/شباط الماضي قال النائب مشعان الجبوري إن عضو البرلمان يتسلم راتبًا يصل إلى 45 مليون دينار في الشهر، أي ما يعادل نحو 37 ألف دولار، مقارنة بنحو 200 دولار يتقاضها، أصغر موظف في العراق.
في بداية العام 2018، أعلن وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي إطلاق إستراتيجية للحد من الفقر بالعراق، تستمر على مدى أربع سنوات حتى عام 2022
في شهر مارس/آذار 2018، أطلق البنك الدولي، توقعاته وتقديراته للاقتصاد العراقي خلال عام 2018، كاشفًا عن أرقام صادمة بالنسبة للفقر والاحتياجات العامة، فقد ذكر البنك الدولي في تقريره أن “عدد سكان العراق يبلغ 38.5 مليون نسمة وإجمالي الناتج المحلي 197.7 مليار دولار، ومعدل الفقر وفقًا لخط الفقر المحدد بـ3.2 دولار في اليوم هو 17.9% فيما ترتفع النسبة باحتساب 5.5 دولار دخل في اليوم إلى 57.3%، لكن خط الفقر الوطني تم تحديده بـ22.5%”.
وفي بداية العام 2018، أعلن وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي إطلاق إستراتيجية للحد من الفقر بالعراق، تستمر على مدى أربع سنوات حتى عام 2022، وتعتمد الإستراتيجية على التركيز على تنمية الطبقة الفقيرة، من خلال مشاريع إستراتيجية تتيح فرص عمل للعاطلين عن العمل، فضلًا عن تقديم العون ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية.
وقال الجميلي: “المسح الأخير أظهر وجود مستوى مرتفع من الفقر ينبغي على الحكومة التعامل معه ومعالجته والتخفيف من آثاره”! ولم يذكر أي إحصائية لأعداد الفقراء في البلاد، ولا ندري كيف يمكن لحكومة لديها وزارة تخطيط لا تمتلك أرقامًا تقريبية عن أعداد الفقراء على أراضيها؟
وأيضًا لا يمكن تفهم مثل هذه الآليات غير الفورية، ونحن نتحدث عن ملايين الفقراء المحتاجين لمساعدات مالية وعينية طارئة قبل أن تكون متوسطة الأمد، وعليه لا يمكن لمثل هذه الآليات أن تؤتي ثمارها طالما أنها بعيدة عن توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الحرة للمواطن في هذه المرحلة الحرجة من حياة الملايين من المهجرين في داخل البلاد، ثم كيف أطلقتم إستراتيجية الحد من الفقر وأنتم لا تعرفون أعداد الفقراء؟
اليوم العراقيون بحاجة إلى قرارات إنقاذية في المدن المدمرة وبالذات مع مواسم السيول القاتلة الحالية
هذا الأمر غير معقول نهائيًا!
اليوم العراقيون بحاجة إلى قرارات إنقاذية في المدن المدمرة وبالذات مع مواسم السيول القاتلة الحاليّة، وانتشار السلاح غير الشرعي خارج إطار القانون وانتشار المحسوبية والفساد بأنواعه كافة في مجمل مفاصل الدولة العراقية، فأين دور مجلس النواب، ونحن نتحدث عن دورة جديدة ضمن سلسلة الدورات التي لم تثمر أي ثمرة حقيقية واضحة في الساحة العراقية؟
هذه الحقائق ينبغي أن يطلع عليها العراقيون لأنهم في دوامة غير مفضية إلى نهاية، أظن أنه آن الأوان ليكون لحالة العراق المزرية نهاية تقود البلاد إلى مرحلة البناء والعطاء، أم أن أحلامنا يحجبها القرار الدولي الذي ما زال حريصًا على هذه الفوضى غير المنتجة في بلاد الرافدين؟
الأطفال الفقراء في العراق